يعد خليل مطران من رائد من رواد التجديد في الشعر العربي، وأحد أبرز أعلام النهضة الشعرية العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فهو من الشعراء الذين جمعوا بين عمق التجربة الذاتية وثراء الثقافة، حتى لُقب بشاعر القطرين إشارة إلى انتمائه لمصر ولبنان، في السطور التالية تعرف على قصة حياته وأهم أشعاره.
ما هي قصة خليل مطران؟
خليل بن عبده بن يوسف مطران، هو شاعر لبناني عاش معظم حياته في مصر، ولد في 1 يوليو عام 1872 في بعلبك بلبنان، وهو واحد من أبرز الشعراء في الوطن العربي.
عرف مطران بثقافته العربية والفرنسية، حيث درس العربية وأتقنها على يد الشيوخ في لبنان، كما أتقن الفرنسية على يد أستاذ فرنسي اشتهر بلسانه الفرنسي الدقيق.
بدأت ملامح براعة مطران في الشعر في سن مبكرة، وقد استغل الشعر كأداة للتعبير عن توجهاته وأفكاره السياسية في مواجهة استبداد الحكم العثماني الذي عانى أهل بلاده منه.
شهدت مسيرة مطران تنقلات عدة، فقد سافر إلى فرنسا هربًا من البطش بسبب آرائه السياسية، ومنها انتقل إلى مصر، وبدأ مسيرته في الصحافة المصرية، ووجد في مصر بيئة ثقافية خصبة أتاحت له الانخراط في الحياة الأدبية والفكرية.
بدأ خليل مطران كتابة الشعر بأسلوب جديد، حيث تحرر من النمط التقليدي المتوارث من مدرسة البيان والبديع متأثرًا بالشعراء الفرنسيين. ساهم مطران في إثراء البيئة الثقافية في مصر بتأسيس مجلات أدبية وفكرية، وكان عضوًا في مجمع العربية.
وبجانب الشعر والصحافة، ترجم الأعمال الكلاسيكية الغربية إلى العربية بأسلوب شعر راق، ولاقى في حياته الإشادة والتكريم.
ديانة خليل مطران
ولد خليل مطران في بعلبك في لبنان لأسرة مسيحية من أصول يمنية، حيث تعود جذور عائلته إلى قبائل الأزد المينية.
نشأته وتعليمه
تلقى الشاعر خليل مطران تعليمه الأولي في لبنان، حيث درس في المدرسة البطريركية في بيروت، وهناك درس فيها الشعر واللغة العربية على يد الأستاذان خليل وإبراهيم اليازجي.
في المدرسة، اطلع مطران على الشعر العربي والغربي، وتأثر كثيرًا بأشعار العديد من المفكرين والأدباء في أوروبا، ومنهم فكتور هوغو. أتقن مطران اللغة الفرنسية على يد أستاذه الفرنسي من إقليم تور. هاجر مطران إلى باريس، وهناك درس الأدب الغربي عن قرب وتأثر به كثيرًا.
قصة خليل مطران مع محبوبته
لم يتزوج خليل مطران وعاش حياته وحيدًا. ورغم أنه لم يتزوج، لكنه كان رومانسيًا محبًا للحب، وفي حياته عاش قصص حب لم تكلل بالنجاح، وروى مشاعره وقصصه في أشعاره.
من قصصه الحزينة قصته مع حبيبته التي رواها في ديوانه "حكاية عاشقين" حيث اكتشفت أنها مريضة بالرئة، وماتت وتركته حزينًا على ذكراها، ويقول عنها في قصيدته:
فقـدتك بالـداء الـذي هو قـاتـلـي
فإن ساءنا بالفصل أسعد بالوصلِ
عليك سلام العاشق المدنف الذي
يسير إلى قبر الحبيب على مهلِ
اتجاهه السياسي
اهتم خليل مطران بالأوضاع السياسية، وقد كان لديه حس وطني كبير دفعه للمشاركة في الحركات الوطنية المعارضة للحكم العثماني في ذلك الوقت. وبسبب انضمامه إلى الحركات التحريرية، وتأليفه للأشعار المناهضة للاستبداد تعرض للاضطهاد، فسافر إلى باريس خوفًا على حياته.
في باريس، انضم إلى الحركة الثورية التركية من حزب "مصر الفتاة" المعارضة للحكم العثماني، إلا أنه واجه تضييقات، فقرر السفر إلى مصر، التي كانت ملاذًا للثوار العرب في ذلك الوقت، وعاش في مصر حتى وفاته. في مصر، واصل مطران جهوده السياسية، ونظم وألف الأشعار الثورية والقومية.
مسيرته الأدبية
بدأ خليل مطران كتابة الشعر منذ سن مبكرة، فقد عشق اللغة العربية، وقرأ الأشعار العربية والغربية، وتأثر بالعديد من الشعراء العرب والأوروبيين. في لبنان، برزت موهبته الشعرية التي استغلها لمحاربة الاستبداد.
بعد سفره إلى مصر، برز دور مطران في المشهد الأدبي والثقافي، فهناك، عمل كصحفي في جريدة الأهرام لعدة سنوات، ثم أنشأ عدة مجلات، منها المجلة المصرية جريدة الجوانب المصرية اليومية، والتي أسسها لمناصرة مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية.
وبجانب كتابة الشعر والعمل الصحفي، عمل مطران في الترجمة، فترجم كلاسيكيات الأدب الغربي إلى اللغة العربية، منها مسرحيات شكسبير، وقد ساهم في نهضة المسرح القومي في مصر، كما عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كتاب الموجز في علم الاقتصاد مع الشاعر حافظ إبراهيم.
ترك مطران العمل بالصحافة عام 1904، واتجه إلى التجارة، إلا أنه واجه مخاسر فادحة، فتركها، واتجه إلى العمل كسركتير مساعد في الجمعية الزراعية، ثم مديرًا للفرقة القومية للتمثيل العربي.
أصدر خليل مطران دراسات متنوعة عن الحكمة والشباب والإرادة، ومن الأعمال الغربية التي ترجمها المسرح الكلاسيكي لراسين وكورناي، والمسرح الرومانسي لفيكتور هوجو وبول بورجيه.
أسلوب قصائد خليل مطران
لقب الشاعر خليل مطران بلقب "شاعر القطرين" بسبب انتمائه وحبه لمصر ولبنان واهتمامه بالأوضاع الإنسانية والسياسية في الوطن العربي. تميز مطران بجمعه بين رصانة التراث العربي وشفافية الثقافة الغربية، وخاصة الفرنسية، وهو ما جعله من أبرز المجددين في الشعر العربي.
تميزت قصائد خليل مطران بأسلوبها الشعري العميق، فقد غاص في عمق المعنى، وسبح في بحور الصور والخيال، وأسس مدرسة شعرية جديدة ترتكز على الرومانسية، مستهلمًا من عواطفه وحياته اليومية نبضًا صادقًا يتردد في قصائده.
تأثر مطران بالأدب الفرنسي، لكن قلبه بقي أمينًا للأدب العربي والروح الشرقية. رغم بداياته التقليدية التي حاكى فيها شعرء عصره في المدح والرثاء، سرعان ما اتجه نحو آفاق أوسع، فكان أول من عبر عن المشاعر الفردية بجرأة وصدق، متجاوزًا قيود القديم دون أن يتنكر له، وهذه النقلة جعلته أيقونة في مدرسة التجديد، وأثرت على شعراء من بعده، منهم إبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي وشعراء المهجر كذلك.
في أشعاره، لم يهتم خليل مطران بالوجدان فحسب، بل كان شاعرًا واقعيَا، فقد اهتم بالشعر القصصي والتصويري، واستلهم من أحداث التاريخ ما يترجم الحياة البشرية ويصور مشاهدها بحرفة أدبية فائقة.
هذا التوجه الاجتماعي والواقعي منحه تميزًا خاصًا، إذ تفوق في هذا الجانب على معاصريه مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، خصوصًا في تناوله لقضايا الفساد الأخلاقي والاجتماعي، حيث كتب بشجاعة عن هموم الناس ومعاناتهم، مجسدًا بذلك رسالة الشعر الحقيقية كصوت للضمير الإنساني.
أما شخصيته، فقد انعكست على شعره تمامًا. عُرف برقّة طبعه، ومسالمته، وتواضعه، فكان إنسانًا قبل أن يكون شاعرًا، وهي صفات جعلت شعره يدخل القلوب دون استئذان، نابضًا بالصدق ومشبعًا بالإلهام.
ما هي أشهر قصائد خليل مطران؟
تنوعت أغراض خليل مطران في أشعاره، فقد كتب عن الرومانسية وعن الحرية والاستبداد والظلم، وكانت قصائده تتميز بنزعة إنسانية، أما الطبيعة فقد كان لها نصيب مهم من شعره.
ومن قصائد خليل مطران في الحب قصيدة "الحب روح أنت معناه"، والتي يقول فيها:
أَلحُبُّ رُوحٌ أَنْتَ مَعناهُ
وَالحُسنُ لَفْظٌ أَنتَ مَبْنَاهُ
وَالأُنْسُ عهدٌ أنت جَنتهُ
وَاللفظُ رَوضٌ أَنتَ مَغناهُ
إِرْحَمْ فؤاداً فِي هَوَاكَ غدا
مَضْنًى وَحُمَّاهُ حُميَّاهُ
تمَّت بِرُؤْيَتِكَ المُنى فحكَتْ
حِلماً تَمَتَّعْنَا بِرُؤْيَاهُ
يَا طِيبَ عيْنِي حِين آنسهَا
يَا سَعْدَ قَلْبِي حِين ناجَاهُ
أما أشهر قصائد خليل مطران، فهي قصيدة "المساء" والتي يقول فيها:
دَاءٌ أَلَـمَّ فَـخِـلْتُ فِـيـهِ شِـفَائِي مِـنْ صَـبْوَتِي فَـتَـضَـاعَـفَـتْ بُرَحَائِي
يَـا لَلضَّـعِـيـفَـيْنِ! اسْـتَـبَدَّا بِي وَما فِـي الظُّـلْمِ مـثـلُ تَحَكُّمِ الـضُّعَـفَاءِ
قَـلْـبٌ أَذَابَتْـهُ الصَّـبَـابَةُ وَالْجَوَى وَغِــلَالَـةٌ رَثَّـتْ مِــنَ الْأَدْوَاءِ
وَالرُّوحُ بَـيْنَهُـمَا نَـسِـيـمُ تَـنَـهُّـدٍ فِـي حَالَيِ الـتَّـصْـوِيـبِ وَالـصُّـعَـدَاءِ
وَالْعَـقْـلُ كَالْمِـصْـبَـاحِ يَغْـشَـى نُورَهُ كَدَرِي وَيُـضْعِـفُـهُ نُضُـوبُ دِمَائِي
هَذَا الَّذِي أَبْـقَــيْــتِـهِ يَا مُنْـيَـتِي مِـنْ أَضْلُعِـي وَحُشَـاشَـتِي وَذَكَائِي
عُمْـرَيْـنِ فِـيكِ أَضَـعْـتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي لَـمْ يَجْـدُرَا بِتَـأَسُّفِي وَبُكـائِي
عُمْرَ الْفَـتَى الْفَـانِي وَعُمْـرَ مُخَـلَّدٍ بِـبَـيَـانِـهِ لَوْلَاكِ فِـي الْأَحْـيَـاءِ
فَغَـدَوْتُ لَمْ أَنْعَـمْ كَذِي جَهْـلٍ وَلَم أَغْـنَمْ كَذِي عَقْـلٍ ضمَـانَ بَـقَـائِي
يَـا كَوْكَـبًا مَـنْ يَهْـتَدِي بِـضِيَـائِـهِ يـهْـدِيـهِ طَـلِعُ ضِلَّـةٍ وَرِيَـاءِ
يَا مَوْرِدًا يَسْـقِي الْـوُرُودَ سَـرَابُـهُ ظَـمَأً إِلَى أَنْ يَهْـلِكُوا بِـظَـمَاءِ
يَا زَهْـرَةً تُحـيِي رَوَاعِيَ حُـسْـنِهَـا وَتُـمِـيـتُ نَـشِـقَـهَــا بِلَا إِرْعَاءِ
هَذَا عِـتَابُـكِ غَـيْرَ أَنِّي مُخْـطِئٌ أَيُرَامُ سَـعْـدٌ فِي هَوَى حَـسْـنَـاءِ؟
حَاشَاكِ بَـلْ كُـتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْوَرَى وَالْحُـبُّ لَـمْ يَـبْرَحْ أَحَبَّ شَقَـاءِ
نِعْم الضَّـلَالَةُ حَـيْـثُ تُـؤْنِسُ مُقْلَتِي أَنْـــوَارُ تِـلْكَ الطَّـلْـعَـةِ الـزَّهْـرَاءِ
نِعْمَ الـشِّـفَـاءُ إِذَا رَوِيـتُ بِـرَشْـفَةٍ مَـكْذُوبَـةٍ مِنْ وَهْـمِ ذَاكَ الْمَـاءِ
نِعْمَ الْحَـيَـاةُ إِذَا قَـضَـيْـتُ بِـنَـشْـقَـةٍ مِــنْ طِـيـبِ تِلْكَ الرَّوْضَـةِ الْـغَـنَّـاءِ
إِنِّي أَقَـمْـتُ عَـلَـى الـتّـعِـلَّةِ بِالْـمُنَى فِـي غُــرْبَـةٍ قَـالُـوا تَكُـونُ دَوَائِي
إنْ يَـشْـفِ هَـذَا اـجِـسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا أَيُـلَـطِّـفُ الـنِّـيـرَانَ طِــبُ هَـوَاءِ؟
أَوْ يُـمْـسِـكِ الْحَـوْبَاءَ حُـسْـنُ مُـقَامِهَا هَـلْ مَـسْـكَةٌ فِـي الْـبُعْدِ لِلْحـوْبَاءِ؟
عَـبَـثٌ طَـوَافِـي فِـي الْـبِلَادِ وَعـلَّةٌ فِــي عِـلَّـةٍ مَـنْفَـايَ لِاسْــتِـشْـفَـاءِ
مُـتَـفَــرِّدٌ بِـصَــبَـابَـتِـي مُــتَــفَـرِّدٌ بِـكَـآبَـتِـي مُـتَـفَـرِّدٌ بِـعَــنَائِـي
شَاكٍ إِلَـى الْـبَـحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي فَـجِــبُنِـي بِـرِـاحِـهِ الْـهَـوْجَـاءِ
ثَاوٍ عَـلَى صَخْـرٍ أَصَـمَّ وَلَـيْـتَ لِي قَـلْـبًا كَـهَـذِي الـصَّـخْـرَةِ الـصَّـمَّـاءِ!
يَــنْـتَـابُـهَـا مَـوْجٌ كَـمَـوْجِ مَكَـارِهِـي وَيَـفُتُّهَـا كَـالـسُّـقْـمِ فِـي أَعْـضَـائِي
ومن قصائد خليل مطران السياسية الثائرة قصيدة "شردوا أخيارها بحرًا وبرًا، والتي كتبها ضد المستعمرين، وقال فيها:
إلى المستعمرين
شردوا أخيارها: بحرا وبرا
واقتلوا أحرارها حرا فحرا
إنما الصالح يبقى صالحا
آخر الدهر ويبقى الشر شرا
كسروا الأقلام: هل تكسيرها
يمنع الأيدي أن تنقش صخرا
قطعوا الأيدي: هل تقطيعها
يمنع الأعين أن تنظر شذرا
اطفئوا الأعين: هل إطفائها
يمنع الأنفس أن تصعد زفرا
أخمدوا الأنفاس: هذا جهدكم
وبه مناجاتنا منكم
فشكرا
وفاة خليل مطران
توفي الشاعر خليل مطران في الأول من شهر يونيو عام 1949 بعد صراع مع المرض عن عمر 76 عامًا في القاهرة.