يوليوس قيصر.. لغز أسرع عملية بناء وهدم في التاريخ القديم

  • Qallwdallبواسطة: Qallwdall تاريخ النشر: الأحد، 17 يناير 2021 آخر تحديث: الإثنين، 18 يناير 2021
يوليوس قيصر.. لغز أسرع عملية بناء وهدم في التاريخ القديم

يوليوس قيصر.. إمبراطور عظيم وقائد عسكري محنك قل من لا يعرفه، ولكن من قال إن العظماء لا تصدر عنهم أفعال قد يراها البعض جنونية فيما يرونها هم عين العقل والحكمة؟ هذا ما فعله يوليوس قيصر حين قام بواحدة من أسرع عمليات البناء في التاريخ، بل والهدم أيضا! 

من هو يوليوس قيصر؟

يوليوس قيصر

كان يوليوس قيصر إمبراطورا عظيما، ليس هذا فحسب، بل كان كاتبا وقائدا سياسيا وجنرالا عسكريا لا يشق له غبار، وقد عُرِف منذ شبابه بذكائه ونُبله وشجاعته وحنكته السياسية وقدرته على التدبير والتخطيط، ولذا استحقَ عن جدارة وصفه رجل روما وسيدها المنتظر وإمبراطورها المرتقب، حتى تولى الحكم فيما بعد بين تقدير واحترام وتشجيع هائل من قبل أهالي روما.

بدأ يوليوس قيصر في غزو بلاد الغال عام 52 قبل الميلاد، وفي أوائل صيف 55 قبل الميلاد كانت الحدود الشرقية للمقاطعات الجديدة تقع على ضفاف نهر الراين، وتشكَلت القبائل الجرمانية حينها على الجانب الشرقي للنهر والتي شنَّت غاراتها نحو الغرب اعتمادا على الحماية التي وفرتها لهم هذه الحدود الطبيعية، ولسوء حظها كانت هناك أيضا بعض القبائل المتحالفة مع روما على الجانب الآخر للنهر مثل قبائل الـ«أوبيانس» والتي عرضت على يوليوس ‑بل توسلت إليه- وأرسلت سفراءها وحاولت بشتى الطرق إقناعه لاستخدام سفنها لعبور النهر ومحاربة القبائل الجرمانية، ورغم هذا الإلحاح وهذه التوسلات جاءهم الرد بالرفض التام.

رفض القيصر ومغامرته

رفض يوليوس هذا العرض المغري والذي كان لصالحه من جميع الاتجاهات لسببين، أولهما أنه لم يرغب في إظهار دعمه لحلفاء قبائل الأوبيانس وتأييدهم علانية، والسبب الآخر أنه رأى أن استخدام هذه السفن يُعَد إهانة لكرامته وكرامة الشعب الروماني فقد كان يريد أن يثبت للجميع أن روما تستطيع شَّن الحرب متى شاءت وكيف شاءت حتى وإن كان هذا عبر الحدود كما رأى أيضا أن استخدام السفن غير آمن ولذا قرر بناء جسر خشبي ليعبره 40 ألف جندي عوضا عن ذلك!

صعوبات وتحقيق المستحيل

يوليوس قيصر

بالنظر إلى عمق النهر وسرعة حركته وعرضه يُعَد بناء الجسر أمرا مستحيلا خاصة وأن المطلوب هو إنجازه في زمن قياسي، إلا أن هذا المستحيل تحقق بالفعل، فبالرغم من هذه الصعوبات التي واجهها يوليوس إلا أنه قرر بناء الجسر الخشبي ومده بين الضفتين مستعينا بجيشه الذي بلغ عدده 40 ألف جندي، ومغامرا بهم وبعدته وعتاده في الوقت نفسه.

شرع الجنود في البناء بهمة عالية وعزيمة في تنفيذ الأمر الصادر، وكان العمل تجاه مجرى النهر من كوبلنز ‑وهي منطقة يصل عمق النهر فيها إلى 9 أمتار- وقد قاموا ببناء الجسر على أكوام مزدوجة من الخشب والتي تم دفعها إلى قاع النهر، كما قاموا بإلقاء أحجار ضخمة فوقها لتثبيتها ولتصبح حاملا للصولجان والقضبان، وقد ضمنت هذه الأساسات الصلبة قوة ومتانة الجسر كما أنها لم تؤثر على مجرى النهر.

استطاع الجنود أيضا إقامة أبراج مراقبة لحماية المداخل على كلا الجانبين، ووضعوا الحواجز أعلى النهر كإجراء وقائي للحماية من الهجمات أو كُتل الحجارة والصخور التي ربما يحملها لهم التيار عبر النهر، وتشير التقديرات إلى أن طول هذا الجسر تراوح بين 140 و400 متر أما عرضه فربما يصل إلى 7 أو 9 أمتار.

رقم قياسي في سرعة البناء.. والهدم!

استغرق بناء الجسر 10 أيام، فقط الأمر الذي أدهش الجميع حتى إنه لم يُعرَف إلى الآن من هو المهندس المسؤول عن هذه التقنية الجديدة حينذاك والتي لم يتم استخدامها من قبل إلا أن شيشرون الكاتب الروماني العظيم وخطيب روما المفوه أشار في رسالة له إلى أن اسمه «مومارا».

بمجرد اكتمال الجسر قام يوليوس وجنوده بالعبور إلى الضفة الأخرى حيث كانت قبائل الأوبيانس في انتظارهم، إلا أنه بعد عبور الجسر نما إلى علم يوليوس قيصر أن القبائل الجرمانية فرت نحو الشرق تحسبا لوصوله في أي وقت وهربا من مواجهته، هكذا وبعد انسحابهم من أرض المعركة دون قتال قرر يوليوس العودة بجيشه إلى الضفة الغربية مرة أخرى بعد 18 يوما توغل خلالها في الأراضي الواقعة شمال نهر الراين دون مواجهة أي مقاومة، ثم عبَر الجسر هو وجنوده وأقدم على فعل هو الأغرب في ذلك التوقيت.

يوليوس قيصر

أمر يوليوس جنوده بهدم الجسر مرة أخرى إذ انتفت الحاجة إليه وحتى لا يلحق به أحد، وأظهرت استراتيجية قيصر في عملية البناء والهدم التأثير المطلوب، فقد أبرز قوة روما وقدرتها على عبور نهر الراين في أي وقت، وعلى طريقتهم الفريدة دون الاستعانة بأحد ولو كان من الحلفاء، وهكذا كان الأمر استعراضا فريدا من نوعه للقوة، قام يوليوس قيصر بعدها بتأمين حدود بلاد الغال، وامتنعت قبائل الجرمان لعدة قرون عن عبورها، واعتمد يوليوس هذه السياسة التي آتت أكلها في كثير من غزواته بعدها.