أحمد البشر الرومي.. أول كويتي يوثق تاريخ الكويت في يومياته

يعد المؤرخ والشاعر الكويتي أحمد البشر الرومي من أوائل الكويتيين الذين أرخوا للكويت من خلال مذكراتهم الشخصية، كما أنه من أهم وأشهر الأدباء والشعراء في الكويت الذين اهتموا بالأمثال الشعبية الكويتية والتراث الكويتي، وساهم في إثراء الحركة الثقافية والفنية في البلاد، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.

من هو أحمد البشر الرومي؟

هو مؤرخ وأديب وشاعر كويتي ولد في عام 1905 في الكويت، ويعد من أوائل الكويتيين الذين كتبوا مذكراتهم اليومية وتحدث عن الكويت والتراث والتقاليد الكويتية في يومياته.

ساهم الرومي في إثراء الحركة الثقافية والأدبية في الكويت من خلال  أعمال أدبية ودواوين مميزة، ويعد رجل التنوير والفكر في بلده، فقد دعا إلى تعليم المرأة وفتح المدارس ومنح فرصة التعليم لكل أبناء الكويت.

تميز الرومي بسرعة البديهة وذكائه وعشق القراءة والاطلاق منذ صغره، لذا اتجه إلى تأليف العديد منا لكتب التي حققت نجاحًا كبيرًا، فضلًا عن عمله في الصحافة وكتابة العديد من المقالات في جرائد وصحف كويتية.

اهتم الرومي بالتراث والأمثال الشعبية الكويتية، وألف كتابًا جمع فيها أهم الأمثال الشعبية المتداولة على ألسنة الكويتيين ويقع الكتاب في أربعة أجزاء ويعتبر موسوعة مهمة لمعرفة تاريخ وتراث الكويت من خلال الأمثال الشعبية.

ولعل أهم مؤلفات الرومي هي مذكراته اليومية التي دونها منذ نهاية الثلاثينات تقريبًا والتي تعتبر مصادر للتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للكويت، وقد أوضحت مذكراته اهتمامته المختلفة مثل الملاحة والطباعة والتأليف والزراعة مواهب أخرى.

الرومي دعا إلى ترسيخ ثقافة التعليم وتنمية الشباب من خلال توفير المكتبات العامة وتشجيع المسابقات الإبداعية، بالإضافة إلى تعزيز الاطلاع على آداب وفنون مختلف الشعوب. كما دعا إلى فتح أفق النشر والتعبير للجيل الجديد، ليشجع الابتكار والتفكير النقدي في مجتمعهم.

نشأته وتعليمه

اختلفت المصادر حول تاريخ ولادة المؤرخ أحمد البشر الرومي، إلا أن العديد من المصادر اجتمعت على أنه ولد في عام 1905 في الكويت. درس الرومي في الكتاتيب منذ أن كان عمره 5 سنوات، وقد تعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم عند المطوع عبد الوهاب هاشم الحنيان. اتجه بعدها إلى الدراسة النظامية من خلال المدرسة المباركية الذي درس فيها لمدة 4 سنوات.

عمل الرومي في مهنة الغوص لمدة 15 عامًا، وقد عشق الغوص واعتبرها جزءًا من الكويت، وقد حرص خلال عمله ف يالبحر على تسجيل حياة البحار والصراع مع الأمواج، كما دوّن التقاليد والمصطلحان البحرية المتعلقة بصيد اللؤلؤ والغوص وصناعة السفن، وقد كان عملًا وتسجيلًا دقيقًا قد لا يجاريه أحد.

دلال أحمد البشر الرومي

السيدة دلال هي ابنة المؤرخ الكويتي أحمد البشر الرومي وهي مربية إنسانية وإسمًا بارزًا في المجال الثقافي والأدبي والفني في الكويت، وكانت لها دور بارز في نهضة البلاد وتقدمها.

ولدت السيدة دلال عام 1930 في الكويت، وقد درست عند المكوعة مكية، ثم التحقت بالمدرسة الوسطى، ثم المدرسة الشرقية ودرست اللغة العربية والخط العربي والقرآن والحساب والتاريخ، كما شاركت في الأنشطة الرياضية في المدرسة.

حصلت بعدها على دبلوم التربية النسوية، واتجهت للعمل في التدريس، وكانت أول امرأة من عائلة الرومي تعمل موظفة في الحكومة، وقد تولت عدة مناصب منها رئيسة جمعية الرعاية الإسلامية، وقد ظلت تعمل في التدريس لمدة 27 عامًا.

مسيرته المهنية

درس أحمد البشر الرومي في المدرسة المباركية وبعدها اتجه للعمل في الغوص لمدة قارب 15 عامًا تقريبًا، وكان وقتها قد بلغ العقد الثالث من عمره، حيث شهدت الكويت نهضة وتطورًا واضحًا فاتجه للعمل أمينًا لصندوق الجمرك البري لمدة عام واحد.

اتجه بعدها الرومس إلى التدريس بعد أن نجح في لالاختبار وعمل مدرسًا في مدرسة المباركية الذي كان طالبًا فيها سابقًا، وذلك في عام 1939، ثم انتقل للتدريس في المدرسة الشرقية.

استمر الرومي في التدريس لمدة 6 سنوات فقط، وبعدها اتجه للعمل في التجارة، وبعدها عمل في البلدية، ثم عمل وكيلًا مساعدًا في أملاك الدولة.

تقلد الرومي خلال مسيرته المهنية عدد من المناصب الهامة، منها أنها كان عضو في أول مجلس لإدارة المعارف في الكويت، كما أنه كان عضو في لجنة تحقيق الجنسية، وذلك بسبب معرفته بالأسر الكويتية.

كان الراحل عضوًا في لجنة التراث العربي، ولجنة الفنون الشعبية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقد كان رئيسًا لجمعية الفنانين الكويتيين.

أهم مؤلفات أحمد البشر الرومي

اهتم أحمد البشر الرومي بالقراءة اهتمامًا كبيرًا، وكان يملك مكتبة منزلية ضخمة تحوي عشرات الكتب والمخطوطات، وحرص على قراءة كل هذه الكتب طوال حياته مثل حرصه على صحته، كما كان مهتمًا بمتابعة الأحداث اليومية في البلاد.

حفظ الرومي جزءًا من تاريخ الكويت لذا أصبح مرجعًا للكثير من الباحثين، كما أنه جمع الشعر العربي بمختلف أغراضه وعصوره والشعر الشعبي كذلك.

وقد تحول اهتمامه بالقراءة فيما بعد إلى اهتمامه ورغبته في الكتابة والتأليف، وقد ألف مجموعة من الكتب، كما أنه كان له دور بارز في جمع دواوين وأشعار لشعراء مهمين، ومنهم ديوان صديقه الشاعر صقر الشبيب عام 1970 وقدمه للمكتبة الكويتية.

حقق كتابه الأول نجاحًا كبيرًا، لذا قرر أن يجمع ديوان الشاعر الشعبي فهد بورسلي ونشره عام 1974، كما جمع مقالاته في كتاب بعنوان "مقالات عن الكويت" وصد صدرت في منتصف الستينيات تقريبًا.

أما أهم مؤلفات الرومي كان كتاب "الأمثال الشعبية الكويتية" وقد أعد هذا الكتاب بالاشتراك مع صفوت كمال خبير الفنون الشعبية، وقد صدر الكتاب في أربعة أجزاء ويعتبر موسوعة لكل من يرغب في معرفة تراث الكويت وتاريخه من خلال الأمثال الشعبية القديمة.

بذل الرومي جهدًا كبيرًا من أجل جمع الأمثال الشعبية تلك، والتي بلغ عددا المئة مثال شعبي، ومنها أمثلة اندثرت ولم تعد تجري على لسان الكويتيين، ومنها أمثال لا تزال حية.

ولم يكتفي أحمد البشر الرومي برصد وجمع هذه الأمثلة فحسب، بل اهتم أيضًا بتقديم شروحات وافية عن هذه الأمثلة ومعلومات عن المثل ووقته والحدث الذي أنشأه ومتى يستخدم وما إذا كان له شبيه في الأمثال العربية الفصيحة. وقد عكف على جمع هذا الكتاب على مدار 25 عامًا.

كتب الرومي أيضًا مقالات عدة ف يمجلة البعثة التي كان يصدرها بيت الكويت في القاهرة، كما نشرت مقالات أخرى له في صحف كويتية وخليجية مختلفة.

اهتمامه بالفن الشعبي

ومن الكتب المميزة أيضًا كتاب "الموسيقى والغناء في الكويت"، فقد اهتم بالفنون الشعبية وعمل على جمعها في محاولة منه للحفاظ على لتراث الكويتي، كما سجل الأعمال التراثية وخاصة الأغنيات، ومنها أغنيات الفنان عبد الله الفرج، ويوسف البكر ونجوم آخرين.

تمكن أحمد البشر الرومي من تسجيل حوالي 52 لحنًا متنوعًا، يتنوع بين الأصول العربية والشامية واليمانية، بالإضافة إلى الألحان الخيالية واللعبونية وغيرها. ومن بين الألحان التي سجلها للراحل عبدالله الفرج، يمتزج الصوت الشامي بالعربي في عشرة منها، مثل "ملك الغرام عنانيه"، و"ليالي بعد الصناعين شكول"، و"إن هندا يرق منها المحيا"، و"قلب المحب مع الأحباب متعوب".

وبينما سُجلت هذه الألحان للراحل عبدالله الفرج، تشمل الأغاني التي قام بتسجيلها للراحل يوسف البكر أعمالًا مثل "في هوى بدري"، و"خليلي ادر كأس المدام"، و"حشاشة نفس"، و"حرك شجوني"، و"يا اسمر اللون"، و"يا بديع الجمال"، و"يحيى عمر قال"، و"سادتي"، و"يا غزالا"، و"دنت الساعة وانشق القمر"، بالإضافة إلى العديد من الألحان الأخرى.

مذكرات أحمد البشر الرومي

ولعل أهم ما ألف وقدمه أحمد البشر الرومي للكويت شعبًا وبلدًا كانت مذكراته الخاصة التي دونها في الفترة ما بين 1940 إلى 1979 تقريبًا، حيث دوّن فيها الأحداث اليومية في الكويت.

وقد تم تجميع مذكراته تلك ونشرها في كتاب على يد الباحث يعقوب يوسف الغنيم وبلغ عدد صحفات الكتاب 584 صفحة، وتعتبر مذكراته دراسة تقدم لونًا مختلفًا من ألوان الكتاب التاريخية تمتاز بالصدق والواقعية والشفافية في متابعة الأحداث اليومية بشكل شجاعي وبصورة أدبية وفريدة.

يضم الكتاب أوراقًا تعتبر كمصادر تاريخية سياسية واجتماعية تعكس تطور الكويت. فضلاً عن الأوراق الخاصة بالغوص والأناشيد الحدادين، والتعليقات على كتب مثل "أدب البحر" لأحمد محمد عطية و"خالد الفرج حياته وآثاره" للمرحوم خالد سعود الزيد.

ومن محتويات المذكرات اليومية نجد اهتمام الرومي بعلوم مختلفة مثل الملاحة والفلك والزراعة واهتمه بالطباعة أيضًا، والتي برزت عندما أسس أول مطبعة في الكويت مع مجموعة من أصدقائه.

بجانب هذه الاهتمامات، كان لديه شغف بالأدب والفلسفة والثقافة، مما يبرز تعدد اهتماماته وتنوع مساهماته في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الكويت.

علاقته بالشعراء والمغنيين

كان المؤرخ أحمد البشر الرومي على علاقة جيدة بعدد من الشعراء والمغنيين في عصره، ومنهم الشاعر الكفيف صقر الشبيب الذي كان يسكن بالقرب من بيته، وقد كانا يتحاورات في العديد من القضايا.

وبسبب علاقة الرومي بالشبيب فتح أمامه آفاق المعرفة وعشق الشعر والأدب، وقد تعرف أيضًا بفضل الشبيب على لشيخ عبد العزيز الرشيد مؤلف كتاب "تاريخ الكويت" وبسبب هذه الصداقة تمكن الرومي من الاشتراك في عدد من المجلات المصرية وقراءة المزيد من الكتب وذلك ساعده على زياده علمه ومعرفته واسعة اطلاعه.

لعب الراحل الرومي دور كبير في حفظ تراث الفنان عبد الله الفرج، كما أنه عاصر عدد من أهم مطربي الكويت ومنهما الفنان يوسف البكر الذي سجل له بعض أغنياته بعد أن أقنعه لفترة طويلة، وتعد تسجيلاته لأغاني البكر تعد أقدم نماذج للغناء السائد في مجتمع الكويت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

شعر أحمد البشر الرومي

كتب الشاعر أحمد البشر الرومي عددًا من القصائد في الصحف العربية والكويتية، وقد تأثرت أشعاره وقصائده بأحداث العصر، فنجده يشيد بالصحف وبدورها في التعليم فيقول:

إن للصحـــف بقــــلبي

منزلاً حيُّوا نزولَهْ

إنما الصحف كطير

يشتهي الحر هديلَهْ

كل مَن شاء رقيًا

صَيَّر الصحف سبيلَهْ

فهي خير حياة

وهي للعلم وسيلَةْ

كان الرومي من المدافعين عن تدريس العلوم الحديثة في المدارس، ودعا إلى أهمية العلوم بكل فروعها، فيقول:

سال دمع العين مني وانسكبْ

من تواني قومنا عمّا وجَبْ

وجب اليوم عليكم سادتي

أن تمدُّوا للعلا خير سببْ

والعلا ليس له من سبب

موصلٍ غير علوم تنتخب

فانفضوا عنكم جمودًا مُهْلكًا

واطلبوا العلم وجدُّوا في الطلبْ

خاب شعبٌ قد تردّى كسلاً

وجمودًا يا بني قومي وتبْ

انتقد الرومي أيضًا تجار الدين، والذي وصفهم "بالدجالين" بسبب رفضهم لتدريس العلوم الحديثة وكرههم للتقدم والتطور، ونجد أنه كتب قصيدة يتحدث عنهم ويقول:

لا تميلوا نحو دجالٍ غدا

باسم دين لله يحوي للذهبْ

أنعموا الأفكار في تدجيلهِ

تُبصروا تقواه زورًا وكذب

ليس بين العلم والدين كما

قاله الدجال بون منشعب

إنما للصفر والبيض سعى

مظهرًا تقوى ليحظى بالأرب

اذكروا التبرَ وقولوا يشترى

بصلاةٍ وصيامٍ في حلب

وانظروا كيف إليه يغتدي

تارةً ينزو وتارات يثب

ثكلته أمه كيف اغتدى

باسم دين الله يحتالُ النشب

وفاة أحمد البشر الرومي

تقاعد المؤرخ أحمد البشر الرومي عن العمل عام 1976 وتفرغ بعدها للكتابة والقراءة. عانى الرومي من مرض السرطان، ولكنه مات بعد 10 سنوات توفي في 6 يناير عام 1982 عن عمر 77 عامًا بسبب مرض القلب.

وقد تحدث ابنته دلال عن آخر أيام حياته، حيث أوضحت أن والدها كان ينوي السفر إلى مصر من أجل شراء مخطوطة، ولكنه أصيبة بجلطة ونقل إلى المستشفى وتوفي فيها.

وكان الرومي قد أوصى بإهداء مكتبة الضخمة إلى وزارة التربية، وتضم مكتبته أكثر من 10 آلاف كتاب في فنون مختلفة مثل الأدب والشعر والمنطق والاقتصاد والفلسفة وموسوعات علمية وثقافية ومخطوطات عن الصيد والبحر والتجارة وغيرها.

بعد وفاته تم تكريم الراحل حيث أطلق اسمه على إحدى المدارس في الكويت، كما تم تنظيم معرض لمقتنياته الخاصة في مهرجان القرين الثقافي عام 2004 من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

كرمته أيضًا مؤسسة الكويت للتقدم الحلمي ومنحته جائزة الكويت في الآداب والفنون والمأثورات الشعبية عام 1984. حصل الراحل كذلك على شهادة تقدير من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.