يعد الفنان الجزائري محمد راسم من أبرز الفنانين في الجزائر والوطن العربي والإسلامي، فقد كان رائدًا في إحياء فن المنمنمات بأسلوب عصري، وتميز برؤيته الفنية النادرة وأعماله المميزة عبرت عن الهوية الوطنية الجزائرية، في السطور التالية تعرف على مسيرته الفنية وحياته.
من هو محمد راسم؟
هو رسام وفنان جزائري متخصص في فن المنمنمات، ولد في عام في 24 يونيو عام 1896 في الجزائر بحي القصبة، ويعتبر من أوائل الرسامين في الجزائر.
نشأ راسم في أسرة فنية من الحرفيين والمبدعين في زخرفة الخشب والنقش على النحاس، وهو ما جعله شغوفًا بالفن والرسم منذ سن مبكرًا.
بدأ راسم مشواره الفني في سن مبكرة، فبعد التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة، اكتشف حبه لفن المنمنمات، وطور أسلوبًا خاصًا به. أصدر محمد راسم لوحات مميزة جسد فيها الحياة اليومية والتراث الإسلامية والأبطال الشعبيين، وحاز على ميدالية ذهبية في باريس، وكان من أوائل الفنانين العربي الذين عرضوا أعمالهم في أوروبا.
خلال الاحتلال الفرنسي، استخدم راسم لوحات للمقاومة الثقافية ضد طمس الهوية، ورسم لوحات تعبر عن الذاكرة الجزائرية والإسلامية. وعلى الرغم من أعماله الرائعة، انتهت حياته بشكل مأساوي وغامض، وظلت وفاته لغزًا حتى الآن.
نشأته وتعليمه
ولد الفنان محمد راسم في حي القصبة العتيق في مدينة الجزائري لعائلة من فنانين وحرفيين من أصول تركية عرفت بإتقانها الفنون التقليدية. والده كان فنانًا في الحفر على الخشب والنقش على النحاس، بينما عمه كان بارعًا في حفر شواهد القبور، أما شقيقه عمر فكان خطاطًا ومفكرًا دينيًا ومن أبرز الوجوه الثقافية المقاومة للاحتلال.
نشا راسم وسط هذه البيئة الفنية، وكان من الطبيعي أن يتأثر بها، فقد عمل في مكتب الرسم التابع لمديرية الفنون الأهلية تحت إشراف المستشرق الفرنسي بروسبر ريكارد، واكتشب مبكرًا موهبته الاستثنائية.
في سن الرابعة عشرة، بدأ راسم في استنساخ زخارف السجات والمطرزات والمنحوتات الخشبية، واكتشف خلال تلك الفترة المنمنمات الفارسية، والتي حولت مسيرته من حرفي موهوب إلى فنان صاحب رؤية.
![محمد راسم.. الفنان الجزائري عبقري فن المنمنمات]()
خطوته الأولى نحو الاحترافية
تلقى الفنان محمد راسم دعمًا فنيًا من عمه، ثم من المستشرق الفرنسي المسلم نصر الدين دينيه، الذي أعجب بموهبته، وكلفه برسم 15 لوحة تزويجية لكتاب "حياة محمد رسول الله" وهو كتاب ألفه دينيه بالاشتراك مع المفكر الجزائري سليمان بن إبراهيم.
عرضت أولى أعمال محمدر اسم في عام 1923 ضمن صالون جمعية الفنانين الجزائريين والمستشرقين، وحصل وسامًا مرموًا من جمعية الرسامين المستشرقين الفرنسيين، كما حصل على منحة من بلدية الجزائر للإقامة في باريس لمدة 8 سنوات.
في باريس، تعمق راسم في عالم المنمنمات أكثر، وقدم أعمال فنيه بارزة طور فيها أسلوبه الخاص، ومنها زخرفة نسخة من ألف ليلة وليلة في 12 مجلدًا.
رائد فن المنمنمات في الجزائر
في عام 1933، أصبح محمد راسم أول فنان جزائري يحصل على الجائزة الفنية الكبرى في الجزائر، ومن ثم تم تعيينه أستاذًا في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة، وهناك أسس أول مدرسة جزائرية لفن المنمنات، واستمر في الرسم حتى عام 1955.
في عام 1962، تم تعيين راسم مستشارًا لوزير الثقافة، حيث أصبح مرجعًا وطنيًا في الفن والهوية، وعرضت أعماله في معارض حول العالم من باريس إلى القاهرة من وتونس إلى ستوكهولم، وما زالت أعماله تعرض في متحف الفنون الجميلة في العاصمة الجزائر.
![محمد راسم.. الفنان الجزائري عبقري فن المنمنمات]()
أسلوب محمد راسم الفني
امتزجت في أعمال راسم تقنيات المنمنمة الفارسية والمغولية التقليدية مع حساسية بصرية مستمدة من المنظور الغربي، في أسلوب لم يكن مألوفًا في منطقة المغرب العربي. ركّزت لوحاته على حياة الجزائر ما قبل الاستعمار، وأعادت تخيل مشاهد من الحياة اليومية، والاحتفالات الدينية، والأحداث التاريخية بأسلوب جمالي دقيق وغني بالتفاصيل والألوان.
وقد وصفه مؤرخ الفن روجر بنجامين بأنه فنان استخدم عمدًا "المنظور غير المثالي" ليؤكد جذوره المغاربية، ويرد على الأساليب الاستشراقية التي شوّهت صورة الشرق. فأعمال راسم ليست فقط احتفاءً بالجمال، بل مقاومة ثقافية تهدف إلى حماية هوية مهددة بالطمس.
كان يرسم عناوين للوحات تحمل طابع "فارسي" أو "مصري"، ويحرص على أن تُشير لوحاته إلى نسبها الفني، وكأنها بيان ضمني بأن الجزائر قادرة على إنتاج جمالها الخاص دون استعارة بصرية من الغرب.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، صرّح بأنه كان يرسم من أجل "ترسيخ الثقافة العربية التي يطمسها الاستعمار الفرنسي سريعًا".
![محمد راسم.. الفنان الجزائري عبقري فن المنمنمات]()
نهايته الغامضة
في عام 1975، رحل الفنان محمد راسم عن حياتنا بطريقة مأساوية، حيث اغتيل مع زوجته السويدية كارين بونديسون في منطقة الأبيار في الجزائر العاصمة في حادث غامض لا تزال تفاصيله مبهمة حتى الآن، فيما اعتقد أنه اكانت عملية سرقة للوحاته أدت إلى قتله.
ورغم وفاته المأساوية، لا يزال إرثه الفني حاضرًا للإشارة إلى فنان عظيم وهب حياته من أجل الفن والحفاظ على التراث.
في عام 1992، تم تنظيم معرضًا لأعماله الفنية من تنظيم معهد العالم العربي في باريس للاحتفاء بفنان استطاع أن يرسم ذاكرة وطنه بريشته.
احتفاء جوجل بمحمد راسم
في 24 يونيو عام 2021، احتفل عملاق محركات البحث جوجل بذكرى ميلاد الفنان الجزائري محمد راسم، ووضعت جوجل صورته على الصحفة الرئيسية، وظهر فيها وهو ممسك بريشته أمام لوحة مرسومة على طريقة المنمنمات.