أجمل ما قيل عن الوفاء وعن الغدر

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الثلاثاء، 03 أغسطس 2021
مقالات ذات صلة
أجمل ما قيل من شعر عن الوطن
أجمل ما قيل في حب الأم؟.. عبارات دافئة لأعظم قلب
ريال مدريد ينفذ حيلة ذكية خوفاً من غدر مبابي

مَن مِنَّا لا يقدِّر الوفاء!؟ فهذه الخصلة ليست نادرة وحسب، بل إنَّها لا تجتمع لشخصٍ إلَّا وفيه من كريم الأخلاق ما يؤهله ليكون وفيّاً، كما أنَّ في الحنثِ وقلَّة الوفاء ألمٌ كبيرٌ لنا جميعاً، حسبنا أنَّ بهاء الدين زهير قال في هجاء الجاهل:

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

أقْبَحُ مِنْ وَعْدٍ بِلا وَفَاءِ، ومِن زوالِ النِّعمةِ الحَسناءِ

أبغَضُ للعينِ مِنَ الأقْذاءِ، أثقَلُ مِن شَماتَةِ الأعْداءِ

في هذه المادة جمعنا لكم أبرز ما قيل في الشِّعر العربي عن الوفاء من زاوية مختلفة، ومنه ما قيل عن قلَّة الوفاء والغدر، نتمنى أن تجدوا بينها ما يلامسكم وينال إعجابكم.

 

الوفاء في الحبِّ كشراع سَّفينة بلا زوارق نجاة

كان موقع بابونج قد أعد لكم مادَّة عن أشياء وتصرفات تقتل الحب وقد رأينا في عدم الوفاء بالوعود وفي الخيانة قتلاً عمداً للحبِّ وللعلاقة برمتها.

مثلاً؛ الحبُّ عند بدوي الجبل هو ما يكون الأكثر وفاءً:

يُحبُّ قَلبي خَباياهُ ويَعبُدها إذا تبرّأ قَلبٌ مِن خَباياهُ

طفولةُ الرُّوحِ أغلَى ما أدلُّ بهِ والحُبُّ أعنفُهُ عِندي وأوفاهُ

قَلبي الَّذي لوَّن الدُّنيا بجذوَتِهِ أحلَى مِن النُّور نُعماهُ وبؤساهُ

غرٌّ وأرفعُ ما فيهِ غَرارتِهِ وأنذلُ الحُبِّ -جَلَّ الحُبُّ- أدهاهُ

وابن شهاب يستعجل محبوبته بوفاء وعدها بالوصل ويذكِّرُها أو يذكِّر عذالهما بإخلاصه ووفائه، يقول ابن شهاب:

أضمرت هِندُ لي جزاءً وفاءَ، وانثنى السَّعدُ لِي مطيعاً وفَاءَ (فاءَ: رجع وعطف)

آنَ لي أنْ أنالَ مِـن قُربِ هِندٍ مَا يُغيظُ الوشَاةَ والرُّقباءَ

إنَّني مُخلصُ المحبَّةَ والنَّاسُ يحبونَ سُمعةً أو رِياءَ

وانظروا إلى البحتري كيف يعاتب أحبابه عتاب مكلومٍ كواه الشَّوق وضرَّه نكث الوعود، يقول البحتري:

سَلامٌ عَليكُمْ، لا وَفَاءٌ ولاَ عَهدُ، أما لَكُمُ مِن هَجرِ أحبابكُمْ بُدُّ

أأحبَابَنا قَدْ أنجَزَ البَينُ وَعْدَهُ وَشيكاً، ولمْ يُنجَزْ لنَا منكُمُ وَعْدُ!

أأطلالَ دارِ العَامرِيّةِ باللِّوَى سَقَتْ رَبعَكِ الأنوَاءُ، ما فعلَتْ هندُ؟

أدَارَ اللّوَى بَينَ الصَّريمَةِ والحمَى، أمَا للهّوَى إلَّا رَسيسُ الجَوَى قَصْدُ

بنَفسِيَ مَن عَذَّبتُ نَفسِي بحُبّهِ، وإنْ لمْ يكُنْ منهُ وِصَالٌ وَلاَ وِدّ

وللشَّاعر البُرعي نجوى فيها من اليأس ما فيها من الأمل، يأس من الوعود ويأسٌ حتَّى من البكاء على ناكثيها:

إذا عَهدوا فلَيسَ لهمْ وفاءُ، وإنْ وَعَدوا فموعِدُهمْ هَباءُ

وإنْ أرضيتَهمْ غَضبوا مَلالاً، وإنْ أحسنتَ عِشرتَهُمْ أساءوا!

فطِبْ نَفساً جَعلت فِداكَ عَنهمْ ولا تَبكي فما يُغني البُكاءُ

أما أبو فراس الحمداني فلديه طريقة مختلفة فهو يستخرج من الغدر الوفاء، يقول:

أيا ظَالماً أمسى يعاتبُ منصفا‍، أتُلزمني ذَنبَ المُسيء تَعجرُفا؟!

بَدَأتَ بتَنْمِيقِ العِتابِ مَخَافَةَ العِتابِ وذكري بالجفا خشيةَ الجفا!‍

أوافي عَلى عِلَّاتِ عتبكَ صَابراً وألفي عَلى حَالاتِ ظُلمكَ مُنصِفَا

وكُنتُ إذا صَافيتُ خِلّاً مَنحتُهُ بهجرانِهِ وَصلاً، ومِنْ غَدرهِ وَفا

ويقول عرقلة الكلبي:

أَما آنَ للغضبانِ أَنْ يتعطَّفا لقد زَادَ ظُلماً في القَطيعةِ والجَفا

بعادٌ ولا قُربٌ، وسَخطٌ ولا رضىً، وهجرٌ ولا وصلٌ، وغدرٌ ولا وَفَا

كَفاني غَراماً كـالغَريمِ عَلى النَّوى وعِندي مِن الشَّوق المبرِحِ مَا كَفَى

وفي هذه الأبيات نجد التحذير في الهوى من غدر الإناث بشكل خاص، وهي تنسب إلى الإمام علي بن أبي طالب وإن لم تتفق مع منطق شِعرهِ.

يمكنكم مراجعة أزمة جمع تراث الإمام علي الشِّعري والأدبي من خلال هذا الرَّابط، أما الأبيات فهي:

دَعْ ذكرَهنَّ فما لَهُنَّ وَفاءُ، ريحُ الصَّبا وعهودُهنَّ سَواءُ

يَكسِرنَ قَـلبَكَ ثُمَّ لا يَجبُرنَهُ وقلوبُهنَّ مِن الوَفاءِ خَلاءُ

وإذا عُدنا إلى بهاء الدين زهير الذي بدأنا معه هذه المادة نجده يفاخر بوفائه ويشترط في من يحبه أن يبادله هذا الوفاء، فيقول:

وَلي في الحُبِّ أخـلاقٌ كِرامٌ؛ فسَلْ مَن شِئتَ عَني وامتَحِنِّي

وحيثُ يَكونُ في الدُّنيا وفاءٌ هنالكَ إنْ تسلْ عني تَجدنِي

حَبيبي مَنْ أكونُ لهُ حَبيباً ويَجزيني الوَفَا وَزْناً بوَزْنِ

ولَستُ أرَى لمَن هوَ لا يَراني هَواناً بالهَوَى كَمْ ذَا التَّجَنِّي

ويقول الخبز أرزي مطالباً بحقِّه في الوفاء:

إلى الماءِ يسعَى مَن يَغصُّ بأكلةٍ؛ فقُلْ أينَ يَسعى مَن يغصُّ بماءِ؟!

لك العَفو عمَّا قَد مضَى ولَكَ الرِّضى، ولي أنْ تُوَفِّي لي حُقوقَ وَفاءِ

ونختم هذه الفقرة مع الشَّاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد الذي تمنى لو أنَّ الحبيب الذي باعه قد باعه بيع الأوفياء، يقول:

أشعلـتِ حبَّكِ في دِمائي وسَكَنتِ في زَرعي ومَائي

ومَلأتِ كـلَّ مواسمي ومـلَكتِ حتَّى كِبريائي

إنْ كُنتُ بعضاً مِن رَجاكِ؛ فأنـتِ لي كُلَّ الرَّجاءِ

أنا مَا خلَعتُكِ مِن دَمي! أنا مِا دفعتُكِ من سَمائي!

وفعلتِ أنتِ فَبعتِني.. يا لَيتَ بيعَ الأوفياء!

 

"وجربنا، وجرَّبَ أولونا فلا شيء أعزُّ مِن الوَفاءِ"

بعد أن استعرضنا أبيات الوفاء في الحبِّ وطريقة تعامل الشُّعراء مع الوفاء من هذا الباب ننتقل وإياكم إلى المفهوم العام للوفاء في الشِّعر العربي لنستعرض معاً أبيات الحكمة التي قيلت عن الوفاء.

ونبدأ مع علي بن الجهم الذي يقول:

حَلَبْنا الدَّهرَ أشطرَه ومرَّتْ بِنا عُقبُ الشدائدِ والرَّخاءِ

فلَم آسفْ عَلى دُنيا تولَّتْ ولِم نسبقْ إِلى حُسنِ العَزاءِ

ولَم ندَع الحَياءَ لمسِّ ضُرٍ، وبعضُ الضَّرِّ يذَهبُ بالحَياءِ

وجرَبنا وجَرَّبَ أولونا؛ فلا شَيء أعزُّ مِن الوَفاءِ

ويقول الشَّاعر في الوفاء:

إِنَّ الوفاءَ عَلى الكَريمِ فريضةٌ، واللُّؤمُ مقرونٌ بذي الإِخلافِ

وتَرَى الكَريمَ لمن يعاشرُ مُنْصفاً، وتَرَى اللَّئيمَ مُجانبَ الإِنصافِ

أما البحتري فيقدم معادلة بسيطة للوفاء "إن وفيت تجدني وفياً وإن غدرت تجدني متخلياً عنك وعن غدرِك"، أليس هذا معنى قوله:

عَزمي الوفاءُ لمَنْ وَفى، والغَدرُ ليسَ بهِ خَفا

صِلني أصلكَ، فإنْ تَخُن؛ فـعَلَى مودتِكَ العَفا

أمَّا أبو العلاء المعري فيرى أنَّ الوفاء والغدر سماتٌ موروثة يتبع فيها الفرعُ أصله؛ يقول المعري:

حوَتْنا شُرُورٌ لا صلاحَ لمثلِها؛ فإنْ شَـذَّ مِنّا صـالحٌ فهو نَادرُ

ومَا فَـسدَتْ أخلاقُنا باختيارِنا ولَكِنْ بأمرٍ سبَّـبتْهُ المَقادِرُ

وفي الأصلِ غِشٌّ والفروعُ تَوابعٌ؛ وكَيفَ وَفاءُ النَّجْلِ والأبُ غادِرُ

والمعري كعادته يائسٌ مِن النَّاس فلا يكاد يرى فيهم ما يستحق عناء التمني، يقول أبو العلاء:

أترومُ من زمنٍ وفاءً مُرضياً، إنّ الزّمانَ كأهلِه غدَّارُ

تقِفونَ والفُلكُ المُسخَّرُ دائرٌ، وتقدِّرونَ فتَضحكُ الأقدارُ

وفي أبيات الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي حكمة عميقة حين يقول:

كَما ميَّزَ الـرحمنُ بينَ عبادِهِ إذا دُفنوا في الأرضِ مِن ضَغطةِ القبرِ

فضمٌ لتعذيبٍ، وضمُ تعشقٍ فلا بُـدَ مِنهُ؛ فاعلموا ذَاكَ مِن شِعري

قَد اشتركا في الضَّمِ مَن كَان ذا وَفا، لمَّا كَانَ في عهدٍ ومَن كانَ ذَا غَدرِ

يجيءُ بأعذارٍ ليُقبلَ عُذرهُ، ولَيـسَ لهُ يَومَ القيامةِ مِنْ عُذرِ

وعند الشَّاعر إيليا أبو ماضي الغدر وانعدام الوفاء شيمة من شيم الإنسان تتطلب الحذر، يقول:

والمرءُ وَحشٌ فإنْ تَرقَّى أصبحَ شرّاً مِن الوحوشِ

فخفهُ حُرّاً وخَفهُ رِقّاً وخَفهُ مَلكاً على العروشِ

فالشَّرُّ في النَّاسِ كانَ خَلقاً وأيُّ طَيرٍ بغيرِ رِيشِ؟!

ما قَامَ فيهم أخو وَفاءٍ يحفظُ عَهداً ولا رَحيمْ

فكلُّ مُستضعفٍ مُرائي وكُلُّ ذي قوَّةٍ غَشوم!

 

سمة الصَّديق الحقيقي وفاءٌ لا تشوبه شائبة

كما قلنا في مطلع حديثنا عن الوفاء فإن الوفاء خصلة الكرام، وإن كان الوفاء شراع سفينة الحبِّ فهو في الصَّداقة كلُّ الصَّداقة، وما أن يأخذ الغدر له بين الأصدقاءِ محلَّاً حتَّى تنقلب الصداقة عداوة.

وأول ما يطالعنا في ذلك قول الإمام محمد بن إدريس الشَّافعي في بعضٍ من أجمل أبيات الحكمة الشَّافعية:

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلَّا تَكَلُّفاً فَدَعهُ ولا تُـكثِر عليهِ التَّأسُّفا

فَفِي النَّاسِ أبدَالٌ، وفي التَّرْكِ رَاحةٌ، وفي القَلبِ صَبرٌ للحبيبِ ولَو جَفا

فَمَا كلُّ مَنْ تَهوَاهُ يَهوَاكَ قلبهُ، ولا كلُّ مَنْ صَافَيتَه لَكَ قَدْ صَفَا

إذا لَم يكُنْ صَفو الوِدادِ طَبيعةً فلا خَيرَ في ودٍ يجيءُ تكلُّفا

ولا خيرَ في خلٍّ يَخونُ خَليلَهُ ويلقاهُ مِن بَعدِ المودَّةِ بالجَفا

ويُنكِرُ عَيشاً قَدْ تَقَادمَ عَهدُهُ ويُظهِرُ سِرًّا كان بِالأمسِ قَدْ خَفَا

سَلامٌ على الدُّنيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعدِ مُنْصِفَا

أمَّا صفي الدين الحلي فيجد في وفاء الأصدقاء الصِّفة الأجدر بالثناء فيضعها في المقدمة، يقول:

لي صَاحبٌ إن خانَني دَهري وَفَى، وإذا تكَـدَّرَتِ المَنـاهِلُ لي صَفَا

تَبدو محَبَّتُه ويظهرُ ودُّهُ نحوي إذا مَا الودُّ بالملقِ اختَفَى

أجفو فيَمنحُني المَودّةَ طَالباً قُربي، وأمنَحُهُ الوِدَادَ إذا جَفَا

كلٌّ يَقولُ: لصاحبي عندي يدٌ إذ كَانَ لي دونَ الأنامِ قَد اصطفَى

كما كان بحث الشَّاعر عدنان النحوي عن الوفاء بحث الصياد عن أسماكهِ في الصَّحراء، يقول النَّحوي:

بَحَثتُ عَنِ الوَفاءِ فَلَمْ أجِدهُ عَلَى شَرفٍ ولا في بَطْـنِ وَادي

ولا بيْنَ السُّهـولِ ولا الـرَّوابي ولا بَينَ الحَـواضِـرِ والبـوَادي

ولا بَينَ المَنازِلِ والحَـوَاري عَلى طُولِ المَرابـعِ والبِلادِ

عجِبتُ وكُلّمّا صَـادَقْتُ خِلاًّ سَأَلـتُ أصـاحِبٌ ذا أم مُعَـادي؟!

وحِرتُ مَعَ المُنافِق، كَمْ جَهـولٍ يَظـنُّ نِفاقَـهُ فِطَنَ الرَّشَـادِ

ومَهما جُدتَ بالمعروفِ سَمْحاً تُسَوَّدُ عِنْدَه بِيـضُ الأيادي

ويقول الشَّاعر اللُّبناني إبراهيم ناجي:

مَا في زَمانِكَ مَن تَرجو مَودَّتَه إلا كريمٌ لأبناءِ الكِرامِ صَفا

فما أخو اللُّؤمِ للحرِّ الكَريمِ أخٌ، ولا صديقٌ إذا خَانَ الزَّمانُ وَفى

فعِش فريداً ولا تَركن إلى أحدٍ يجزيكَ مِن ثقةٍ أسلَفتَها لهفا

أو لا؛ فكُن أبداً منهُ عَلى حذرٍ وقدْ نصحتُكَ فيما قُلتُه وكفَى

ونختتم هذه الفقرة مع قول الإمام علي بن أبي طالب في الوفاء عند الأصدقاء ويبدو أنَّه قد ذاق ما ذاقه من قلَّة الوفاء إن صحت نسبة الأبيات إليه، فحتَّى الأوفياءُ لم يدم وفاؤهم، يقول:

تغيَّرتِ المودَّةُ والإخاءُ، وقلَّ الصِّدقُ وانقطعَ الرَّجاءُ

وأسلَمني الزَّمانُ إلى صَديقٍ كَثيرِ الغَدرِ لَيسَ لَه رَعاءُ

ورُبَّ أخٍ وَفَيتُ لهُ وفِيٍّ ولَكِن لا يَدومُ لَهُ وفاءُ

أخِلاَّءٌ إذا استَغنَيتُ عَنهُم، وأعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ

يديمونَ المودَّة ما رأوني ويبقَى الودُّ مَا بَقيَ اللِّقاءُ

وإن غَنيتُ عَن أحدٍ قلاني، وعَاقَبَنِي بمِا فيهِ اكتِفَاءُ

سَيُغْنِينِي الَّذي أَغْنَاهُ عَنِّي فَلاَ فَقْرٌ يَدُومُ ولا ثَرَاءُ

وكُلُّ موَدَّةٍ لله تَصْفُو، ولاَ يَصْفُو معَ الفِسْقِ الإِخَاءُ

و كلُّ جراحةٍ فلها دَواءٌ وسُوْءُ الخُلْقِ لَيسَ لَهُ دَوَاءُ

ولَيْسَ بِدَائِمٍ أَبَدا نعِيْمٌ كَذَاكَ البُؤْسُ لَيْسَ لهُ بَقَاءُ

 

شعر عن قلَّة الوفاء

قد مرَّ معنا في الفقرات السَّابقة بعض الأبيات عن قلَّة الوفاء، لكننا في هذه الفقرة نتناول أجمل ما قيل عن قلَّة الوفاء من وجهات نظرٍ شعرية مختلفة.

ونبدأ من حيث انتهينا في الفقرة الماضية مع الإمام علي بن أبي طالب الذي يقول:

ذهبَ الوَفاءُ ذهابَ أمسِ الذَّاهـبِ؛ فالنَّاسُ بينَ مُخاتِلٍ وموارِبِ

يغشونَ بينَهمُ المودَّةَ والصَّفا وقلوبُهم مَحشوةٌ بعقارِبِ

ويضيف آخر الخلفاء الرَّاشدين عليٌّ بن أبي طالب في السياق نفسه:

ماتَ الوفاءُ فلا رَفـدٌ ولا طَـمعُ في النَّاسِ لم يبقى إِلَّا اليَأسُ والجَزَعُ

فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به فالله أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبَعُ

ويقول كعب بن زهير مفرِّقاً بين الناكث والوافي:

لشتَّانَ مَن يَدعو فيوفي بعهدهِ ومَن هو للعهدِ المؤكَّدِ خالعُ

ويقول المتنبي أبو الطيب في انعدام الوفاء:

وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنَّاسِ تَستُرُهُ، ولا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ

غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ، وأعوَزَ الصِّدْقُ في الإخْبارِ والقَسَمِ

أما أبو الفضل الرياشي ففَقَدَ الأمل من الوفاء في هذه الدُّنيا، إذ نعى الصداقة دون أن يتحمَّل لأجلها أعباء الرِّثاء، يقول الرياشي:

إذا ذَهَب التكرُّم والـوَفاءُ وباد رِجالُه وبَقِي الغُثَاءُ

وأسلَمني الزَّمانُ إلى رِجالٍ كأمْثالِ الذِّئابِ لها عواءُ

صَديقٌ كُلَّما استَغْنيتُ عنهم وأَعْداءٌ إذا جَهَدَ البَلاءُ

إذا ما جئتهم يَتدافَعوني كأنِّي أجربٌ آذاه داءُ!

أقولُ ولا أُلاَم على مَقالٍ على الإخوانِ كُلِّهم العَفاءُ

كذلك وجد إبراهيم عبد القادر المازني أنَّ عهد الوفاء قد انتهى وذهبت أيامه، فيقول:

ذَهبَ الوَفاءُ فما أحسُّ وفاءَ وأرى الحِفاظَ تَكلُّفاً وريـاءَ

الـذِّنبُ لي أني وثقتُ وأنَّني أصفي الوِدادَ وأتبعُ الفلواءَ

نختتم الفقرة مع أبيات الشَّاعر محمد عزيز أباظة في طبع الوفاء الأصيل وطبع الوفاء الذي يخفي وراءه كل غدر، يقول أباظة:

مَا أهونَ الإِنسانَ إِن وفـَاءهُ إِمَّا اتقاءُ أذى وإِمَّا مَغنَمُ

عظُمَتْ عَلى أخلاقِه أكلافُهُ وهو المسيَّرُ في الحياةِ المُرغمُ

نفضَ التُّرابُ الضَعفَ في أعراقهِ وابنُ التُّرابِ الصَّاغِرُ المستَسلِمُ

 

أبيات ومقاطع متنوعة عن الوفاء

ختاماً... وصلنا إلى نهاية هذه المادة، نتمنى أن نكون قد قدمنا لكم ما يفيد ويمتع، وقد جمعنا لكم في النهاية أبياتاً ومقاطع شعرية متنوعة عن الوفاء وأحواله.

 يقول البحتري مادحاً مُعظِّماً شيمة الوفاء:

ولم يكُ واعداً وعداً كذوباً، ولا قَولاً يَقولُ بلا وَفاءِ

هو الخِلُّ الوَدودُ لكلِّ خِلٍّ يدومُ عَلى المودَّةِ والإخاءِ

ويقول خليل مطران مهنئاً بالزواج:

وفاءً كَهذا العَهدِ فليكُنْ العَهدُ وعَدلاً كَهذا العَقدِ فليكُنِ العَقدُ

قرانُكُما ما ساءه لَكُما الهَوى وبيتُكُما مَا شَادهُ لكُما السَّعدُ

هناءً وطيباً فالمنى ما رَضيتُما ودَهرُكُما صَفوٌ وعَيشُكُما رَغَدُ

أمَّا البحتري فيشكو بحرقة انقضاء وأد عهده، بل يرى أن الإخلاف ينمُّ عن مشاعر دون الوجد والحب، يقول:

بأبي أنتَ كِيفَ أخلَفتَ وَعْدِي وتَثاقَلـتَ عَنْ وفَاءٍ بعَهْدِي

لمْ تَجِدْ مِثلَ مَا وَجَدتُ ومَا أنْـصَفتَ إنْ لمْ تَجِدْ مثلَ وَجْدي!

كذلك يقول بشار بن برد في السياق نفسه:

خَلا هَـمُّ منْ لا يَتْبعُ اللَّهْوَ والـصِّبَا وما لهُموم العَاشِقينَ خَلاءُ

تَمَنَّيْتُ أنْ تَلقَى الرَّبابُ ورُبَّما تَمَنَّى الفَتَى أمراً وفيه شَقَاء (الرَّبابُ: العهد والميثاق)

لَعَمْرُ أَبِيها ما جَزَتْنَا بِنائلٍ وما كَانَ منْها بالوَفاءِ وَفاءُ

وابن زيدون (وهو آخر ما في جعبتنا) قد دان بالوفاء في الهوى، يقول:

غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى، فدعَوْا بِأنْ نَغَصَّ فَقالَ الدَّهر آمينَا

فَانحَلَّ مَا كـانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا، وانْبَتَّ مَا كَانَ مَوصُولاً بأيدِينَا

وقَدْ نَكُونُ ومَـا يُخشَى تَفَـرّقُنا، فاليومَ نحنُ ومَا يُرْجى تَلاقينَا

يا لَيتَ شِعرِي ولَم نُعتِبْ أعاديَكم، هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا!

لَم نعتقدْ بعدَكُمْ إلَّا الوفاء لكُمْ رَأياً، ولَمْ نَتَقلَّدْ غَيرَهُ دِينَا

ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذِي حَسَدٍ بِنا، ولا أنْ تَسُرّوا كَاشِحاً فِينَا