هكذا يمكن للإيجابية المُفرطة خلال الجائحة أن تضرنا

  • تاريخ النشر: الأربعاء، 10 مارس 2021
هكذا يمكن للإيجابية المُفرطة خلال الجائحة أن تضرنا

في خضم الأوقات العصيبة، قد يبدو وضع أكبر ابتسامة على وجهك هو أفضل آلية للتكيف. ومع ذلك، قد يكون هذا النهج ضارًا بصحتك العقلية. على مدار العام الماضي، مع تحول الوباء من حالة مرعبة إلى حدث طويل الأمد يُغير الحياة، كان على آليات التكيف لدينا أن تتأقلم وتتطور. ومع ذلك، كانت هناك اختلافات في الطرق التي تعاملنا بها مع الوقت الذي نقضيه في العزلة.

الإيجابية السامة تقمع مشاعرنا وتجعلنا نشعر بالسوء أكثر

بالنسبة للبعض، كانت الإيجابية أمر ضروري للتعامل مع الأزمة، فقد استمتع الكثيرون بفرصة لإيقاف وتيرة الحياة السريعة المُتلاحقة وإعادة تقييم وضعهم في الحياة وشعروا بالامتنان لاستمرار وجود وظيفة أو إبقاء الأشياء الجيدة في نصابها.

بالطبع، البقاء متفائلاً والتعبير عن الامتنان ليست ممارسات سلبية، لكن هذا التفاؤل الثابت الذي لا يتزعزع  يُعرف باسم "الإيجابية السامة"، فهو يُصوّر المشاعر السلبية على أنها فشل أو ضعف. ويجعلنا لا نريد الاعتراف بالمصاعب النفسية والحياتية التي نواجهها مما يمكن أن يكون له تأثير ضار على صحتنا العقلية.

تُظهر الأبحاث أن التذكيرات المستمرة للتفكير بشكل إيجابي والامتنان لما هو متاح في خضم الصراع والنضال الذي نُعانيه في الأوقات الصعبة لا تجعل الحزن أو الخوف أو القلق يتبددون، كل ما يحدث هنا هو أننا نقمع المشاعر السلبية وهوما يمكن أن يجعلنا نشعر بالسوء أكثر.

ابحث عن معنى وتمسك بالأمل

بدلًا من التحلي الساذج بالإيجابية المُفرطة، تأتي وجهة نظر أخرى ترى أن هناك أملًا ومعنى يمكن العثور عليه في الحياة مع الاعتراف أيضًا بوجود الخسارة والألم والمعاناة. تم تحديد هذه الوجهة لأول مرة من قبل عالم النفس النمساوي والناجي من الهولوكوست فيكتور فرانكل في عام 1985 ، يؤكد مؤيدو وجهة النظر هذه أن هناك مساحة لتجربة كل من الخير والشر، ويمكننا أن ننمو من كل منهما.

يقترح الخبراء أن هذا النوع من الفلسفة قد يكون بالضبط ما نحتاجه للتعامل النفسي الفعّال مع أزمة جائحة كوفيد-19، لأننا ما زلنا نسير في طريق الوباء.

الاعتراف بوجود الشدائد يساعد الناس على تجاوز الأزمات بمزيد من المرونة والنمو. هنا يكون المطلوب أن نعترف بالصعوبات والألم والمعاناة لما يجري، وفي نفس الوقت، تكون لدينا القدرة على الحفاظ على الأمل، أن نكون متفائلين مع الاعتراف بوجود الأزمة هو وسيلة سعيدة بدلاً من سحق أرواحنا بالإيجابية المُفرطة التي نفرضها فرضًا على أنفسنا دون أن نشعر بها حقًا،

المعاناة جزء من الحياة

المعاناة جزء من الحياة، إنكارها يحتاج منك إلى بذل الكثير من الجهد الذي يُنهكك في ذاته، السؤال الأهم هنا هو كيف ستتعامل معها؟ قد ينكر الكثير من الناس معاناتهم أو يتجاهلونها، لكن هذا غير مفيد ومُدمر للصحة العقلية، توفر لنا الصعوبات والتحديات لحظة تعلم.

 يمكن لوقائع الوباء أن تجعل العثور على الجانب المشرق الذي يُمكننا من التحلي بالإيجابية مسعى صعبًا للغاية، وهذا هو السبب في أن الاعتراف بالخسارة والألم والذنب في مواقفنا أمر مفيد للغاية.

في بداية عمليات الإغلاق في المملكة المتحدة الربيع الماضي، سعت جيسيكا ميد، طالبة دكتوراه في قسم علم النفس بجامعة سوانسي، إلى قياس التغيرات في الرفاهية بين السكان. بطبيعة الحال، انخفضت مستويات الرفاهية نتيجة الوباء، لكن ميد وزملائها وجدوا أن المشاركين الذين أظهروا قدرة على التمسك بالأمل مع الاعتراف بصعوبة الوضع يتعاملون بشكل أكثر فاعلية مع صدمة الوباء.

 وجدت ميد أن هؤلاء الأشخاص يتطلعون إلى أشياء مثل علاقاتهم مع الأصدقاء والعائلة لإيجاد معنى. وتشير إلى أن إيجاد المعنى في الأوقات الصعبة هو عملية أعمق من الإصلاح قصير المدى مثل ممارسة ألعاب الفيديو لبضع ساعات للخروج من الحالة النفسية السيئة. تقول: "قد يستغرق التركيز على المعنى وقتًا أطول قليلاً حتى يتمكن الناس من تطوير تلك العلاقة مع كل ما يجلب لهم معنى ، لكن النتيجة التي سيحصلون عليها ستكون طويلة الأمد".

الإيجابية السامة قد تُعرضنا لاضطراب ما بعد الصدمة

قد لا تؤثر طريقة تفكيرنا على كيفية تعاملنا مع الوباء على أساس يومي فحسب، بل تؤثر أيضًا على كيفية خروجنا منه التي ستظهر خلال الأشهر القادمة.

يُعاني بعض الذين يتعرضون لحدث صادم من صعوبة في التكيف وقد يصابون باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ما يُقلق العديد من المتخصصين في الصحة العقلية هو توقع أنه في نهاية الوباء. يمكن أن يُعاني الكثيرون من هذا الاضطراب، خاصةً أولئك الذين يعتمدون على الإيجابية السامة.

 تقول ميد إن تشجيع الناس على أن يكونوا متفائلين وممتنين عندما يمرون بأوقات صعبة للغاية لا يشجع النمو بعد عبور المأساة. وعلى الرغم من أن الإيجابية بالمقادير المناسبة يمكن أن يكون لها فوائد، إلا أنها قد تجعل الناس يشعرون بالذنب أو الخجل أو الإنكار لمشاعرهم الحقيقية.

في المقابل، يجد آخرون أن الصعوبات والأزمات تمنحهم فرصة جديدة للحياة، وهو منظور متغير يُعرف باسم النمو اللاحق للصدمة. يساعد التمسك بالأمل على تسهيل ذلك من خلال قبول المشاعر المؤلمة التي فرضها علينا الوباء والتعامل معها بفعّالية.

يقول بول وونغ، عالم النفس والأستاذ الفخري بجامعة ترينت في أونتاريو، إن الطريق إلى هذا التحول قد يكون غير مريح ، لأن الحياة ليست سهلة حاليًا. يقول: "من الجيد أن تشعر بالسوء، ولا بأس أن تشعر بالقلق. مرحبا بكم في نادي الإنسان".

لا يعني هذا الاستسلام للمشاعر السلبية أو جعلها تغمرنا، هو يعني فقط الاعتراف بمشاعرنا على حقيقتها ومُحاولة التمسك بالأمل والمعنى من حياتنا رغم صعوبة ما نتعرض له. هذا قد يساعدنا في الواقع على رؤية أن هناك ضوءًا في نهاية النفق. ويساعدنا على التنفس بينما ننتظر الوصول إليه.