التثقيف الجنسي من وجهة نظر العلم.. لإصلاح المجتمع أم لإفساده؟

  • بواسطة: الباحثون السوريون تاريخ النشر: الإثنين، 26 يناير 2015
مقالات ذات صلة
أقوال الحكماء عن الحياة... أشهر 10 وجهات نظر عن الحياة
5 طرق سهلة لإصلاح الملل من ممارسة الرياضة
مبلغ خرافي تحت تصرف زيدان لإصلاح ريال مدريد

قد يتبادر إلى ذهنك لم قد يكتب الباحثون السوريون عن مثل هذا الموضوع الحساس، وقد تسأل نفسك هل يعتبر هذا الموضوع دعايةً للانفتاح الجنسي أو الانغلاق أو غيرها من المواقف الاجتماعية المحكومة على موضوع الجنس الذي لطالما بقي طي الكتمان دون أي رقابة. في هذا المقال جمعنا تجارب العالم والمشكلات التي واجهتهم حتى اختاروا البدء بالتثقيف الجنسي الشامل كما أننا سنضع أمامكم معايير عملية التثقيف الجنسي كما يجب أن تكون بما يجعل هذه العملية أكثر أماناً وفائدة ومراقبة.

لماذا نحتاج إلى التربية الجنسية؟ وماهي التجارب العالمية التي دعتنا إلى التفكير فيها؟

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

يعاني مراهقو أمريكا سنوياً من 850 ألف حمل ومن 9.1 مليون شخص مصاب بالأمراض المنتقلة جنسياً وفي عمر الـ 18 كان 72% من الإناث و62% من الذكور كانوا قد بدأوا ممارسة الجنس وعلى الرغم من أن حملات التوعية التي دعت إلى تأجيل الجنس إلى ما بعد الزواج كان لها تأثير إيجابي في تقليل إصابة هؤلاء الأفراد بالأمراض المنتقلة جنسياً إلا أن تأثيراتها على السلوك كانت قصيرة الأمد وكان لا بد من البدء بحملات تثقيف شاملة عن كل ما يخص الجنس بما فيها تأجيله ووسائل منع الحمل وطرق الوقاية من الإصابة بالأمراض الجنسية والإيدز. 

مشكلة اليوم هي ارتفاع عدد الشباب النشطين جنسياً بطريقة ما خلال العقد الماضي ...فقدمت البحوث قضيتين هامتين:

1-  تدنّي مستوى استخدام الواقي الذكري.

2- زيادة معدّلات ممارسة الجنس غير المرغوب به وخاصةً فيما يتعلق بالكحوليين.

ولننظر إلى واقعنا، هناك العديد من الرسائل المتنافسة حول الحياة الجنسية في العالم، لكنّ الكثير منها خاطئة ومثيرة وغالباً ما يتم تقديمها للشباب بطرق التواصل الشائعة مثل الإعلانات، وصفحات الانترنت، والهواتف المحمولة، والأفلام، وبرامج تلفزيون الواقع، والمسلسلات التلفزيونية.. لكن الغرض الرئيسي من هذه الرسائل هو بيع المنتجات وليس تزويد الشباب بما يحتاجون معرفته لحياة صحيّة ومُرضية للبالغين.

وبعد هذه المقدمة الواقعية عن حال الصحة الجنسية في العالم، المشاكل والمخاطر المحدقة بنا، دعونا نبدأ بتعريف منهجي لهذه العملية بكل جوانبها مما يمهد للعديد من الأمور الهامة على الصعيد الصحي والاجتماعي لنبدأ بمناقشتها بشكل علمي بما يضمن وضعاً أفضل لحياة الأفراد في كل المجتمعات وفي مجتمعنا العربي خاصةً.

ما هي التربية الجنسية؟

التربية الجنسية، التي تسمى أحياناً الثقافة الجنسية أو ثقافة الجنس والعلاقات، هي عملية اكتساب المعلومات وتكوين المواقف والمعتقدات حول الجنس، الهوية الجنسية، العلاقات والعلاقات الحميمية. تتعلق الثقافة الجنسية أيضاً بتطوير مهارات الشباب كي يتمكنوا من اتخاذ قرارات مدروسة بشأن سلوكهم، وليشعروا بالثقة والكفاءة بناءً على هذه الخيارات. 

ما هي أهداف التربية الجنسية؟

تهدف التربية الجنسية إلى تقليل الأخطار السلبية المحتملة الناتجة عن السلوك الجنسي، وهي وسيلة لمساعدة الأفراد على حماية أنفسهم من الاغتصاب، الاستغلال، الحمل غير المقصود، الأمراض المنقولة جنسياً، فيروس عوز المناعة البشري والإيدز(الـ AIDSهو المرحلة الأخيرة من الـ HIV)، كما تهدف إلى الإسهام في التجربة الإيجابية الجنسية للشباب، من خلال تحسين نوعية علاقاتهم وقدراتهم على اتخاذ قرارات مدروسة خلال حياتهم. فعلى التربية الجنسية أن تكون أكثر من مجرد معرفة البلوغ وبيولوجيا الإخصاب، يجب أن تساعد الشباب ليكونوا آمنين وسعيدين في حياتهم الجنسية.

ما هي المهارات التي يتوجب على التربية الجنسية أن تقوم بتطويرها؟

اذا أرادت التربية الجنسية أن تكون فعّالة فيجب أن تشمل فرصاً لتطوير مهارات الشباب، حيث سيكون من الصعب عليهم العمل على أساس المعلومات فقط ، بل يجب أن ترتبط بأكثر المهارات العامة في الحياة كجعلهم قادرين على التواصل، والاستماع، والتفاوض مع الأخرين، وطلب المساعدة والنصح وتحديد مصادرها، كما أن التربية الجنسية الفعالة تطور مهارات الشباب في التفاوض، وصنع القرار، والإصرار ومهارات مهمة أخرى تتضمّن القدرة على استيعاب الضغوط من الآخرين ومقاومتهم، والتعامل مع التحيّز ومواجهته والقدرة على طلب المساعدة من الكبار. تعمل التربية الجنسية أيضاً على تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لتمكينهم من التفريق بين المعلومات الدقيقة وغير الدقيقة، وعلى مناقشة مجموعة من القضايا الأخلاقية والاجتماعية ووجهات النظر عن الجنس والحياة الجنسية، بما في ذلك المواقف الثقافية المختلفة والقضايا الحساسة مثل النشاط الجنسي، الإجهاض ومنع الحمل.

تكوين المواقف والمعتقدات:

يومياً تصل إلى شبابنا مجموعة واسعة من المواقف والمعتقدات المتعلقة بالجنس والحياة الجنسية، فعلى سبيل المثال، تؤكد بعض الرسائل الصحية على المخاطر والأخطار المرتبطة بالنشاط الجنسي بينما تروّج التغطيات الإعلامية لفكرة أن الشخص النشط جنسياً هو الشخص الأكثر جاذبيةً ونضجاً. ولأن الجنس والحياة الجنسية مواضيع حسّاسة، فالشّباب والمختصّون بالتّربية الجنسيّة يمكن أن يكون لهم وجهات نظر قوية حول المواقف التي يجب أن يحملوها، وما هو الإطار الأخلاقي الذي يجب أن يحكم سلوك الناس، وهم يهتمون بالقضايا الحساسة مثل الإجهاض، والجنس قبل الزواج، والمثلية الجنسية، وسائل منع الحمل وتنظيم النسل.
وفي هذا السياق لا بدّ أن نتذكّر أن نتحدث بطريقة متوازنة حول الاختلافات في وجهات النظر بألّا نشجع على مجموعة واحدة من وجهات النظر على حساب الأخرى فإن جزءاً من اكتشاف وفهم وجهات النظر الثقافية، والدينية، والأخلاقية هو معرفة أنه يمكننا أن نتفق على أننا يمكن أن نختلف.

على صعيدٍ آخر، يتيح التثقيف الجنسي فرصةً للشباب لاستكشاف الأسباب التي تجعل الناس يمارسون الجنس، وكيفيّة احتوائه على العواطف، احترام الذات وذوات الأخرين ومشاعرهم وقراراتهم وأجسادهم. يجب أن يملك الشباب الفرصة لاستكشاف الفوارق بين الجنسين وكيف يمكن للعرق وللجنس أن يؤثرا في مشاعر الناس وخياراتهم، كما يجب أن يكونوا قادرين على أن يقرروا بأنفسهم ما هي الصفات الإيجابية للعلاقات. ومن المهم أن يفهموا كيف أن الترهيب والنمطية والإساءة والاستغلال يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات.

هل يجب أن تقتصر التوعية الجنسية على التحذير من مخاطر العملية الجنسية؟

بعد أن مرّت عملية التثقيف الجنسي بتطوّرات عديدة ومراحل تاريخية هامّة وصلنا اليوم إلى نقطة تحوّل كليّة حيث بدأت الحملات تتجّه باتجاه التثقيف حول كل من الإيجابيات والسلبيات المتعلّقة بالجنس، حيث أظهرت الدراسات بأن حملات التوعية الجنسية تتناول مكافحة الاغتصاب والأمراض المنتقلة جنسياً مما قد يؤثر على علاقات الأفراد مستقبلاً فيشعر بعضهم بفقدان الترابط مع الجنس الآخر بينما يشعر البعض بالخطر الدائم وعدم الأمان وبذلك يفشل الشبان من الإدراك الحقيقي لطبيعة حياتهم، فلا بدّ إذاً من البدء بإظهار الجوانب الإيجابية بالتزامن مع التوعية للمخاطر التي يوفرها الجنس على الرغم من أنّ ذلك يعتبر من الأمور المعقدة منطقياً فالجوانب الإيجابية سيشعر بها الفرد في الحاضر بينما المخاطر تظهر لاحقاً ولا يعتبر الدمج بين الفكرتين بالأمر السهل.
لذلك ولحل هذه التناقضات جميعاً على حملات التوعية أن تطرح الأمور بتنوعها وتعزز الفكرة الإيجابية عن العملية الجنسية عندما تحصل في ظروفها الآمنة والصحيحة كما أن المعلومات عن المتعة المرتبطة بالعملية الجنسية عزّزت قيم التفاوض والرفض لدى الناس ليتمكنوا من رفض العمليات الجنسية غير الملائمة لهم واختيار الظروف المناسبة لعيش أفضل تجربة.

صفات برامج التثقيف الجنسي والوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس المثالية: 

حدد الخبراء صفات محددة لبرامج التثقيف الجنسي والوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس الأكثر فعالية. هذه البرامج: 

1- تؤمن معلومات عن الصحة الجنسية بحيث تكون متلائمة مع العمر والحالة الثقافية للأفراد.

2- يتم تصميمها بالاستعانة بأفراد المجتمع المستهدف، وخاصةً اليافعين والمراهقين منهم. 

3- تساعد اليافعين على الفهم الصحيح لقيم المجتمع والعائلة والقيم الشخصية.

4- تساعد اليافعين على تطوير مهاراتهم في التواصل والتفاوض والرفض. 

5- توفر معلومات دقيقة طبياً عن العفة إضافة إلى مانعات الحمل بما فيها الواقيات الذكرية.

6- تهدف بشكل واضح إلى منع الأمراض المنتقلة بالجنس والإيدز وحمل المراهقات.

7- تركز على السلوكيات الصحية التي توصل إلى هذه الأهداف وتدعو إليها. 

8- تعمل على إزالة عوامل الخطورة النفسية الاجتماعية وبالمقابل تحرض على تفعيل العوامل الوقائية المتعلقة بالجنس عند اليافعين. 

9- تحترم قيم المجتمع وتستجيب لحاجاته. 

10- تعتمد على مشاركة أفراد مدربين من المجتمع في هذه البرامج إضافةً إلى تطبيق جميع النشاطات كما هي موصوفة في البرامج.

11- لا يقتصر ذلك على الجانب الملموس من العلاقات بل يشتمل على أنواع العلاقات، الحب والالتزام والزواج والشراكة، والقانون المتعلق بالسلوك والعلاقات الجنسية، وكذلك مجموعة وجهات النظر الدينية والثقافية حول الجنس والنشاط الجنسي والتنوع الجنسي دون إهمال فكرة وجود أشخاص مثليين جنسياً.

متى يجب أن يبدأ التثقيف الجنسي ؟

يجب أن يبدأ التثقيف الجنسي باكراً، قبل وصول الشباب إلى سن البلوغ، فالعمر الدقيق الذي ينبغي توفير معلومات فيه يعتمد على النمو الجسدي والعاطفي والفكري للشباب، وكذلك على مستوى فهمهم، من المهم في التثقيف الجنسي أن يبدأ في سن مبكرة وأن يكون مستداماً.

إعطاء الشباب المعلومات الأساسية في سن مبكرة يوفر لهم القاعدة التي تبنى عليها معرفة أكثر تعقيداً مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، عندما كانوا صغاراً جداً، يمكن تعليم الأطفال كيف ينمو الناس ويتغيرون مع مرور الوقت، وهذا ما يوفر الأساس لفهم المزيد من المعلومات الأكثر تفصيلاً حول مرحلة البلوغ التي ستقدم لهم في سنوات ما قبل المراهقة. كما يمكن تزويدهم بالمعلومات المتعلّقة بالفايروسات والجراثيم التي تهاجم الجسم، هذا يوفر الأساس للحديث معهم لاحقاً عن العدوى التي يمكن أن تنتقل عبر الاتصال جنسي.

هل تشجع التربية الجنسية في سن مبكرة الشباب على ممارسة الجنس؟

يشعر بعض الناس بالقلق من أن توفير معلومات حول الجنس والحياة الجنسية يثير رغبة حب الاستطلاع ويمكن أن يؤدي إلى تجارب جنسية، لكن التعليم الجنسي لا يركز بشكل ضيق على كيفية ممارسة الجنس بل يتضمن التركيز على القيم، صناعة القرارات، البيولوجيا، العواطف، الهوية الجنسية والمشاعر الجنسية كما أنّه يشجع على العفة، تأخير العلاقة الأولى، تحديد عدد الشركاء والجنس الآمن. وقد أظهرت مراجعة 48 دراسة عن الجنس الشامل وبرامج التّعليم عن الأمراض المنقولة جنسياً وفايروس نقص المناعة البشرية في المدارس الأميركية، وجِدَت أدلة أقوية على أن مثل هذه البرامج لا تزيد من النشاط الجنسي، بعضهم انخفض نشاطهم الجنسي، أو زاد معدل استخدامهم للواقي الذكري أو وسائل منع الحمل الأخرى، أو كليهما. 

أنا لم أتلقَّ الثقافة الجنسية عندما كنت شابة ولم يؤثر هذا عليّ، أليس من الأفضل أن ندع الأطفال يلتقطون ما يحتاجون معرفته من تجاربهم الخاصة؟

يلتقط الشباب باستمرار رسائل جنسية، العديد منها لا يشجعهم على الحياة الجنسية الصحية، متضمنة الرسائل التجارية التي هي من مصلحة المعلنين والمضللين من قبل أقرانهم لذلك، تجنب التحدث عن الجنس يعلم الشباب فقط عدم الارتياح حيال الحياة الجنسية.

من الذي يجب أن يقدم التثقيف الجنسي ؟

يمكن للتثقيف الجنسي أن يحدث في مجموعة متنوعة من المواضع، في المدرسة وخارجها على حد سواء. في هذه السياقات المختلفة، مختلف الناس لديهم الفرصة والمسؤولية لتقديم التثقيف الجنسي للشباب.

الآباء\الأولياء:

في المنزل، يستطيع الشباب بسهولة إجراء مناقشات انفرادية من الأهل أو الأولياء وبتركيز على قضايا معينة، أسئلة أو استفسارات. ويمكن لهم أن يقيموا حواراً حول مواقفهم وآرائهم، كما يميل التثقيف الجنسي في المنزل إلى أن يحدث على مدى فترة زمنية طويلة، وينطوي على الكثير من التفاعل القصير بين الآباء والأبناء

الشباب:

في بعض البلدان، ازداد اشتراك الشباب في تطوير وتقديم التثقيف الجنسي كوسيلة لضمان جدواه وإمكانية تقديمه وساعد التشاور معهم عند تصميم البرنامج على ضمان ارتباطهم به وعزز رسائله كنموذج في المواقف والسلوك لأقرانهم. وقد عملت البرامج التعليمية لمنظمة "Apause" في المملكة المتحدة كجزء من برنامجهم التعليمي للجنس والعلاقات المدرسي، على تحقيق تغيير ايجابي في السلوب بين الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13-14 سنة، بهدف خفض معدلات الجماع الأولى قبل سن الـ16 وذلك من خلال التعاون مع الشباب لتعليم أقرانهم.

المعلمون:

التفاعل في المدرسة بين المعلم والشباب يأخذ شكلاً مختلفاً وغالباً تقدم الدروس في مجموعات منظمة، وهي غير مناسبة تماماً كتقديم النصيحة الفردية لتقديم المعلومات من وجهة نظر محايدة. ويدعم بدء هذه العملية في المنزل.

هل التعليم حول الجنس في المدارس يبعد هذه المهمة عن المنزل؟

وجدت الدراسات أن العكس هو الصحيح فبرامج التربية الجنسية تؤدي الى زيادة التواصل بين الوالدين والطفل حول الحياة الجنسية **.(الفورد، تواصل الأهل والأطفال، تعزيز صحة الشباب، دعاة للشباب، أيلول 1995).

إذا لم أشعر بالارتياح للتحدث مع طلابي عن الجنس، أليس من الأفضل ألا أقول شيئاً؟
من الشائع جداً عدم الشعور بالارتياح أثناء التحدث عن الجنس ولكن لا يجب أن ندع هذا يوقفنا عن تثقيف طلابنا فالتكلم عن الحقائق هو طريقة فعالة لمواجهة الخوف .

الفوائد الاجتماعية والاقتصادية:

أوضحت بعض الدراسات نتائج اقتصادية هامة لعملية التثقيف الجنسي حيث قامت بعض الدراسات على أساس اقتصادي تقارن بين التكلفة المادية لعملية التثقيف الجنسي والتكلفة التي تترتب على معالجة بعض النتائج الضارة الناتجة عن السلوك الجنسي الخاطئ كمعالجة الأمراض المنتقلة جنسياً ووسائل منع الحمل. على سبيل المثال، أوضحت دراسة لعام 2000 أن التكلفة المادية لحمل المراهقات كانت مرتفعة جداً سواء على المجتمع أو العائلة أو حتى الفتاة نفسها. بينما أوضحت دراسة سابقة لعام 1997 أن التثقيف الجنسي الشامل ونشر وسائل منع الحمل الصحية انعكست إيجاباً بالتوفير في تكاليف الرعاية الصحية. ويعتبر الكلاميديا المرض الأكثر شيوعاً بين الامراض المنتقلة جنسياً في كندا وخصوصاً لدى الشباب بين 15 – 19 سنة ويبدي المرضى أعراض خفية وخطيرة على المدى البعيد مما يؤدي إلى تكاليف باهظة في معالجة المرضى فضلاً عن الأمراض الأخرى المنتقلة جنسياً ومنها الإيدز وغيرها من الأمراض التي تعود على المجتمع وعلى نظام الرعاية الصحية بتكاليف باهظة وفقاً لدراسة عام 2003. وبذلك نجد أن التثقيف الجنسي يعود بنتائج إيجابية عالية حتى على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

العوائق التي تعترض تزويد الأطفال بالتوعية الجنسية:

بعض المدارس لا تتضمن ضمن منهاجها مقرراً للتثقيف الجنسي، وقد يكون سبب ذلك هو المناخ السياسي والتشريعات المطبقة في هذا البلد، أيضاً، تعارض العديد من المدارس ذات الطابع الديني التثقيف الجنسي في المدارس، وهذا الأمر يحدّ بشكل كبير من مستوى ثقافة الطالب الجنسية، والذي لا يتلقى المثل هذه المعلومات إلا في مادة علم الأحياء في دروس (التناسل والتكاثر)، وهذه الدروس عادةً ما تترك صغار السن متخبطين وجهلةً في هذه المواضيع وخجولين من مناقشة الأمور الجنسية.

يعتبر تعليم الثقافة الجنسية وثقافة العلاقات إلزامياً في المراحل الدراسية الابتدائية والثانوية حسب القوانين المتبعة في المملكة المتحدة، وهذه القوانين تمنع الآباء من أن يحرموا أطفالهم من هذه الدروس حتى يبلغوا سن الخامسة عشر. لكن هنا يجب التأكيد على تحلّي مدرسي التوعية الجنسية ببعض القدرات واتخاذهم لمواقف إيجابية تجاه عملية التوعية الجنسية، فهم يجب ألا يكونوا خجولين أو غير مرتاحين من تناول هذه المواضيع مع طلابهم، والأهم من ذلك ألا يكون متحيزين في مواقفهم ضد الذكور أو الإناث المثليين جنسياً. ومن العوائق أيضاً أن الآباء غالباً ما يكونون خجولين ومتضايقين من الكلام مع أولادهم عن الجنس، وهم أسعد نوعاً ما عندما يعرفون أن المدرسين يوفرون المعلومات الجنسية الضرورية لأطفالهم، لذلك من الواجب تعريف الآباء على التثقيف الجنسي لأولادهم وطمأنتهم من ناحية كونه آمناً ولن يحرض أي سلوك غير أخلاقي لديهم، سواء أكان سلوكا طبيعياً أو مثلياً.

التقدم في التثقيف الجنسي:

يعتبر التزويد بالتثقيف الجنسي الفعال مهمة صعبة لأنها تمس العديد من القضايا الحساسة في المجتمع وتتضمن العديد من الأشخاص (الآباء – المدرسة – المجتمع – مزودي الخدمات الصحية). لكن هناك فرصة لشرائح متعددة من الأشخاص للمشاركة في عملية التثقيف الجنسي، ذلك لأنه التثقيف الجنسي يشمل العديد من النشاطات الفردية التي تحدث في مدى واسع من الظروف ولفترة زمنية طويلة.

ولكل نمط من أنماط التثقيف الجنسي التي ذكرناها فوائده الخاصة فأفضل الناس علاقة مع الأطفال هم آباؤهم ويعتمد دورهم على تزويد أطفالهم بالدعم والتثقيف الجنسي من مرحلة مبكرة من حياتهم. في حين أن برامج التثقيف الجنسي في المدرسة جيدة في تزويد الأطفال بالمعلومات والمهارات والسلوك السليم بطرق أكثر رسمية من خلال الدروس المعطاة ضمن المنهاج المدرسي. أما برامج التثقيف المعتمدة على المجتمع فهي تقدم فرصاً لصغار السن للحصول على النصائح والمعلومات بطرق أقل رسمية من المدارس. ويعتبر التثقيف الجنسي عبر وسائل الإعلام والمدعوم غالباً من قبل المنظمات الحكومية وغير الحكومية وسيلة مساعدة في رفع وعي الناس تجاه قضايا الصحة الجنسية.

هناك حاجة لبذل المزيد من الاهتمام لبعض مجموعات صغار السن مثل الآباء الصغار، الشبان والفتيات المثليين جنسياً، وذوي الميول للجنس الآخر، وأولئك غير الملتحقين بالمدارس وبعض الأشخاص المستضعفين اجتماعياً مثل اللاجئين صغار السن وأولئك الباحثين عن ملجأ والسجناء صغار السن ومن يعيشون في الشوارع.

إن الظروف المتاحة للآباء وذوي التوعية الجنسية الآخرين تختلف من بلد لبلد، فالواقع الاجتماعي والسياسي في بلد معين قد يحد من قدرتهم على تزويد صغار السن بالتثقيف الجنسي الشامل اللازم. 

نتائج هذه العملية المنظمة كانت:

وفقاً لدراسة أجريت في منظمة الصحة المدرسية الأمريكية، فقد انخفضت نسبة الشبان الذين مارسوا الجنس لأول مرة قبل أن يصلوا إلى الصف الثامن بنسبة 16% للصبية و15% للفتيات ونتج ذلك عن عملية التثقيف الجنسي الشامل الذي تعاونت فيه كل من المدرسة والوالدين. 

كما أوضحت دراسة إيرانية أن التثقيف الجنسي للنساء ذوات الرغبة الجنسية المنخفضة أعطى تأثيرات إيجابية على علاقاتهم الجنسية وحسن رغباتهم الجنسية، وتم تفسير ذلك بأن العوامل المتعلقة برغبة المرأة الجنسية معقدة جداً وأحياناً يتعذر إيجاد سبب صريح لسوء العلاقة الجنسية بين الزوجين التي تعتبر أمراً هاماً جداً، بينما أوضحت الدراسة بأن العامل النفسي الذي حسنته عملية التثقيف حول العلاقة الجنسية كان ذو تأثير إيجابي لدى النساء ناقصات الرغبة وجعلهم أكثر مرونة في التعامل مع احتياجاتهم، كما حسن الصحة الجنسية والرغبة فضلاً عن المتعة في العلاقة.

نهايةً نحن كباحثون سوريون نختم بأن نؤكد بأن "المعرفة قوة" ومعرفتك لأي أمر ما يساعدك على تحسينه ومراقبته وتقويمه بشكل دائم فكيف إذا كان الموضوع متعلقاً بإحدى أهم الاحتياجات الحيوية للإنسان والتي فقدت الكثير من قدسيتها وأمانها ومتعتها بسبب استسلامنا لوسائل التوعية غير الصحيحة وابتعادنا عن الأسس العلمية للتربية.

اقرأ أيضاً: تقليل الملح للوقاية من ارتفاع ضغط الدم

تجنب تلك الأخطاء لتحصل على مظهر أصغر سناً من عمرك الحقيقي

باحثون يكتشفون إكسير الشباب الدائم