الإدارة الأمريكية تتبع نبرة أكثر هدوءًا تجاه ملف المهاجرين
في تول ملحوظ داخل دوائر صنع القرار الأمريكية، أبدت إدارة دونالد ترامب مرونة متزايدة في التعاطي مع سياسات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، والبالغ عددهم نحو 11 مليون شخص.
ويأتي هذا التحول في وقت تشهد فيه لوس أنجلوس احتجاجات متواصلة على خلفية مداهمات أمنية طالت عددًا من المهاجرين، وهو ما أشعل الجدل من جديد حول مستقبل هذه الفئة ودورها في المجتمع الأمريكي.
ولم يعد الحدي ثعن المهاجرين غير النظاميين يقتصر على الأبعاد الأمنية والقانونية فحسب، بل بدأ البعد الاقتصادي يفرض نفسه بقوة. فغالبية المهاجرين من أمريكا اللاتينية، وخاصة المكسيك، يشغلون وظائف حيوية في الزراعة والبناء والصناعات الخدمية والفندقة، وهو ما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من عجلة الاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضًا: الكونجرس تحذر من أزمة سكانية من دون المهاجرين بحلول 2033
ترامب يخفف من لهجته
وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة عن طلب إدارة ترامب من مسؤولي الهجرة والجمارك التوقف عن تنفيذ مداهمات تستهدف العمال في قطاعات الفنادق والمطاعم والزراعة، وذلك بعد إدراك متزايد بأن سياسة الترحيل الشامل قد تضر بمراكز النفوذ الاقتصادي التي ظلت داعمة للرئيس خلال فترات ترشحه، ولا سيما من أصحاب الأعمال والمزارعين.
وقد أقرّ ترامب علنًا بهذا الأمر، حيث كتب منشورًا على منصته "تروث سوشيال" وقال: "لقد تحدث إلينا مزارعونا والعاملون في قطاع الفنادق والترفيه، وأوضحوا أن سياستنا المتشددة تحرمهم من عمال ذوي كفاءة عالية وخبرة طويلة. من شبه المستحيل إيجاد بدائل لهم".
اقرأ أيضًا: ماسك يخفف لهجته الحادة تجاه ترامب في ظل أزمة المهاجرين
دور المهاجرين في الاقتصاد الأمريكي
بعد سياسات إدارة ترامب ضد المهاجرين، خرجت التقارير التي كشفت عن دور المهاجرين في نمو الاقتصاد الأمريكي. مؤسسة أمريكيون من أجل عدالة ضريبية نشرت تقريرًا أفادت فيه بأن طرد ملايين العمال غير النظاميين من الولايات المتحدة قد يسبب بانكماش اقتصادي يتراوح بين 1.1 و1.7 تريليون دولار، وهو ما يُقارن بآثار الأزمة المالية العالمية في 2008.
وتكشف بيانات الإقرار الضريبي لعام 2023 أن المهاجرين، النظاميين أو غير النظاميين، أسهموا بشكل ضخم في الاقتصاد الأمريكي، إذ دفعوا ما يقرب من 652 مليار دولار من الضرائب، منها 90 مليار دولار دفعتها فئة المهاجرين غير النظاميين وحدها.
وتوزعت هذه المساهمات بين ضرائب فيدرالية بقيمة 55.8 مليار دولار، وضرائب محلية وبلدية بقيمة 33.9 مليار دولار، تُستخدم في تمويل خدمات أساسية كـالمدارس، المرافق الصحية، والطرق والبنى التحتية.
وتمثل اليد العاملة المهاجرة نحو 5% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، وتبرز أدوارهم بوضوح في قطاعات كالزراعة، البناء، والخدمات الصحية. ففي قطاع البناء، عامل من كل سبعة عمال مهاجر غير نظامي، أما في الزراعة، فنسبة العاملين تصل إلى واحد من كل ثمانية، وفي المستشفيات واحد من كل 14.
لكن الصورة الأوضح تظهر في جني المحاصيل الزراعية، حيث يشكل المهاجرون غير النظاميين نصف عدد العمال الميدانيين، وهي نسبة تجعلهم الركيزة الأساسية لاستمرار الزراعة الأميركية.