أمين معلوف.. الصوت العربي في قلب الأدب الفرنسي

ابن الشرق والغرب والكاتب متعدد الثقافات كلها ألقاب حصل عليها الكاتب اللبناني أمين معلوف، الذي يعد من أبرز  أصوات الشرق التي اختارت الكتابة بلغة الغرب، دون أن تفقد جذورها، فقد عبرت رواياته وأعماله عن التاريخ والهوية والمنفى والحضارات والانتماءات، في السطور التالية تعرف أكثر على أعماله الأدبية وحياته ونشأته.

من هو أمين معلوف؟

أمين رشدي معلوف هو كاتب وصحفي لبناني ولد في بيروت في 25 فبراير عام 1949، ويعد من أبرز الكتاب العرب الذين كتبوا باللغة الفرنسية، ونجح في أن يجمع بين الهويتين العربية والفرنسية في أعماله الأدبية.

نشأ أمين في أسرة متعددة الثقافات والأديان، وكانت لنشأته أثر على تفكيره. في السبعينات، وخلال العرب الأهلية، غادر أمين إلى فرنسا، وهناك بدأ كتابة رواياته باللغة الفرنسية. أصدر أمين العديد من الروايات التي ناقشت وقائع وأحداثاً تاريخية.

تميز أمين معلوف في كتاباته بالروح العربية، على الرغم من كتابته باللغة الفرنسية، فضلًا عن الدمج بين التاريخ والخيال واستكشاف الهوية والمنفى والانتماء، فأصبحت أعماله عبارة عن رؤية إنسانية تتجاوز الانقسامات القومية والعرقية والدينية كذلك.

نشأة أمين معلوف وطفولته

ولد الكاتب أمين معلوف في العاصمة اللبنانية بيروت في عائلة مسيحية من طائفتين مختلفتين، فوالده الصحفي والكاتب والشاعر اللبناني رشدي معلوف ينتمي إلى طائفة الروم الملكيين الكاثوليكية، أما والدته أديل غصين، فهي لبنانية من أم تركية تنتمي إلى الطائفة المارونية. وبسبب اختلاف طوائف والديه، عاش أمين في طفولته توترات كثيرة.

تزوج والدا أمين في مصر عام 1945، وعاش أمين فترة من حياته في مصر، إلا أن الأسرة قررت مغادرة مصر بعد سقوط الملكية. أمين هو الابن الثاني بين أربعة أطفال، فلديه 3 شقيقات اثنتان منهما يعملان في تدريس البيانو في فرنسا.

بعد عودة العائلة إلى لبنان، قضى معلوف معظم وقته في قرية عين القبو الجبلية في الصيف، بينما تقضي الأسرة الشتاء في بيروت بجانب الجامعة الأمريكية.

أمين هو سلسل أسرة متعددة الثقافات واللغات معروفة بحبها للكتابة والقراءة وعملها في الصحافة، فقد كانت العائلة تنظم أمسيات ثقافية بشكل منتظم، وتعرف من خلال هذه الأمسيات كبار الشعراء والأدباء العرب والعالميين.

كانت مكتبة والده تضم مئات الكتب من التراث العربي والكتب الكلاسيكية الأوروبية، لذا فقد نشأ على قراءة الأدب العربي والغربي، واكتشف الكتاب الروس والألمان والشعراء الإنجليز والفرنسيين.

دراسة أمين معلوف

درس الكاتب أمين معلوف في مدرسة سيدة الجمهور الفرنسية اليسوعية في بيروت، وأتقن فيها اللغتين الفرنسية واللاتينية بجانب العربية والإنجليزية. التحق بعدها بجامعة القديس يوسف حيث درس الاقتصاد، كما درس علم الاجتماع في مدرسة الآداب العليا الفرنسية، وحصل على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع والاقتصاد.

وبجانب دراسته الأساسية، حصل أمين خلال حياته على أكثر من دكتوراه فخرية من جامعات عربية وأجنبية، منها جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، والجامعة الأميركية في بيروت، وغيرها.

ما هي ديانة أمين معلوف؟

الكاتب أمين معلوف مسيحي.

مسيرته في الصحافة

بدأ الكاتب أمين معلوف مسيرته المهنية في الصحافة اقتداء بوالده، ففي سن 22 عامًا، وبعد إنهاء دراسته الجامعية، انضم إلى جريدة النهار، وعمل في البداية في الملحق الاقتصادي، وبعدها عمل في الصحف الدولية.

وخلال عمله في الجريدة، التقى أمين بشخصيات عربية أوروبية، كما كان مهتمًا بمتابعة الأخبار العالمية، فعمل مراسلًا لسنوات، وتنقل بين أكثر من 60 بلدًا، وغطى أحداثًا هامة حول العالم.

وهو في سن السابعة والعشرين من عمره، قرر أمين معلوف الهجرة من لبنان، أثناء الحرب الأهلية في لبنان، واتجه إلى فرنسا على متن باخرة، ليبدأ مسيرته الصحفية هناك مع مجلة إيكونوميا الاقتصادية.

عمل بعدها في مجلة جون أفريك الأسبوع، وأصبح رئيس تحريرها فيما بعد، كما عمل رئيسًا لتحرير الطبعة الدولية لجريدة النهار، والتي ظل مرتبطًا بها حتى عام 2009 تقريبًا. في عام 1981، حصل أمين معلوف على الجنسية الفرنسية.

كتب أمين معلوف

عمل أمين معلوف في الصحافة لسنوات، إلا أن حلمه بالعمل في ميدان الكتابة الحقيقي ظل يشغله لسنوات، ليقرر في النهاية التخلي عن الصحافة والتفرغ للأعمال الأدبية.

أصدر أمين كتابه الأول عام 1983 بعنوان "الحروب الصليبية كما رآها العرب" وصدر الكتاب باللغة الفرنسية، وترجم إلى العديد من اللغات، وحقق الكتاب نجاحًا كبيرًا.

جاءت فكرة كتابه الأول من حوار مع رئيس تحرير المجلة التي كان يعمل بها حول الحروب الصليبية، وقرر أن يصبح موضوع كتابه الأول عن تلك الحروب، ولكن من وجهة نظر العرب.

في عام 1986، أصدر أمين روايته الأولى"ليون الأفريقي"، وهي رواية مستوحاة من قصة حقيقية لرحالة القرن الـ16 حسن الوزان. في عام 1988، أصدر روايته الثانية والأشهر على الإطلاق "سمرقند"، والتي تعد من أجمل ما كتب أمين معلوف، ففي هذه الرواية أعاد خلق حياة عمر الخيام ورباعيته في بلاد فارس.

في روايته الثالثة "حدائق النور"، تناول أمين معلوف حياة مؤسسة المانوية الفارسي في القرن الثالث، أما روايته الثالثة فهي رواية "أوديسة بالتازار". أصدر أمين كذلك روايتين عن لبنان، وهما "موانئ الشرق"، التي فازت بالجائزة الأدبية الأولى في فرنسا، ورواية "صخرة طانيوس".

ومن من مؤلفات الكاتب اللبناني أمين معلوف المعاصرة رواية "التائهون"، وفيه تناول قضايا وشخصيات معاصرة، كما أصدر كتاب "بدايات"، وهي عبارة عن سيرة ذاتية عائلة تبدأ بمشهد وفاة والده بسبب الحرب، كما تناول حقبة ما بين الحرب الأهلية اللبنانية الأولى والثانية، وتعد من أفضل كتب أمين معلوف.

نشر معلوف كذلك كتاب "الهويات القاتلة"، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات نشرها في الفترة من 1998 حتى 2002، وقدم فيها تحليلات اجتماعية وتاريخية عن مفهوم الهوية، والكتاب يدُرس في جامعات بلجيكا ولطلبة الثانوية العامة في بروكسل.

جوائز وتكريمات

خلال مسيرته المهنية، حصل أمين معلوف على عشرات الجوائز والتكريمات بفضل مؤلفاته وجهوده في التقريب بين الشرق والغرب من خلال كتاباته. حصل أمين على جائزة دار الصحافة لرواية سمرقند عام 1988، كما وصلت روايته "ليون الأفريقي" إلى المرتبة ال11 من بين أفضل 20 كتابًا صدر باللغة الفرنسية عام 1986.

في عام 1986، حصل على جائزة الصداقة الفرنسية العربية، وفي عام 1991 حصل على جائزة اليونسيف لرعاية الطفولة والأمومة عن روايته "حدائق النور". في عام 1993، حصل على جائزة غونكور عن رواية صخرة طانيوس.

في عام 1999، حصل على الجائزة الأوروبية تشارلز فيون، وفي عام 2000، حصل على جائزة جاك أوديبيرتي. في عام 2003، حصل على نيشان الاستحقاق الوطني من رتبة ضابط، وفي عام 2010، حصل على جائزة أمير أستورياس الإسبانية للأدب.

في عام 2012، حصل على سيف الشرف بعد انضمامه للأكاديمية الفرنسية، وفي عام 2013، حصل على الوسام الأكبر لوسام الأرز الوطني اللبناني، ونيشان الاستحقاق الوطني من رتبة قائد عام 2014.

في عام 2020، حصل على جائزة وجودري، ووساما لاستحقاق الوطني من درجة الضابط الأكبر، وفي عام 2021، حصل على جائزة مجموعة سفراء الدول الفرنكوفونية في فرنسا عن كتابه "غرق الحضارات".

أول لبناني يصبح أمينًا للأكاديمية الفرنسية

في سبتمبر عام 2023، تم تعيين الكاتب أمين معلوف أمينًا عامًا دائمًا للأكاديمية الفرنسية، وهو منصب سيشغله لمدى الحياة، ليصبح  أول شخص من أصل غير فرنسي يشغل هذا المنصب.