ورشة للذكاء الاصطناعي في بغداد

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 03 أبريل 2018
ورشة للذكاء الاصطناعي في بغداد

"رائد" المصنوع من بقايا الأجهزة والكومبيوترات والهواتف الخلوية والكتب والرفوف وقناني غاز التبريد يقف شامخاً أمام بناء أنيق عصري في مكان مركزي بمدينة بغداد يغلب عليه اللونان الأصفر والأسود. هذه في "المحطة"، منصة العمل الرقمي المشترك في العراق، وأهم ما فيها ورشة تعد بهدوء لإنتاج مفردات الذكاء الاصطناعي، من روبوتات وطائرات مسيرة صغيرة وسيارات ذاتية الحركة والقيادة.

"المحطة" تعتبر مركز أعمال مفتوح للأعضاء وغير الأعضاء فيه . محمد السامرائي، مدير مشروع "كريزي تاون"، وهي وكالة إعلانات تهتم بما يخص التسويق، يقول إن اسم مشروعه الطموح الرامي إلى إنتاج معدات الذكاء الاصطناعي وضع "لأنّ بغداد هي كريزي ستي (مدينة مجنونة)"، على حد وصفه. ولدى سؤاله كيف ستتعامل مع مستثمرين لا يتقنون اللغة الإنكليزية، أجاب السامرائي، الذي ترك عمله في أوروبا عائداً إلى بغداد مع مطلع عام 2017 ليطلق وكالة الإعلانات الرقمية، أنّهم يتعاملون مع زبائن من نوع خاص مطلوب منهم قدرٌ معينٌ من المعرفة الرقمية في مجال التواصل. وأشار رائد الأعمال الشاب إلى أنّ "المبادرات والمشاريع الشابة المواكبة للعصر الرقمي تسعى اليوم إلى خلق زبائن النخبة" ليتاح لها نشر ثقافة التواصل وتوظيفها في مجال "رقمنة" المحيط الاستثماري، على حد وصفه.

الملفت للنظر هي ورشة الذكاء الاصطناعي، والتي أقيمت في قاعة مرتبطة بقاعات أخرى من المعرّفة بعنوان "ميكر سبيس"، المتخصصة ببناء وتطوير نماذج أولية للمشاريع والحلول الإبداعية، والمجهزة بأحدث تقنيات والمعدات ومنها طابعات ثلاثية الأبعاد ومكائن CNSs، التي تستهدف عشاق الإبداع الرقمي وألعابه وعلومه. ووضعت في القاعات معدات إنتاج تمكّن المهتمين من إنجاز مشاريعهم بهذا الخصوص. الناشطة في مجال الإعلام الرقمي سحر الهماش، التي رافقتنا في الجولة، أبدت تفاؤلها بإمكانية إنتاج معدات ذكاء اصطناعي، مؤكدة أنّ كفاءات عراقية شابة موهوبة تعمل بجد في هذا الاتجاه الآن.

"المحطة" كانت إحدى عشرات المؤسسات العراقية والدولية التي ساهمت في رعاية وإطلاق تظاهرة "IT Live 2018"، التي جرت في الملعب الشتوي الدولي لكرة السلة في بغداد على مدى يومين في 23 و24 من شهر آذار/ مارس 2018 وشارك فيها أكثر من 600 متخصص في الهندسة الرقمية والمعلوماتية وعلوم وتقنيات السايبر من مختلف أنحاء العالم.

"زقاق 13"، ومكتبة الجدار، والمحطة كافيه، وقاعة المحطة متعددة الأغراض المخصصة للمؤتمرات والفعاليات والاجتماعات وحتى العروض السينمائية أو المسرحية، والتي تتسع لمائتين وخمسين شخصاً، ومجهزة بمكاتب ذات بنية تحتية عالمية وخدمات إنترنت سريع تشكل أجزاء من المشروع الطموح.

مجاهد ويسي، المدير العام والمؤسس لمشروع "المحطة"، كشف أنّ المشروع الذي بات عمره عام ونصف العام انطلق من رجال أعمال صغار يعملون في القطاع الخاص ويدركون ما يحتاجه أصحاب المشاريع الخاصة الصغيرة: "أدركنا أن الشباب يواجهون تحديات في التعامل مع الحكومة والقطاع الخاص، ونحن نحاول أن نطلق تجربة تكون بديلاً للثقافة السائدة في البلد".

وبيّن ويسي الآفاق التي يعمل عليها مشروع "المحطة"، وهي "البيئة المناسبة التي يمكن من خلالها أن يطوّر الشباب إمكاناتهم. إنها محاولة للخروج من البطالة المقنعة بستة ملايين موظف حكومي لا يعملون. نحن نحارب ثقافة البحث عن وظيفة حكومية ونعرض بدائلاً ممكنة للخروج من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص. نحن نعرض مكاتب منخفضة الكلفة للشباب بإيجارات منخفضة مقارنة بالأماكن الأخرى".

مشروع "المحطة" وأمثاله يكلف مبالغ طائلة، ولدى سؤال صاحب المشروع مجاهد ويسي عن مصادر تمويل مشروعه قال: "نجحنا في الحصول على مصادر تمويل من القطاع الخاص، من شركات، والمهم هنا أننا نعرض خدماتنا مقابل ثمن، ولا يوجد شيء مجاني وهو ما يحقق استدامة للمشروع".

وبين ويسي أنّ البنك المركزي العراقي - وضمن تعاونه مع رابطة المصارف العراقية - قرر إطلاق منحة قدرها 50 في المائة لدعم تمويل إنشاء المحطة المقبلة المنوي إطلاقها في منطقة أخرى من البلد، معتبراً ذلك بادرة حسن نية من القطاع العام لدعم مشروعهم الطموح.

الدخول إلى "المحطة" والاستمتاع بمنتجاتها وقهوتها والآيس كريم (دوندرمة باللهجة العراقية) اللذيذ في كافتريتها يتطلب انتساباً بهوية قابلة للتعبئة المالية، بمعنى أنّ محلات المحطة لا تتعامل بالنقود، بل بالهوية المعبأة بمال، أسوة بمؤسسات غربية كثيرة تعمل وفق هذا النظام، وهو أمر يقلل من مساحة أي فساد أو تلاعب محتمل بالمداخيل، ويضع المتعاملين والزبائن والمنتسبين إلى مراكز المحطة ومكاتبها أمام جدية أسلوب العمل الجديد وضرورة الالتزام به.

الخروج من "المحطة" وأجوائها يعيد الزائر فجأة إلى أرض الواقع في بغداد، المدينة المليونية المكتظة بالسيارات، والتي تعاني من ضعف الإنترنت وضعف أداء المؤسسات الرسمية. أما مشهد الحراس الجالسين أمام عارضة تسد طريقاً جانبياً يقود إلى مخرج "المحطة"، فيعيد الزائر فجأة إلى هاجس غياب الأمن الذي عانى منه العراقيون سنوات طويلة.

ملهم الملائكة- بغداد