شعر عن الموت

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الخميس، 09 سبتمبر 2021
مقالات ذات صلة
اختراعات تسببت في موت أصحابها
يوري مرقدي ينجو من الموت
ماذا قال خالد صالح عن الموت قبل وفاته؟

منذ فجر الخليقة شكل الموت واحدة من أكبر المعضلات الفلسفية التي تعامل معها العقل البشري ومازال إلى الآن عاجزاً عن الوصول إلى ماهيتها الحقيقية.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

فهذه النهاية المحتومة وغموض ما بعدها جعل الإنسان يسلِّم إلى الموت خاضعاً صاغراً، وهو الذي لا يملك سبيلاً إلى ردِّه.

في هذه المادة جمعنا لكم أجمل ما قيل من الشِّعر عن الموت وأحواله من أبيات الحكمة، وحاولنا أن نستعرض الآراء المختلفة التي أوردها الشعراء عن الموت.

أبيات الحكمة عن الموت والمنايا

جميعنا على ثقة أنَّ الموت حقّ لا مهرب منه، وهذا كان المنطلق الأساسي لشعراء الحكمة في تناولهم موضوع الموت، فالتَّفكير بهذه النهاية الحتمية جعلهم أكثر تقبلاً لها.

لنبدأ باستعراض أبيات الحكمة عن الموت، ومع أكثر الشعراء حديثاً عن الموت وهو أبو العتاهية.

يقول أبو العتاهية:

ماَ يدفَعُ الموْتَ أرجاءٌ ولاَ حرَسُ مَا يغلِبُ الموْتَ لا جِنٌّ ولا إنـسُ

ما إنْ دَعَا الموْتُ أملاكاً ولا سوقاً إلاَّ ثناهُمْ إليهِ الصَّرْعُ والخلسُ

للموتِ مَا تلدُ الأقوامُ كلُّهُمُ وَللبِلَى كُلّ ما بَنَوْا، وما غرَسُوا

هَلَّا أبَادِرُ هذَا الموْتَ فـي مَهَلٍ، هَلاَّ أبَادِرُهُ مَا دامَ لِي نفَسُ

يا خائفَ الموتِ لَوْ أمْسَيْتَ خائِفَهُ؛ كانتْ دموعُكَ طولَ الدَّهرِ تنـبجِسُ

ويضيف أبو العتاهية في الحديث عن الموت:

كأنَّ المنَايا قَدْ قَصَدْنَ إلـيكَا يُردنكَ فانظرْ ما لهنَّ لَديكَا

سيأتيكَ يومٌ لستَ فيهِ بمكرمٍ بأكثرَ من حَثوِ الترابِ عليكَا

كما يرى أبو العتاهية في الموت سبباً لمراقبة الحياة وطريقة عيشها، يقول:

هوَ المَوْتُ، فاصْنَعْ كلَّ ما أنتَ صانعُ وأنْتَ لِكأْسِ المَوْتِ لاَ بُدَّ جارِعُ

ألا أيّها المَرْءُ المُخادِعُ نَفسَهُ رُويداً، أتَـدْرِي مَنْ أرَاكَ تُخَادِعُ

ويا جامِعَ الدُّنيا لـغَيرِ بَلاَغِهِ سَتَترُكُهَا فانظُرْ لِمَن أنتَ جَامِعُ

وكًم قـدْ رَأينا الجامِعينَ قدَ أصبَحَت لهم، بينَ أطباقِ التّرابِ مَضاجعُ

لَوْ أنَّ ذَوِي الأبْصَارِ يَرَعُوْنَ كُلَّمَا يَرَونَ، لمَّا جَفّتْ لعَينٍ مَدامِعُ

فَما يَعرِفُ العَطشانَ مَنْ طالَ رِيُّهُ، ومَا يَعْرِفُ الشَّبْعانُ مَنْ هُوَ جائِع

ولا يخرج أبو نواس عن السِّياق ذاته، إذ يرى في حتمية الموت سبباً من أسباب النظر في طبيعة الحياة وفيما ننفقها وهي التي تنضب عمَّا قليل، يقول أبو نواس:

الموتُ منّا قريبٌ، ولَيسَ عنَّا بنازحْ

في كلِّ يومٍ نعِيٌّ تصيحُ مِنهُ الصَّوائحْ

تَشْجى القلوبَ وتبكي موَلْوِلاتُ النَّوائحْ

حتَّى مَتى أنتَ تَلـهو في غَفْلةٍ وتُمازِحْ؟

والموتُ في كلِّ يومٍ في زَندِ عيشِكَ قادِحْ

(الزَّند: زَند النار أشعلها من عود الثقاب، ومنها اسم ديوان المعري سقط الزَّند)

فاعمَلْ ليومٍ عبوسٍ، من شدّةِ الهوْلِ كالِحْ

ولا يغُرَّنْكَ دنيا نَعيـمُها عنَكَ نازحْ

وبُغْضُها لكَ زَيْنٌ، وحُبّها لك فاضِحْ

بل ويعجب بديع الزمان الهمذاني لمَّا يرى النَّاس يعيشون حياتهم وكأنَّهم وجدوا مهرباً من المحتوم:

أجِدَّكَ مَا تَنَبَّهُ للمنايا كأنَّكَ وَاجدٌ عنَها مَلاذا

لذاكَ عَلى الغِنى تَزدادُ حِرصاً وفي حَلباتِ سُكرتِها نَفاذا

هبِ الدُّنيا تُحقِّقُ ما تَرجَّي مِن الآمال؛ ويحكَ ثُمَّ ماذا؟!

يقول الإمام محمَّد بن إدريس الشَّافعي في الموت:

وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ

وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا فلا أرضٌ تقيهِ ولا سماءُ

وأرضُ الله واسعةً ولكن إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ

دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ فما يغني عن الموت الدواءُ

ولا تنفكُّ الحياة تذكرنا بالموت كما يقول أحمد شوقي:

كلُّ حيٍّ على المنيِّة غَادي تَتوالى الرِّكابُ والمَوتُ حَادي

ذهبَ الأوَّلونَ قرناً فقرناً لم يدُمْ حـاضرٌ، ولم يَبقَ بَادي

هَل ترى منهُمُ وتَسمعُ عَنهُم غيرَ باقي مآثرٍ وأيادي؟

كُرَةُ الأَرضِ كم رَمَتْ صَوْلجَانا وطوَتْ مِن ملاعبٍ وجِيادِ

والغُبارُ الَّذي عَلى صَفحَتيها دَورانُ الرَّحى عَلى الأجسادِ

كلُّ قبرٍ مِن جَانِبِ القفرِ يبدو علمَ الحَقِّ أو مَنارَ المعادِ

أمَّا أبو القاسم الشَّابي فنراه يطرح أسئلة لا إجابة لها عنده وكأنَّه عاجزٌ عن فهم فكرة الموت، يقول الشَّابي:

إذا لم يكنْ من لقاءِ المنايا مناصٌ لمن حلَّ هذا الوجودْ

فأيُّ غَناءٍ لهذي الحياة وهذا الصراعِ، العنيفِ، الشديد

وذاك الجمال الذي لا يُملُّ وتلك الأغاني، وذاكَ الّنشيد

وهذا الظلامِ، وذاك الضياءِ وتلكَ النّجومِ، وهذا الصَّعيد

لماذا نمرّ بوادِي الزمان سِراعاً، ولكنّنا لا نَعُود؟

فنشرب من كلّ نبع شراباً ومنهُ الرفيعُ، ومنه الزَّهيد؟

ومنه اللذيذُ، ومنه الكريهُ، ومنه المُشيدُ، ومنه الُمبيد

وَنَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ وتلكَ العهودَ التي لا تَعود

ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ وفيها الشَّقيُّ، وفيها السَّعيدْ

وفيها البَديعُ، وفيها الشنيعُ، وفيها الوديعُ، وفيها العنيدْ

فيصبحُ منها الوليُّ، الحميمُ، ويصبحُ منها العدوُّ، الحقُودْ

وللشَّاعر ايليا أبو ماضي حكمته في الموت التي تتجاوز كل أسئلة الشَّابي:

قال: اللَّيالي جرَّعَتني عَلقما، قلتُ: ابتَسِم ولئنْ جَرعَتَ العَلقما

فلعلَّ غَيركَ إنْ رآكَ مرنِّما طرَحَ الكآبةَ جَانبًا وترنَّما

أتُراك تغنمُ بالتبرُّم دِرهماً أم أنتَ تَخسَرُ بالبشاشةِ مَغنـما؟

يا صاحُ, لا خَطرَ عَلى شَفتيكَ أن تَتثلما والوجه أنْ يتحطَّما

فاضحك فإنَّ الشُّهبَ تضحكُ والدُّجى متلاطمٌ, ولذا نُحب الأنجما

قالَ: البشَاشة لَيسَ تَسعَد كائناً يأتي إلى الدُّنيا ويذهَبُ مُرغَما!

قلتُ: ابتَسِم ما دَامَ بينكَ والرَّدى شِبرٌ, فإنَّك بَعدُ لَنْ تتبسّما

أبيات عن الموت والخلود

ما أنْ أدرك الإنسان أنَّه لا محالة زائل حتَّى بدأت رحلته في البحث عن الخلود، وهي التي تحولت في العصر الحديث إلى بحث عن إطالة العمر مع تسليمٍ على مضض بعدم إمكانية الخلود.

لكن الشَّاعر العربي كان دائماً يشير إلى الموت كمنتصرٍ في المعركة وإلى الخلود كغاية لم تدرك ولن تدرك.

يقول الإمام علي بن أبي طالب:

سَلِ الأيَّامَ عَن أممٍّ تقضَتْ ستخبِرُكَ المعالِمُ والرُّسومُ

تَرُوْمُ الخُلدَ في دَارِ المَنايا؛ فَكَمْ قَدْ رَامَ مِثْلُكَ ما تَرُومُ

تَنامُ ولَمْ تَنَمْ عَنكَ المَنايا، تنبَّه للمنيَّة يا نَؤومُ

لهوتَ عَن الفَناءِ وأنتَ تَفنى؛ فمَا شَيء مِن الدُّنيا يَدومُ

كذلك يعجب الشريف الرضي من الذي يرجو الخلود وهو على علم أنَّ الموت حاصلٌ لا محالة، يقول:

أترجو الخُلدَ في دَارِ التَّفاني وأمْنَ السَّرْبِ في خُطَطِ البَلايَا؟!

وتُغلق دونَ رَيبِ الدَّهرِ بَاباً كَأنَّكَ آمِنٌ قَرْعَ الرَّزَايَا؟!

وإنَّ المَوتَ لازِمَةٌ قِرَاهُ لزُومَ العَهْدِ أعْنَاقَ البَرَايَا

لَنا في كُلِّ يـومٍ مِنـهُ غَازٍ لَهُ المرباع مِنا والصَّفايا

ويؤكد كعب بن زهير أنَّنا نسير على خُطى من سبقنا، فإنّما الحياة طريقٌ للموت، يقول:

إنْ يُدرككَ مَوتٌ أو مَشـيبٌ فقبـلَكَ مَاتَ أقـوامٌ وشَابـوا

تَلَبَّثْنا وفَرَّطْنا رِجالاً دُعُوا وإذا الأنامُ دُعُوا أجَابوا

وإنَّ سَبيلنا لَسَبيلُ قَومٍ شَهِدْنا الأمرَ بعدَهُمُ وغابوا

فلا تَسأَلْ سَتَثْكَلُ كلُّ أُمٍّ إذا ما إخوةٌ كثروا وطَابوا

وربما يكون السَّبيل الوحيد للخلود بين النَّاس هو خلود الذكرى لا خلود الشَّخص نفسه، يقول إيليا أبو ماضي:

بِالذِكرِ يَحيا المَرءُ بَعدَ مَماتِهِ، فَاِنهَض إِلى الذِّكرِ الجَميل وخَلَّدِ

فَلَئِن وُلِدت ومُتَّ غَيرَ مُخَلَّدٍ أَثراً فَأَنتَ كَأَنَّما لَم تولَدِ

حَتَّى مَا في لا شَيءَ يَقتَتِلُ الوَرى إِنَّ الحِمامَ عَلى الجَميعِ بِمَرصَد

أبيات عن مواجهة الموت وتقبُّل المنيَّة

في هذه الفقرة نتوقف مع مفصلٍ بالغ الأهمية في التَّعامل مع الموت، فنحن نتحدث عن تقبُّل الموت بل والإقدام عليه، حيث أنَّ هناك أسباب عدَّة تجعل من الموتِ هيِّناً في عين الأحياء.

منها الإيمان ومنها اليأس ومنها تفضيل الموت على الحياة المهينة، ويمكنكم مراجعة المادة التي أعدها موقع بابونج عن أسباب الانتحار لتفاصيل أكثر عن رغبة الإنسان بالموت.

لنبدأ مع ابن الخياط الذي يشتهي الموت لعلمه بالحياة:

يُشهِّي إليَّ الموتَ عِلْمِي بأمْرِها ورُبَّ حَياةٍ لا يَسُرُّكَ طُولُها

وأكْدَرُ ما كانَتْ حياةُ نُفُوسِها إذا ما صَفَتْ أذهانُها وعُقُولُها

ومَنْ ذا الذي يحْلُو لهُ العَيشُ بعدَما رَأتْ كُلُّ نَفْسٍ أنَّ هذا سَبِيلُها!

ويقول علي بن أبي طالب وقد رأى الموت هو الرؤوف، فهو ينقلنا من دار الدناوة إلى دار الرفعة، يقول:

جَزَى اللُه عَنَّـا المَوتَ خيراً فإِنَّهُ أبرُّ بِنا مِن كُلِّ شَيءٍ وأرأفُ

يُعَجِّلُ تَخْلِيصَ النُّفُوسِ مِنَ الأذى وَيُدْنِي مِنَ الدَّارِ التي هِيَ أشرفُ

انظروا إلى أبيات ابن رشيق القيرواني في تقبُّله للموت والقدر حتَّى شاء لو يذهب إلى الموت قبل أن يأتي الموت إليه:

المنـايا حَتْمٌ فَطُوبَى لِنَفْسٍ سَلَّمَتْ بالرِّضَى لِحُكْمِ القَضاءِ

لَو بِوُدِّي قَتلَتْ نَفْسي لألَقـاهُ، ولَكِنْ خَشِيتُ فَوتَ اللِّقاءِ

كما يقول أبو العلاء المعري وقد وجد في الموت خلاصاً من ترقب الموت:

إن يقرب الموتُ مني فلَـستُ أكرهُ قُرْبَهْ

وذاكَ أمنعُ حِصْنٍ يـصبِّرُ القبرَ دَرْبَهُ

منْ يَلقَهُ لا يراقبْ خَـطباً، ولا يخشَ كُرْبَهُ

أمَّا المفصل الثاني من الموضوع فيكمن في الهجوم على الموت شجاعةً وبسالة كما في قول أبو تمام:

قَلُّوا ولكنَّهْمْ طَابُوا، فأَنْجَدَهُمْ جَيْشٌ مِنَ الصَّبْرِ لا يُحصَى لَهُ عَدَدُ

إذا رَأوا للمنايَا عَارِضاً لَبسُوا مِنَ اليَقينِ دُرُوعاً مالَها زرَدُ

أو في قول أبو فراس الحمداني في تفضيل الموت على المذلَّة:

قَدْ عَذُبَ الموتُ بأفواهنا، والموتُ خيرٌ مِنْ مـقامِ الذَّليلْ

إنّا إلى الله لِمَا نَابَنَا، و في سَبيل اللهِ خيرِ السَّبيلْ

هذا ما يذهب إليه عنترة بن شداد عاشق عبلة في قوله:

يخوضُ الشَّيْخُ في بَحْر المنايا ويرْجعُ سالماً والبَحْرُ طامِ

ويأْتي الموْتُ طِفلاً في مُهودٍ ويَلـقَى حَتفَهُ قَبلَ الفطامِ

فلا ترْضَى بمنقَصَةٍ وذُلٍّ وتَقنعْ بالقَليلِ مِنَ الحُطامِ

فَعيْشُكَ تحْتَ ظلِّ العزِّ يوْماً ولا تَحتَ المذلَّةِ ألفَ عَامِ

ومن هذا المنطلق يكتسب الشُّهداء قيمتهم السَّامية، يقول أحمد شوقي:

ألا في سَبيلِ الله ذَاكَ الدَّمُ الغَالي، وللـمَجدِ مَا أبقَى مِن المثلِ العَالِي

وبَعضُ المنايا هِمَّةٌ مِن ورائِها حَياةٌ لأَقوامٍ ودُنيا لأَجيال

قدم العديد من الشُّعراء وصفاً للموت في أبياتهم

بعد أن تعرفنا إلى نظرة الشُّعراء العرب إلى الموت والتي تعتبر بديهية لكنها لا تخلو من قوة الشِّعر في تكثيف المعنى وسحر بيانه، ننتقل وإياكم إلى محاولة بعض الشُّعراء وصف الموت.

يقول كامل الشناوي في وصف الموت:

شَبحٌ يمرُّ وما نَرَاهْ، ونَظلُّ نَفزَعُ مِن لقاه

غَمَرَ الوجودَ بظلمَه وعدَّتْ عَلى الدُّنيا يَداهْ

هو سَيف جبَّارٍ أبادَ العَالمينَ ومَا كَفاهْ

هو كأسُ سُمٍّ، في النُّفوسِ زُعافُها لا في الشِّفاهْ

كُلٌّ سَيشرَبُها؛ فلا حذَرَ يُفيدُ ولا انتباهْ

يا قَلبُ قُل لي مَا الزَّمانُ وما تأمل مِن رضاهْ

وعَلامَ تَفرحُ بالحياة وأنتَ مِن صَرعَى الحَياةْ!

أو لَيسَ آخر مَا سَنسمَعُ عَنكَ أصواتَ النُّعاةْ؟!

وفي واحدة من أهم قصائدها والتي تعتبر من أوائل الشِّعر الحديث تصف الشَّاعرة العراقية نازك الملائكة هجوم الموت وحالة النّاس نتيجة تفشي الكوليرا.

حيث تقول في قصيدتها التي تحمل اسم الوباء "الكوليرا":

في كلِّ مكانٍ يَبكي صوتْ، هذا مَا قَدْ مَزّقَهُ الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ

يا حُزْنَ النّيلِ الصَّارخِ مِما فَعلَ الموتْ

طَلَع الفجرُ، أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ

في صَمتِ الفجْر, أصِخْ، انظُرْ رَكبَ البَاكِين

عشرةُ أمواتٍ, عشرونا، لا تُحْصِ أصِخْ للبَاكينا

اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكينْ

مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ، مَوْتَى موتَى لم يَبْقَ غَدُ

في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ، لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ

هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ

تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ

الكوليرا.... في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ

في صَمْت الأبدِ القاسي حَيثُ الموتُ دَواءْ

استيقظَ داءُ الكوليرا، حقْداً يتدفَّقُ مَوْتورا

أما الشَّاعر الفلسطيني صاحب الجدارية فيتخيل ما يفكر به الميت وهو يمشي في جنازته؛ يقول محمود درويش في قصيدته "لا أعرف الشخص الغريب":

رُبَّما هُوَ مِثلنا في هَذهِ السَّاعات، يَطوي ظلَّهُ.

لكنَّهُ هُوَ وحده الشَّخصُ الذي لم يَبْكِ في هذا الصَّبـاح

ولَم يَرَ الموتَ المحلِّقَ فَوقَنا كالصَّقر

فالأحياءُ هم أَبناءُ عَمِّ الموت، والموتى... نيام هادئون وهادئون وهادئون

ولم أَجد سبباً لأسأل: من هو الشخص الغريب وما اسمه؟

لا برق يَلمعُ في اسمه!

والسَّائرون وراءه عشرون شَخصاً ما عداي

وتُهْتُ في قلبي على باب الكنيسة:

ربَّما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجئٌ أو سارقٌ، أو قاتلٌ...

لا فرق؛ فالموتى سواسِيَةٌ أمام الموت لا يتكلمون، وربَّما لا يحلمون

أبيات عن الموت حباً

في هذه الفقرة نستعرض وإياكم كيف استخدم الشعراء الموت ورمزيته في قصائد الحبِّ، فمن الشُّعراء من رأى في الغياب موتاً ومنهم من مات حباً ومنهم من أحبَّ موته هذا.

يقول الشَّاعر ياسر الأقرع وقد قتله الغياب:

ضجرتُ مِن اللَّيلِ ينسج صمتاً، ويقطر موتاً

ومنّي ضجرتُ

فماذا أقولُ لموّال صَبري على بابِ قَبري

أقول انهزمتُ!‍؟

ومن أين آتي بضحكةِ عَينيكِ

من أين آتي بوجهِكِ يُشرقُ في عُمقِ رُوحي إذا ما انكسرتُ

من اللَّيل أصحو، تنـزُّ جروحي وينزفُ وقتُ

وأصرخ " أنتِ"...  فتهمس روحي:

غيابكِ موتٌ... غيابكِ موتٌ... غيابكِ موتُ

أمَّا الشَّاعر كمال خير بك فيطلب فرصة ليكتشف حبَّهُ من خلال البعد، كما اختبر حياته عن طريق الموت، يقول:

ابتعدي.. لكي أحسَّ في دَمي صَداكِ، كي أراكِ

فلغتي مُصابةٌ بمرضِ المسافةْ

القلبُ لا يرَى الأشياءَ جَيداً حين تَظلُّ في مجالِ العينِ واليد

أحسُّ صَوتي في يدي مِثلَ بُرتقالةْ

لأنني عبرتُ من جِدارِ الصَّوتْ

وها أنا أرَى حَياتي جَيداً

لأنّني ابتعدتُ عنها في طَريقِ الموتْ.

ويقول إبراهيم أحمد الوافي في قصيدته "الموت حباً":

دَعي جراحي، دَعي قلبي ومَا حَملا، لا تَسألِيني عَن الأمسِ الَّذي رَحَلا

ودَّعتُهُ عِندما ودَّعتُ أغنيتي وغارَ جُرحي بسهمِ الحُبِّ واندَملا

تاهَتْ عَلى مَوجة النِّسيانِ رحلتُنا حتَّى الشَّواطِئ ضَاقتْ قَبلَ أنْ نَصِلا

تغرَّب الحُبُّ فينا يا مُسائلتي وكَيفَ نَسكُنُ حبّاً يُنكرُ الأملا!

كانت هناك فتاتي حيثُ كانَ فمي، يروِّضُ الشِّعر حتَّى يُنشدَ القُبلا

الشِّعرُ نزفُ اللَّيالي حينَ نَعزِفُهُ، إنْ لَم يَكُن صَوتُه نَزفُ القُلوبِ فَلا

لَولا معانقةُ الأحزانِ مَا وَجدت لَها القَصائدُ في أرواحِنا سُبُلا

وتَعلمينَ يَقيناً أنَّ في شَفَتي قَصيدة الموتِ يُدمي صَوتها الجُمَلا

غداً أسافر، قَد لا أستعيد دمي وقَد أموتُ غريباً عاشقاً ثَمِلا

وقَد تهيمُ بشِعري ألف باكيةٍ فأقرئيها هوىً إن جَنَّ مَا عَقِلا

أمَّا الشّاعر نزار قباني فيعلن عن آخر معاركه وعن آخر موتٍ له في سبيل الحبّ:

هذا هو الحدُّ الأقصى لجُنُوني، ولم أعُدْ أقدر أن أحِبّكِ أكثرْ

هذا هو المدى الأخيرُ لذراعيّْ... ولم أعُدْ أستطيعُ أن أضُمَّكِ أكثرْ

هذه أعلى نقطةٍ يُمكنني الوصولُ إليها على جبال نهديكِ

المتوَّجينِ بالثلجِ والذَّهبْ ولم يَعُدْ بوسعي أن أتسلَّقَ أكثرْ

هذه آخرُ معركةٍ أدخلها للوصولِ إلى نَوافير الماءِ في غرناطةْ

ولم يعد بوسعي أن أقاتلَ أكثرْ

هذا آخرُ موتٍ أموتُه مع امرأة... ومِن أجل امرأة

ولم يَعُدْ يمكنني أن أموتَ أكثَرْ

أبيات عن الموت والرثاء

والرِّثاء واحدٌ من أغراض الشِّعر الرئيسية، حيث نجد آلاف الأبيات في الرِّثاء يضمُّها ديوان الشِّعر العربي القديم منه والحديث، ومن أساليب الرِّثاء مخاطبة الموت والميت جنباً إلى جنب مع الحديث عن الميت ووصف الحزن عليه.

وكان موقع بابونج قد أعدَّ لكم مادة عن أجمل ما قيل في الرِّثاء ننصحكم بزيارتها، كما أعدَّ لكم مادة عن ما قيل في رثاء الأب.

تقول الخنساء في رثاء صخر:

ما لِذا المَوْتِ لا يَزالُ مُخيفَا، كُلَّ يَوْمٍ يَنالُ مِنّا شَريفَا

مولَعاً بالسَّراةِ مِنّا، فَما يأخذُ إلّا المهذَّبَ الغطريفا

فلَوَ أنّ المَنُونَ تَعْدِلُ فينَا فتنالُ الشَّريفَ والمشروفا

كان في الحقِّ أن يعودَ لَنا المَوْتُ وأنْ لا نَسُومَهُ تَسْويفَا

أيُّها الموتُ لو تجافيتَ عنْ صخرٍ لألفيتهُ نقياً عَفيفَا

عاشَ خمسينَ حِجّةً يُنكرُ المُنكَرَ فينا ويبذلُ المعروفا

رحمةُ اللهِ والسَّلامُ عليهِ وسَقَى قَبرَهُ الرّبيعُ خَريفَا

كما يقول بشار بن برد في رثاء ابنه محمد:

أجَارَتَنَا لاَ تَجْرَعِي وَأنِيبِي أتَانِي مَنَ الْمَوْتِ الْمُطِلِّ نَصِيبِي

بنيَّ عَلى قَلبي وعَينِي كأنَّهُ ثَوَى رَهْنَ أحْجَارٍ وجَارَ قَلِيبِ

كَأني غَرِيبٌ بَعْدَ مَوْتِ مُحْمَّدٍ ومَا الموْتُ فِينَا بَعْدَهُ بغَرِيبِ

صبرتُ على خيرِ الفتوِّ رزئتهُ ولولا اتقاء الله طال نحيبي

لعمري لقدْ دَافعتُ موتَ محمَّدٍ لَوَ أنَّ الْمَنَايَا تَرْعَوِي لِطَبِيبِ

إلى الله أشكو حاجةً قد تقادمت على حَدثٍ في القلبِ غَير مُريبِ

دعتهُ المنايا فاستجَابَ لصوتِها فللَّهِ من داعٍ دَعا ومجيبِ

أظَلُّ لأَحْدَاثِ الْمَنُونِ مُرَوَّعاً كأنَّ فُؤَادِي فِي جَنَاحِ طَلُوب

عَجِبْتُ لإِسْرَاعِ الْمَنِيَّةِ نَحَوَهُ ومَا كانَ لَوْ مُلِّيتُهُ بِعَجِيبِ

رزئتُ بنيي حين أروق عودهُ وألْقَى عَلَيَّ الْهَمَّ كلُّ قَرِيبِ

وَقَدْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ لنا كافياً من فارسٍ وخطيبِ

وكَانَ كَرَيْحَانِ الْعَروُسِ بَقَاؤُهُ ذَوَى بَعْدَ إِشْرَاقِ الْغُصُونِ وطِيبِ

أمَّا نزار قباني وهو المفجوع بزوجته وابنه وأبيه يقول في رثاء ابنه توفيق:

أحاولُ أن لا أصدِّق أنَّ الأمـيرَ الخُرافي توفيق مَات

وأنَّ الجَبينَ المسافِرَ بينَ الكَواكِب مَات

وأنَّ الَّذي كانَ يَقطف من شجر الشَّمسِ مَات

وأنَّ الَّذي كانَ يَخزِنُ مَاء البِحارِ بعينيهِ مَات

فموتُكَ يا ولدي نكتة، وقد يصبحُ الموتُ أقسى النكات

(...)

أتوفيق... لَو كانَ للموتِ طِفلْ، لأدركَ ما هو مَوتَ البَنينْ

ولَو كانَ للموتِ عَقلْ؛ سألناهُ كَيفَ يفسِرُ مَوتَ البَلابِلِ واليَاسَمينْ؟

ولَو كانَ للموتِ قَلبٌ تردَّدَ في ذَبحِ أولادِنا الطَّيبينْ.

أتوفيق يا ملكيَّ الملامح، يا قمريَّ الجبينْ

صديقاتُ بيروت منتظرات رجوعك... يا سيِّدَ العِشقِ والعَاشِقين

فكيفَ سَأكسِرُ أحلامهنَّ وأغرِقهُن ببحرِ الذُّهولْ؟

وماذا أقولُ لهنَّ حبيباتُ عمركَ، مَاذا أقولْ؟!

يقول محمود درويش في الرثاء:

حبيبة كُلِّ الزَّنابق والمفرداتْ

لماذا تموتينَ قَبلي بَعيداً عن الموتِ والذِّكريات

وعن دار أهلي؟

لماذا تموتين قبل طَلاقِ النَّهار من اللَّيل

قبلَ سقوط الجدار

لماذا؟

لكلِّ مناسبة لفظةٌ، ولكن موتَكِ كانَ مُفاجأة للكلام

وكانَ مكافأةً للمَنافي.... وجَائزةً للظَّلام

فمِن أين اكتشف اللَّفظة اللائقةْ، بزَنبَقةِ الصَّاعقةْ؟

ونتوقف مع واحدة من روائع بدر شاكر السِّياب، فهذا الرِّثاء رثاء الذات، الميت هو من يخاطب الأحياء هذه المرَّة.

فالشّاعر الذي عانى من مرض عضال لبضع سنوات أودى بحياته كان يخاطب عائلته الصغيرة من خلال هذه القصيدة أثناء فترة علاجه:

إقبالُ يا زَوجَتي الحَبيبة، لا تعذليني ما المنايا بيدي

ولَستُ لَو نَجوتُ بالمخَلَّدِ

كوني لغيلانَ رِضَى وطيبةْ

كوني لهُ أباً و أمّاً وارحَمي نَحيبه

وعلِّميه... أن يذل القَلبَ لليتيمِ والفَقير

وعلِّميه.

ظلمة النّعاس أهدابها تمسُّ من عيوني الغريبة

في البلد الغريب في سريري

فترفع اللَّهيب عَن ضميري

لا تحزني إن متُّ...

أي بأس أن يحطم النَّاي ويبقى لحنه حتَى غَدي

لا تبعدي... لا تبعدي

أبيات عن الموت والوطن

وصلنا إلى الفقرة الأخيرة من هذه المادة، والتي سنتناول بها بعضاً من أجمل الأبيات التي قيلت عن الموت، وأجمل ما قيل عن الموت من أجل الوطن وفي سبيله.

يقول الشَّاعر الفلسطيني تميم البرغوثي مصوِّراً بطولة المناضلين الفلسطينيين بمواجهة الاحتلال وارتباك الموت أمام الطاهرات من أرواحهم:

يبدونَ للموتِ أنَّهُ عَبثٌ، حتَّى لَقدْ كَادَ الموتُ يَنخَدِعُ

يقولً للقومِ وهو مُعتذِرٌ: مَا بيدي مَا آتي ومَا أدَعُ

يظلُّ مستغفراً كذي وَرعٍ، ولَم يَكُن مِن صِفاتِه الوَرعُ

لو كانَ للموتِ أمره لغَدتْ عَلى سِوانا طُيورُهُ تقعُ

وفي موضع آخر يقول تميم البرغوثي:

إذا ارتاح الطُّغاةُ إلى الهوانِ؛ فذكِّرهُم بأنَّ الموتَ دانِ

ومن صُدَفٍ بقاءُ المرءِ حَيَّاً عَلى مرِّ الدَّقائقِ والثواني

سَنَغْلِبُ والَّذي جَعَلَ المنايا بها أَنَفٌ مِنَ الرَّجُلِ الجبانِ

بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ كَثَّرَتْنا مَنَايانا على مَرِّ الزَّمَانِ

كأنَّ الموت قَابِلةٌ عجوزٌ تَزورُ القومَ مِن آنٍ لآنِ

نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا، وتَختلطُ التَّعازي بالتَّهاني

كأنَّ الموتَ للأشرافِ أمٌّ مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ

لذلك لَيسَ يُذكَرُ في المراثي كثيراً، وهو يُذكَرُ في الأغاني

سَنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضحايا مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنانِ

رماديِّونَ كالأنقاضِ شُعْثٌ تحدَّدُهم خُيوطٌ الأرْجُوَانِ

يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم فَتَبْدُو سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ

يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيلٍ إلى بابِ الكريمِ المستعانِ

يَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْفِ، فَاْقْرَأْ هنالكَ ما تشاءُ من المعاني

وعن صمود الأسرى في سجون الاحتلال وتحديهم للموت تقول الشَّاعرة الفلسطينية زينب الحبش:

أموت كل يوم ألف ميْتَةٍ

في الشَّام، في عَمَّان، في بيروتْ

شنقاً وتعذيباً، وفي أزقةِ البيوتْ

لكنَّني في سجن الاحتلال

رغم الموتِ، والتعذيبِ... لا أموتْ

وفي قصيدة أخرى للشَّاعرة زينب حبش:

كّلنا نُدركُ أن الحبَّ قاتلْ

كلنا ندرِكُ أنّ الدربَ للمحبوبِ ملغومٌ

وأنّ العُمْرَ زائلْ

يا حبيبي... رغمَ أن الحبِّ قاتلْ

رغمَ أنّ الدَّربَ ملغومٌ وأن العمرَ زائلْ

سنناضلْ

سنناضلْ

سنناضلْ

وسنسقيْ الموتَ ترياقا لينضمّ إلينا

فيصير الموتُ... حتَّى الموتْ جنديّاً مُقاتِلْ

ويقول الشَّاعر الشَّهيد عبد الرحيم محمود:

سأحملُ روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الرَّدى

فإمَّا حياةٌ تسرُّ الصَّديق أو مماتٌ يغيظ العِدى

ونفسُ الشَّريفٍ لها غايتان: ورود المنايا ونيل المنى

وما العيشُ؟ لا عشتُ إن لم أكن مخوف الجناب حرامَ الحمى

أمَّا الشَّاعر اليمني محمد محمود الزبيري فيصوِّر موتاً آخر:

خطبةِ الموتِ فاسمعوها وطيروا فَرحاً وارقصوا لصوتِ المنيّةْ

انتموا في استقبال موكبِ جزارٍ؛ فمدّوا رِقابَكُم للتَّحيةْ

صَدئتْ مُدية الإمامةِ فاستَمنح إيطاليا مُدىً بابويّةْ

أنهكَ الذَّبح سيفهُ فأتانا بسيوفٍ مُعارةٍ أجنبيةْ

ختاماً.... وصلنا إلى ختام هذه المادة وقد حاولنا أن نقدم لكم من خلالها أبرز ما قيل عن الموت من أبيات الحكمة والشجاعة والحب...، وما يزال هناك الكثير من الأبيات تحدثت عن الموت لكن المقام يضيق بها.

وربما نتناولها بمناسبة أخرى، كما نتمنى أن تشاركونا بما تحفظون من الأبيات عبر التعليقات.