أرواد: جزيرة سورية نجت من الحرب الأهلية

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ يومين
مقالات ذات صلة
سوري يعود إلى أهله بعد إعلان وفاته وإقامة عزائه
صور رائعة لحفل زفاف ضابط سوري بين أنقاض الحرب
رسمياً الأهلي يعلن ضم أشرف داري: أسد جديد في الجزيرة

عند ساحل طرطوس، بدا البحر كبيرا والأمواج عالية. في الأفق يمكن رؤية جزيرة أرواد بوضوح في عرض البحر خلف السفن التجارية الضخمة الراسية في محيطها.

لوهلة بدا أن الإبحار نحو الجزيرة مستحيل في ظل الظروف المناخية، لكن رجلا يقف قرب مركب عند الشاطئ صرخ: "هيا يا شباب علينا الانطلاق"، بصوت واثق وكأنه غير معني بشدة الرياح وحال البحر.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

رحلة الخمس عشرة دقيقة من شاطئ طرطوس نحو الجزيرة لم تكن سلسة، فيما يواجه القارب أمواج البحر الهائج. لكن هدوء الركاب من أهل الجزيرة، الذين خبروا الإبحار في كل الظروف المناخية يضفي شعورا بالأمان.

داخل ميناء أرواد قوارب الصيد والمراكب السياحية الراسية تترك انطباعا فوريا عن أبرز مهن أهل الجزيرة.

الرصيف البحري، حيث ترسو مراكب الزوار، يقسم الجزيرة إلى شطرين. يمينا توجد سلسلة مطاعم على امتداد ساحل الجزيرة، تنتهي ببعض المنازل القدية المهجورة. ويسارا مجموعة أبنية صغيرة متراصّة تنتهي بباحة كبيرة يتوسطها هياكل لقوارب قيد الإنشاء.

نجت من الحرب لا من تأثيراتها

في السنوات التي سبقت الحرب السورية، اعتاد صانعو القوارب في أرواد بيع قواربهم الخشبية لدول الجوار خصوصا إلى لبنان وتركيا، لكن هذه التجارة تراجعت بشكل كبير بسبب ظروف الحرب والحصار الاقتصادي، الذي أدى إلى شح المواد التي تدخل في صناعة القوارب وارتفاع أسعارها.

"اليوم نشعر بأن الأمور تسير نحو تحسن ملحوظ، بعدما بدأت البلاد تنفتح وباتت البضاعة متوفرة من دون أن نضطر لدفع خُوّات ورشاوى لعناصر النظام السابق لتحصيلها"، يقول صانع القوارب أسامة بهلوان لـ DW عربية، من أمام ورشته التي ورثها عن أجداده.

تُعدّ الجزيرة الصغيرة واحدة من الأماكن القليلة في سوريا التي لم تمسها الحرب الأهلية طوال العقد الماضي، فنجت من الدمار. إلا أن النظام اعتقل عددا من أبنائها وجنّد بعضهم في الجيش، فيما فرّ العدد الأكبر من شبابها إلى المهجر هربا من التجنيد الإجباري.

ويقول أحمد خفاجا صاحب متجر في الجزيرة إن "أجهزة أمن النظام اعتقلت ثلاثة من أبناء إخوته بين عامي 2011 و 2012 بذريعة تأييدهم للثورة السورية واتهمهم بتهريب السلاح لصالح المعارضين السوريين، ولا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن رغم سقوط النظام".

المرأة صاحبة القول في الجزيرة

يعيش في أرواد حوالي عشرة آلاف نسمة، يعمل معظمهم في البحر، إما بصيد السمك أو على متن السفن التجارية والقوارب السياحية ويتوزعون ما بين قبطان وبحار وفني صيانة. فيما يملك عدد منهم مطاعم على طول ساحل الجزيرة.

ويقول ناظم طالب، مدير ميناء أرواد إن مداخيل السياحة تراجعت بشكل كبير في الأعوام الماضية وانعدمت حركة السياح جرّاء الحرب. "لكننا اليوم نلاحظ نشاطا متزايدا للزوار ونتطلع إلى موسم سياحي مبشّر يعيد الحياة للجزيرة وينعش اقتصادها".

وفيما يسعى رجال أرواد للرزق في البحر، تلعب النساء الدور الأبرز في تسيير شؤون الجزيرة والحياة. "المجتمع الأروادي مجتمع نسائي والمرأة هي صاحبة القول في أرواد والرجال يؤكدون على ذلك"، تقول فاطمة كنفاني رئيسة البلدية في دردشة مع DW عربية، من على سطح قلعة أرواد، أشهر معالم الجزيرة.

تخبرنا فاطمة كيف نقل موظفون حكوميون تابعون لنظام الأسد قطع الآثار الفينيقية من القلعة مع بداية الأحداث إلى جهة مجهولة. "إلى تاريخ اليوم لا نعرف عنها شيئا ولم نتمكن من استرجاعها"، تضيف فاطمة.

أرواد معتقل الثوار ضد الاستعمار

لا توجد مراجع رسمية كثيرة عن تاريخ بناء القلعة؛ لكن يعتقد أنها بدأت مع الفينيقيين في القرن الثامن الميلادي، وبني الجزء الأكبر منها أثناء الحملات الصليبية في القرن الحادي عشر. تعاقبت عليها حضارات عدة مرورا بالسلطنة العثمانية، ووصولا إلى سيطرة الانتداب الفرنسي عليها حينما استخدمت أقبيتها لسجن أبرز رجالات الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي.

الدخول إلى القلعة لم يكن متاحا في سنوات الحرب قبل سقوط النظام بسبب استخدامها كمقر للقوات البحرية السورية، وأدى إهمالها إلى محاصرتها بالبناء العشوائي. لكن مشروعا لإعادة إحيائها كمعلم أثري وثقافي وضع على السكة بقيادة رئيسة البلدية.

من يجول في أزقة القلعة الضيقة المطلية باللون الأبيض وبين بيوتها المتراصة، يشعر مباشرة ببساطة حياة أهل الجزيرة، أو "الزيرة"، كما يسمّيها الأرواديون. أبواب البيوت مشرّعة والأطفال يركضون من بيت إلى آخر، في خلفية صراخهم حديث الجيران من على الشرفات يصدح في كل زقاق.

"الناس هنا عائلة واحدة يتشاركون الأفراح والأتراح ويتشاركون حب الزيرة وحب البحر. نحن جميعنا أولاد البحر نحبه ويحبنا، نعطيه ويعطينا"، تقول رئيسة البلدية فاطمة كنفاني، أثناء النزهة اليومية المعتادة لأهل الجزيرة، قبيل غروب الشمس عند الساحل الأمامي المشرف على الميناء.

استفادت الجزيرة من عزلتها وسلمت من القصف والدمار طوال سنوات الحرب. أما اليوم وبعد سقوط النظام وبداية انفتاح سوريا على باقي دول العالم، فيأمل أهل أرواد أن تستعيد جزيرتهم مكانتها وأن تسهم في إعادة سوريا كواحدة من الوجهات السياحية الأساسية على حوض البحر المتوسط.