نافيد كرماني هو أحد أشهر الكتاب والمفكرين الألمان الإيرانيين في العصر الحديث، حيث يجمع بين ثقافتين مختلفتين في أعماله الأدبية والفكرية، وتعتبر خلفيته الثقافية المزدوجة عنصرًا أساسيًا في أعماله، حيث يعكس في كتاباته تأثير الثقافة الإيرانية جنبًا إلى جنب مع التأثير الغربي الأوروبي، وهو ما جعله من أبرز الكتاب في ألمانيا، في السطور التالية تعرف على مسيرته وأبرز أعماله.
من هو نافيد كرماني؟
هو كاتب إيراني ألماني، ولد في 27 نوفمبر عام 1967 في مدينة سجين في ألمانيا الغربية، وهو واحد من أبرز الكتاب الإيرانيين في أوروبا، وواحد من أبرز الفمكريت والكتاب المعاصرين.
يجمع نافيد كرماني في أعماله بين العمق الفلسفي والروحانية الشرقية والانفتاح على الحداثة الغربية، وبفضل خلفيته المزدوجة، استطاع أن يكوّن رؤية إناسنية عابرة للحدود، تضع الوار بين الأديان والثقافات في صميم اهتماماته.
بدأ كرماني مسيرت المهنية كصحفي ومفكر مستقل، ونش رمقالات في عدد من الصحف الألماني الكبرى، تناول فيها قضايا عن الإسلام والغرب والهوية والتعدد الثقافي، وتميزت أعمالع بالعق، واجمع بين السدر الفني والتحليل النفسي.
ألف بعدها عدة كتب مميزة حققت له شعبية كبيرة، ومنها "بين المسجد والكاتدرائية"، و"نحن لا نعرف شيئًا عن بعضن البعض". حازت أعمال كرماني على عدة جوائز، وتلقى إشادة من العديد من الكتاب والنقاد.
نشأته وتعليمه الأكاديمية
ولد نافيد كرماني لعائلة إيرانية في ألمانيا، والده كان طبيبًا وعمل في مستشفى سانت ماريان في زيجن. يحمل كرماني الجنسية الألمانية والإيرانية. نشأ نافيد في مدينة ذات أغلبية بروتستانتية، وقد درس في مدرسة بيتر بول روبنز.
درس كرماني الدراسات الشرقية والفلسفة والمسرح في عدة جامعات في كولونيا والقاهرة وبون، وخلال فترة دراسته، عمل كمساعد مخرج وكاتب مسرحي في مسرح فرانكفورت.
حصل كرماني على درجة الماجستير عام 1993 من جامعة بون، وخلال تلك الفترة تعرف على المفكر الديني المصري حامد أبو زيد، الذي كان يدعوا إلى إعادة تأويل القرآن بشكل يراعي الظروف الاجتماعية والسياسية في شبه الجزيرة العربية، واتهم في مصر "بالردة"، وكان لأبو زيد تأثير كبير على فكركرماني الديني.
حصل كرماني بعدها على درجة الدكتوراه في الدراسات الشرقية من جامعةف ردريش فيلهلم الراينية في جامعة بون عام 1998 تحت إشراف المستعرب ستيفان فيلد والإيرانية مونيكا جرونكي.
![نافيد كرماني.. الكاتب الذي جمع بين الشرق والفكر الغربي]()
مسيرته الأدبية
منذ عام 2006، يتقاسم الكاتب الألماني من أصول إيرانية نافيد كرماني دور المضيف مع الكاتب جاي هيلمينغر في الصالون الأدبي في شتاتغارتن بمدينة كولونيا، حيث يلتقي الأدب بالحوار الثقافي في أجواء فكرية فريدة تجمع ما بين القراءات، والنقاشات، واستضافة أبرز الأصوات الأدبية والفكرية من ألمانيا وخارجها.
وفي عام 2008، قضى كرماني عامًا مميزًا في فيلا ماسيمو بروما، وهي واحدة من أرقى الإقامات الثقافية التي تُمنح للمبدعين الألمان، مما أتاح له التفرغ للتأمل والكتابة في بيئة رومانية مفعمة بالفن والتاريخ، انعكست في نبرة أكثر شاعرية في أعماله اللاحقة.
ابتداءً من عام 2012، خاض تجربة جديدة على خشبة المسرح من خلال مشاركته في إخراج العرض الفني "مركز القلب" على خشبة مسرح ثاليا في هامبورغ، جنبًا إلى جنب مع المخرج المسرحي الألماني كارل هيجمان.
هذا العمل المسرحي، الذي مزج الفن الأدائي بالتأملات الفلسفية، يُجسّد توجه كرماني الدائم لتجاوز الأشكال التعبيرية التقليدية، ودفع حدود الخطاب الأدبي إلى تخوم التجربة الحسية والفكرية في آن واحد.
تُركّز مؤلفات كرماني الأدبية على التجارب الوجودية القصوى، سواء في مواجهة الموت، أو في لحظات العزلة والحب والموسيقى والجنس. أعماله تتحرك بحرية على الخط الفاصل بين السيرة الذاتية والخيال الروائي، حيث يتلاشى الفاصل بين الواقع والحلم، وتتحول الحكاية الشخصية إلى تأمل كوني. أما في مجاله الأكاديمي، فقد ركّز كرماني بشكل خاص على جماليات النص القرآني والتراث الصوفي الإسلامي، وهو ما يظهر بوضوح في لغته الأدبية الغنية بالتشبيهات والرموز.
لكن كرماني لم يكتف بالكتابة من عزلته؛ بل غامر إلى قلب الأزمات الإنسانية. ففي سبتمبر 2014، كان شاهدًا مباشرًا على المأساة العراقية حيث كتب تقارير ميدانية مؤثرة لمجلة دير شبيغل، ناقلًا معاناة المدنيين من قلب الحدث.
![نافيد كرماني.. الكاتب الذي جمع بين الشرق والفكر الغربي]()
ثم واصل رحلاته في أكتوبر 2015 إلى طرق اللجوء العكسي، متنقلاً من بودابست إلى تركيا، ليواكب مسارات الهاربين من الحروب إلى المجهول، ولكن هذه المرة عبر مسار العودة.
وقد نُشرت معظم هذه التقارير الصحفية التي كتبها لصالح فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج ودي تسايت ودير شبيغل في إصدارات موسّعة تحوّلت إلى كتب من الأكثر مبيعًا، ما يدل على قدرته الفائقة في تحويل الصحافة إلى أدب، والتجربة الإنسانية إلى شهادة ذات قيمة تاريخية.
وبالإضافة إلى حضوره الثقافي، برز كرماني أيضًا في العمل الإنساني، حيث تعاون مع منظمة ابن سينا الخيرية التي أسسها والده، جواد كرماني، لإطلاق حملات إغاثة ومساعدات إنسانية في مناطق متضررة مثل آتشيه (إندونيسيا)، جزيرة ليسبوس (اليونان)، مدغشقر، وإقليم تيغراي في إثيوبيا.
وقد تُرجمت كتبه إلى عدد كبير من اللغات العالمية، مما جعله واحدًا من أكثر المفكرين الألمان تأثيرًا على المستوى الدولي. وفي تصريح له، وصفه المفكر يان فيرنر مولر في نيويورك ريفيو أوف بوكس بأنه "أحد أكثر الأصوات الفكرية إلهامًا في ألمانيا"، تقديرًا لدوره في تشكيل الوعي المعاصر تجاه قضايا الهجرة، والتعددية، والدين.
![نافيد كرماني.. الكاتب الذي جمع بين الشرق والفكر الغربي]()
مسيرته الأكاديمية
وفي الجانب الأكاديمي، شغل الكاتب نافيد كرماني عدة مناصب مرموقة. بين عامي 2009 و2012، كان زميلًا أول في معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية (KWI) في مدينة إيسن، كما تم تعيينه عضوًا مراسلًا في أكاديمية العلوم بهامبورغ في نفس العام.
ألقى كرماني كذلك محاضرات مرموقة في مؤسسات ألمانية وأميركية عريقة، من جامعة يوهان فولفغانغ غوته إلى جامعة غوتنغن، وجامعة دارتموث الأميركية، حيث حاضر حول الأدب والفكر الإسلامي المعاصر، كما شغل منصب أستاذ زائر في أكاديمية الفنون الإعلامية في كولونيا بين 2017 و2020، مؤطرًا لجيل جديد من الكتاب الشباب.
اعتبارًا من يناير 2022، أصبح كرماني كاتبًا حصريًا لصحيفة "دي تسايت" الأسبوعية، إحدى أبرز الصحف الفكرية في ألمانيا، مما منحه مساحة أوسع لنشر تحليلاته الاجتماعية والسياسية والفكرية.
وفي 22 أكتوبر 2023، شارك في حدث ثقافي استثنائي عندما قرأ مقتطفات أدبية مستوحاة من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن خلال حفل أوركسترالي مهيب لـالأوركسترا السيمفونية الألمانية في برلين، تحت قيادة المايسترو روبن تيشياتي، في تجسيد رمزي آخر لعلاقته العميقة بين الكلمة والموسيقى، والفكر والإنسانية.
مؤلفات نافيد كرماني
خلال مسيرته، ألف نافيد كرماني العديد من الكتب، التي تنوعت بين الروايات والدراسات والكتب النقدية، ولعل أشهر مؤلفاته كتاب "من نحن: ألمانيا ومسلموها"، والتي تحدث فيها عن تجربة العيش كإيراني مسلم في ألمانيا، وتناول الكتاب موضوعات مختلفة، منها بناء المساجد، ومؤتمر الإسلام، ومساعي الاندماج وغيرها.
من مؤلفاته أيضًا رواية "حب كبير"، وهي هذه الرواية يناقش قصة حب بين مراهق وفتفاة تكبره في السن، متقبسًا من التراث الصوفي للعشق ليعيد طرح تجربته الخاصة من خلال روايته.
ألف نافيد كذلك كتاب "بزوغ الحقيقة على دروب اللاجئين عبر أوروبا"، والتي ناقش فيها موضوع رحلات المهاجرين من الشرق إلى أوروبا، وهو كتاب يتراوح فيه سرده بين الكتابة الأدبية والصحفية، حيث وصف ما يواجههه المهاجرين من صعاب وتحديات خلال رحلتهم.
جوائز وتكريمات
حصل الكاتب نافيد كرماني خلال مسيرته على العدي دمن الجوائز، منها جائزة السلام، وجائزة ماريون دونهوف للتفاهم والمصالحة الدولية، وجائزة الأميرة مارجريت للثقافة من المؤسسة الثقافية الأوروبية، وجائزة هانز إيرينبيرج، وجائزة وينفريد.
في عام 2024، حصل نافيد كرماني على جائزة توماس مان تكريمصا لأعماله الروائية ومقالاته، وتبلغ قيمة الجائزة 25 ألف يورو.
![نافيد كرماني.. الكاتب الذي جمع بين الشرق والفكر الغربي]()