فرانسيس كريك.. مكتشف شفرة الحمض النووي

يعتبر العالم فرانسيس كريك من أبرز العلماء في القرن العشرين، فقد كان له دور بارز في فهمنا لأساس الحياة باكتشافه الحمض النووي DNA بالاشتراك مع زميله العالم جيمس واتسون، وأحدث هذا الاكتشاف ثورة علمية، ومهد الطريق للعلم الحديث في علم الوراثة والطب الجيني، في السطور التالية تعرف على مسيرته وإنجازاته وكيف توصل لهذا الاكتشاف.

من هو فرانسيس كريك؟

فرانسيس هاري كومبتون كريك هو عالم أحياء جزيئية إنجليزي وعالم أعصاب وفيزيائي حيوي، ولد في 8 يونيو عام 1916 في نورثهامبتونشاير في إنجلترا، وهو أحد أهم علماء الطب الجيني، فهو مشارك في اكتشاف شفرة الحمض النووي.

درس فرانسيس الفيزياء في جامعة لندن، لكنه انتقل لاحقًا لدراسة البيولوجيا الجزيئية، وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل في أبحاث متعلقة بالسونار. بعد الحرب، قرر فرانسيس كريك التفرغ لدراسة الحياة من منظور علم الجزيئات، وانضم إلى مختبرات كامبردج، حيث التقى بجيمس واتسون.

تمكن كريك برفقة واتسون في بناء نموذج ثلاثي الأبعاد للحمض النووي، وهذا الاكتشاف شرح كيف يتم تخزين المعلومات الوراثية ونقلها عبر الأجيال، وقد حصل الثلاثة: كريك وواتسون وويلكنز على جائزة نوبل في الطب عام 1962.

واصل كريك أبحاثه في الشفرة الوراثية، وانتقل إلى كاليفورنيا وعمل في معهد سالك للأبحاث، ولا يزال يذكر اسم حتى الآن باعتباره أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية الحديثة.

نشأته وتعليمه

ولد فرانسيس كريك في إنجلترا، ونشأ في قرية صغيرة اسمها ويستون فافيل. والده كان يدير مصنعًا للأحذية مع عمه، أما جده فهو عالم الطبيعة دروبريدج كريك.

بدأ  اهتمام كريك بالعوم في سن مبكرة، فقد كان يقرأ الكتب العلمية ويتعلم منها. في سن الرابعة عشرة، انتقل للدراسة في مدرسة ميل هيل في لندن بمنحة دراسية، حيث درس الكيمياء والرياضيات والفيزياء.

التحق بعد ذلك في كلية لندن الجامعية، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم عام 1937، ثم بدأ دراسة الدكتوراه في كلية لندن الجامعية، لكن توقفت دراسته بسبب الحرب العالمية الثانية.

كانت أطروحة كريك للدكتوراه حول قياس لزوجة الماء عند درجات الحرارة العالية، وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل لفترة في مختبر أبحاث الأميرالية، وشارك مع نخبة من العلماء في تصميم الألغام المغناطيسية والصوتية، والتي كان لها دور فعال في تصميم لغم، والذي كان فعالًا ضد كاسحات الألغام الألمانية.

عائلته

تزوج فرانسيس كريك مرتين، المرة الأولى من روث دورين كريك، والمرة الثانية من أوديل كريك. رزق 3 أبناء، وهم مايكل فرانسيس كومبتون وغابرييل آن وجاكلين ماري تيريز.

الاتجاه لدراسة علم الأحياء

بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما كان فرانسيس كريك يبلغ من العمر 31 عامًا، قرر دراسة علم الأحياء. لمدة عامين، عمل كريك على الخصائص الفيزيائية للسيتوبلازم في مختبرات جامعة كامبريدج، كما حصل على منحة دراسية من مجلس البحوث الطبية.

كيف اكتشف فرانسيس كريك الحمض النووي؟

يعتبر اكتشاف الحمض النووي واحدًا من أعظم الإنجازات العلمية في القرن العشرين، والذي أحدث ثورة في علم البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة. ولم يكن هذا الإنجاز ليتحقق لولا التعاون بين العقول العظيمة، وعلى رأسهم العالم فرانسيس كريك.

بدأت رحلة كريك نحو اكتشاف بنية الحمض النووي عندما التقى بجيمس واتسون، العالم الأمريكي الذي شاركه نفس الاهتمام بالجينات. عكف كلاهما على دراسة البنية الجزيئية للحمض النووي بحثًا عن سر الوراثة.

استفاد كريك وواتسون من أعمال العلماء السابقين مثل موريس ويلكينز وروزليند فرانكلين، اللذين قدما بـتصوير بالأشعة السينية للحمض النووي. هذه الصور الثمينة قد زودتهم بمعلومات أولية عن البنية الأساسية للحمض النووي وكانت جزءًا أساسيًا في البحث.

جاءت اللحظة المدهشة عندما توصل كريك وواتسون إلى فكرة الهيكل الحلزوني المزدوج للحمض النووي. لقد اقترحوا أن الحمض النووي يتكون من شريطان يلتفان حول بعضهما البعض، وهو ما أتاح للعلماء فهم كيفية تخزين المعلومات الوراثية.

ما هي تجربة واطسون وكريك؟

تؤكد فرضية الهيكل الحلزوني على كيفية ارتباط النيوكليوتيدات الأربع (الأدينين، الثايمين، الغوانين، والسايتوسين) في شكل أزواج قواعد تكميلية. قام كريك وواتسون بإثبات أن الأدينين يتزاوج مع الثايمين والغوانين يتزاوج مع السايتوسين، مشكلين الجسر بين الشريطين الحلزونيين.

عرض كريك وواتسون نموذجهم الثوري للحمض النووي في عام 1953 في مجلة "نيتشر"، وهو ما أثار دهشة المجتمع العلمي، وفتح فصولاً جديدة لدراسة الجينات والبيولوجيا الجزيئية.

نال كريك وواتسون جائزة نوبل في الطب عام 1962، من أجل اكتشافاتهم المذهلة في مجال البيولوجيا الجزيئية. نال هذا الاكتشاف الاعتراف بفضل التأشيرات على الأعمال السابقة ومساهمات فرانكلين وويلكينز.

أدى اكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة إلى فتح مجالات جديدة في علم الأحياء، منها الهندسة الوراثية وتكنولوجيا الحمض النووي المؤتلف، مما أتاح لعلمائنا القدرة على تعديل الجينات للمرة الأولى.

إسهامات الأخرى في علم البيولوجيا

لم يتوقف كريك عند اكتشاف بنية الحمض النووي؛ بل استمر في إجراء الأبحاث في توضيح كيفية عمل البروتينات، وكان لديه العديد من الأبحاث البارزة في علم العصب.

من أهم إسهامات كريك اللاحقة هي تفسير الشيفرة الوراثية، التي توجه الخلايا في تصنيع البروتينات. عمله كان أساسًا لفهم كيفية تفسير المعلومات الوراثية على المستوى الجزيئي، مما أدى إلى مزيد من التطبيقات في الطب الحيوي.

ساهمت هذه الاكتشافات في تطوير تقنيات جديدة في الطب، مثل العلاج الجيني الذي يهدف إلى علاج الأمراض الوراثية. تقنية CRISPR مثال بارز على ذلك، حيث تتيح تحرير الجينات وإصلاح التشوهات الجينية.

جوائز وتكريمات

خلال مسيرته العلمية، حصل العالم الإنجليزي فرانسيس كريك على العديد من الجوائز تقديرًا لإسهاماته البارزة في علم الأحياء، ولعل أبرزها جائزة نوبل في الطب عام 1962.

ومن الجوائز الأخرى التي حصل عليها الميدالية الملكية و ميدالية كوبلي من الجمعية الملكية، حصل كذلك على وسام الاستحقاق عام 1992. تم تأسيس معهدًا على اسمه، وهو معهد فرانسيس كريك في شمال لندن، وتم الانتهاء من المعهد عام 2016

.

وفاته

توفي العالم فرانسيس كريك في 28 يوليو عام 2004 متأثرًا بإصابته بسرطان القولون. أوصى فرانسيس بعد وفاته بعدم دفنه، وتم حرق جثته ونثر رماده في المحيط الهادئ، وأقيمت مراسم تأبين خاصة للعائلة في أغسطس من العام نفسه.

بعد وفاته، تم بيع ميدالية جائزة نوبل التي حصل عليها في مزاد علني عام 2013 مقابل 2 مليون دولار، وقد اشتراها جاك وانج، الرئيس التنفيذي لشركة بيوموبي الطبية الصينية.