يعد رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة، فقد بدأ حياته بشكل متواضع، وتحول سريعًا إلى عالم المال والأعمال، وجمع ثروة ضخمة وكوّن علاقات مع نخب سياسية ومالية من مختلف أنحاء العالم، لكن خلف هذا الثراء والنفوذ الكثير من الأسرار المظلمة والمرعبة التي تتعلق بالاتجار بالبشر واستغلال القاصرات، وهي الفضيحة التي طالت أسماء سياسية ومالية وشخصيات معروفة من حول العالم، في السطور التالية تعرف على مسيرته وقصة حياته.
من هو جيفري إبستين؟
جيفري إدوارد إبستين، هو رجل أعمال أمريكي سابق، ولد في 20 يناير عام 1953 في مدينة نيويورك، ويعد واحد من أكثر رجال الأعمال إثارة للجدل، وصاحب تاريخ وأسرار مظلمة.
ولد جيفري لعائلة من الطبقة المتوسطة، وودرس الفيزياء والرياضيات، إلا أنه لم يكمل تعليمه الجامعي، وبدأ مسيرته كمعلم للرياضيات، ثم دخل بعدها إلى قطاع البنوك والتمويل، ليبدأ شركته الخاصة.
خلال مسيرته، نجح جيفري إبستين في تنمية دائرة اجتماعية نخبوية، تضم سياسيين ورجال أعمال ونجوم ومشاهير، منهم الأمير البريطاني أندرو، ودونالد ترامب وغيرهم، وقد عرف بتنظيمه العديد من الحفلات الفاخرة على جزيرته الخاصة في الكاريبي، والتي أصبحت فيما بعد مسرحًا لجرائمه الكثيرة.
بدأت سمعة إبستين تتدهور بداية من عام 2005، حينما اتهم بالاعتداء على طفلة بالغة من العمر 14 عامًا، لتبدأ سلسلة من التحقيقات التي كشفت عن جرائم واعتداءات جنسية له للفتيات القاصرات.
ورغم الاتهامات المتكررة، خرج إبستين من السجن، ليسجن مرة أخرى عام 2019 بتهم فيدرالية أكثر فظاعة، وهو القضية التي أثارت جدلًا واسعًا، وطالت أسماء من أكبر السياسيين والشخصيات البارزة في الولايات المتحدة وحول العالم.
نشأته وتعليمه
ولد جيفري إبستين في نيويورك لوالدين يهوديين، والدته كانت تعمل مساعدة مدرسة وربة منزل، أما والده كان يعمل بستانيًا. نشأ جيفري في عائلة من الطبقة العاملة.
التحق إبستين بالمدارس الحكومية، حيث درس في مدرسة مارك توين الإعدادية، ثم التحق بعدها بمدرسة لافاييت الثانوية، وخلال دراسته، كان طالبًاكريمًا ولطيفًا ومحبًا للعلوم، ومتفوقًا جدًا في الرياضيات.
التحق إبستين فيما بعد بمعهد كورانت للعلوم الرياضية في جامعة نيويورك، حيث درس الرياضيات، إلا أنه ترك الجامعة ولم يحصل على شهادته عام 1974.
حبيبة جيفري إبستين
خلال حياته، كان جيفري إبستين على علاقة بعدة نساء، ولعل أشهرهن الطبيبة السويدية إيفا أندرسون دوبين، والتي استمرت علاقتهما 11 عامًا.
أصبح بعدها على علاقة مع البريطانية جيسلن ماكسوين، وهي ابنة قطب الأعمال البريطاني إيان روبرت ماكسويل، وبدأت علاقتهما منذ التسعينات، وانتقلت للعيش معه في الولايات المتحدة عام 1991.
تعد جيسلين شخصية رئيسية في قضية إبستين للاتجار بالبشر، فلم تكن فقط شاهدة على جرائمه، بل شريكة فيها، حيث اتهمت بتدبير وتجنيد فتيات قاصرات للعمل في الدعارة.
![جيفري إبستين.. رجل الأعمال ما بين السلطة والاتجار بالبشر]()
بداية مسيرته المهنية
بعدما ترك جيفري إبستين الدراسة في الجامعة، بدأ مسيرته المهنية بالعمل كمدرس للرياضيات والفيزياء في مدرسة دالتون في مانهاتن في السبعينات، على الرغم من أنه يفتقر للمؤهلات والشهادة الجامعية.
وخلال دراسته في المدرسة، زعم أن إبستين كان يظهر سلوكًا غير لائقًا للطالبات القاصرات في المدرسة، وكان يحضر حفلات شرب مع طلابه الشباب، كما اتهم بأنه كان يغازل طالباته في المدرسة، وبسبب تلك الشائعات، تم فصله من المدرسة عام 1976، بسبب "الأداء الضعيف".
الاتجاه للعمل المصرفي
بعد مغادرته المدرسة، اتجه جيفري إبستين للعمل في مجال الخدمات المصرفية، حيث انضم إلى بنك بير ستيرنر الاستثماري، وترقى سريعًا في الشركة ليصبح متداول خيارات، وتميز بمهاراته العالية في الإقناع وصفقاته الناجحة.
خلال عمله في البنك، اكتسب إبستين علاقات مع رجال أعمال وعملاء أثرياء، وبعد 4 سنوات من انضمامه إلى البنك أصبح شريكًا محدودًا فيها، إلا أنه غادر البنك بتهمة انتهاك اللوائح.
في الثمانينات، وبعد مغادرته بنك بير ستيرنر، أسس جيفري إبستين شركته الاستشارية الخاصة Intercontinental Assets Group Inc، وتخصصت شركته في مساعدة العملاء في استعادة أموالهم بعد التعرض للاحتيال، واكتسب علاقات مع مشاهير ورجال أعمال كبار.
وخلال عمله في شركته، كان إبستين عميلًا للمخابرات، حيث كان يحمل جواز سفر نمساويًا باسم مزيف، وسافر إلى عدة دول بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
![جيفري إبستين.. رجل الأعمال ما بين السلطة والاتجار بالبشر]()
استثماراته وشركاته
عمل جيفري إبستين خلال مسيرته كمستشار مالي للعديد من الشركات، ومنها شركة "تاورز فاينانشال"، وخاض محاولات فاشلة للاستحواذ على عدة شركات، منها "بان آم". في عام 1993، انهارت الشركة بعدما اكتشاف عمليات الاحتيال التي قامت بها، وخسر المستثمرين في الشركة أكثر من 450 مليون دولار.
في الثمانينات، أسس إبستين شركته الخاصة لإدارة الأموال J. Epstein & Co، وهي شركة مخصصة لرجال الأعمال الذين يملكون أكثر من مليار دولار، وتعامل في الشركة مع عملاء بارزين، منهم الملياردير ليزلي ويكسنر، ومالك فيكتوريا سيكريت.
حقق إبستين من خلال شركته المزيد من النفوذ الواسعة مع شخصيات من عالم الموضة والإعلام، وفي التسعينات، غيّر اسم شركته إلى Financial Trust Company. أصبح إبستين فيما بعد رئيسًا لشركة Liquid Funding Ltd، وهي واحدة من الشركات التي ساهمت في انهيار الأسواق في الأزمة المالية العالمية عام 2008.
في مجال الإعلام، سعى جيفري ابستين لشراء مجلة نيويورك، كما مول مجلة Rdear، إلا أن المجلة لم تحقق نجاحًا كبيرًا، واستمرت لثلاثة أعداد فقط.
الاستثمار في صناديق التحوط
بداية من عام 2002 وحتى عام 2005، استثمر رجل الأعمال جيفري إبستين 80 مليون دولار في صندوق التحوط "دي بي زويرن" المتخصصة في الأوراق المالية غير السائلة، وقد نمت استثماراته إلى 140 مليون دولار، وقد أغلق الصندوق لاحقًا في 2008. نقل إبستين أصوله بعدها إلى شركة فورتريس للاستثمار.
في عام 2006، استثمر إبستاين 57 مليون دولار في صندوق تحوط تابع لشركة "بير ستيرنر"، وكان يعتمد على الديون المدعومة بالرهن العقاري. مع انهيار الصندوق عام 2007، خسر إبستين معظم استثماراته تقريبًا، وقد تزامن ذلك الأمر أزمته مع قضايا تتعلق باستغلال القاصرات.
في عام 2015، استثمر إبستي في شركة إسرائيلية ناشئة للأمن اسمها ريبورتي، والتي ترأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، وشارك في إدارتها مسؤولين سابقين في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
اتهامات بالاعتداء على القاصرات
في عام 2005، واجه رجل الأعمال جيفري إبستين سلسلة من الدعاوى القضائية بتهم الاعتداء الجنسي على فتيات قاصرات يبلغن من العمر 11 عامًا فأكثر، لتكشف هذه الدعاوى حياة غامضة ومرعبة عاشها إبستين طوال حياته.
بدأت القضية ببلاغ امرأة للشرطة تفيد بأن ابنة زوجها، التي تبلغ من العمر 14 عامًا، تلقت مبلغًا ماليًا من إبستين لتدليكه، لتبدأ الشرطة تحقيقها السري الذي استمر لمدة 13 شهرًا، وشمل التحقيق تفتيش منزله، الذي عثر فيه على عشرات كاميرات المراقبة، ومئات الصور لفتيات قاصرات.
حصلت الشرطة كذلك على أدلة موثقة تضمن شهادات 5 ضحايا و17 شاهدًا، وسجلات مدرسية تثبت أن كل الفتيات اللاتي تم الاعتداء عليهن أصغرهن 14 عامًا.
وعلى إثر التحقيق، اتهم إبستين باستغلال عشرات القاصرات جنسيًا، وجمع مكتب التحقيقات الفيدرالي أدلة على 34 قاصرًا مؤكدين، وكشفت تقارير صحفية أن الرقم قد يصل إلى 80 ضحية جلبن من خارج الولايات المتحدة بمساعدة حبيبته.
في عام 2006، أوصت الشرطة بتوجيه 5 تهم جنائية، وفي يوليو تم القبض عليه بتهم بسيطة، وهي توفير قاصر للدعارة والتحريض على الدعارة. في عام 2007، أبرز إبستين صفقة مع المدعي العام الأمريكية منحته حصانة من التهم الموجهة له ولشركائه، وقد صرح المدعي العام لاحقًا، بأن الصفقة عرضت عليه لأنه إبستين كان مرتبطًا بالاستخبارات.
اعترف إبستين بتهمتي دعائرة، وحصل على عقوبة 18 شهرًا في سجن المقاطعة، وخلال فترة سجنه كان يخرج 6 أيام أسبويعًا لمدة 12 ساعة للعمل، ولم يكن محتجزًا فعليًا كما كان يحدث مع أي مجرم جنسي آخر.
![جيفري إبستين.. رجل الأعمال ما بين السلطة والاتجار بالبشر]()
القبض عليه للمرة الثانية وكشف شبكته الدولية
في يوليو 2019، ألقي القبض على جيفري إبستين للمرة الثانية بتهم تتعلق بالاتجار الجنسي بالقاصرات، وداهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله في مانهاتن، وعثر على أدلة تشير إلى وجود شبكة واسعة للاستغلال الجنسي، حيث تضمنت صورًا إباحية لنساء وفتيات قاصرات، وأقراصًا مضغوطة موصوفة يدويًا.
وجهت إلى إبستين تهم بالإتجار الجنسي والتآمر لاستغلال قاصرات، وهذه المرة رفض القاضي إطلاق سراحه بكفالة، حيث اعتبره خطرًا على المجتمع مع إمكانية هروبه.
كشفت التحقيقات عن تحويل إبستين جزيرته في جزيرة فيرجين كانت معقلًا لأعماله الإجرامية، حيث كانت الجزيرة مجهزة بالكامل بالكاميرات كوثيقة تأمين، لاستغلال الفيديوهات المصورة لأغراض غير قانونية منها الابتزاز.
حوّل جيفري إبستين الجزيرة إلى شبكة للدعارة، وجاء إليها كبار رجال الأعمال والمسؤولين والشخصيات السياسية والمالية والمشاهير والنجوم من الولايات المتحدة وحول العالم، وأبرزهم الأمير أندرو، ابن الملكة إليزابيث الثانية والأمير فيليب.
الغموض حول وفاته
في يوليو 2019، وبعد فترة قصيرة من اعتقاله، عثر على جيفري إبستين مصابًا وشبه فاقد للوعي في زنزانته، مع وجود شبهه لتعرضه للاعتداء، أو محاولة انتحار.
في 29 يوليو، أي بعد 6 أيام من محاولة انتحاره المزعومة الأولى، عُثر عليه ميتًا في زنزانته، وكشف المدعي العام الأمريكي أن وفاته من الواضح أنها انتحار، إلا أن وفاته كان حولها الكثير من الغموض ونظريات المؤامرة.
في أغسطس، تم إجراء تشريح لجثمانه، وكشف التقرير بأن وفاته جاءت بسبب كسور متعددة في عظام رقبته ناتجة عن محاولة الانتحار بالخنق، إلا أن طبيب إبستين كشف بأن الكسر في عظمة الرقبة يكون نادرة للغاية في حالات الشنق الانتحاري، وتحدث بشكل أكثر شيوعًا في حالات الخنق القاتل.
وما زاد من تكهنات تعرض إبستين للقتل تغيب الحارسان الذين تعين عليها فحص وحدته داخل السجن وقت وفاته، ولم يتفقداه لمدة 3 ساعات تقريبًا، وهي المدة التي حصلت فيها الوفاة، كما تم تعطيل كاميرتين أمام زنزانته في تلك الليلة.
بعد وفاته، دفن جيفري إبستين بجانب قبر والديه في فلوريدا، وأزيلت أسماء والديه واسمه من شاهد القبر لمنع عمليات لتخريب.
ملفات جيفري إبستين
لم تكن قضية جيفري إبستين مجرد قضية عادية، بل كانت واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، حيث طالت تلك القضية أسماء معروفة وبارزة، لذا عرفت باسم "ملفات إبستين".
تضمنت ملفات إبستين مجموعة واسعة من الوثائق القضائية والشهادات والمستندات القانونية، التي تتناول جرائم إبستين وعلاقاته المشبوهة بشخصيات بارزة، وشبكات الاتجار التي كان يديرها لعقود.
تضمنت الملفات شهادات من ضحايا سيدات تعرضن للاعتداء وهن قاصرات، بجانب أسماء العديد من الشخصيات السياسية والمالية والإعلامية البارزة المرتبطة بإبستين، ومذكرات بالرحلات الجوية إلى جزيرته الخاصة.
ومن بين الأسماء التي تم تداولها في الإعلام بيل كلينتون، والأمير أندرو، وبيل غيتس. في عام 2023، تم الإفراج عن المزيد من الأسماء التي تورطن في جرائم إبستين.
وما جعل هذه الملفات مثيرة للجدل أنها كشفت عن تواطئ وصمت مؤسسات وشخصيات نافذة في الولايات المتحدة، وتضمن احتمالية وجود شبكة دولية من المتاجرين والمتحرشين بالقاصرات حول العالم.
جيفري إبستين ودونالد ترامب
في شهر يوليو 2025، فجر رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك قنبلة من العيار الثقيل، حيث كشف أن اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضمن ملفات إبستين، وهو اتهام صريح لماسك بأن قد يكون أحد المستفيدين من شبكة إبستين للاتجار بالقاصرات.
وبعد تدوينة إيلون ماسك، بدأت الصحافة بالحديث عن علاقة إبستين وترامب، حيث كشفت إحدى الصحف عن تصريحات ترامب حول علاقته بإبستين عام 2002، وقال إنه صديق مقرب ويملك حياة مرفهة وأنه "يحب النساء الجميلات مثلي"، ولكنه يحب النساء الأصغر سنًا.
![جيفري إبستين.. رجل الأعمال ما بين السلطة والاتجار بالبشر]()