ميركل والإسلام ـ حصيلة 16 عاما من الحوار الصعب!

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: السبت، 02 أكتوبر 2021
ميركل والإسلام ـ حصيلة 16 عاما من الحوار الصعب!

تولت المستشارة أنغيلا ميركل الحكم في ألمانيافي سياق دولي دقيق تميز بارتدادات جيوسياسية عالمية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، حين باتت فيها محاربة الإرهاب والتطرف أولوية عالمية. وفي عهد ميركل زاد أيضا عدد المسلمين في ألمانيا بشكل ملحوظ، كما كشفت ذلك دراسة حديثة (أبريل / نيسان 2021) للمكتب الاتحادي لشؤون الهجرة واللاجئين والتي أكدت أن هناك بين 5.3 و6.5 مليون مسلم يعيشون حاليا في ألمانيا، وهو ما يعادل 6.4 % إلى 6.7 % من إجمالي عدد السكان. ومقارنة بنتائج آخر دراسة أجريت في عام 2015، زاد عدد المسلمين في ألمانيا بنحو 900 ألف شخص. الدراسة حملت اسم "الحياة المسلمة في ألمانيا 2020" وشملت استطلاع رأي 4500 مسلم ومسلمة.

ومن المفارقات أن اهتمام ألمانيا بقضايا الإسلام يتزامن مع تراجع حاد في انتماء الألمان أنفسهم وبشكل عام للأديان. فقد كشفت بيانات نشرتها مجموعة "فيلت أنشاوونغ fowid" أن 33.8 من الألمان لا ينتمون رسميا لأي كنيسة أو دين وهي الفئة الأكبر في البلاد بنسبة 41%، بالمقارنة مع الكاثوليك 27% والبروتستانت 24%. وتمثل الطوائف الدينية الأخرى حوالي 5%، فيما تقدر الطوائف الإسلامية ما بين 3 و4%، وفق أرقام نشرها موقع "hpd" (24 سبتمبر/ أيلول 2021).

تبرير الإسلاموفوبيا عائق أمام بحث قضايا التطرف؟

في رصده لتداعيات هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على المسلمين في ألمانيا، أكد الدكتور مهند خورشيد، عالم الاجتماع والشؤون الدينية (وهو مسلم نمساوي - لبناني من أصل فلسطيني) ورئيس مركز الفقه الإسلامي في جامعة مونستر الألمانية، على مفارقة أساسية: فمن ناحية، زاد الاهتمام بالإسلام وقضاياه بقوة في ألمانيا، بما في ذلك الأبعاد السياسية لهذه الديانة. واستطرد بهذا الصدد موضحا "فجأة أصبح الترويج للإسلام المعتدل أولوية بالنسبة للدولة. وأدى ذلك إلى اتخاذ قرارات بناءة منها التعليم الديني الإسلامي في المدارس، وتنظيم ندوات إسلامية دينية في الجامعات الألمانية، وكذلك الحوار الفكري المكثف الذي يؤطره مؤتمر الإسلام في ألمانيا الذي تأسس عام 2006، هذه كلها تطورات إيجابية"، حسب ما صرح به خورشيد (التاسع من سبتمبر/ أيلول 2021) في مقابلة مع وكالة الأنباء الكاثوليكية الألماني (كونا).

واستطرد خورشيد موضحا، أنه من ناحية أخرى، زادت حدة الاستقطاب بشأن قضايا الإسلام بشكل عام فقد "استغل الشعبويون اليمينيون الإرهاب وصوروا المسلمين على أنهم تهديد عام". غير أنه من ناحية أخرى اختبأ الإسلام السياسي وراء عبارات تبريرية مثل "الإسلاموفوبيا" أو "العنصرية المعادية للمسلمين"، "التي يتبناها الطيف اليساري وعديد وسائل الإعلام". مصطلحات وتبريرات أعاقت البحث الضروري في التيارات المتطرفة في الإسلام".

الإسلام ـ حضور ديموغرافي متزايد في ألمانيا

الدراسة المشار إليها أعلاه كشفت أيضا أن نحو نصف مسلمي ألمانيا (47%) يحملون الجنسية الألمانية. وتنحدر أكبر نسبة منهم من تركيا (45%)، فيما ينحدر 27% من دول الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، و20% من جنوب شرق أوروبا. الدراسة سلطت الضوء أيضا على أن تدفق اللاجئين في عامي 2015 و2016 أدت لارتفاع في أعداد المسلمين وكذلك إلى تنوع البلدان التي ينحدرون منها مسلمو ألمانيا.

وعلى غرار الاختلاف في الدول التي ينحدر منها مسلمو ألمانيا، اختلفت درجة التدين بينهم، إذ قال 82% منهم إنهم يعتبرون أنفسهم شديدي التدين أو يميلون إلى التدين، وقال 39% إنهم يصلون يوميا وبلغت نسبة النساء والفتيات اللاتي يرتدين غطاء الرأس 30% فقط، لكن غالبية النساء اللواتي تزيد أعمارهن عن 65 عاما يرتدين الحجاب. وهذا معناه أن ميركل واجهت إشكالية التعامل مع الإسلام على المستويين الداخلي والخارجي ووضعت استراتيجية شاملة كانت موضوع نقاش لم يخلو من الحدة السياسية والمجتمعية.

15 عاما من "مؤتمر الإسلام" ـ أية حصيلة؟

كان فولفغانغ شويبله وزير الداخلية الألماني السابق والقيادي البارز في الحزب الديموقراطي المسيحي الذي تنتمي له ميركل، أول من دعا إلى عقد "مؤتمر الإسلام" في ألمانيا عام 2006 كآلية للحوار وجسر لإيجاد أدوات التفاهم بين المسلمين ومؤسسات وهيئات الدولة ولكن أيضا مع هيئات المجتمع المدني ألمانيا، وبعد مرور 15 عاما على تأسيس هذه المنصة الهامة والتي تتزامن هذا العام مع مغادرة ميركل والتكتل المسيحي المحافظ للسلطة، حان الوقت للتساؤل حول حصيلة هذه المؤسسة التي باتت جزء لا يتجزأ منظومة اندماج المسلمين في ألمانيا.

"مؤتمر الإسلام" اصطدم منذ البداية بمعضلة التمثيلية. من هم المسلمون في ألمانيا ومن يمثلهم؟ سؤال أسال الكثير من المداد وأثار جدلا واسعا، ربما يتجاوز إطاره إمكانية "مؤتمر الإسلام". فهل يجب أن يضم المؤتمر من رجال دين فقط، أم الجمعيات والتنظيمات الإسلامية وهل للعلمانيين مكانهم فيه؟ شويبله، نفسه عمل على ضم شخصيات من التيار العلماني في وقت طفت فيه على السطح خلافات بين ممثلي طوائف عدة، سنة وعلويين وغيرهم. وزاد الأمر صعوبة كون الإسلام كدين "لا رهبانية" فيه وغير مؤطر كما هو حال الكنائس المسيحية.

وتختلف وجهات النظر بشأن حصيلة "مؤتمر الإسلام" بين من يرى أنها فشلت في تحقيق أهدافها. وهناك بالعكس من يرى أنها حققت الكثير كإدراج تعاليم الإسلام في المناهج الدراسية الألمانية أو تكوين الأئمة في ألمانيا. إضافة إلى قضايا محاربة التطرف وتعزيز الإسلام الوسطي وإحداث هيئات إرشاد إسلامي لدى لجيش الألماني، في السجون والمستشفيات. يشارك أيمن مزيك رئيس المجلس المركزي للمسلمين في "مؤتمر الإسلام" منذ سنوات وهو مرتاح لنتائج العمل الذي تم إنجازه. وأوضح في حوار مع شبكة "إن.دي.إير" (24 سبتمبر 2021) أن هذا المنتدى أدى إلى تحريك الكثير من الأمور. وأضاف أن وزارة الداخلية الاتحادية وضعت توازنا إيجابيا "نحن لا نتحدث عن بعضنا البعض، بل مع بعضنا البعض، وبذلك نخلق قاعدة للتعاون".

ميركل عملت على تعزيز مكافحة التطرف

دعمت الحكومات الألمانية التي قادتها المستشارة ميركل عدة برامج تهدف لتشجيع مشاركة المجتمع المدني في مواجهة الكراهية والتطرف بجميع أنواعه. وفي شهر أغسطس / آب 2021 قامت الحكومة للمرة الثانية بتقديم تقرير يفحص ويدقق في فعالية تلك البرامج. وفي المقابل، أظهر التقرير أن المشاريع الممولة لم تنجح في كل مكان في الوصول إلى الشباب "الذين لديهم ميل نحو المواقف المناهضة للديمقراطية" خلال السنوات الأخيرة. فالديمقراطية والحرية وسيادة القانون تعتبر من القيم للتعايش الاجتماعي الأساسية في ألمانيا. وعملت سياسة ميركل على اتباع نهج سياسي واضح لمنع الاعتداء على هذه القيم وتعزيز الديمقراطية. بالإضافة إلى السلطات الأمنية التي تعمل باستمرار، فإن هذا يشمل أيضًا تدابير وقائية فعالة، لأن الديمقراطية تتشكل على المستوى المحلي ومستوى الولايات ثم على المستوى الفيدرالي.

التقرير أظهر فعالية مراكز تقديم المشورة لضحايا الكراهية خصوصا الفئات المستهدفة الجديدة، والتي شملت على وجه الخصوص اللاجئين والمهاجرين. كما ساهمت "الشراكات من أجل الديمقراطية" في "الحفاظ على المقاومة المحلية ضد التطرف اليميني" يقول التقرير. وقد خلقت المهرجانات والأنشطة الأخرى متعددة الثقافات "فرصا لكسر الأحكام المسبقة في سياق اللجوء". وبحسب التقرير، تم النجاح في الولايات الواقعة بشرق ألمانيا على وجه الخصوص في تأسيس هياكل وقائية ضد العداء للإسلام (إسلاموفوبيا). وجاء في التقرير: "لا تزال هناك أوجه قصور في مشاركة المنظمات الإسلامية والمساجد في أعمال الوقاية". ويتضمن التقرير وصفا لبرنامج "عش الديمقراطية!" الذي تتولى مسؤوليته وزارة الأسرة الألمانية، وكذلك البرنامج الحكومي "التماسك عبر المشاركة" لوزارة الداخلية، والذي يركز على تعزيز الجمعيات الراسخة إقليميا في المناطق الضعيفة هيكليا. ومن المقرر إتاحة أكثر من 600 مليون يورو من التمويل لهذا البرنامج حتى عام 2024، فيما بلغ تمويل عام 2021 لوحده أكثر من 150 مليون يورو.

ألمانيا تطلق برنامجا طموحا لتكوين أئمة محليين

دعت المستشارة ميركل إلى اعتماد برنامج لإعداد الأئمة في ألمانيا أمام البرلمان "بوندستاغ" منذ عام 2018. وقالت حينها "هذا الأمر سيجعلنا أكثر استقلالية وهذا ضروري من أجل المستقبل"، فغالبية الأئمة في ألمانيا من دول مسلمة ولا سيما تركيا ويتلقون الإعداد في دولهم الأم التي تدفع رواتبهم. وعملت ميركل طوال سنوات حكمها على الحد من تأثير القوى الخارجية على المسلمين في ألمانيا وحاولت التخفيف من عدد الأئمة المسلمين الآتين من الخارج. وهكذا أطلقت برلين برنامجا لتكوين أئمة وكوادر دينية إسلامية في ألمانيا. غير أن هذه المبادرة لا تزال على محك التشكيك في نجاعتها بسبب عدم مشاركة الجمعيات التركية الرئيسية. ويذكر أن غالبية المسلمين في ألمانيا لهم أصول تركية لكن ذلك لم يمنع الحكومة الألمانية من إطلاق مشروعها، إذ باشر حوالي أربعين رجلا وامرأة هذا التكوين الذي سيستمر سنتين ويشرف عليه معهد الإسلام في مدينة أوسنابروك في شمال غرب ألمانيا. وانطلق التكوين في منتصف يونيو/ حزيران 2021، وهو مفتوح لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو تخصص موازي.

التأثيرات الخارجية عبر الأئمة تمنع من تبلور إسلام ألماني مندمج ومستقل حيث يقيم هؤلاء في ألمانيا في المعدل لفترة أربع إلى خمس سنوات في بيئة ثقافية واجتماعية غريبة عنهم. فنصف الأئمة المسلمين الذين يعملون في ألمانيا ويقدر عددهم بـ 2500 ينتمون في معظمهم لمنظمة "ديتيب" التركية المثيرة للجدل وهي تتبع مباشرة وزارة الأوقاف التركية. ويأتي باقي الأئمة من دول شمال إفريقيا ومنطقة البلقان. وإضافة إلى ذلك تشك أجهزة الاستخبارات الألمانية في تنفيذ بعض من هؤلاء لأجندة سياسية تتبع بلدانهم الأصلية وتتعارض أحيانا مع لمصالح الحيوية لألمانيا. ففي عام 2017 اشتبه القضاء الألماني بأن أربعة رجال دين من أعضاء "ديتيب" مارسوا أعمال تجسسية ضد معارضين لسلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

حسن زنيند

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة