برلين: مشروع إرشادي لمساعدة التلاميذ اللاجئين على متابعة دراستهم

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 02 مارس 2020
برلين: مشروع إرشادي لمساعدة التلاميذ اللاجئين على متابعة دراستهم

بعد ظهر يوم السبت في حي برلين ليشتنبرغ بالعاصمة الألمانية، يقرأ حوالي 50 طفلاً ومراهقًا النصوص العربية ويكتبون المعادلات الرياضية ويدرسون قوانين الفيزياء. في إحدى الغرف، يجلس تسعة أولاد وفتيات حول طاولة مستطيلة كبيرة مع خمسة مرشدين دراسيين. في الغرفة المجاورة، يعمل المرشدون مع الطلاب في مجموعات تتألف كل مجموعة من شخصين. وبينما ينخرط الطلاب في الدورات الدراسية، يتجاذب الآباء أطراف الحديث في الممر.

تقول نور، وهي فتاة سورية أتت إلى ألمانيا في عام 2016: "عندما لا أفهم شيئًا ما في المدرسة،آتي إلى هنا لتعلمه". تجد الفتاة البالغة من العمر 11 عامًا صعوبة في الرياضيات وأحيانًا مع اللغة الإنجليزية. ترجع الأمر إلى أن "بعض الكلمات صعبة في اللغة الألمانية"، وربما يرجع ذلك ايضاً إلى أن "المعلم في بعض الأحيان لا يفسر الأمور جيدًا".

نور هي واحدة من حوالي 150 طالبًا تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 عامًا ويتعلمون اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم الطبيعية والعربية لمدة ساعتين في نهاية كل أسبوع بمساعدة حوالي 20 معلمًا. يقدم مشروع (العودة إلى المسار – سوريا) دروسًا مجانية خارج المدرسة للشباب اللاجئين الناطقين بالعربية في برلين.

تستمتع شهد أيضًا بحضور جلسات العودة الى المسار Back on Track. وصلت الشابة السورية إلى برلين في عام 2015، آنذاك كانت العاشرة من عمرها. وقبل ذلك عاشت في تركيا وانقطعت عن التعليم لمدة 4 أعوام .

بعد أن حضرت فصلاً دراسياً بانتظام في برلين لنصف عام دون أن تتمكن من تحدث الكثير من الألمانية، انضمت شهد لعامين ونصف العام في صف ترحيبي خاص للطلاب الأجانب ثم نُقلت إلى مدرسة مخصصة للطلاب الذين يواجهون تحديات أو صعوبات تعليمية. واليوم، وصلت شهد -16 عاماً- إلى الصف الثامن وتستمتع بالموسيقى والفنون واللغة الانجليزية.

تقول كل من نور وشهد إن القدرة على التحدث باللغة العربية مع المرشدين التعليميين كانت سبباً كبيراً لتمكنهم من العودة إلى المسار التعليمي بشكل أكثر سهولة بعكس الفصول الدراسية العادية.

شغف بالتعليم
العودة إلى المسار - سوريا Back to Track Syria هي فكرة تعود لصاحبتها بترا بيكر، 57 عامًا ، والتي لديها شغف بالتعليم ويدعمها في ذلك الكثير من أولياء الأمور التعليم.

أثناء تلقيها الدراسات الإسلامية في ألمانيا في الثمانينيات، ذهبت بيكر إلى سوريا لتعلم اللغة العربية بشكل أفضل. تزوجت من رجل سوري هناك وعادت لاحقًا إلى برلين حيث وُلدت ابنتاها. بعد عشر سنوات من العمل كمترجمة فورية في ألمانيا ، عادت بيكر وعائلتها إلى سوريا في عام 2002 حيث ترأست فريق الترجمة في السفارة الألمانية.

على الرغم من أن الحرب الأهلية امتدت لتصل إلى دمشق في أوائل عام 2012، إلا أن بيكر قاومت فكرة مغادرة سوريا، حيث كان قد تبقى لابنتها الكبرى ثلاثة أشهر على إنهاء تعليمها الثانوي. ولكن في نهاية المطاف كان يتعين على بيكر وبناتها المغادرة.

في ألمانيا ، واجهت بيكر تحفظات من قبل العديد من المدارس الحكومية الألمانية لأن بناتها تلقين معظم تعليمهن في سوريا. ولأن بيكر ولدت في ألمانيا ، فقد تحدثت كلتا البنتين الألمانية بطلاقة.

على الرغم من أنها تمكنت في نهاية المطاف من إلحاق ابنتيها بالمدارس الألمانية، إلا أن التجربة جعلتها تتساءل عن مدى صعوبة الأمر بالنسبة للآباء غير الألمان الذين يحاولون إيجاد مدرسة مناسبة لأطفالهم.

المشكلة مع "فصول الترحيب"
في البداية، يلتحق الشباب والأطفال اللاجئين الذين يأتون إلى ألمانيا بما يسمى بفصول الترحيب (Willkommensklassen) لمدة سنة أو سنتين لتعلم اللغة الألمانية والاستعداد للفصول الدراسية العادية. بدأت فكرة فصول الترحيب في عام 2015 ، وهي ليست إلزامية وقد تختلف من مدرسة إلى أخرى.

تنتقد بيكر دورات الإعداد هذه وتعتبر الانتقال منها إلى الفصول الدراسية العادية هي جوهر المشكلة؛ فبعد الاتهاء من فصول الترحيب ، "لا أحد يتحقق مما إذا كانوا قد ذهبوا إلى المدرسة قبل وصولهم إلى ألمانيا عندما يتم إلحاقهم بالصف العادي أم لا". تقول بيكر

والنتيجة ، وفقًا لبيكر ، هي عدم قدرة المعلمين على التعامل مع الأمر، فبعض التلاميذ لا يكون لديهم أساس كافي في المادة الرياضيات مثلا.

البناء على نقاط القوة لدى الطلاب
جاءت فكرة العودة إلى المسار التعليمي لدى بيكر عندما التحقت ابنتها الصغرى بمركز مدرسة برلين البروتستانتية، وهي مدرسة تجريبية للتنظيم الذاتي والموارد الموجهة للتعليم، والتي تركز على البناء على نقاط القوة لدى الطلاب.

تقول بيكر: "لقد أدركت أن هذا يجب أن يكون هو المفتاح لتوصيل فكرة للأطفال والشباب وهي أنهم قادرون بالفعل على القيام بأشياء مختلفة ، والبناء على ذلك".

استجابت بيكر أيضًا لنصيحة العديد من المعلمين في مدارس الترحيب في برلين الذين قاموا بتدريس اللغة الألمانية كلغة ثانية: "لقد أوصوا بعدم تدريس اللغة الألمانية وإنما تدريس أي موضوع يحتاجه الطلاب للمساعدة في هذه المرحلة العمرية - بلغتهم الأم.

ما بدأ كمشروع مع عشرة أطفال أصبح في الوقت الحالي برنامجاً لخدمة 150 طفلاً يأتون بشكل أو بآخر بانتظام إلى ليشتنبرغ والفرع الثاني في تشارلوتنبيرغ في غرب برلين.تقول بيكر إنها وخلال سنواته الثلاث من إنشائه، عمل معلمو "برنامج العودة إلى المسار - سوريا" مع 350 من الأطفال والمراهقين الناطقين باللغة العربية والذين جاء معظمهم من سوريا، إلى جانب آخرين قدموا من العراق ولبنان بالإضافة إلى "عدد قليل جدًا" من مصر واليمن.

العمل التطوعي كموجه
إيهاب ساري هو واحد من حوالي 60 من الموجهين الذين يتطوعون بشكل منتظم لـلعمل في "برنامج العودة إلى المسار - سوريا". قبل وصوله إلى ألمانيا في عام 2015، عمل ساري مدرسًا للفيزياء والرياضيات في المدرسة الثانوية الأوروبية في دمشق. استأنف نشاطه التدريسي في عام 2018 في إحدى الثانويات الألمانية.

"من تجربتي مع فصول الترحيب أعرف بالضبط مدى صعوبة تعلم مواضيع مختلفة بلغة أجنبية" ، هذا ما أخبرنا به الشاب البالغ من العمر 28 عامًا. " برنامج العودة إلى المسار هو فرصة جيدة لسد الفجوة في الفترة ما بين ترك الدراسة والعودة إليها".

وفقًا لساري ، فإن هذا ينطبق بشكل خاص على موضوعات العلوم الطبيعية التي يقوم بتدريسها. لذلك يشرح الشاب السوري لطلابه المفاهيم باللغة العربية ثم يقوم بتدريس المصطلحات نفسها باللغة الألمانية، ما يساعد الطلاب على المشاركة في الفصول الدراسية. وجدير بالذكر أن حوالي واحد من كل أربعة شباب سوريين لديه فجوة تعليمية في مادة دراسية ما.

التحديات والفرص
تبدأ كل رحلة مع برنامج "العودة إلى المسار " باختبار تحديد المستوى لمعرفة ما يحتاجه القادمون الجدد في تلك اللحظة، ومستواه العلمي، وما إذا كانت هناك أي ثغرات لأنهم غابوا عن المدرسة والفصل الدراسي الذي كانوا فيه عندما غادروا سوريا. وتشير بيكر إلى أن الضغط الذي يمارسه الآباء على أولادهم هو من أكبر التحديات التي تواجههم "علينا أن نتوسط كثيرًا بين الطلاب وأولياء الأمور وأن نخفض من توقعات أولياء الأمور، إذ يتوقعون أن يتولى البرنامج جانباً من مهمة تعليم أبنائهم"، توضح بيكر.

"يمكن استنساخنا خمس مرات"
ترى بيكر أن ألمانيا بحاجة إلى الكثير من البرامج المشابهة لدعم الأطفال اللاجئين ومساعدتهم على متابعة مسارهم التعليمي.عند سؤالها عن البلدان التي تعتبرها رائدة في مسألة دمج الأطفال المهاجرين في نظام المدارس العامة، فإن بيكر ترى السويد في الدولة النموذجية في هذا الأمر: "على عكس ألمانيا، فإن السويد تجعل كل الوافدين الجدد يخوضون اختبار تقييم بلغتهم الأم قبل دخولهم إلى المدرسة. ثم ينضمون إلى الفصول العادية ويتلقون دروس اللغة في وقت واحد.

تقول بيكر: "سيكون من الرائع أن يتم تصنيف كل طفل من البداية [كما في السويد]". "إن تصنيف الأطفال وفقًا لمستواهم التعليمي لن ينقذ فقط الأهل بل سيوفر أيضاً على المدارس الكثير من الضغوط".

بنيامين باثكه/ع.ح - مهاجر نيوز

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة