إدمان من نوع جديد

  • تاريخ النشر: الإثنين، 15 فبراير 2016 آخر تحديث: الإثنين، 28 مارس 2016
إدمان من نوع جديد

المشهد الأول:

عدد كبير من المقاهي هي مقصد الكثير من الشباب بمختلف أعمارهم - من مجموعة شبان اعتادوا الجلوس على إحدى هذه المقاهي لقتل ما تبقى من وقت في يومهم إلى مجموعة أخرى من المسنين، أو ما يُطلق عليهم (أصحاب المعاشات).

هؤلاء لم يجدوا أفضل من المقهى ملاذاً يحتضنهم بعد أن رسم الزمان تجاعيد وجوههم، أو بالأحرى هي مدينة افتراضية خلقها واقع حياتهم اليومي.

يجد هؤلاء الرواد المتعة في أشكال مختلفة؛ من تنظير عن قضية سياسية أو حادث مروع يلقوا بالمسؤولية على وزير أو محافظ أو رئيس حي بناء على تحليلهم للحادث، إلى مباراة مهمة قادمة بين فريقين من إحدى الدول الأوروبية وهي إسبانيا، حيث مباراة بين فريق العاصمة مدريد وفريق مقاطعة راغبة في الاستقلال عن إسبانيا وهي كاتالونيا، وتتعالى الأصوات المدافعة عن فريق بعينة وأفضليتة على الفريق الآخر، وللحظة من الوقت تشعر بأنك في مقهى إسباني وأن هؤلاء لا يمكن أن يكون تعصبهم ودفاعهم المستميت إلا عن فريق مدينتهم أو منتخب بلادهم، كل هذا يجعلك تعتقد أن هؤلاء الإسبان الجالسين في المقهى مزعجين للغاية.

وبينما أنت منزعج من هؤلاء المصريين الإسبان، ينفجر صوت آخر بكلمة عامية (دش)! اثنين من أصحاب المعاشات في نهائي كأس العالم للعبة (الطاولة) وأحدهم يصيح فرحاً بأنه انتصر... هذا هو التحليل المنطقي الوحيد لهذه الفرحة العارمة، والشماتة في الخاسر هي حديث المقهى في هذه السهرة، وكل من يأتي متأخراً لا بد له أن يعرف هذا الخبر السار بأن (فلاناً) قد تلقى هزيمة قاسية ليبدأ هو الآخر بفصل جديد من فصول الشماتة.

(بس ده كان زمااان) بهذه الجملة ونبرة الصوت يكمل لنا صاحب إحدى المقاهي حديثه عن ما وصل إليه رواد مقهاه.

الجميع أصبحوا هائمين على وجوههم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن أن تحافظ على الزبائن إلا إذا كان لديك جهاز الـ (WiFi)، والمضحك في الأمر أنهم يتواصلون مع بعضهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من أنهم يجلسون في مكان واحد كما هو حال أبنائي في المنزل؛ من الممكن ألا ترى أحداً منهم طوال اليوم يتحدث مع الآخر، ولكن الجميع الآن مشغول بالتواصل الاجتماعي على الرغم من وجود هؤلاء الأشخاص حولنا! (معرفش البتاع ده فيه سحر ولا إيه) بهذه الكلمة أنهى صاحب المقهى حديثه مبدياً غضبه من نمط الحياة الجديد الذي أفقد الحياة من أي تواصل حقيقي، وأصبح هناك واقع جديد مزيف يهبط علينا تدريجياً.

إدمان من نوع جديد

المشهد الثاني:

إحدى حافلات نقل المواطنين، يجلس الجميع حولك منشغلين بالبحث عن اللا شيء في هذه المواقع، هناك من يطمئن على أصدقائه عبر هذه المواقع، وهناك أحدهم الذي يتصفح دون هدف، وأخرى تعتقد من تركيزها الشديد أنها تدير أوراقها المالية عبر هذا الهاتف... أصبت بضيق شديد من هذا المشهد، واتخذت قراراً حاسماً بعدم النظر إليهم وأن أتأمل الشارع حتى تصل هذه الحافلة إلى المحطة - على جانب الطريق يجلس شاب وفتاة في صمت، وآخر يسير على الرصيف لا ينظر أمامه، وآخر داخل سيارته ولكنه غير مهتم بما يفعله ولا يدرك ما قد يتسبب به من كارثة؛ والسبب هو أن الجميع مشغول بهذه الحياة الافتراضية التي صنعتها لهم مواقع التواصل الاجتماعي.

إدمان من نوع جديد

هذه المشاهد دقت لي ناقوس الخطر بأن هناك إدمان من نوع جديد أصيب به المجتمع، ولذلك قد وضعت اختباراً أو تحليلاً من الممكن أن تجريه على نفسك لتعرف ما إذا كنت أحد هؤلاء المدمنين أم لا:

1- أول ما تبدأ به يومك هو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي

2- شعورك بالتوتر إذا نفذت البطارية الخاصة بهاتفك

3- اصطحاب شاحن الهاتف معك في الخارج أينما تذهب

4- اصطحاب الهاتف إلى دورة المياه

5- عدم ترك الهاتف أثناء الجلوس مع الأهل أو الأصدقاء

6- وضع الهاتف أثناء النوم بجوار رأسك

7- استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التواصل مع الأصدقاء المقربين أكثر من التواصل الحقيقي معهم بالاتصال الهاتفي أو الزيارة أو المقابلة

8- سبب دائم في سماع المقولة الشهيرة (ممكن تسيب الموبايل شوية؟!)

9- الشعور بالفراغ في حالة عدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والإحساس بالضيق الشديد لانقطاع الإنترنت حتى إذا لم يكن هناك شيء يتحتم عليك القيام به على الشبكة

10- تفقد مواقع التواصل الاجتماعي بلا سب أو هدف محدد

11- تصفح هذه المواقع أثناء القيادة

12- هي الاختيار الأول والأوحد في قضاء وقت الفراغ أو الترفيه

13- هي السبب الرئيسي في استخدام الإنترنت

14- هي آخر ما تنهي به يومك

كل ما سبق نراه يومياً، فنحن نفعل ذلك، بالإضافة إلى إخواننا وأصدقائنا وجيراننا، صحيح؟!

لذلك دعني أقول لك بأن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومسمياتها تتنافس على وقتك – فيما سبق نبذة عن أضرارها أو العادات السيئة الناتجة عن فرط استخدامها، ولكن يُعد الضرر الأكبر هو تركها تسيطر على حياتك حتى تجعلها فارغة من أي معنى حقيقي وأنت لا تشعر... الحياة الحقيقة هي ما تفعله وليس ما تكتبه وتقرأه... فسيطر على حياتك.

اقرأ المزيد:

تأثير إدمان التطبيقات الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية والأسرية
هل تفيد وسائل التواصل الاجتماعي العلاقات العاطفية عن بعد؟
أوباما ينشئ صفحتة الرسمية على موقع فيسبوك أخيراً