الانتخابات البرلمانية بعيون السوريين في الداخل والخارج
لم يكن من المتوقع أن تمرّ الانتخابات البرلمانية الأولى منذ سقوط نظام الأسد في سوريا بهذا الشكل. بالكاد بدت شوارع العاصمة السورية دمشق وكأنها تستعد لإجراء انتخابات. لم تكن هناك ملصقات للمرشحين في شوارع العاصمة وساحاتها الرئيسية، بحسب ما أفادت وكالة أسوشيتد برس.
حتى أن بعض السوريين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن إجراء الانتخابات أو عن آلية التصويت. قال إلياس القدسي، صاحب متجر في مدينة دمشق القديمة لوكالة أسوشيتد برس: "الآن علمت بالصدفة أن هناك انتخابات لمجلس الشعب. لكنني لا أعرف إن كان من المفترض أن نصوّت أم من سيصوّت".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
على الصعيد الآخر يشعر بعض السوريين باليأس وفقدان الأمل، فقالت سناء العلي لرويترز: "بصراحة، لست متفائلة بأي شيء. ليس لدي أي أمل في أي شيء على الإطلاق".
"انتخابات مجلس شعب دون شعب"
هذه الجملة التي ترددت على ألسن الكثير من السوريين الذين أبدوا انتقادهم للانتخابات الأخيرة التي لم يشاركوا فيها، كما أن بعضهم لم يتابع سير العملية الانتخابية أصلاً.
قالت ولاء. س (اسم مستعار) امرأة سورية 45 عاماً تعيش في ألمانيا، لـ DW عربية: "لم أتابع الانتخابات ليس لأنني غير مهتمة بشأن بلدي، ولكن ليس لدي شعور بأنها انتخابات حقيقية". وأضافت: "انتخابات مجلس الشعب تعني بالنسبة لي أن الشعب هو الذي ينتخب مرشحيه".
كما تعتبر ولاء أن ثلث الأعضاء الذين سيتم تعيينهم من قبل الرئيس الشرع نسبة كبيرة تعطّل العملية السياسية الديمقراطية، ما يعني أن الحكومة تسيّر مجلس الشعب كما تريد هي لا كما يريد الشعب.
ورأت 14 منظمة سورية في بيان مشترك الشهر الماضي أن الآلية تمكّن الرئيس من "تشكيل أغلبية برلمانية من أشخاص يختارهم بنفسه أو يضمن ولاءهم، ما قد يحوّل المجلس إلى هيئة ذات لون سياسي واحد ويقوّض مبدأ التعددية"، معتبرة أن ذلك يجعل "الانتخابات شكلية" وفق فرانس برس.
ومن جانبه يرى حسام الدين درويش، كاتب وباحث أكاديمي ومحاضر في جامعة كولونيا الألمانية أنه كان ينبغي على السلطة الحاكمة إفساح المجال للتعددية السياسية وقبولها عملياً ونظرياً. قال درويش في مقابلة مع DW عربية: "يتم ذلك نظرياً من خلال القوانين والتشريعات والإعلان الدستوري، كان يتوجب إفساح المجال لتوسّع أكبر للسلطة، بدخول أطراف أخرى مختصة، وجهات سياسية مختلفة". ومن الناحية العملية يرى درويش أن السلطات ممنوحة لطرف واحد، هو الرئيس والمقربين منه، وقال: "هناك رغبة بموقف واحد، وجبهة واحدة، وكتلة واحدة، بل هناك تخوين للتعددية وقمع لها وهذا هو منطق الاستبداد برأيي".
بين الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية
آلية الانتخابات غير المباشرة بررتها الحكومة السورية المؤقتة بنزوح أعداد كبيرة من السوريين أو فقدان وثائقهم الشخصية خلال الحرب بحسب نوار نجمة، المتحدث باسم اللجنة المشرفة على الانتخابات. وقال نجمة لوكالة أسوشيتد برس: "حلّت السلطات المؤقتة البرلمان السابق والأحزاب السياسية بعد سقوط الأسد، ولإنهاء "الفراغ التشريعي"، استقرت الحكومة على العملية الحالية"، وأضاف: "إنها ليست مثالية، لكنها الأكثر واقعية في المرحلة الحالية".
ومن جانبه قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في كلمة في المكتبة الوطنية أمام أعضاء اللجنة الانتخابية في دمشق يوم الأحد (الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2025): "صحيح أن العملية الانتخابية غير مكتملة، لكنها عملية متوسطة تتناسب مع الحال والظرف السوري الذي نمر فيه حالياً، وتتناسب أيضاً مع المرحلة الانتقالية"، وفق وكالة فرانس برس.
سلوك الحكومة السورية يبدو متناقضاً للبعض، إذ يرى حسام الدين درويش، أن تصريحات الحكومة السابقة لا تطابق تصرفاتها اليوم. فقال حسام الدين درويش إن السلطة الحاكمة كانت قد صرحت سابقاً بوضوح بأن الوضع لا يسمح بإجراء أي انتخابات، وأن الأمر يقتضي أربع أو خمس سنوات حتى تنتهي المرحلة الانتقالية، ومن ناحية أخرى تم ترتيب إجراء هذه الانتخابات على عجالة وبسرعة كبيرة، تضاهي وتناهز سرعة إجراء انتخابات في أي بلد آخر يمر بظروف عادية.
وعن تفسير ذلك قال درويش لـ DW عربية: "من ناحية ترغب السلطة الحاكمة بإعطاء نفسها أكبر قدر ممكن من الزمن لكي ترتب أمورها، وتكون قادرة على إجراء العمليات السياسية المطلوبة، وهي في حالة سيطرة". وأضاف: "من ناحية أخرى تعتبر السلطة الحاكمة أن لها سلطة شرعية وثورية كونها مَن أسقط النظام السابق، ولكنها ما زالت تشعر بأنها بحاجة إلى شرعية انتخابية".
وينظر درويش للانتخابات البرلمانية السورية على أنها تعيينات أكثر من أنها انتخابات، وقال: "هذه الانتخابات هي بالنهاية تعيين مباشر أو غير مباشر، والهيمنة فيها للسلطة بشكل هائل، من يصل إلى مجلس الشعب، إن لم يكن باختيار السلطة سيكون وصل برضاها على الأقل".
ومع ذلك يؤكد درويش أن البنية التحتية في سوريا غير جاهزة لعملية سياسية، "سوريا مقسّمة كبلد جغرافياً وسياسياً وعسكرياً، ليس هناك سيطرة أمنية كاملة، ليس فقط للدولة على الشعب، بل ليس هناك سيطرة من الدولة على الدولة نفسها".
وأرجأت السلطات التصويت في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومن بينها تلك التي يسيطر عليها الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا، وأيضا محافظة السويداء التي تسيطر عليها قوات تابعة لشيخ عقل الدروز حكمت الهجري.
"تجربة واعدة، لكنها لا تفي بتطلعات السوريين"
أبدى آخرون فرحتهم بمجرّد إجراء انتخابات في البلاد بعد سقوط نظام الأسد، ورأوا أنها خطوة أولى على طريق الديمقراطية. فعلّق مازن النعيمي على فيسبوك: "إجراء انتخابات بالمعنى الطبيعي غير ممكن حالياً، وبالرغم من كل هذا تقوم السلطة الحالية بمحاولة تطبيق الديموقراطية حتى يستطيع السوري البدء بالمشاركة وهذا أمر ممتاز".
وعن سير العملية الانتخابية قال أحمد مزنوق، عضو الهيئات الانتخابية لوكالة رويترز: "الانتخابات رائعة، سلسة، وأول تجربة منذ سقوط النظام، بشفافية تامة". وأضاف: "الأسماء أمامنا، ونختار من نثق بهم للوصول إلى قبة البرلمان، ممثلين للشعب، وتحقيق مطالبه. الحمد لله، كانت تجربة فريدة من نوعها."
في الوقت نفسه أبدى البعض تفاؤلاً مصحوباً بحذر وترقّب لما هو قادم. إذ يرى محمد كمال 63 عاماً سوري يعيش في ألمانيا، أنه بحسب الأمر الواقع فهذا أفضل ما يمكن فعله، وقال لـ DW عربية: "هذه التجربة الأولى بعد تصحّر سياسي دام لحوالي 60 عاماً، وغالباً ما تحمل التجربة الأولى أخطاء وثغرات، ومن الطبيعي ألا تحقق أحلامنا وما نطمح له".
ومن جهته انتقد كمال تمثيل المرأة الخجول في البرلمان السوري، وقال في مقابلة مع DW عربية: "تمثيل المرأة في البرلمان السوري ضئيل ومقلق، وتعويض هذا النقص بيد الشرع"، وأضاف أنه في حال عيّن الشرع أشخاصاً يمثلوه ومن نفس توجهه ستكون العملية مجرّد تعيينات لا انتخابات".