برز اسم العالم الفرنسي شارل أوغستان دي كولوم كأحد أهم العلماء الفرنسيين في القرن الثامن عشر، وذلك بفضل إسهاماته المهمة في مجال الكهرباء والمغناطيسية، حيث وضع قانون القوى الكهربية الذي يعد أحد أسس دراسة الكهرباء الساكنة، وترك بصمة واضحة في فهم طبيعة القوى الكهربية والمغناطيسية، في السطور التالية تعرف على مسيرته العلم وأهم اكتشافاته.
من هو شارل أوغستان دي كولوم؟
هو عالم ومهندس وفيزيائي فرنسي، ولد عام 1736 في مدينة أنغوليم الفرنسية، وهو واحد من أشهر الفيزيائيين في فرنسا وأوروبا خلال القرن الثامن عشر.
انحدر كولوم من عائلة ثرية مكنته من تلقي تعليمًا جيدًا، وقد التحق بالمدرسة العسكرية الملكية، وتخرج كمهندس عسكري، ليشارك في عدد من المشاريع الهندسية في جزر الأنتيل والسنغال.
اكتسب شارل أوغستان دي كولوم خبرة واسعة في تطبيقات الفيزياء الميكانيكية، وخلال فترة خدمته، طور اهتمامه بتجارب القياس، وخاصة في مجال الكهرباء الساكنة والمغناطيسية.
بعد تقاعده من الخدمة العسكرية وعودته إلى باريس، بدأ كولوم في إجراء تجارب علمية مستقلة، وقادته تجاربه إلى اكتشاف قانون القوة الكهربائية، والذي أطلق عليه اسم "قانون كولوم" واكتشف في هذا القانون أن القوة الكهربائية بين جسمين مشحونين تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب الشحنتين وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما.
واصل كولوم إجراء المزيد من التجارب المهمة، ووصل إلى اكتشافات ثورية، إلا أن قانون كولوم لا يزال ركيزة أساسية في دراسة الكهرباء والمغناطيسية حتى وقتنا هذا.
نشأته وتعليمه
ولد العالم شارل أوغستان دي كولوم في مدينة أنغوليم في فرنسا، وقد نشأ في عائلة ثرية، فقد كان والده يعمل مفتشًا للملكية في مدينة مونبلييه. نشأ كولوم في باريس، حيث انتقلت عائلته إليها في وقت مبكر من حياته، وهناك درس في مدرسة مازارين، وتلقى تعليمًا جيدًا في الفلك والكيمياء والنبات والأدب والفلسفة.
خلال فترة المراهقة، عانى والده من أزمات مالية اضطرته مغادرة باريس متجهًا إلى مونبلييه، حيث عمل هناك لبعض الوقت، ثم عاد إلى باريس مرة أخرى، واجتاز امتحانات المدرسة الملكية للعبقرية في ميزييه، وتخرج عام 1761.
مسيرته المهنية
بعد التخرج، انضم شارل أوغستان دي كولوم إلى الجيش الفرنسي كمهندس برتبة ملازم، وخدم في الجيش لمدة 20 عامًا، وخلال لتلك الفترة، شارك في عشرات المشروعات الهندسية في الإنشاءات وميكانيكا التربة والتحصينات، ومشروعات هندسية أخرى.
ولم يعمل كولوم في فرنسا فحسب، بل عمل في عدة مستعمرات فرنسية، فقد كان أول تعيين له في جزيرة مارتينيك إحدى جزر الهند الغربية، وهناك شارك في مشروع بناء حصن بوربون الجديد، وعمل في الجزيرة لمدة 8 سنوات.
عاد كولوم إلى فرنسا، وهناك تم تعيينه في بلدية بوشان، حيث عمل في مهام الميكانيكا التطبيقية، وأجرى عدة تجارب علمية قدمها إلى أكاديمية العلوم في باريس. انتقل بعدها للخدمة في مدينة روشفورت، وواصل هناك أبحاثه في الميكانيكا، وخاصة في أحواض بناء السفن.
انتقل كولوم فيما بعد للعمل في جزيرة إيكس، وهناك واصل أبحاثه واكتشافاته العلمية، حيث اكتشف العلاقة العكسية بين القوة الكهربائية ومربع مسافتها، والعلاقة بين الأقطاب المغناطيسية.
تم تعيين كولوم فيما بعد في باريس، إلا أنه استقال من منصبه كمراقب للمياه والينابيع بعد اندلاع الثورة الفرنسية وتقاعد وعاش في بيت صغير في بلدية بلوا. بعد الثورة، استدعته الحكومة الثورية، وانضم إلى فريق تحديد الأوزان والمقاييس الجديدة، وأصبح من أوائل أعضاء المعهد الوطني الفرنسي، وعيُن مفتشًا حتى تدهور صحته ثم الوفاة.
ما هي نظرية شارل أوغستين دي كولومب؟
نظرية كولوم، وتعرف أيضًا باسم "قانون كولوم" هي نظرية توصل إليها العالم الفرنسي شارل أوغستين دي كولومب، وهي نظرية فيزيائية تصف قوة التجاذب أو التنافر بين شحنتين كهربائيتين نقطيتين.
وينص القانون على أن "قوة التجاذب أو التنافر بين شحنتين كهربائيتين تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب مقدار الشحنتين وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما".
بدأت تجربة كولوم على هذه النظرية لأول مرة بداية من عام 1785، حيث كانت هناك عدة محاولات لفهم العلاقة بين الشحنات الكهربائية، لكن لم يكن هناك قانون دقيق ومحدد يمكن تطبيقه على جميع الحالات.
وللوصول إلى القانون استخدام كولوم جهاز ميزان الالتواء لقياس القوى بين الشحنات الكهربائية، ويتكون الجهاز من قضيب أفقي خفيف الوزن مثبت على سلك رفيع جدًا.
علق كولوم كرتين مشحونتين على طرفي القضيب، ولاحظ أن الكرتين تتجاذب أو تتنافران اعتمادًا على نوع الشحنات، وتسبب القوة الكهربائية الناتجة في التواء السلك. قاس كولوم زاوية الالتواء ووجد أنها تتناسب مع قوة التجاذب أو التنافر.
أجرى كولوم المزيد من التجارب، ففي إحدى التجارب غير المسافة بين الشحنتين ولاحظ أن القوة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة، ثم غيّر كمية الشحنات ووجد أن القوة تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب الشحنتين، واستنتج من ذلك العلاقة الرياضية التي أصبحت فيما بعد باسم "قانون كولوم".
كرر كولوم تجاربه أكثر من مرة باستخدام شحنات ومسافات مختلفة للتحقق من صحة القانون، ووجد في كل التجارب أن العلاقة الرياضية ثابتة وقابلة للتطبيق على جميع الحالات، ليصبح هذا القانون أول قانون دقيق يصف التفاعل بين الشحنات الكهربائية.
قدم العالم شارل أوغستان دي كولوم أيضًا مساهمة كبيرة في مجال الاحتكاك، واتلي تعرف باسم "قوانين كولومب للاحتكاك".
كتب شارل أوغستان دي كولوم في ضغط الأرض
وبجانب مساهمته البارزة في مجال الكهرباء والمغناطيسية، ساهم العالم شارل أوغستان دي كولوم في اكتشاف العديد من النظريات حول ضغط الأرض، والتي أصبحت فيما بعد أساسية في الهندسة الجيوتقنية.
أسس كولوم العديد من المبادئ التي حللت استقرار كتل التربة، ومن بينها قانون مقاومة القص للتربة، وقانون ضغط الأرض النشط والسلبي، كما قدم طريقة لحساب الارتفاع الحرج لضفاف التربة، وأكد على أهمية دور الصرف الصحي في منع القوى الإضافية من التأثير على الهياكل الاحتجازية بسبب تراكم المياه.
ولم تساهم اكتشافاته في تطوير نظرية ميكانيكا التربة فقط، بل أثرت على الأعمال اللاحقة للعلماء من بعد، منها أعمال عالم الرياضيات رانكين، والذي طور نظريات التربة بشكل أكبر.
