ساندر بيتشاي.. رحلة من الهند إلى قيادة عملاق التكنولوجيا

من عائلة متواضعة في مدينة تشيناي الهندية إلى واحد من أهم الشخصيات في مجال التكنولوجيا في العالم، إنه ساندر بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة جوجل الذي شق طريقه إلى النجاح والتألق العالمي من بلدته في الهند ليقود واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المجال التكنولوجيا وصاحب أعلى منصب في شركة جوجل، تعرف أكثر على مسيرته المهنية وقصة نجاحه في هذا المقال.

من هو ساندر بيتشاي؟

هو رجل أعمال هندي أمريكي ولد في 10 يونيو عام 1972 في مدينة تشيناي في مقاطعة تاميل نادو في الهند وهو الرئيس التنفيذي لشركة جوجل منذ عام 2015.

يعد بيتشاي واحد من أهم الشخصيات تأثيرًا في مجال التكنولوجيا في العالم، ،وقد بدأ مسيرته المهنية في شركة ماكنزي آند كومباني ثم انتقل للعمل في جوجل منذ عام 2004 وتدرج في المناصب حتى وصل إلى أعلى منصب في الشركة وهو منصب المدير التنفيذي.

حقق بيتشاي خلال شغله هذا المنصب العديد من الإنجازات، فقد طورت الشركة العديد من المنتجات والخدمات الجديدة منها مساعد جوجل وجوجل بيكسل وزادت أرباح الشركة بشكل كبير، كما تمكن من تعزيز مكانة جوجل كرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

لم تمنعه البداية المتواضعة ونشأته البسيطة في إحدى المدن الهندية مواصلة رحلة الكفاح الطويلة التي بدأها من الهند، فرغم عدم مقدرته المادية على السفر إلى الولايات المتحدة إلا أنه عمل واجتهد وبمساعدة عائلته تمكن من السفر إلى الولايات المتحدة لتبدأ رحلة النجاح العاملي.

نشأته وأسرته

ولد ساندر بيتشاي في مدينة تشيناي في مقاطعة تاميل نادو أقصى جنوب الهند لعائلة متواضعة تنتمي إلى مجتمع التاميل، وهي جماعة عرقية هندية من الهندوس تتحدث اللغة التاميلية.

كانت عائلته بسيطة للغاية، فوالدته لاشكمي كانت تعمل كاتبة اختزال، فيما كان والده ريجوناتا بيتشاي كان يعمل مهندسًا كهربائيًا في شركة GEC، حيث عمل في إدارة مصنع ينتج مكونات ومواد كهربائية.

كانت ظروف عائلته الاقتصادية متواضعة للغاية وبسيطة، فقد عاش في منزل صغير يتكون من غرفتين فقط، وكان ينام في غرفة المعيشة، فيما لم تكن عائلته تمتلك تلفازًا أو سيارة، لذا فكانت الحافلات وسائل النقل العامة هي الوسيلة الوحيدة للتنقل بالنسبة لهم.

مسار ساندر بيتشاي التعليمي

كان ساندر طالبًا متفوقًا ومجتهدًا في دراسته لذا تمكن من الالتحاق بالمعهد الهندي للتكنولوجيا في مدينة كاراجبور الذي يعد من أرقى المعاهد الهندسية في الهند، وتخرج في المعهد عام 1993.

بسبب توفقه حصل على منحة للدراسة في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لم تتمكن أسرته من نحمل نفقات سفره إلى الولايات المتحدة، ولكن هذا لم يمنعه عن مواصلة الاجتهاد.

واصل ساندر بيتشاي دراسته وحصل على درجة الماجستير في هندسة المواد وفيزياء أشباه الموصلات وأصبح على بعد خطوة واحدة من السفر وكان المال عائقًا مرة أخرى أمام سفره، لكن عائلته ساعدته وسحت مبلغ ألف دولار من مدخراتها لدفع تكلفة سفر الابن، والمبلغ الذي يعادل راتب الأب لمدة عام كامل.

كان من المفترض لبيتشاي أن يسافر لإكمال دراسته ويحصل على درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد، إلا أنه لدى وصوله إلى هناك لم ينفذ هذه الخطة وقرر أن يبدأ مسيرته المهنية في مجال الهندسة.

ديانة ساندر بيتشاي

ينتمي ساندر بيتشاي إلى عائلة تاميل براهمين وهم مجتمع عرقي ديني في جنوب الهند ينتمون إلى الديانة الهندوسية.

ساندر بيتشاي وزوجته

تزوج ساندر بيتشاي من أنجالي بيتشاي عام 1986، وقد تعرف عليها خلال دراسته في المعهد الهندي للتكنولوجيا، وتعود أصولها من مدينة كوتا في الهند. لدى بيتشاي من زوجته طفلين ويعيشان معًا في لوس ألتوس هيلز في كاليفورنيا.

مشواره المهني

بعد وصول ساندر بيتشاي إلى الولايات المتحدة بدأ مسيرته المهنية في مجال الهندسة، ولم يكمل دراسته في جامعة ستانفورد للحصول على درجة الدكتوراه كما كان يخطط قبل سفره.

بدأت مسيرته المهنية في شركة أبلايد ماتريلز في وادي السيليكون في كاليفورنيا، وخلال شغله هذه الوظيفة حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية "وراثون للأعمال" في جامعة بنسلفانيا عام 2002".

بعد إتمام درجة الماجستير انتقل بعدها للعمل في شركة ماكينزي في قسم الإدارة والاستشارات وعمل في إدارة المنتجات في المواد التطبيقية.

قصة ساندر بيتشاي مع جوجل

بدأت قصة ساندر بيتشاي مع شركة جوجل عام 2004 وعمل ضمن فريق صغير للعمل على شريط أدوات البحث في جوجل، وتمثلت مهمة الفريق في تسريع عمليات البحث في جوجل من متصفات فاير فوكس وإنترنت إكسبلورر.

عمل بيتشاي بعدها على تطوير وإنتاج العديد من المنتجات والخدمات الجديدة لجوجل، ومنها "جوجل باك"، و"جوجل جير" وحققت هذه المنتجات والخدمات نجاحًا كبيرًا.

بعد هذا النجاح اقترح بيتشاي أن تملك شركة جوجل متصحف خاص بها، ورغم أن الفكرة واجهت اعتراضًا في البداية من الرئيس التنفيذي في ذلك الوقت، إريك شميت، بسبب التكلفة العالية لتنفيذها، إلا أنه تمكن فيما بعد من إقناع مالكي الشركة في إطلاق متصفح خاص بجوجل وذلك في عام 2008.

حقق المتصفح نجاحًا عالميًا، وكانت هذه الفكرة الثورية سببًا في زيادة شهرة بيتشاي وأصبح واحد من أهم الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا في العالم، ليتم ترقيته فيما بعد إلى نائب رئيس تطوير المنتجات.

بعد شغله هذا المنصب بدأ بيتشاي يظهر في عروض جوجل التقديمية وأصبح اسمه وشكله بمثابة وجهة رسمية لجوجل، وقد تمكن خلال شغل هذا المنصب من رفع قيمة الشركة ليتم ترقيته مرة أخرى عام 2013 ليشغل منصب مسؤول أول عن أندوريد، حيث أضاف أندرويد إلى قائمة منتجات جوجل التي كان يشرف عليها.

اختياره المدير التنفيذي لشركة جوجل

حقق ساندر بيتشاي نجاحًا كبيرًا في جوجل لذا تم اختياره المدير التنفيذي لشركة جوجل في شهر أغسطس عام 2015 ليصبح بعدها الشخصية الرئيسية في تشكيل اتجاه الشركة، فقد نجح في تنويع منتجات جوجل ونموها بشكل سريع.

عزز بيتشاي تواجد جوجل  وهمينتها على حصة السوق في الهواتف المحمول، كما أنه قاد تطوير هواتف بيكسل، وهو خط الإجهزة الخاص بشركة جوجل. أدرك بيتشاي أيضًا أهمية وإمكانات الذكاء الاصطناعي وجعله محور تركزي الشركة، لذا استثمرت جوجل بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وساعد ذلك في تطوير مجالات عدة مثل التعلم الآلي والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.

شهدت منصة جوجل كلاود نموًا كبيرًا تحت قيادة بيتشاي، حيث تنافست شركة جوجل مع عمالقة الحوسبة السحابية في العالم مثل مايكروسوفت وأمازون ويب سيرفر. بالإضافة إلى ذلك نجحت جوجل تحت قيادة بيتشاي في تقديم وتطوير خدمات مساعد جوجل، وأصبحت لاعبًا رئيسًا في سوق السماعات الذكية بمنتجات مثل جوجل هوم.

تحت قيادته نمت إيرادات شركة كوكل وأرباحها بشكل ملحوظ، وأشرف على عمليات استحواذ ضخمة، كما ساعد العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق الصيني وعدد من البلدان الأخرى خارج الصين.

كما عالج مخاوف المستخدمين بشأن الخصوصية، وطبق إجراءات أكثر صرامة لحماية بيانات المستخدمين، وركز على الأسواق الناشئة مثل الهند وجنوب شرق آسيا.

الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت

وبعد سنوات من شغله منصب الرئيس التنفيذي لشركة جوجل لسنوات تم ترقيته ليصبح الرئيس التنفيذي لشركة Alphabet Inc. عام 2019، وهي الشركة الأم لجوجل، والتي تضم العديد من الشركات الأخرى.

راتب مدير شركة جوجل

بعد توليه منصب المدير التنفيذي لشركة جوجل كشف تقرير مالي عام 2016 بأنه حصل على مكافأة تزيد عن 270 ألف سهم من أسهم الشركة بقيمة 199 مليون دولار، وهو ما يجعله من بين المديرين التنفيذيين الأعلى أجرًا في الولايات المتحدة.

في عام 2020 أوضح موقع gadgetnow أن الراتب الأساسي لبيتشاي هو مليوني دولار أمريكي، فيما حصل على حزمة تعوبضات بقيمة 5 ملايين دولار، وهو ما يجعل إجمالي تعويضاته نحو 7.4 مليون دولار أمريكي.

في عام 2019 حصل بيتشاي بصفته الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت وجوجل حزمة أسهم تبلغ قيمتها 240 مليون دولار.

كم تبلغ ثروة ساندر بيتشاي؟

وفقًا لموقع "ذات ستريت" فإن صافي ثروة ساندر بيتشاي حوالي 390 مليون دولار أمريكي، وتأتي معظم ثروته في المقام الأول من الأسهم التي حصل عليها من شركة ألفابيت، فقد حصل على 270 ألف سهم، وباع 180 ألف سهم منها حتى مايو 2024.

فيما تشير تقارير أخرى أن صافي ثروته تجاوزت 1.3 مليار دولار، حيث تشير التقارير أن باع ما يقرب من مليار دولار من أسهم ألفابيت منذ انضمامه إلى الشركة لأول مرة عام 2004.

دعوات لإقالته

رغم ما قدمه ساندر بيتشاي من خدمات جليلة لشركة جوجل إلا أنه واجه العديد من الانتقادات والأزمات، أولها عام 2018 حينما تم استجوابه من قبل اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي بشأن عدة قضايا متعلقة بجوجل منها سياسة التحيز المحتمل على منصات جوجل، وهو الأمر الذي نفاه.

واجه بيتشاي بعدها أزمة أشد في عام 2024، ويرى الكثير من الخبراء أن جوجل على شفا عهد جديد مع قيادة جديدة تملك رؤى مختلفة، فوفقًا لموقع بيزنس إنسايدر فإن شركة جوجل تواجه مواقف صعبة بسبب فوضى الذكاء الاصطناعي بسبب روبوت الدردشة جيميني الذي قدم نتائج أثارت غضبًا واسعًا وكانت سببًا في تراجع أسهم الشركة وصفها البعض بالمتحيزة والعنصرية.

أقوال ساندر بيتشاي

اشتهر ساندر بيتشاي بمقولاته المحفزة والملهمة التي تلهم الكثير من الشباب حول عالم، ومن مقولاته المميزة: "عالم التكنولوجيا يتغير بوتيرة متسارعة جداً، لذا فإن الكثير مما نقوم به هو معرفة ماهية المرحلة المقبلة، عليك إعادة اختراع نفسك".

ولعل أشهر أقواله ما قاله في خطاب مدته 60 ثانية فقط أمام مجموعة الخريجين الجدد المقبلين على حياة العمل لأول مرة، وقد قال في خطابه ذلك: " تخيل أن الحياة مثل لعبة تتلاعب فيها بخمس كرات في الهواء، محاولاً ألا تسقط أي منها. هذه الكرات هي: العمل، العائلة، الصحة، الأصدقاء، والروح".

وأضاف: "واحدة من هذه الكرات مصنوعة من المطاط، وهي العمل؛ إذا سقطت ستقفز مجدداً. أما الكرات الأخرى - العائلة، الصحة، الأصدقاء، والروح - فهي مصنوعة من الزجاج؛ إذا سقطت إحداها، فلن تعود كما كانت من قبل، فقد تتعرض للخدش أو الكسر أو التحطم".

ثم اختتم خطابه قائلًا: "من المهم أن تدرك هذا وتسعى للحفاظ على توازنها. قم بإدارة عملك بكفاءة خلال ساعات العمل، وعند انتهاء اليوم، أتركه خلفك بطمأنينة وأمانة. خصص الوقت اللازم لعائلتك وأصدقائك، واهتم بصحتك وخذ القسط الكافي من الراحة، فالروح والجسد يحتاجان للعناية والاهتمام، وإذا فقدت أحدهما، فاستعادته سيكون صعباً".