بين الحراك وترقب خطاب الملك.. ما حل الفجوة بين الشارع وحكومة المغرب؟

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ ساعة زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
فاديا خطاب
أميرة خطاب
ماذا قال مبابي لـحكيمي بعد فوز فرنسا على المغرب؟

قررت الحركة الاحتجاجية الشبابية التي انطلقت من تطبيق ديسكورد، أن توقف احتجاجها ليوم واحد، وهو يوم الجمعة المقبل، وذلك احتراما لموعد خطاب الملك محمد السادس، لافتتاح الدورة التشريعية.

هي خطوة اعتبرها كثيرون، ومنهم الإعلامي المغربي يونس مسكين "إشارة سياسية ناضجة"، معتبرا في مقال تحليلي نشره على موقع صوت المغرب الذي يديره، أن "الحراك ليس نقيضا للمؤسسة الملكية، بل هو أقرب ما يكون إلى طاقة اجتماعية تغذّيها وتخدم مشروعها، لأنّها تضخ دما جديدا في شرايين سياسة اشتكى من اضمحلالها الملك نفسه في مناسبات عديدة".

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

صعوبات في التفاوض بين الشباب والحكومة المغربية

يصر شباب هذه الحركة الاحتجاجية المغربية، على الاحتفاظ لأنفسهم بحق التخفي، وعدم تفويض أمر مطالبهم - التي انطلقت اجتماعية - لأي جهة سياسية كانت، مما يراه الباحث مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية جامعة الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، مميزا لواقع هذه الاحتجاجات.

كما يرى المتحدث أنها "تأتي كمخرج مركزي يدل على تشكل وعي جماعي لدى أفراد ينتمون لجيل له من المهارات الرقمية، ما يمكنه خلق ضرر سياسي عال من حيث مسلمات الوجاهة الاجتماعية الانتدابية للفاعلين السياسيين والمدبرين العموميين، الذين كانوا خلال الـ 15 سنة الماضية، يستصغرون حالة الرضى الاجتماعي".

لكن اليحياوي يرى في تصريحاته لـ DW عربية أن "هذه الحركة تؤكد أننا أمام تغير في مضامين الفعل الاحتجاجي وفي أشكال تنظيمه، وأنها تمرين جديد يختبر درجة التعاطي السياسي الإيجابي لمؤسسات الدولة مع المتاح دستوريا في ممارسة حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي كما جاء في الفصل 29".

ويؤكد المحلل السياسي، أن "إصرار المتظاهرين على عدم التنظيم في إطار يحكمه قانون من قوانين الحريات العامة، وتمسكهم بعدم الاستجابة للتفاوض على المطالب، يعني أن الحركة تعتبر نفسها خارج تفاوض المؤسسات عن الحاجات، أي أننا نخرج من زمن الاحتجاج الذي ينتظر عائدا على احتجاج استنكاري لاحتجاج ينتظر قدرة احتوائية من طرف المؤسسات التي أفرزتها الانتخابات".

من جهته، يرى منصف السليمي، خبير الشؤون المغاربية لدى مؤسسة DW، أن "هذا الجيل يتوخى الاعتماد على أدوات رقمية فوق المؤسسات التقليدية وهو مسار نابع عن الشعور بخيبة أمل وتقييم سلبي للتجارب الاحتجاجية السابقة التي جرت في المغرب منذ 20 عاما".

واعتبر المتحدث أيضا أنه "اخفاء قيادات هذا الحراك لهوياتهم، يطرح صعوبة أمام النخبة السياسية لاحتواء هذه الظاهرة"، متسائلا عن "مدى استمرار ضبط هذه المجموعة لنفسها من الانزلاق أو الاختراقات مستقبلا".

جيل زد 212 والتشبت بعدم الانتماء

يبدو أن الجواب على السؤال المطروح من قبل المحللين، يجد أجوبة سريعة من قبل الشباب المحتج، إذ لم يترددوا أبدا في الرد على محاولات البعض لدعوتهم لممارسة العمل السياسي من داخل حزب جديد، خاصة بعدما أقدم ناشط مغربي يدعى رشيد عشعاشي على إعلان تأسيس حزب، وصفه بأنه "منبثق عن احتجاجات جيل زد"، داعيا إياهم إلى الترشح باسم الحزب ومؤكدا أنه لن يقوم داخل الحزب إلا بمهمة التأطير والإدارة.

وكان رد الحركة قاسيا وواضحا، إذ كتبت في بيان لها "شرحنا لك أنه مستحيل أن نخلق حزبا"، مستنكرة محاولة تأسيس حزب باسمها، وتابعت: "أنت لست مؤسس الحركة ولا داعمها الرسمي". وأضاف البيان أن "أفكار وصوت الشعب أصبحت حركة"، مما يثبت أنهم لا يحتاجون حزبا، معبرين عن خيبة أمل وغضبهم من محاولته الركوب على الحركة من طرفه.

"لا مجال للمساومة"

وتأكيدا على هذا النهج حتى في تصريحاتهم، قال أحد شباب الحركة في تصريح لـ DW: "نعتقد أن المجموعة لن تخرج عن السيطرة ما دمنا نناقش كل شيء على تطبيق ديسكورد بحرية، ويشعر الجميع بأن أصواتهم مسموعة، على عكس الواقع، الديمقراطية هي الحل دائما".

وفي حديثه عن مستقبل تحركاتهم في سبيل تحقيق مطالبهم، أضاف المتحدث الذي أخفى هويته قائلا: "لن نجلس على طاولة المفاوضات، لا مجال للمساومة على الصحة والتعليم والعيش الكريم".

هذه الاختيارات، يجدها المحلل السياسي اليحياوي أنها توضح أننا "أمام مواطن من طينة أخرى، يسائل الحكومة والمدبر العمومي لكن ليس من منطق المطلق، وإنما الحق المخصوص بالرضا الاجتماعي وجودة المعاملة، أي أنه أكثر وعيا بممارسة الحقوق منه بالمرافعة عن الحقوق، هذا ذكاء يحرج كل من يعتبر نفسه قادرا على قيادة تغيير في المغرب".

كما أضاف المتحدث أن "الشيء المميز في الحراك، أنه بقي في سقف الإصلاحي الذي لا يتجاوز الوثيقة الدستورية لـ 2011"، ويوضح اليحياوي أن المطالب المرفوعة "تحتم على الملك محمد السادس أن ينظر إلى شكواهم على أنها مظلمة يحتكمون فيها لوجاهته العاطفية".

ويستنتج المحلل السياسي اليحياوي بالقول: "نحن أمام حركة تتفاوض على المشاعر والتعاطي على الإشكالات التي يعيشها المغرب، انطلاقا من الكلفة المشاعرية وهو ما لم تستطع الحكومة أن تستوعبه".

ما سيناريوهات المستقبل؟

يرى السليمي، الخبير في الشؤون المغاربية، أن "المغرب منذ بداية التسعينات إلى اليوم يعتبر أكثر بلد عربي له تقاليد احتجاجية عريقة، لكن هذا الجيل يرى أن الحركات الاحتجاجية السابقة رغم تحقيقها مكاسب، لكن لها تقييم سلبي لما مضى، ولذلك هم لا يرفعون مطالب وإنما يؤكدون على الحق"، معتبرا أن "هناك خيبة أمل واضحة من هذا الجيل في السياسيين، لكنهم يتوجهون بخطابهم للملك، أي أنه بقدر نظرتهم السلبية تجاه الحكومة، بقدر احترامهم الكبير للمؤسسة الملكية".

من جهة أخرى، قدم الإعلامي المغربي عبد الله الترابي، تحليلا على صفحته، معتبرا أن "المنطق السياسي يفيد أنه لن يكون هناك حل للبرلمان، أو تدخل مباشر من الملك حتى لا يكون ذلك سابقة، لأن المؤسسات السياسية يجب أن تقوم بدورها كاملة، وهي لم تفعل ذلك إلى حد الآن".

وفتح الترابي باب أسئلة المستقبل على مصراعيها قائلا: "حتى لو رحل عزيز أخنوش الآن أو بعد الانتخابات المقبلة، فما هو البديل؟". معتبرا أن "ما يقع حاليا ليس إلا جرس إنذار لما قد يحدث فيما بعد، أمام مجتمع صار نافرا من المؤسسات السياسية الحالية ولا يعترف بها، بل وفي أدنى أزمة يرفع صورة الملك ويطالب بتدخله".

ساهمت كاثرين شاير في إعداد مقابلات لهذا التقرير.