رئيس الأوروغواي خوسيه موخيكا

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الخميس، 30 يونيو 2022

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
صور مفجعة من حادث تحطم سيارة خوسيه أنطونيو رييس
سواريز: منتخب أوروغواي يمكنه المنافسة حتى النهاية في المونديال
صحيفة اسبانية تكشف سبب وفاة اللاعب خوسيه أنطونيو رييس

لطالما ارتبطت شخصية الرؤساء حول العالم بالثروة التي يمتلكونها، حيث تقفز إلى الذاكرة الثياب الأنيقة، والقصور الكبيرة، إضافة إلى السيارات الفارهة، بمجرد ذكر الرؤساء أو النواب والوزراء، لكن أحد هؤلاء الرؤساء، تم تصنيفه كأفقر رئيس على الإطلاق، هو الرئيس الأرغواني خوسيه موخيكا.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

بائع الزهور الفقير

ولد خوسيه ألبيرتو موخيكا موراندو (José Alberto Mujica Cordano) في العشرين من أيار/مايو عام1935، في مونتيفيديو (Montevideo) عاصمة الأرغواي، لوالدين فقيرين، والده ديميتري موخيكا، أما والدته هي لوسي كوراندو (Lucy Cordano)، التي تنحدر من أصول إيطالية، حيث كانت مهنة العائلة الأساسية هي الزراعة، إلا أن خوسيه بدأ في صباه بيع الزهور في شوارع المدينة، مستهدفاً القادرين من سكانها على شراء الزهور لأمواتهم، أو لأحبتهم، وبقيت هذه الحال حتى انضم إلى الثوريين في الأورغواي عام1960، ليبدأ رحلة نضال طويلة.

التحق بالمنظمة الثورية اليسارية في شبابه

التحق خوسيه موخيكا بمنظمة تومباروس (Tupamaro) الثورية اليسارية عام1960، حيث كانت هذه الحركة مستوحاة من الثورة الكوبية، أسسها راؤول سنديك (Raúl Sendic)، كما عرفت بمنظمة التحرر الوطنية، التي تهدف إلى مناصر الفقراء، وتحقيق العدالة الاجتماعية، تحت شعار "الكلمات تفرقنا، والعمل يوحدنا.. Words divide us,Action unites us"، فكان خوسيا موخيكا أبرز أعضائها.

اتبعت المنظمة المعروفة بمنظمة التحرر الوطنية الطريقة (الروبن هودية)، حيث قامت بتنظيم سلسلة من عمليات السطو المسلح على البنوك وبعض مؤسسات الدولة، لتقوم بتوزيع المسروقات على الأحياء الفقيرة، كما حاول التنظيم في البداية الحفاظ على صبغته السياسية، بعيداً عن الاصطدام المسلح مع السلطة، لكن رئيس الأرغواي آن ذاك، خورخيه باتشيكو (Jorge Pacheco)، قام بإصدار أوامره بقمع الاحتجاجات العمالية بالقوة، كما ألغى العديد من الضمانات الدستورية، ثم أطلق حملة للقبض على المعارضين، حيث كان أعضاء منظمة تومبارس من أبرزهم، فلجأت المنظمة بدورها إلى "العنف الثوري"، من خلال تنظيم عمليات الخطف والاغتيال، كما كان خطف السفير البريطاني في الأرغواي جيفري جاكسون (Geoffrey Jackson) أبرز تلك العمليات، إضافة إلى اغتيال دان متريون (Dan Mitrione) عضو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، الذي ساند حكومة باتشيكو في ممارساتها القمعية.

استطاع الهروب من السجن بواسطة نفق تحت الأرض

كان موخيكا من الأعضاء البارزين في تومبارس، حيث شارك في التخطيط والتنفيذ لمعظم عملياتها، كما تعرض للاعتقال عدة مرات من قبل السلطات، بتهم مختلفة، من بينها إطلاق النار على الشرطة، وإصابة شرطيين، كما تعرض هو بدوره للإصابة بطلقات نارية عدة مرات عام1970.

  • استطاع موخيكا الهروب من السجن في أيلول/سبتمبر عام1971، بالاشتراك مع مائة مسجون آخرين من المعارضة، باستخدام نفق محفور في منزل قريب من السجن، لكن السلطات أعادت القبض عليه ثانية بعد أقل من شهرٍ واحد، ليعيد الكرة ثانيةً؛ فتمكن من الهروب عبر نفق محفور من خارج السجن مع عدة أعضاء بارزين من الحركة، لكن السلطات أعادت القبض عليه ثانيةً عام1972.
  • تصدع تنظيم تومبارس مع بداية عام1972، نتيجة انخفاض شعبيته بعد اتباعه الأساليب العنيفة في المقاومة، كما لعب اعتقال قياداته دوراً في ذلك، إضافة إلى قيام المنظمة باستهداف الجيش بشكل مباشر، الذي رد بدوره رداً عسكرياً قاسياً، انتهى بانهيار المنظمة في تشرين الأول/أكتوبر عام1972، مع بقاء أبرز قياداتها قيد الاعتقال في ظروف سيئة، من بينهم خوسيه موخيكا.
  • عام 1973، سيطر الجيش على الأرغواي، فوصل الرئيس خوان ماريا بورد لابيري (Juan Maria Bord Lapeyre) إلى سدة الرئاسة، حيث قامت السطات بوضع أبرز تسع شخصيات من تومبارس تحت ظروف اعتقال هي الأقسى في السجون، من بينهم موخيكا، إضافة إلى مؤسس التنظيم راؤول سنديك.

قضى عامين في حفرة تستخدم لسقاية الخيول

يصف موخيكا سنوات سجنه أنها "الأصعب في حياته"، فقد قضى ثلاثة عشرة سنةً في السجن، من بينها عشرة سنوات في السجن الانفرادي، وعامين ضمن حفرة معدة لسقاية الخيل، حيث يجلس وينام في الوحل، كما لم يكن مسموحاً له لقاء رفاقه في السجن، إلا أنه تمكن من محادثتهم سراً مرات قليلة طيلة فترة سجنه، فتعرض موخيكا لمشاكل صحية عديدة، ناجمة عن ظروف الاعتقال، لكن أجدرها بالذكر، معاناته من وساوس عقلية، حيث أصيب بهلوسات سمعية وبصرية.

كما بدأت لديه أعراض مرحلة متقدمة من جنون العظمة، لكن هذه الظروف الصعبة التي عاشها جعلته يكون أكثر رؤساء العالم زهداً في الحياة، وأكثرهم ابتعاداً عن مظاهر الترف، إضافة إلى كونه أقلهم التزاماً بالبروتوكولات الرئاسية، من حيث الثياب الرسمية، أو توفير وسائل نقل رئاسية، وقصور عظيمة، يتحدث موخيكا عما تعلمه من هذه المرحلة من حياته قائلا:

"قضيت عشرة سنوات في الحبس الانفرادي، في حفرة، لكني تعلمتُ أنه لا يمكنك متابعة حياتك مع الضغينة، لا بد أن تتعلم كيف تحمل جراحك وتمضي نحو المستقبل، إذا قضيتُ وقتي ألعق الجراح، فلن أستطيع المضي قدماً... يمكنك دائماً أن ترفع نفسك مرة أخرى ما دمت على قيد الحياة، هذا هو الدرس الأكبر".

خرج من السجن بعد الإعلان عن العفو العام عام 1984

عانت الأرغواي من أزمات اقتصادية وسياسية عديدة تحت وطأة الحكم العسكري، بلغت ذروتها عام1984، حيث عمت الاحتجاجات أرجاء البلاد، ثم تم إعلان الإضراب العام لمدة أربعٍ وعشرين ساعة، ما أجبر الحكومة العسكرية على الدخول بمفوضات مع المعارضة، انتهت بإقرار العسكر بضرورة عودة الحكم المدني إلى الأرغواي.

أجريت الانتخابات العامة في نفس العام؛ ليصل زعيم المعارضة خوليو ماريا سانغينيتي (Julio María Sanguinetti) إلى السلطة، كأول رئيس مدني منذ عام 1973، كما قام بإصلاحات دستورية واقتصادية عاجلة، لإعادة البلاد إلى طبيعتها المدنية، والحفاظ على النظام الديموقراطي، إضافة إلى إصداره عفواً عاماً عن الجرائم المتعلقة بالصراعات السياسية منذ عام 1962، حيث تمكن خوسيه موخيكا من مغادرة سجنه المنفرد بموجب هذا العفو بعد أن قضى ثلاثة عشرة سنةً في المعتقل.

بعد خروج موخيكا من السجن، انضم إلى عدد من قيادات تنظيم تومبارس، إضافة إلى تنظيمات أخرى، ليشكلوا فيما بينهم حركة المشاركة الشعبية MPP (Movement of Popular Participation)، حيث بدأت هذه الحركة التجهيز لخوض المعارك الانتخابية المرتقبة، بعد عودة البلاد إلى النظام الديموقراطي.

انتخب موخيكا عضواً في البرلمان عام1994، ثم عضواً بمجلس الشيوخ عام1999، حيث لعب دوراً أساسياً في توسيع القاعد الشعبية لحركة (MPP)، من خلال الجاذبية التي تمتع بها، وقربه من الطبقات الفقيرة، التي تشكل النسبة الأكبر من مجتمع الأرغواي.

تمكنت حركة MPP، من الفوز في الانتخابات الرئاسية للعام 2005، بواسطة مرشحها الرئيس الأسبق تاباري فاسكيز (Tabaré Vázquez)، الذي عيَّن موخيكا بمنصب وزير للثروة الحيوانية ومصائد الأسماك، اعتماداً على خبرته في الزراعة وتربية الحيوانات، التي استمدها من مراحل حياته الأولى ضمن عائلته، التي اعتمدت على هذه المهنة لكسب العيش.

استقال موخيكا من منصبه في مجلس الشيوخ، ليتمكن من شغل منصب الوزارة طبقاً للقانون في الأرغواي، حيث استمر في منصبه كوزير حتى تغيير الحكومة عام 2008، فانسحب من الوزارة، وعاد إلى كرسيه في مجلس الشيوخ، كما حافظ عليه حتى انتخابه رئيساً للأرغواي في العام التالي.

نحن لا نحتاج لطائرة رئاسية، فاشترينا مروحية إنقاذ غالية جداً من فرنسا

وصل موخيكا إلى سدة الرئاسة في جمهورية الأرغواي، بعد فوزه في انتخابات الإعادة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام2009، ليتسلم مهامه في الأول من آذار/مارس عام2010، حيث أطلق حملته الانتخابية قريباً من الفقراء، فعرفه الناس لأنه يتحدث بلغتهم، ولا يرتدي ربطة عنق، كما دعا إلى الوحدة الوطنية بين القوى السياسية في أول خطاب ألقاه بعد فوزه في الانتخابات، "لن يكون هناك غالب أو مغلوب... السلطة لا تأتي من فوق، بل تستمد من قلوب الجماهير".

  • قام موخيكا بتعزيز حكومته بوزراء من الأطياف السياسية المختلفة في البلاد، لينفذ بذلك خطوة كبيرة على الصعيد الوطني، كما قام باتخاذ قرارات جريئة خلال فترة حكمه، اعتمد من خلالها على اليسارية الوسطية، لكن أكثرها إثارة للجدل؛ كان تقنين تعاطي وتجارة المخدرات في الأرغواي عام2013، لمكافحة السوق السوداء، فضلاً عن توفير ملايين الدولارات من خلال ضبط هذه التجارة، واحتكاراها من قبل الحكومة، إضافة إلى السيطرة على الجرائم المتصلة بتعاطي وتجارة المخدرات، كما أقر مجلس النواب السماح بالإجهاض عام2013، ذلك قبل الأسبوع الثاني عشر من الحمل، لتكون الأرغواي أول دولة تسمح بالإجهاض في أميركا اللاتينية، كما كانت الأرغواي ثاني دولة في أميركا اللاتينية تسمح بزواج المثليين جنسياً عام2013، بعد أن سمحت به الأرجنتين عام2010، علماً أن هذه القوانين كانت سيفاً ذو حدين، حيث أنها من جهة محاولة لإلحاق الأرغواي بركب الدول المتقدمة، لكنها من جهة ثانية؛ ساهمت بخسارة موخيكا لجزء كبير من قاعدته الشعبية، إلا أن موخيكا قال إنه "لا يخشى من عدم انتخابه مرهة ثانية، حيث أنه لن يخاف من انخفاض مستوى معيشته".
  • من جهة أخرى؛ شهد اقتصاد الأرغواي ازدهاراً ملحوظاً في عهد موخيكا، حيث سجل نمواً ثابتاً في الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كما استطاع تقليص معدلات البطالة في البلاد، من خلال سلسلة من التشريعات الاقتصادية والاجتماعية، كذلك شهد عهده استقراراً في العلاقات مع دول الجوار، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، وقد استقبلت الأورغواي مائة لاجئ من سوريا، على الرغم من إمكانيات الدولة المحدودة جداً.
  • يبقى نمط حياة موخيكا هو الأكثر إثارة للجدل، حيث لم يستغل وصوله إلى الرئاسة لتغيير مستواه المعيشي، إنما حافظ على حياة فقيرة، تكاد تكون الأقرب إلى حياة العامة الفقراء، كما رفض الانتقال إلى العيش في القصر الرئاسي، بل فتح أبواب القصر للمتشردين، وتبرع بمعظم راتبه البالغ 12000$، لصالح المؤسسات الخيرية، وجمعيات دعم المشاريع، فضلاً عن احتفاظه بسيارته الفولكس فاجن موديل بيتل (VW Beetle 1987) المعروفة بالسلحفاة، من جهة أخرى رفض موخيكا شراء طائرة رئاسية، وقال: "الأرغواي دولة فقير، نحن لسنا بحاجة لطائرة رئاسية، لذلك اشترينا طائرة إنقاذ غالية جداً من فرنسا".

رئيس للجمهورية يعمل في مزرعة الأقحوان الصغيرة

تزوج موخيكا من لوسيا توبولانسكي (Lucía Topolansky) عام2005، حيث كانت رفيقته في النضال في منظمة تومبارس لسنوات طويلة، كما دخلا معاً إلى مجلس الشيوخ، لكنهما لم ينجبا أطفالاً، وعاشا معاً في بيت لوسيا الريفي المتواضع، في ضواحي مونتفيديو عاصمة الأرغواي، حيث يعملان معاً بزراعة الأقحوان لبيعه، كما أن موخيكا وزوجته لوسيا لم يعتمدا على مرتباتهما طيلة حياتهما، حيث تبرع كلاهما بنسبة كبيرة من معاشهما لصالح الجمعيات الخيرية، ومنظمات دعم المشاريع والشباب.

ضمن نمط حياة متقشف لم يعرفه رئيس عبر التاريخ، لم يغير الزوجان مكان سكنهما بعد وصول موخيكا إلى الرئاسة، كما رفضا استخدام حراس الرئيس، أو خدم القصر، حتى أنهما استقبلا ضيوفهم في منزلهم الصغير، في حين اقتصرت ثروة موخيكا على سيارته الفولكس فاجن الزرقاء التي اشتراها عم 2010، بمبلغ 1800$، لتكون هي كل ثروته، كما أنه عرضها للبيع بمبلغ مليون دولار أمريكي عام2014، على أن يتبرع بثمنها لإيواء المشردين، في حين أنه احتفظ بكلبه الأعرج في منزله، لذلك لم تتغير حياة موخيكا بعد وصوله إلى الرئاسة، كما أنها لم تتغير بعد انتهاء ولايته الرئاسية في الأول من آذار/مارس عام2015، حيث خلفه سلفه الرئيس تاباري فاسكيز.

أقوال خوسيه موخيكا

"حالما يبدأ الساسة بتسلق سلم الحكم، فإنهم يصبحون ملوكاً فجأة، أنا لا أعرف كيف يفعلون ذلك!، لكن ما أعرفه هو أن الجمهوريات جاءت إلى العالم للتأكيد ألا وجود لشخص ما أعلى من شخص آخر، إن كنتَ بحاجة إلى القصر، السجادة الحمراء، والكثير من الناس خلفك الذين يرددون "نعم يا سيدي"!، أعتقد أن ذلك كله أمر فظيع".

  • "يجب علينا أن نجد منفذاً ينقذنا من أنانيتنا".
  • "أعيش بطريقة لن أغيرها لمجرد أنني أصبحت رئيساً للجمهورية".
  • "إما أن ترضى بالقليل، متحرراً مما لا حاجة له من الأشياء، لأن سعادتك تكمن في الداخل، وإما لن تصل إلى أي مقصد".
  • إذا ملأت حقيبتك بكل الأشياء التي تعتقد أنها ضرورية؛ فستحصل على كل ما تحتاج إليه، لكنك لن تستطيع المضي إلى الأمام".
  • "ما لا نستطيع القيام به أبداً، هو الاستمرار بطريقة العمل القديمة التي تعتمد على التلاعب، وغض النظر عن ما يحدث".
  • في تعليقه على استقبال اللاجئين السوريين: "في كل العالم هناك أطفال فقراء، لكن لا يمكن التخلي عن أطفال يعانون من ويلات الحرب".

أخيراً... لا بد أن موخيكا من بين الرؤساء الأكثر إثارة للجدل حول العالم، حيث أنه لم يرتدي ربطة عنق، كما لم يركب سيارة رئاسية في حياته، فضلاً عن إصراره على البقاء في منزل شديد التواضع في الريف، ضمن ظروف مطابقة لظروف عامة الفقراء من سكان الأرغواي، لكنه أبدى سعادته، عندما رأى أن السياسيين في الأرغواي من نواب ومرشحين للرئاسة، بدأوا يحذون حذوه، عندما تخلوا عن ربطة العنق، ربما سيتخلون بعد لك عن كل المظاهر الرئاسية المترفة.