فريدريش شيلر... شاعر الحرية والثورة على الظلم

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 08 ديسمبر 2020
فريدريش شيلر... شاعر الحرية والثورة على الظلم

إذا كان يوهان فولفغانغ فون غوته هو أمير الشعراء وشاعر الأمراء الألمان، فإن فريدريش شيلر هو الشاعر الفقير الثائر على البلاط والأمراء. ورغم تباين ظروف حياة الشاعرين تبايناً كبيراً، وكذلك حظهما من الشهرة والمجد التي حظي بها غوته، المقرب من الأمراء ونعِمَ بها، بينما عاش شيلر معدماً، ومات مريضاً بالسل الرئوي ولما يتجاوز السادسة والأربعين.

ورغم هذا التباين فإن صداقة عميقة فريدة في الأدب الألماني كله ربطت بينهما إنسانياً وأدبياً. حول تلك الصداقة كُتبت أعمال عديدة، من أهمها الكتاب، الذي ألفه رودغر زافرانتسكي بعنوان "غوته وشيلر: قصة صداقة". ويقول زافرانتسكي إن أكثر ما جذبه إلى تلك الصداقة هو السؤال التالي: "كيف كان ممكناً تجاوزُ التناقضات بين الشخصيتين – وقد كانت كبيرة – والوصول إلى نقاط التقاء حقيقة؟".

وبالفعل كانت التناقضات عديدة بين الشاعر، الذي يعمل في خدمة الأمراء متنعماً بترف القصور في فايمر، والشاعر الشاب، الذي طالما دعا في أعماله المسرحية إلى الثورة. أو كما يقول زافرانتسكي: "كان شيلر على قناعة بأن الطبيعة دللت غوته وحبته كل شيء. أما هو فقد تحتم عليه الكفاح."

اقرأ أيضاً: غونتر غراس... الأديب السياسي وضمير الشعب النابض

ميزان العدل المختل

والكفاح هو الموضوع الأساسي في عديد من مسرحيات شيلر، لا سيما "قطاع الطرق"، التي كانت ترجمة أدبية لمشاعره الكارهة للطغيان. تدور "قطاع الطرق" حول المكائد والمؤامرات التي حاكها فرانتس الحقود والتي أدت إلى خلاف مع شقيقه كارل ووالدهما العجوز مور حول الميراث. يقع كارل في شِباك اليأس، ويشعر بالظلم حيال المؤامرات التي يحيكها أخوه له والتي نجحت في إقناع الأب بأن يحرم كارل من الميراث، فيقرر الأخير أن يتزعم عصابة من قطاع الطرق ليقيم ميزان العدل المختل، لكنه يكتشف في النهاية أن مجرد القضاء على النظام السائد لا يخلق نظاماً بديلاً، وأن المجتمع لن يتغير إلى الأفضل باستبدال الفوضى بالقانون.

ولا شك أن النبرة الثورية غير المألوفة آنذاك في المسرحية جلبت لها نجاحاً أسطورياً، وما زالت حتى اليوم من أكثر مسرحياته تمثيلاً. كما شهدت المسرحية إقبالاً كبيراً في أعوام الستينات، إبان الحركة الطلابية في ألمانيا، حيث وجد فيها الشباب تعبيراً عن رغبتهم في التمرد على جيل الآباء وقلب نظام المجتمع المتحجر في رأيهم. آنذاك ردد الطلبة بعض عبارات كارل، مثل: "إن القانون لم يلد يوماً رجلاً عظيما، لكن الحرية هي التي تنجب العظماء والنوابغ."

كانت اللصوصية بمفهوم كارل هي البحث عن مكان مُتخَيل على هامش المجتمع الفاسد. ولكن هل "روبين هود" هو الحل؟ وهل ينجح كارل في إصلاح المجتمع عبر تكوين عصابة من قطاع الطرق؟ لا شك أن شيلر يصور قطاع الطرق تصويراً رومانسياً حالماً، لا علاقة له بالواقع، الذي كان يعيشه المجتمع في القرن الثامن عشر حيث كان قطاع الطرق وباء يشيع الفوضى ويعيث فساداً بين الناس. لم يكن ذلك غائباً عن شيلر، ولذلك يفشل كارل في نهاية المسرحية، ويسلم نفسه للسلطات التي اشتكى من فسادها.

بعد عامين ظهرت مسرحية شيلر الثانية "دسيسة وحب"، وقد استلهمها الشاعر من خبرات شبابه مواصلاً فيها صب جام غضبه على النظام الإقطاعي.

اقرأ أيضاً: هاينرش بول... الأديب الملتزم بقضايا الإنسانية

ثم تناول شيلر فكرة الحرية والثورة في عدة مسرحيات، مثل "دون كارلوس"، و"ماريا ستيوارت"، و"ثلاثية فالنشتاين". وتعتبر مسرحيته "فيلهلم تل" - المعروفة في العالم العربي باسم "وليم تل" - من أهم أعماله المسرحية. تطرح "فيلهلم تل" سؤالاً عن إمكانية حصول الفرد على حريته وحده بدون معونة من الجماعة، إذ أن فيلهلم تل يجد نفسه مجبرا على قتل الطاغية، ويصبح رغم أنفه بطلاً في عيون شعبه ومحرراً لهم. ولا عجب إذن أن يمنع أدولف هتلر تمثيل هذه المسرحية في سنواته الأخيرة، ويُقال إن هذه المسرحية أثرت في عديدين حاولوا الاقتداء بفيلهلم تل وقتل الديكتاتور الألماني.

شيلر في العالم العربي: إهمال

رغم أن المترجمين العرب اهتموا بغوته اهتماماً كبيراً وترجموا له وكتبوا الدراسات عنه، فإنهم أهملوا القطب الآخر للأدب الكلاسيكي الألماني. بقي شيلر في الظل، ولم تترجم له سوى أعمال قليلة في فترة الخمسينات والستينات، وهي أعمال لن يجدها أحد اليوم معروضة في مكتبات البيع، فأحدثها يرجع إلى مطلع الثمانينات.

صدرت أول الترجمات العربية لشيلر عام 1900، وكانت لمسرحية "دسيسة وحب" والتي صدرت بعد ذلك في عدة ترجمات، كان آخرها عن الألمانية من إنجاز عبد الرحمن بدوي. وفي عام 1903 ترجمت أشهر مسرحيات شيلر "فيلهلم تل"، ثم أعيدت ترجمتها مرات عدة عن لغات وسيطة (غالبا بعنوان: "وليم تل"، وهناك ترجمة صدرت في دمشق بعنوان "غليوم تل")، إلى أن أعاد عبد الرحمن بدوي في مطلع الثمانينات ترجمتها. أما مسرحية "قطاع الطرق" (والتي ترجمت أيضا بعنوان "اللصوص") فقد ترجمت مرتين عن لغات وسيطة، قبل أن ينقلها بدوي عن الألمانية مباشرة. كما صدرت عام 1959 في بغداد ترجمة قام بها هاشم المعلوف وتضمنت مسرحيات "اللصوص، ومؤامرة وغرام، وفيلهلم تل، وفالنشتاين، ودون كارلوس".

غير أن هذه الأعمال لن يجدها القارئ في أي مكتبة عربية اليوم. كما أن مسرحيات شيلر لم تحدث صدى كبيرا على خشبات المسارح العربية (على خلاف مسرحيات شكسبير، أو مسرحيات برتولد بريشت مثلاً). فإلى أي شيء يرجع ذلك؟ هل تمثل اللغة الشعرية الجميلة التي كتب بها شيلر مسرحياته عائقاً أمام ترجمتها (ترجمة لائقة) إلى العربية؟ أم أن موضوعات شيلر التاريخية تتطلب معرفة جيدة بخلفيات يجهلها المشاهد العربي، وبالتالي يجعلها غير صالحة للعرض؟ من يعرف مثلاً وقائع حرب الثلاثين عاماً الدينية في ألمانيا، وهي التي تكوّن الخلفية السياسية لثلاثية "فالنشتاين"؟ كل هذه أسئلة مطروحة عندما نتساءل عن محدودية التفات المترجمين والمسرحيين العرب إلى الشاعر الثائر شيلر.

وهناك أسئلة أخرى لا بد أن تُطرح فيما يتعلق بما تُرجم حتى الآن إلى العربية: هل يصلح أسلوب عبد الرحمن بدوي - مثلاً - للعرض المسرحي؟ هل تلاءم اختياراته اللغوية مقتضيات التمثيل والإلقاء؟ هل تجذب هذه الترجمات القراء، ناهيك عن المشاهدين؟

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة