مأساة كورونا في الهند.. عمال محارق الجثث يتحملون عبء الأزمة

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 31 مايو 2021
مأساة كورونا في الهند.. عمال محارق الجثث يتحملون عبء الأزمة

إنها الساعة التاسعة صباحا بتوقيت مومباي، وفي هذا الوقت ينعم عاملا محارق الجثث آرفيند جيكواد وغوتام إنجل بقسط من الراحة قبل يوم عمل شاق. وفي مقابلة مع DW ، يقول العاملان إن "هناك جثة في الطريق ستصل المحرقة وأخرى يفترض أن تصل لاحقا اليوم".

ويعمل جيكواد وإنجل في محرقة خاصة بالهندوس في توربي، الواقعة خارج مدينة مومباي بولاية ماهاراشترا غرب الهند. وقد تم إبلاغهما من قبل أقارب المتوفي بأنه الجثة في الطريق وأن الوفاة ليست جراء كورونا.

بيد أن تقرير الوفاة يذكر أن هذا الشخص توفي متأثرا بمضاعفات الصدمة الانتانية الناجمة عن متلازمة الضائقة التنفسية الحادة وهو السببب الشائع للوفيات بين مرضى فيروس كورونا.

ولم يقم أقارب المتوفي بإجراء اختبار للكشف عن وجود فيروس كورونا بعد الوفاة، إذ اكتفوا بإبلاغ جيكواد وإنجل بأن نتائج اختبار كورونا الذي خضغ له المريض قبل ستة أيام من وفاته كانت سلبية.

وعلى الفور بدأ جيكواد وإنجل باعداد المحرقة فيما وصلت الجثة بعد 30 دقيقة داخل سيارة إسعاف. وحمل الأمر خرقا لبروتوكول كورونا حيث تجمع مالا يقل عن ثلاثين شخصا لحضور الجنازة.

وفقا لحكومة ولاية ماهاراشترا، فإن عشرين شخصا فقط من يمكنهم حضور الجنازة، فيما أبلغ عمال المحرقة أقارب المتوفي بأن عليهم الالتزام بضوابط الحكومة إلا أنهم تجاهلوا التحذير.

ويقول أحد عمال المحارق، رفض الافصاح عن هويته، "نبذل قصارى جهدنا للالتزام بارشادات الحكومة. لكن إذا أقدم أقارب المريض على تهديدنا، ففي هذه الحالة لا يمكننا فعل أي شيء إذ أن عددنا لا يتجاوز خمسة أشخاص في مقابل عشرين أو ثلاثين شخصا".

ويقول آرفيند إن هناك حالات كثيرة تم فيها إحراق الجثث وبعد ذلك بأيام تم إبلاغه بأن المتوفي كان مريضا بفيروس كورونا. ويضيف "الأمر يشبه وكأنه يتم التلاعب بأرواحنا فلا يوجد من يحمينا. إذا تعرضنا للإصابة بفيروس كورونا وحاولنا الذهاب إلى المستشفى فسيتم إبعادنا لأنه يُنظر إلينا باعتبارنا قذارة".

أجور متدنية وبيئة عمل خطرة

ويقوم آرفيند بتنظيف المحارق حيث يتم حرق الجثث وهو يضع منديلا على وجهه بدلا من ارتداء كمامات "N95" فيما يعتني عمال آخرون بتجهيز الجثة دون أن يرتدوا معدات الوقاية الشخصية، التي يفترض أن تحميهم من التعرض لخطر الإصابة. ويقول آرفيند: "لا يُنظر إلينا باعتبارنا من العاملين في الخطوط الأمامية (كالعاملين في مجال الرعاية الصحية)، لذا فإن صحتنا لا تمثل أولوية".

وما يزيد صعوبة عمل عمال المحارق أن أجورهم متدنية لا تلبي الاحتجاجات الطبية إذا ما تعرضوا للمرض.

وفي مقابلة مع DW، قال ديباك جايكواد، إخصائي اجتماعي في المدينة، "يحصل هؤلاء العمال على 15 ألف روبية (168 يورو) شهريا مقابل هذا العمل. ولا توجد وسيلة لحمايتهم سواء من الاضرار الجسدية أو النفسية".

ويضيف "أن وظيفة عمال المحارق محفوفة بالخطر إذ يمكن بسهولة طردهم من العمل، بل لا يمكنهم الحصول على فرص عمل أخرى بسبب أن عملهم في المحارق لا يكسبهم مهارات عمل كبيرة".

وقال جايكواد إن العمال تلقوا الأسبوع الماضي إخطارا من المتعهد بأنه سيتم فصلهم أو تغريمهم إذا استمروا في الحصول على رشاوي من أسر المتوفين مقابل جمع عظام الموتى.

ويعد جمع عظام الموتى وغمسها في مياه النهر جزءا من ثقافة الهندوس.

ويضيف جايكواد "الكثير من الناس لا يريدون الإمساك بعظام المتوفي مباشرة. لذا يدفعون لعمال المحارق أموالا مقابل جمع العظام نيابة عنهم. وفي بعض الأحيان، يدفعون لهم أموالا رمزية لاظهار الامتنان للمخاطر التي يتعرضون إليها خلال حرق الجثث".

ويشير إلى أنه بعد أن تقدم أشخاص بشكوى إلى السلطات المحلية، قام المتعهد ومن غير التحقق في الأمر بإرسال إخطار للعاملين يهددهم بفصلهم إذا استمروا في الحصول على أموال من أهل المتوفين. وقال "إن هذا الأمر أخاف العاملين من إمكانية فصلهم في الوقت الذي يعرضون فيه حياتهم للخطر كل يوم".

مخاطر انتقال العدوى من الجثث

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل إن عمال المحارق في خطر انتقال العدوى من المتوفين إليهم في كل مرحلة من مراحل حرق الجثث، وفقا لما ذكره ساهيل سينغ - الطبيب في عيادة بمدينة جورجاون.

وفي مقابلة مع DW، أضاف سينغ أن مخاطر انتقال العدوى من المتوفين تشمل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والتهاب الكبد الوبائي وحمى التيفود والكوليرا والسل بالإضافة إلى فيروس كورونا.

وأضاف أن المرض يمكن انتقاله إلى عمال المحارق إذا تعاملوا مع الجثث بطريقة غير آمنة خلال حرقها أو قاموا بجمع عظام المتوفي بأيدي عارية. وأوضح سينغ "إذا توفي المريض بأسباب طبيعية فإنه من الصعب تحديد إذا كان حاملا لفيروس كورونا أم لا. وفي هذه الحالة فإن جثة المتوفي يتم إحضارها إلى المحرقة وهي غير ملفوفة. وهذا ما يزيد من مخاطر العدوى لعمال المحرقة. وحتى إذا كان المتوفي مريضا بفيروس كورونا وجثته ملفوفة فلسنا على يقين بأن هذه الأكياس خالية من الفيروس. كذلك فإن سوائل الجسم تحتوي على بكتريا وفيروسات ضارة".

وأكد سينغ أن "سيارات الإسعاف هي الأخرى موضع لنقل العدوى. وبسبب معدلات الوفاة الكبيرة فإن سيارات الإسعاف حرفيا تذهب من المستشفى إلى المحرقة ثم تعود مجددا إلى المستشفى وفي هذا الأمر هل يمكن الاعتقاد بأن عمال سيارات الإسعاف لديهم الوقت لتطهير سيارة الإسعاف كل مرة؟"

وأشار سينغ إلى أماكن مثل ولاية أوتار براديش ودلهي حيث تُجرى مراسم إحراق للجثث بشكل كبير، مضيفا أنه في هذه الحالات يقوم عمال المحارق بإخراج الجثث المحترقة جزئيا بعيدا عن المحرقة من أجل افساح المكان لمزيد من الجثث التي سيتم حرقها.

ويسلط هذا الأمر الضوء على مخاطر عدم التعامل بشكل جيد مع الجثث المستخرجة من القبور إذ يعرض هذا عمال المحارق أيضا إلى خطر انتقال العدوى.

وقال سينغ إن مدافن جثث المسلمين والمسيحيين تُعرِّض عمال الدفن لخطر العدوى. وأضاف "في العديد من المقابر، بمجرد دفن المتوفي تتدهور الجثة قليلا لكن العمال يقومون بنقل الجثة إلى مكان آخر وفي هذه الحالة تكون الجثة سبباً في نقل العدوى".

المتاعب النفسية

ويؤكد عمال المحارق في منطقة توربي الواقعة خارج مدينة مومباي، أنهم يتعرضون لمتاعب نفسية كبيرة جراء ضغط العمل على كاهلهم بسبب جائحة فيروس كورونا.

وفي ذلك، يقول آرفيند "خلال شهري مارس / آذار وأبريل / نيسان عملنا على مدار الساعة دون توقف إذ كان هناك ما بين 20 إلى 25 جثة كل ساعة حتى أن سيارات الإسعاف كانت مصطفة خارج المحرقة. ولم يكن هناك وقت حتى لشرب المياه أو تناول الطعام. ورغم ذلك، لم تعوض الأجور مشقة العمل خلال الشهرين الماضيين".

وأضاف آرفيند أنه يخشى من كونه قد أصيب بكورونا، مشيرا "لا أعرف الكثير عن المرض، لكني رأيت الكثير من الجثث بها ندوب، إذا كان هذا هو حال الشخص الذي يموت بسبب كورونا، فلن استغرب أن أكون مثله. وكل يوم استيقظ أسال نفسي هل سأصاب اليوم بفيروس كورونا".

ويحكي عامل محارق الجثث "أشعر بالإرهاق النفسي, يمكني أخذ يوما أو يومين راحة من عملي. لكن بعد ذلك، سأعود إلى العمل مجددا وإلا فإن المتعهد سوف سيخصم هذا من راتبي".

وأوضح آرفيند "أنا أعمل هنا لأكثر من عشرين عاما، لكني حتى الآن لم أصبح عاملا دائما. لم أكن أرغب في هذه المهنة، لكن المتاعب الاقتصادية ارغمتني عليها. إن دعوات أسرتي هي من تنقذني من الإصابة بكورونا حتى يومنا هذا".

أنكيتا موخوبادهياي / م.ع