ترك العالم الألماني جوتفريد فيلهلم ليبنتز بصمة مهمة في ميادين علمية متعددة، منها الفلسفة والرياضيات والتاريخ والمنطق، وتميز بقدرته على الجمع بين التفكير النظري والابتكار العلمي، وينسب له الفضل، إلى جانب إسحاق نيوتن، في تأسيس حساب التفاضل والتكامل، فضلًا عن دوره في تطوير الكثير من الأفكار الفلسفية، وهو ما جعله من أبرز العلماء خلال عصر التنوير الأوروبي، في السطور التالية تعرف على مسيرته وحياته.
من هو جوتفريد فيلهلم ليبنتز؟
هو عالم رياضيات وفيلسوف ألماني، ولد في عام 1716 في مدينة لايبزيغ، ويعد من أبرز العلماء والعباقرة في أوروبا خلال عصر التنوير، وأهمل الفلاسفة الألمان في القرن السابعة عشر.
ولد جوتفريد وسط بيئة أكاديمية أثرت على ميوله العلمية فيما بعد، فقد كان والده محاميًا، ويملك مكتبة ضخمة تضم أمهات الكتب في مجالات مختلفة، وقرأ الكتب باللاتينية واليونانية.
حصل جوتفريد على درجة الدكتوراه في القانون، وكان حينها في عمر 20 عامًا، إلا أن إنجازاته لم تقتصر على مجال القانون فحسب، بل برع في الفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية.
ساهم جوتفريد فيلهلم ليبنتز في تطوير العلوم، منها الرياضيات، حيث كان له الفضل في تطوير حساب التفاضل والتكامل بشكل مستقل عن نيوتن، وابتكر عدة رموز رياضية لا تزال مستخدمة حتى الآن.
من بين جهوده العلمية جهوده في علم المنطق والفلسفة، إلا أنه على الرغم من عبقريته لم يتم الاحتفاء به بالشكل اللائق، رغم أنه يعد من أعمدة الفلسفة الحديثة والرياضيات والمنطق.
نشأته وتعليمه
ولد جوتفريد فيلهلم ليبنتز في مدينة لايبزيغ في أسرة متعلمة، فقد كان والده أستاذًا للفلسفة الأخلاقية في جامعة لايبزيغ، ولكنه توفي عندما كان جوتفريد يبلغ من العمر 6 سنوات.
بعد وفاة والده، ورث جوتفريد مكتبة ضخمة تضم مئات الكتب في مجالات مختلفة، ومنح له حق الوصول إليها منذ سن السابعة، فقرأ من مكتبة والده مجموعة واسعة من الأعمال الفلسفية واللاهوتية المتقدمة، كما أنه أتقن اللغة اللاتينية وهو في سن الثانية عشرة، وقرأ الكتب اللاتينية في مكتبة والده.
في سن الرابعة عشر، التحق جوتفريد بالجامعة، حيث درس الفلسفة، ثم حصل على درجة الماجستير في الفلسفة عام 1664، ثم حصل على درجة البكالوريوس في القانون بعد عام واحد فقط من دراسته القانون.
أراد جوتفريد بعدها الحصول على درجة الدكتوراه في القانون وهو في سن التاسعة عشر، إلا أن الجامعة رفضت لصغر سنه، لذا التحق بجامعة ألتدورف، وحصل منها على درجة الدكتوراه في القانون وترخيص لممارسة القانون.
![جوتفريد فيلهلم ليبنتز.. عبقري الرياضيات والفلسفة]()
مسيرته المهنية
خلال مسيرته المهنية، شغل جوتفريد فيلهلم ليبنتز مناصب مختلفة، ومنها منصب سكرتير الجمعية الكيميائية في مدينة نورمبرغ، وهو المنصب الذي أتاح له الدخول إلى عالم النخب العلمية والفكرية في أوروبا.
في غضون سنتين، حقق شهرة أكبر، وتم تعيينه مستشارًا في محكمة الاستئناف، وفي الوقت نفسه، كان أمين المكتبة الدوقية، وأدار واحدة من أهم خزائن المعرفة في عصره. في عام 1680، أطلق مجلة "أوتومينيكي" التي نشر فيها أبحاثه وآرائه الفكرية والفلسفية.
في عام 1685، تم تعيينه جوتفريد مؤرخًا رسميًا لمنزل برونزويك. وبجانب إسهاماته العلمية، كان له دور لافت في الساحة الدبلوماسية، ومن أبرز مشروعاته مشروع فكرة "غزة مصر" قدمه إلى باريس، إلا أن مشروعه لم يكتب له النجاح. نظرية المعرفة عند ليبنتز في عام 1673، سافر جوتفريد في رحلة دبلوماسية أوفدها أمير ماينس إلى لندن.
![جوتفريد فيلهلم ليبنتز.. عبقري الرياضيات والفلسفة]()
إسهامات جوتفريد فيلهلم ليبنتز في علم الرياضيات
برز اسم العالم جوتفريد فيلهلم ليبنتز بإسهاماته الكثيرة في العلوم المختلفة، وأبرزها علم الرياضيات، فقد كان له دور في تطوير علم حساب التفاضل والتكامل، بشكل مستقل عن إسحاق نيوتن وبطريقة مختلفة تمامًا.
قدم جوتفريد رموزًا رياضية لا تزال مستخدمة حتى الآن، منها علامة التكامل ∫، وعلامة d للدلالة على التفاضل، وكانت طريقة جوتفريد الرمزية أنسب وأكثر وضوحًا. بالإضافة إلى ذلك، اخترع جوتفريد آلة حسابية قادرة على القيام بعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة، وحتى بعض العمليات الجذرية.
ساهم جوتفريد كذلك في تأسيس نظرية السلاسل اللانهائية، كما أجرى أبحاثًا كثيرة حول الكسور المستمرة، وقد ساهم في تطوير مفاهيم مبكرة عن الجبر البولياني، وكان له دور مهم في تطوير نظرية الأعداد والتحليل المركب.
إسهاماته في الفلسفة والمنطق
من إنجازات جوتفريد فيلهلم ليبنتز في الفلسفة نظرية "المونادات" والتي رأى فيها أن العالم يتكون من وحدات بسيطة اسمها "مونادات" وكل مونادة مستقلة ومعلقة على ذاتها، ويرى أن العالم هو نتاج انسجام مسبق بين هذه المونادات رتّبه الله.
من مبادئه الفلسفية أيضًا مبدأ الأفضلية، والتي رأى فيها أن الله، الكامل والحكيم، خلق أفضل عالم ممكن رغم وجود الشر والمعاناة. أما مبدأ "السبب الكافي" رأى فيها جوتفريد أن كل شيء يحدث لسبب كاف سواء كان ظاهرًا أو خفيًا.
حاول ليبنتز كذلك التوفيق بين الفلسفة العقلانية والعلم التجريبي والإيمان الديني، ورأى أن العقل والإيمان لا يتعارضان، بل يكملان بعضهما البعض.
ومن نظرياته المشهورة نظرية المعرفة عند ليبنتز، وفيها يرى أن العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة وليس التجربة الحسية وحدها، وقسم المعرفة إلى معرفة فطرية تكون موجودة في عقولنا منذ الولادة وتحتاج إلى تنشيط لتظهر، ومعرفة مكتسبة، والتي تعتمد على التجربة الحسية، ولكن تفسيرها يتطلب عمل العقل.
كان لدى جوتفريد إسهامات مهمة في علم المنطق، فقد وضع تصورًا أوليًا لنظام حسابي منطقي أشبه بما يعرف اليوم بالبرمجة والحوسبة، كما استكشف العلاقات المنطقية بطريقة رياضية قبل جورج بول.
![جوتفريد فيلهلم ليبنتز.. عبقري الرياضيات والفلسفة]()
مؤلفات ليبنتز
ترك جوتفريد فيلهلم ليبنتز للمكتبة العلمية العديد من المؤلفات التي أصبحت من أمهات الكتب الكلاسيكية في الفكر الإنساني. في مجال الميتافيزيقا، أبدع كتابه الشهير "خطاب في الميتافيزيقا"، حيث وضع أسس عميقة لفهم طبيعة الوجود والواقع.
في مجال نظرية المعرفة وعلم النفس الفلسفي، صاغ كتاب "مقالات جديدة عن فهم الإنسان"، والتي حاور فيها أبرز الأفكار التجريبية ونظريات الإدراك. في "الكتابات الفلسفية" جمع تأملاته المتنوعة في قضايا الوجود والعقل والمنطق.
أما في علم الرياضيات، فألف كتاب "المخطوطات الرياضية المبكرة"، وفي مجال الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي ألف كتاب"بروتوجا". ألف بعدها رائعته "ثيوديسا" التي ناقش فيها مشكلة الشر من منظور فلسفي ولاهوتي عميق، كما ألف كتاب المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي، الذي قدّم فيه نظرية "الجواهر الفردية" أو "المونادات"، رؤية فريدة للطبيعة والنظام الكوني.
وفي الفلسفة الدينية، ألف كتاب "الفلسفة الإلهية"، كما خاض في قضايا رياضية دقيقة في كتاب "في التناسب الحق بين الدائرة والمربع"، وكان له دور بارز في تطوير المناهج العلمية من خلال كتابة "المنهج الجديد لتعيين النهايات الكبرى والصغرى"