هنري فيلدنغ.. الأديب رائد الرواية الإنجليزية الحديثة

يعد الأديب والروائي الإنجليزي هنري فيلدنغ من أهم وأشهر الروائيين الإنجليز في القرن الثامن عشر، وقد اشتهر بأعماله الروائية الفكاهية والساخرة، ولعل أشهر أعماله وأكثرها انتشارًا رواية "تاريخ توم جونز اللقيط" التي تعد من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي وأكثر الأعمال الأدبية شهرة، تعرف أكثر على مسيرته الأدبية وحياته.

من هو هنري فيلدنغ؟

هو أديب وكاتب وقاضي إنجليزي ولد في 22 أبريل عام 1707 في شاربهام بارك في مقاطعة سومرست في إنجلترا ويعد من أهم وأشهر الروائيين الإنجليز في القرن السابع عشر.

توفيت والدة  هنري عندما كان عمره 11 عامًا، وربته بعدها جدته من أمه التي رفعت دعوى حضانة ضد والده كونه كان أبًا غير مسؤولًا، ولكن كان هنري يزور والده في لندن باستمرار.

كان هنري طائشًا في شبابه وسنوات مراهقته، فقد حاول اختطاف ابنة عمه سارة أندروز الذي كان مفتونًا بها خلال طريقها إلى الكنيسة، ولكنه فشل وهرب لتنجب الملاحقة القضائية.

درس هنري الكلاسيكيات والقانون في الجامعة ف يمدينة لايدن الهولندية، ولكنه اضطر إلى العودة إلى لندن بسبب الفقر حيث بدأ مهنته في كتابة المسرحيات التي استخدمها لتوجيه انتقادات لاذعة للحكومة في ذلك الوقت.

كانت شقيقته سارة فيلدنج كاتبة وروائية ناجحة أيضًا، وقد كتبت عدة روايات وأشهرها رواية "المربية" والتي تستهدف الأطفال.

زوجته

تزوج هنري فيلدنغ من شارلوت كاردوك عام 1934 ورزق منها ب5 أطفال، ولقد توفيت زوجته عام 1744. توفيت ابنتهما الوحيدة هنريتا عن عمر 23 عامًا بسبب المرض، وكانت قد تزوجت قبل وفاتها بعدة أشهر من المهندس جيمس غابرييل مونتريسور.

بعد وفاة زوجته الأولى شارلوت تزوج من خادمتها السابقة ماري دانيال التي كانت حاملًا، وقد أثار هذا الزواج جدلًا واسعًا، وقد أنجب من زوجته ماري 5 أطفال ثلاث بنات ماتوا وهن صغيرات وولدين وهما ويليام وألين.

مسيرته المهنية في القضاء

عمل هنري فيلدنغ في مهنة القضاء لسنوات، وقد كان يُعرف بأنه مناهضًا لليعقوبية ويدعم كنيسة إنجلترا، وهذا أدى إلى تعيينه رئيسًا للقضاء في مقاطعة وستمنستر، وخلال عمله في القضاء كانت يكتب القصص والروايات وزادت شهرته بشكل كبير.

اشتهر هنري بأحكامه النزيهة وقد كان حاكمًا صالحًا يتعاطف مع الفقراء ويرفق عدم المساواة والظلم، كما أنه كان يرفض أخذ الأموال من الفقراء وأسس أول قوة شرطة في لندن عام 1749 بمساعدة أخيه غير الشقيق جون.

اعتبر هنري من بين أفضل القضاة في لندن في القرن الثامن عشر، فقد قام بجهود جبارة لتعزيز الإصلاح الاقتصادي وتحسين ظروف السجون، كما قدم العديد من المنشورات والاقتراحات لإلغاء عقوبة الشنق العلني، ولكنه لم يكن يرفض حكم الإعدام بشكل عام.

كتب فيلدينغ عدة كتب ومنشورات في مجال القضاء ومنها "أمثلة على تدخل العناية الإلهية في الكشف عن جرائم القتل والمعاثبة عليها"، كما كتب "مقترحات لتوفير مخصصات فعالة للفقراء".

مسيرته الأدبية

بدأ هنري فيلدينغ مسيرته الأدبية بكتابة المسرحيات، وكان في البداية يختار لنفسه أسماء مستعارة، وقد اشتهر بكتاباته الساخرة التي تنتقد السياسة في البلاد بشكل لاذع.

ترك فيلدينغ الكتابة المسرحية لحاجته للمال وعمل في مهنة المحاماة، ولكن بسبب الفقر اتجه مرة أخرى إلى الكتابة وألف عدة مسرحيات منها "مأساة المآسي" التي حققت نجاحًا كبيرًا.

بجانب الكتابة المسرحية كان يكتب العديد من المقالات السياسية التي كتب فيها نقدًا ساخرًا للسياسة في لندن وبالطبع كان يكتب تحت اسم مستعار حتى لا يتم كشف.

كانت بداية فيلدينغ في كتابة الروايات عام 1741 وقد كتب أول رواية له بعنوان "شاميلا" وهي رواية هزلية وساخرة. كتب بعدها رواية "أندروز" والتي مج فيها بين الملحمة الشعرية والتقليد الدرامي وقد كانت شكلًا أدبيًا جديدًا وصف بأنه "قصيدة ملحمية كوميدية ونثرية"، وبعد هذه الرواية تم النظر إليه على انه روائي جاد وبارع.

من رواياته الناجحة أيضًا رواية "حياة وموت جوناثان وايلد العظيم" والتي تعتبر أولى رواياته ولكنه نشرها متأخرًا، كتب كذلك رواية "الزوج الأنثى" والتي تحدث فيها عن محاكمة متخنثة بتهمة خداع امرأة أخرى للزواج.

ألف فيلدينغ روايته الأخيرة بعنوان "أميليا الحزينة" عام  1751 وهي آخر رواية ينشرها قبل وفاته.

تاريخ توم جونز اللقيط هنري فيلدنغ

كانت روايته "تاريخ توم جونز اللقيط" من أشهر الروايات التي ألفها هنري فيلدنغ وأعظمها على الإطلاق وهي رواية كوميدية ساخرة نشرت عام 1749 وتعتبر من أهم الأعمال الأدبية في القرن الثامن عشر، وتتبع الرواية رحلة بطل مغامر من الطبقة الفقيرة يواجه العديد من التحديات والمواقف.

تروي الرواية قصة شاب ذكي ووسيم اسم توم جونز الذي تربى على يد رجل ثري وطيب القلب اسم سكوير ألورثي ويعامله كابنه، ولكنه يقع في حب الخادمة لذا يضطر إلى الهرب من المنزل وتبدأ رحلته المليئة بالمغامرات حيث يلتقى بشخصيات مختلفة ويواجه مواقف صعبة مثل السجن ظلمًا أو الاختطاع من قبل قطاع الطرق، كما أنه يقع في حب العديد من النساء.

يقدم فيلدنغ من خلال هذه الرواية صورة واقعية للمجتمع الإنجليزي في القرن الثامن عشر، وقد ناقش العديد من القضايا المهمة في الرواية منها الحب والزواج والعدالة والطبقات الاجتماعية، وتتميز الرواية بأسلوبها الساخر وشخصياتها الممتعة والمغامرات الرائعة.

حققت الرواية نجاحًا كبيرًا عندما نشرت ولا تزال تقرأ حتى وقتنا هذا، وقد اشتهر بإضافة تعليقه قبل كل فصل الذي أضاف بعدًا إلى السرد التقليدي والمباشر.

وفاة هنري فيلدنغ

 توفي هنري فيلدنغ في 8 أكتوبر عام 1954عن عمر 47 عامًا في لشبونة في مملكة البرتغال حيث سافر في رحلة بصحبة ابنته وزوجته  ولكن تدهورت حالته الصحية في الأشهر الأخيرة التي سبقت وفاته وعانى من الربو والنقرس وتليف الكبد واضطر التحرك على عكازين، كما يقال أنه كان يعاني من اضطرابات عقلية قبل الوفاة. دفن فيلدنغ في المقبرة البريطانية في كنيسة القديس جورج في لشبونة.