العراق: كفاح لإحياء فن رقص الباليه
لم يكن ميسرة سلام، مدير أكاديمية بغدادللباليه، يحلم بأن فن الباليه في العراق يمكن أن يتحول إلى القطاع الخاص، بحيث يستطيع فتح أكاديميته الخاصة بعد تخرجه من مدرسة بغداد للموسيقى والباليه، وهي المدرسة الحكومية الوحيدة التي تدرس فن الباليه والموسيقى من المرحلة الأولى للدراسة الابتدائية للطالب وصولاً إلى الإعدادية.
يقول ميسرة لـ DW عربية: "من وجهي نظري، نجحت جهودنا كمدربين للباليه بإعادة إحياء هذا الفن في المجتمع من جديد على الرغم من قلة عددنا وقلة عدد العروض التي نقدمها".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ويستشهد ميسرة على صحة كلامه بالإقبال الكبير على حفلات الباليه، إذ تَنفذُ بطاقات العرض في الأيام الأولى من طرحها للبيع، وتمتلئ مدرجات المسرح بالحضور. كما أن ردود الفعل من الجمهور المتنوع أثناء العرض بالتصفيق وبعده بالمديح والثناء على الأداء كانت حاضرة دائماً.
في عام 2021، استطاع ميسرة تأسيس أكاديميته الخاصة، وسجلها في نقابة الفنانين، لتصبح الأولى من نوعها في العراق.
وبيّن ميسرة: "نحن نعتمد على التمويل الذاتي بشكل كلي، ولم نحظ بدعم من أي جهة. وبالرغم من ذلك تضم الأكاديمية اليوم 50 متدربة. بعضهن أصبحت لديهن مهارات جيدة جداً بحيث تمكن من المشاركة في العروض السنوية التي نقيمها".
صعوبات مجتمعية
لم يكن ميسرة هو الوحيد الذي توجه إلى القطاع الخاص لإنشاء أكاديميته؛ إذ سبقته في التفكير إلى ذلك مؤسسة أكاديمية الباليه العراقي والمدربة وراقصة البالية، ليزان سلام، التي كانت تطمح لإرجاع فن الباليه للعراق من جديد وتعريف الناس بفائدته وجمالة، وفسح المجال لمن يرغب بممارسة هذا الفن للتعبير عن نفسه من خلاله.
وعلى الرغم من أن الفكرة راودتها عام 2016، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق حلم فتح أكاديمية خاصة بها إلا في عام 2022.
وعن سبب ذلك قالت ليزان لـ DW عربية: "كانت هناك صعوبات وعقبات كبيرة أبرزها اجتماعية" وهو عكس ما حصل مع ميسرة الذي أكد أنه لم يواجه اية عقبات اجتماعية أثناء إنشاء أكاديميته أو حتى عندما كان يرقص في عروض مدرسة الموسيقى والبالية التي تخرج منها كما ليزان في عام 2013.
وتوضح ليزان بعض تلك الصعوبات المجتمعية بالقول: "نظرة الناس للباليه، خاصة من ناحية الزي وطبيعة الحركات عند اداء العروض ولدت نظرة سلبية نوعاً ما، لذلك أحاول من خلال العروض التي أقدمها أن أوصل أحساس ورؤية راقية حول هذا الفن وفكرته".
وتشير ليزان إلى أن أكاديميتها استقطبت منذ تأسيسها حتى اليوم 220 متدربة.
وعن سؤالنا حول هل الإقبال من كِلا الجنسين؟ أجابت: "المشاركة الأكبر من الفتيات، على الرغم من أننا نشجع الاستقطاب من الجنسين، لأن ذلك يتيح مساحة أكبر في اختيار الرقصات المقدمة في العروض".
أما مدرب الباليه ميسرة سلام فيجد أن سبب عدم أقبال الذكور على فن الباليه يعود إلى الطريقة التي تم تدريبهم خلالها في مدرسة الموسيقى والباليه: "المدرسة لم تنجح في غرس حب هذا الفن فيهم والإيمان بِرقيه والرسالة التي من الممكن ايصالها من خلاله. في الغالب كان الشباب مهمشين والدور الأكبر في الرقصات كان للفتيات".
راقص معتزل: رقص الذكور معيب
يؤيد كلام ميسرة السابق خريج مدرسة الموسيقى والباليه الذي رفض ذكر اسمه إلا من خلال الرموز (ن، أ): "دائماً كان دورنا كراقصي باليه ثانوي، فكل ما نفعله خلال العرض على المسرح هو إسناد شريكتنا في الرقص، ودعمها بقوتنا الجسدية لأداء حركاتها ضمن العرض".
وتابع الشاب حديثه ليكشف لـ DW عربية بصريح العبارة عن سبب تركه هذا الفن: "رقص الباليه للذكور أمر معيب مجتمعياً، على عكس الحال في الغرب". ثم يسوق مقارنة بين راقص الباليه والجندي والمهندس والطبيب: "ينظر المجتمع بجميع فئاته لتلك المهن نظرة محترمة". ويختم (ن، أ) حديثة بالقول "لست نادماً على قراري بترك رقص الباليه مطلقاً".
تاريخياً، تأسست أول مدرسة لتدريب الموسيقى في العراق عام 1968 تحت اسم "مدرسة الأطفال الموسيقية"، ثم أُنشئت أول مدرسة للباليه في العام التالي، 1969، باسم "مدرسة الباليه العراقية". وفي عام 1970، دُمجت المدرستان لتشكّلان "مدرسة الموسيقى والباليه".
تقول مديرة قسم الباليه في المدرسة زينة أكرم لـ DW عربية: "وجدت هذه المدرسة لتدريس فن الباليه على أسس منهجية صحيحة، ويشرف على تدريس الطلبة فيها أساتذة مختصين ما أسهم بشكل كبير في تطوير المهارات الفنية لدى الطلاب، وتأهيلهم للمشاركة في العروض الفنية والمسابقات المحلية والدولية". وتضيف: "لا يوجد أي دعم من الجانب الحكومي المتمثل بوزارة الثقافة، جميع مستلزمات الباليه التي يحتاجها الراقصين في العروض أوفرها أنا، وبعض من أولياء الأمور .الوزارة توفر لنا المسرح الوطني بالمجان لتقديم عروضنا".
آمال وطموحات
خلال زيارة DW عربية لأكاديمية بغداد للباليه التي يديرها مدرب الباليه ميسرة سلام التقينا بعدد من راقصات الباليه كن يتدربن على رقصات متنوعة لتقديمها خلال عرضهن القادم في شهر آب/أغسطس.
تقول الراقصة جود حيدر، وتبلغ من العمر 15 عاماً: "أحب الباليه، لكنه كفن لا يحظى بمقبولية اجتماعية. ولكن ورغم ذلك، أجد تشجيعاً كبيراً من عائلتي للاستمرار، لأنهم يعلمون مدى حبّي لهذا الفن". وتضيف جود: "ربما من الصعب أن أحقق طموحي كراقصة باليه في العراق، لكنني أفكر في أن أصبح مدرّبة يوماً ما، وأفتح أكاديميتي الخاصة".
أما الراقصة ليان محمد، البالغة من العمر 10 أعوام، فتُبيّن أنها استفادت كثيراً من وجودها في أكاديمية بغداد؛ إذ ساعدتها التدريبات على تطوير مهاراتها بشكل ملموس، وكانت قد انضمّت إلى الأكاديمية قبل عامين، على حد قولها. وتضيف ليان DW عربية: "أحلم بالاستمرار في رقص الباليه، وأن أصل يوماً إلى العالمية، وأرقص على مسارح كبرى حول العالم".
يتزايد عدد مدربي وراقصي الباليه في العراق يوماً بعد آخر، وتحظى العروض المسرحية للباليه بإقبال جماهيري ملحوظ؛ إذ سبق لـ DW عربية أن حضرت عدة عروض في بغداد، ولمست حجم التفاعل الكبير من الجمهور، ما يعكس تعطشاً مجتمعياً لهذا الفن الراقي".
تحرير: خالد سلامة