يعد الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا أحد أعظم الشعراء والمسرحيين في القرن العشرين في إسبانيا، حيث أصبح رمزًا فنيًا وثقافيًا، وترك بصمة لا تمحى في الشعر المعاصر. امتاز شعره بجماليته العذبة وامتلأ مسرحه بالمأساة، بينما جسدت حياته المأساوية وموته المفاجئ صراع الفن مع السلطة والحرية، في السطور التالية تعرف على مسيرته وقصة حياته.
من هو فيديريكو غارثيا لوركا؟
فيديريكو ديل ساغرادو كورازون دي خيسوس غارسيا لوركا هو شاعر وأديب وكاتب ومخرج مسرحي إسباني، ولد في 5 يونيو عام 1898 في غرناطة بمملكة إسبانيا، وهو أحد أعظم الشعراء والأدباء في تاريخ إسبانيا وأوروبا.
نشأ لوركا في بيئة ريفية أثرت على أشعاره، ودرس الأدب والقانون في غرناطة، ثم انتقل إلى مدريد، وهناك كون صداقات مع فنانين ومفكرين. بدأ لوركا مسيرته الأدبية شاعرًا، وكانت بدايته متواضعة، لكن حقق شعبيته الحقيقية عام 1928 في قصيدته الشهيرة "رومانسيرو الغجري" والتي مزج فيها بين الرومانسية الشعبية الأندلسية والحداثة.
توسعت أعمال لوركا في الثلاثينات، واتجه إلى المسرح وكتب مسرحيات متنوعة عبرت عن الاضطهاد الاجتماعي، خاصة ضد المرأة والمجتمعات التقليدية. إلى جانب كتابته، كان لوركا ملحنًا موهوبًا، وأدار فرقة مسرحية موسيقية جالت إسبانيا، وقدمت الفن للطبقات الفقيرة.
أصبح فيديريكو غارثيا لوركا شخصية معادية للحكومة، وبسبب ذلك اعتقل على يد قوات القوميين، وجاءت نهايته مأساوية على يديهم، ورغم قصر حياته، ترك إرثًا فنيًا وأدبيًا خالدًا.
نشأته وتعليمه
ولد فيديريكو غارثيا لوركا في بلدة صغيرة في غرناطة جنوب إسبانيا، كان والده يملك أراض زراعية وأصبح ثريًا مع طفرة في صناعة السكر، أما والدته فقد كانت معلمة. انتقلت العائلة إلى العاصمة الإقليمية غرناطة، وكان لوركا يبلغ من العمر 11 عامًا، وأكمل دراسته هناك حتى المرحلة الثانية.
التحق لوركا بعدها بجامعة غرناطة، حيث درس القانون والأدب والتأليف، وخلال تلك الفترة، نمت لديه موهبته في الشعر والتأليف والموسيقى، واستمدت أعماله النثرية الأولى من الأشكال الموسيقية التي سمعها في نشأته.
أهم لوركا دراسته بسبب اهتمامه بالشعر والموسيقى والكتابة، وهو الأمر الذي أغضب أساتذته. انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث درس في جامعة كولومبيا بتمويل من والديه، وهناك درس اللغة الإنجليزية، وعاد إلى إسبانيا عام 1930
.
قصائد فيديريكو غارثيا لوركا
بدأت فيديريكو غارثيا لوركا الفنية في وقت مبكر من حياته، وقد تأثر ببيئته الأندلسية الغنية بالموسيقى الشعبية والأساطير في المجتمع الريفي، وقد أبدع في الشعر والمسرح والموسيقى، وهو ما جعله فنانًا متكاملًا.
أصدر لوركا أول أعماله المنشورة في العشرين من عمره عام 1918 بعنوان "انطباعات ومناظر"، وهو عمل نثري تأملي وصف فيه الطبيعة وتحدث فيه عن أحاسيسه متأثرًا برحلاته داخل إسبانيا.
جاءت الانطلاقة الحقيقية في عام 1928، حيث نشر ديوانه الأول "رومانسيرو الغجري" وكانت نقطة تحول في مسيرته الأدبية، ولحظة فارقة في الشعر الإسباني، حيث تميز الديوان بالجمع بين الأسلوب الشعبي الأندلسي والأسطورة، وخلق من الغجر رمزًا للحرية والتمرد والجمال التراجيدي، وجعله هذا الديوان نجمًا أدبيًا بارزًا في إسبانيا.
بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة للدراسة، اندهش من الحياة في أمريكا والحياة الصناعية هناك، وأصدر كتابه الشعري "شاعر في نيويورك" وهي قصائد عبر فيها عن اغترابه ومعاناته من التمييز العنصري والظلم الاجتماعي.
من أعمال الشاعر فيديريكو غارثيا لوركا الشعرية الأخرى "قصائد الغناء العميق" وهي قصيدة مستوحاة من موسيقى الفلامنكو، وتأثر بالثقافة الغجرية والروحية الأندلسية.
مسرحيات فيديريكو غارثيا لوركا
اشتهر اسم فيديريكو غارثيا لوركا بأعماله المسرحية في الثلاثينات، حيث اتجه بقوة إلى المسرح، حيث كتب أعمالًا درامية حملت طابعًا اجتماعيًا وإنسانيًا، وفي أعماله المسرحية تحدث عن قمع المرأة والصراع الطبقي والموت.
كانت مسرحيته معارضة للنظام في ذلك الوقت، ومن بين مسرحياته "عرس الدم" وهي مأساة شعرية مستوحاة من قصة حقيقية عن ثأر دموي، وتناول فيها صراع الحب والتقاليد.
من مسرحياته أيضًا "يرما"، وصوّر فيها معاناة امرأة عاقر تعاني من قيود المجتمع. من أبرز أعماله المسرحية وآخرها "بيت برناردا ألبا"، وتناول فيها حياة 5 أخوات يقمعن داخل منزل الأم الأرملة المتسلطة، ورمزًا للاستبداد الاجتماعي.
![فيديريكو غارثيا لوركا.. شاعر الأندلس الذي تحدى السلطة بشعره]()
حياته خلال الحرب الأهلية الإسبانية
لم يكن الشاعر فيديريكو غارثيا لوركا مهتمًا بالسياسة على الإطلاق، ولم ينتمي إلى أي حزب سياسي، لكنه كان يملك أفكارًا تقدمية، ودافع في كتاباته عن العدالة الاجتماعية وحرية المرأة، والغجر والمهمشين وحقوق الفقراء.
وعلى الرغم من عدم الانتماء إلى أي حزب، فإن ميوله كانت واضحة تجاه الجمهورية الإسبانية الثانية، التي كانت تسعى إلى الإصلاحات الاجتماعية والتعليمية، وفصل الكنيسة عن الدولة، حيث أيد لوركا القيم التي حملتها الجمهورية من المساواة والتعليم وحرية الفكر.
ومع تصاعد التوتر بين الفاشيين والقوى اليسارية الجمهورية، عبر لوركا عن قلقه من اتجاه البلاد إلى العنف، ورفض في أعماله الاستبداد والتعصب الديني والاجتماعي، وآمن بأن الفن يجب أن يكون صوتًا للإنسان لا أداة للسلطة.
لماذا أعدم الشاعر لوركا؟
في 18 يوليو عام 1936، وبعد اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية بعد انقلاب عسكرية بقيادة الجنرال فرانكو ضد الجمهورية المنتخبة، ومع الأيام الأولى من الانقلاب، بدأت قوات فرانكو حملة اعتقالات وتصفيات لكل من يعارض أو يشتبه معارضته للانقلاب، أو من يظهر تعاطفيًا مع الجمهورية، وخاصة من الفنانين والمثقفين.
ورغم أن فيديريكو غارثيا لوركا لم يكن سياسيًا، إلا أنه أصبح هدفًا واضحة لفرانكو، وذلك لإعلانه دعم قيم الجمهورية علنًا، وآرائه الجريئة في مسرحياته وقصائده، وانتقاده للطبقية في البلاد، فضلًا عن مثليته الجنسية، التي أثارت حقد المحافظين والقوميين المتشددين.
وفي 16 أغسطس عام 1936، اعتقل لوركا في منزل عائلة صديقه في غرناطة، وبعد يومين تقريبًا أعدم رميًا بالرصاص على يد ميليشيات الفاشية في الشارع دون محاكمة أو تهمة رسمية.
بعد وفاته، لم يعثر على جثمانه حتى الآن، وظل قبره مجهولًا، ليصبح رمزًا للضحايا الذين سقطوا على يد الفاشيين وتلك الحرب المأساوية.
![فيديريكو غارثيا لوركا.. شاعر الأندلس الذي تحدى السلطة بشعره]()