صبري المدلل: عبقرية فنية في الإنشاد الديني

  • تاريخ النشر: الأربعاء، 12 مايو 2021 آخر تحديث: الخميس، 23 مارس 2023
صبري المدلل: عبقرية فنية في الإنشاد الديني

"هذا الذي سرى ليلاً .. ثم دنا فتدلى

وهو بالأفق الأعلى .. حباه الله كل الأنوار

فهو عمادي يوم المعاد .. نبينا طه المختار"

قال له الشيخ عبد الباسط عبدالصمد بعدما سمع صوته في مدح الرسول: "إذا كان صوتي معجزة في قراءة القرآن الكريم؛ فإن صوتك هدية الله لعباده لتمدح مصطفاه محمد (صلى الله عليه وسلم)".. إنه الشيخ صبري المدلل.

صاحب الصوت الجميل العذب

وُلد صبري مدلل في حلب عام 1918 في حي المشارقة، وكان والده يعمل في الزراعة والتجارة.

يقول الشيخ صبري المدلل: "عندما ذهب والدي للحج، دعا الله أن يعطيه طفلاً صوته جميل وعذب، واستجاب الله دعاءه ورزقه بي والحمد الله".

يقول الشيخ المدلل: "كانت والدتي تعشق صوتي، وكنت دائماً أغني لها في الليل، وإذا لم أفعل تقول لي: إذا ما غنيت فلن أقدم لك العشاء".

تلميذ متفرد

اهتم والده بإرساله إلى الكتاب لحفظ وترتيل القرآن.. ومن هنا اكتسب قوة الصوت ومعرفة المقامات.

وكان والده صديقاً للموسيقي السوري عمر البطش، وعندما سمعه الأخير لأول مرة أعجب بصوته كثيراً، فعلمه أصول الغناء، وكان يدفع عن كل درس 50 قرشاً سورياً، وكان ذلك عام 1930، وهذا المبلغ، كما قال صبري، كفيل بإعالة أسرة ثلاثة أيام.

وبعد دروس عدة، أعفاه عمر البطش من الأجر؛ لكونه تلميذاً متفرداً في التلقي والحفظ، ودرس له أصول الغناء، وكان أول تعليمه موشح "كحل السحر عيونك".

عبقرية فنية

في عام 1949، تم افتتاح إذاعة حلب، فقرر أستاذه عمر البطش ضمه مع مجموعة من فناني ومطربي حلب، وكان على رأسهم العازف والملحن بكري الكردي.

في تلك الفترة وفق المدلل في إظهار عبقريته الفنية، وأقام حفلات على الهواء مباشرة، وعندما زادت شهرته أعطاه الملحن بكري الكردي أغنية "ابعتلي جواب"، وكان المدلل أول من غناها، وزادت نجاحاته عندما لحن له بكري الكردي مرة ثانية "يجي يوم ترجع تاني".

لم ينس عشقه للحن والكلمة

وظل المدلل يخطو خطوات فنية ثابتة حتى عام 1954؛ حين ترك الإذاعة لخلاف مع إدارتها الجديدة، واتجه إلى العمل في التجارة.

لكن المدلل لم ينس أبداً عشقه للحن والكلمة؛ ففي يوم قابل المطرب والمنشد الراحل فؤاد خانطوماني، وعرض عليه تأسيس فرقة للإنشاد الديني، ومن هنا بدأت نقطة التحول في حياته وأسسا معاً فرقة للإنشاد عام 1954، شاركهما فيها عمر النبهان وأحمد المدني.

في عام 1960، قدم المدلل أول لحن منهجي لمدائح الرسول مع إدخال أدوات ضبط الإيقاع، كالطبل والدف.. كان اللحن بعنوان "صلاة الله ذي الكرم على المختار في القدم"، فتوالت العروض، وطافت الشهرة به الوطن العربي.

دعم المواهب الجديدة

كان المدلل شغوفاً مبدعاً في فنه، فقرر أن يدخل دماء فنية جديدة في فرقته، وكان من ساعدهم الحظ في المشاركة هم عبدالمهيمن قباني، وحسن حفار، ومحمد الصابوني، وعبدالرؤوف حلاق، وعمر الصابوني.

بعد عشرين عاماً من تأسيس الفرقة، حدث تحول في حياته الفنية؛ ففي عام 1974، انطلقت الفرقة نحو العالمية عندما سمعه المستشرق الفرنسي السوري كريستيان بوخه، فأثارت إعجابه بفنها وأصالتها، فدعاها إلى فرنسا.

يقول المدلل: "هذه الحفلة كانت للذكرى.. كل من حضرها أبكاه مدح الرسول".

عام 1982، اختلف صبري المدلل مادياً مع صديقه وتلميذه حسن حفار، فانفصل حفار وأسس فرقته الخاصة، وعاد صبري وأسس فرقة جديدة شاركت في حفلات في ألمانيا وفرنسا وهونغ كونغ ولبنان وتونس والمغرب، ونال صبري إعجاباً وشهرة كبيرين.

سنواته الأخيرة

كان المدلل مواظباً في سنواته الأخيرة على العمل مؤذناً في الجامع الأموي الكبير في حلب، مستخدماً خمسة مقامات لأداء الأذان بصوته القوي العذب.

الإنشاد الديني لم يغن الشيخ صبري المدلل عن الغناء الدنيوي؛ فقد استطاع المدلل إحياء التراث الموسيقي الحلبي والعربي، فغنى الموشحات والقدود والأدوار، وارتفع بفن الطقطوقة فغنى لصبري النجريدي "الورد والفل والياسمين "، وللشيخ زكريا أحمد "يا حلاوة الدنيا"، وغنى لأم كلثوم "هو صحيح الهوى غلاب"، وغيرها من الأغاني العربية.

رحل الشيخ صبري المدلل في عام 2006 تاركاً تراثاً ثرياً.

والآن نستمع إلى عذب صوت صبري المدلل الجليل.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة