شعر عن الأخلاق وفي تهذيبها

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الثلاثاء، 15 يونيو 2021
مقالات ذات صلة
احاديث عن الاخلاق
فيديو لا أخلاقي يثير أزمة في البرلمان المصري
القيادة الأخلاقية للشركات.. إليك ما تحتاج إلى معرفته عنها

شكَّلت الأخلاق ومكارمها اهتماماً رئيسياً من اهتمامات الشِّعر العربي خاصَّةً القديم منه، فالكثير من شِعر الحكمة اهتم بالتنبيه إلى الأخلاق الحميدة وطريقة تنميتها والحفاظ عليها من الفساد.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

لكن هذا لا يعني خلوَّ الشِّعر الحديث من أبيات وقصائد عن الأخلاق! كما لا يعني خلوَّ أنواع القصائد المختلفة من الحكمة.

في هذه المادة جمعنا لكم طائفة من الأبيات والقصائد من أجمل ما قيل عن الأخلاق في الشِّعر العربي، وستجدونها مرتبة ضمن الفقرات التالية حسب الموضوع.

 

أبيات عن الأخلاق من شعر الحكمة

كما ذكرنا في المقدمة فإنِّ شعراء الحكمة اهتمُّوا بالأخلاق بشكل رئيسي، فتناولوا الخصال الحميدة التي يجب التمسك بها بمواجهة ما يجب التخلي عنه.

وتناولوا أهمية صيانة الأخلاق والتزيُّن بحميدها، فنراهم نزَّهوا كريم الأخلاق وفضَّلوه على الغني أو القوي أو الجميل...

يقول الإمام علي بن أبي طالب في الأخلاق ويحصي الكريم منها في تسعة رئيسية:

إنَّ المكارِمَ أخلاقٌ مطهَّرة فالدِّينُ أوَّلُها، والعَقْلُ ثَانِيها.

والعِلْمُ ثالِثُها، والحِلْمُ رابِعُها، والجود خامِسُها، والفَضلُ سَادِيها

والبرُّ سَابِعُها، والصَّبرُ ثامنها، والشُّكرُ تاسِعُها، واللِّينُ بَاقِيها

والنَّفسُ تَعلَمُ أني لا أصادِقها، ولست أرشدُ إلَّا حينَ أعصِيها

وتبدأ الأخلاق عند أبو العتاهية من التُّقى، حيث يقول:

أشدُّ الجِهَادِ جِهادُ الهَوى، ومَا كرَّمَ المرءَ إلَّا التُّقَى

وأخلاَقُ ذِي الفَضلِ مَعرُوفةٌ ببذلِ الجمِيلِ، وكفِّ الأذَى

وكُلُّ الفَكَاهاتِ ممْلُولةٌ، وطُولُ التَّعاشُرِ فيهِ القِلَى

وكلُّ طريفٍ لَهُ لَذَّةٌ، وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى

ولا شَيءَ إلَّا لَهُ آفَةٌ، ولاَ شَيءَ إلَّا لَهُ مُنْتَهَى

وليْسَ الغِنَى نشبٌ في يَدٍ، ولكنْ غِنى النَّفس كُلُّ الغِنى

فيما يعدُّ الشّاعر محمود سامي البارودي أربع خصال تفوق غيرها:

ألا، إنَّ أخلاقَ الرِّجالِ وَإنْ نَمَتْ؛ فأربعةٌ منها تفوقُ عَلى الكُلِّ:

وقَارٌ بِلاَ كِبرٍ، وصَفحٌ بِلاَ أذىً، وجُودٌ بِلاَ منٍّ، وحِلمٌ بِلاَ ذُلِ

فيما يربط أمين تقي الدين بين الأخلاق والمعرفة بل ويقرن تهذيبهما معاً، فيقول:

دُنياكَ ثنتانِ: أخلاقٌ ومعرفةٌ، فهذِّب العَقلَ والأخلاقَ في آنِ

كما يعتبر الإمام الشافعي من كبار شعراء الحكمة والأخلاق معاً، إذ يقول الشّافعي:

إذا رُمتَ أن تَحيا سَليماً مِنَ الرَّدى، ودِيُنكَ مَوفُورٌ وعِرضُكَ صَيِّنُ

فلاَ يَنْطقنَّ مِنْكَ اللِّسَانُ بِسوأةٍ، فَكلُّكَ سَوءاتٌ ولِلنَّاسِ أعْينُ

وعَاشِرْ بمَعرُوفٍ، وسَامِحْ مَنِ اعتَدَى، ودافع ولكن بالَّتي هي أحسَنُ

ويقول علي بن الجهم في الأخلاق:

هِيَ النَفسُ ما حَمَّلتَها تَتَحَمَّلُ وَلِلدَّهرِ أَيّامٌ تَجورُ وَتَعدِلُ

وَعاقِبَةُ الصَبرِ الجَميلِ جَميلَةٌ وَأَفضَلُ أَخلاقِ الرِجالِ التَفَضُّلُ

الأخلاق عند أبي الطيب المتنبي تظهر حقيقة سلوك النّاس، حيث يقول في هجاء كافور المبطَّن:

إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى فَلا الحَمدُ مكسوباً ولا المالُ باقِيَا

وللنَّفـسِ أخْلاقٌ تَدُلُّ على الفَتَى أكـانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا

رحلة الشَّاعر إيليا أبو ماضي للبحث عن مكارم الأخلاق والخير في النَّاس:

ذهبتُ مُسائلاً عن خَير شيء لأعرفَ كُنهَ أخلاقِ البريَّةْ

فقالتْ لي الكنيسة: خيرُ شيءٍ هو الزُّهدُ الَّذي يمحو الخَطيَّةْ

وقالت لي الشَّريعة: خيرُ شيءٍ شُمولُ العَدلِ أبناءَ الرَّعيَّةْ

وقال الجنديُّ: الشُّهرة خير وإن كانَتْ تقود إلى المنيَّةْ

وقال أخو الحصافةِ: خيرُ شيءٍ هو الحقُّ المبين بلا مَريَّةْ

وقالَ أخو الجَهالةِ: خيرُ شيءٍ سُرورُ النَّفسِ في الدُّنيا الدَّنيَّةْ

وقال لي الفَتى: وَصلُ الصَّبايا وقالت لي "الهوى" البنتُ الصَّبيَّةْ

ولمَّا أن خلوتُ سألتُ نَفسي لأعرِفَ رأيها في ذِي القضيَّةْ

فقالت: لا أرى خيراً أبقَى مِن الإحسانِ للنَّفسِ الشَّقيَّةْ

مصطفى صادق الرافعي والأخلاق

فلا تتقاعدْ إن تلحْ لك فرصةٌ ولا تزدرِ الشيءَ الحقيرَ وإن هانا

ولا تعدُ أخلاق الكرام فإنما بأخلاقه الإنسانُ قد صار إنسانا

 

شِعر عن تهذيب الأخلاق

وقد أعطى الشُّعراء لتهذيبِ الأخلاق وتنميتها مساحة في قصائدهم، واختلفت طريقة تعبيرهم عن أهمية تهذيب الأخلاق فلكل منهم رأي، وكما يقول أبو تمام:

فلم أجدِ الأخلاقَ إِلا تخلُّقاً ولم أجدِ الأفضالَ إِلا تَفَضُّلا

ويرى الشّاعر معروف الرصافي الأخلاق كالنبات والمزروعات لا بد من الاعتناء بها وسقايتها، كما يرى أنَّ الأمَّهات هنَّ من تقع عليهنَّ مسؤولية التهذيب بالدرجة الأولى.

يقول معروف الرصافي

هي الأخلاقُ تنبتُ كالنَّبات إذا سُقيتْ بَماءِ المَكرُماتِ

تقومُ إذا تَعهدها المُربي عَلى سَاقِ الفَضيلةِ مُثمِراتِ

وتسمو للمكارِمِ باتساقٍ كَما اتسَقَتْ أنابيبُ القَناةِ

وتُنعِشُ مِن صَميمِ المَجدِ رُوحاً بأزهارٍ لَها مُتضوِعاتِ

ولَم أرى للخلائقِ مِن مَحلٍّ يُهذِّبُها كحِضنِ الأمَّهاتِ

فحضْنُ الأمّ مَدرسةٌ تَسامَتْ بتربيةِ البَنينِ أو البناتِ

وأخلاقُ الوَليدِ تُقاسُ حُسناً بأخلاق النِّساءِ الوَالِداتِ

وليسَ ربيبُ عاليةِ المزايا كمِثلِ رَبيبِ سَافلة الصِّفاتِ

ولَيسَ النَّبتُ يَنبتُ في جِنانٍ كمِثلِ النَّبتِ يَنبتُ في الفَلاةِ

فيا صَدرَ الفَتاةِ رَحُبتَ صَدراً فأنتَ مَقرُّ أسنَى العَاطِفات

لأخلاق الصَّبي بكَ انعكاسٌ كما انعكسَ الخَيالُ عَلى المِراةِ

والعِلمُ هو مهذِّب الأخلاق عند محمد مهدي الجواهري:

يا عِلْمُ قد سَعدتْ بِكَ الأوطانُ فليسمو مِنكَ عَلى المدَى سُلطانُ

وليسقِ حبَّيكَ العِراقَ ليشتَفي مِنهُ الغَليلُ ويرتَوي الظَّمآنُ

هذِّب لنا أخلاقَ أهليه فقَد غشّى عَليها الجَهلُ والعِدوانُ

يا أيُّها النشأ الجديدُ تسابُقاً بالعِلم إنَّ حياتكم ميدانُ

والأخلاق تقيم العزَّ للأوطان كما يَرى أحمد محرم:

هَلموا فصونوا للكِنانةِ مَجدها وكُونوا لَها الجندَ الَّذي ليسَ يرهَبُ

أقيموا عَلى الأخلاقِ بُنيانَ عِزِّها فقدْ هَجعَ البانِي وهبَّ المُخرِبُ

أمَّا الشَّاعر أحمد شوقي فيطلب منا أن نقف أمام خلية النحل لنعرف أي إنجاز هي الأخلاق في الجماعات:

مَملَكةٌ مُدبَّرةْ، بامرأةٍ مُؤَمَّرةْ، تَحمِلُ في العُمّالِ والـصُّنّاعِ عِبءَ السَّيطرةْ

فَاعجَب لِعُمَّالٍ يُوَلونَ عَلَيهِم قَيصرةْ!، تحكُمهمْ راهِبَةٌ ذَكّارَة مُغبِّرَةْ

عاقِدَةٌ زُنَّارَها، عَن ساقِها مُشَمِّرَةْ، تلثَّمتْ بِالأرجُوانِ وارتَدتهُ مِئزَرَةْ

وارتَفعَت كأنَّها شَرارةٌ مُطَيَّرَةْ، ووقعتْ لَم تَختَلِجْ، كأنَّها مُسمَّرةْ

مخلوقَةٌ ضعيفَةٌ مِن خُلُقٍ مُصَوَّرةْ، يا ما أقلَّ مُلكَها، وما أجَلَّ خَطَرَه

قِف سائِلِ النَّحلَ بِهِ بِأَيِّ عَقلٍ دَبَّره، يُجِبكَ بِالأَخلاقِ وهيَ كالعُقولِ جَوهرةْ

تُغني قُوى الأَخلاقِ ما تُغني القُوى المُفَكِّرَةْ، ويَرفَعُ اللهُ بِها مَن شاءَ حَتَّى الحَشَرةْ

أَلَيسَ في مَملَكَةِ النَّحلِ لِقَومٍ تَبصِرَةْ!، مُلكٌ بَناهُ أَهلُهُ بِهِمَّةٍ ومَجدَرَةْ

كما أنَّ الشَّاعر جميل الزَّهاوي يرى أن النَّقد يصون الأخلاق ويحافظ على مكارمها:

ربَّ أخلاقٍ صانَها من فسادٍ خوفُ أصحابِها من النُّقادِ

وإِذا لم يكنْ هنالكَ نقدٌ عمَّ سوءُ الأخلاقِ أهلَ البلادِ

 

أبيات عن أخلاق الأصدقاء

ومن البديهي أنَّ الإنسان لا يمكن أن يعيش وحيداً بمعزل عن النَّاس، فهو على احتكاكٍ دائمٍ مع الزملاء والأقارب والأصدقاء.

لكن لا بد أن يتخذ من هم بأخلاقه أخلاء وأصدقاء، أو من هم أحسن وأرفع منه خُلُقاً طمعاً ليتعلم منهم، وإن كان يثق بقدراته على التأثير وحماية نفسه من الفساد فليتخذ من هم دونه خُلُقاً طمعاً بفائدتهم.

فالأخلاق مُعدية وخاصَّة أخلاق الجاهل والسَّفيه كما يقول المعري:

ولا تجلِسْ إلى أهلِ الدَّنايا؛ فإنَّ خَلائقَ السُّفَهاءِ تُعدي

ويقول عدي بن يزيد

اجتنبْ أخلاقَ مَن لم ترضَهُ، لا تُعِبهُ ثم تقفو في الأثَرْ!

كما يشير الإمام علي بن أبي طالب إلى قيمة الأخ والصديق الخلوق وحلاوة صحبته:

أخٌ طَاهِرُ الأَخلاقِ عَذبٌ كأنَّهُ جَنى النَّحلِ مَمزوجاً بماءِ غَمَامِ

يَزيدُ علَى الأيَّام فَضلَ مَودَّةٍ، وشِدَّةَ إِخْلاَصٍ، ورَعيَ ذِمَامِ

كما يؤكد محمود سامي البارودي على مصاحبة من يشبهنا في خُلقه وطباعه؛ فيقول:

لَعَمرُكَ مَا الأخلاقُ إِلا مَوَاهِبٌ مقسمةٌ بينَ الورى وفَواضِلُ

وما النَّاسُ إلا كادحانِ: فعالمٌ يَسيرُ عَلى قصدٍ، وآخر جَاهِلُ

فذو العِلمِ مأخوذٌ بأسبابِ علمهِ، وذُو الجَهلِ مَقطُوعُ القَرِينَةِ جَافِلُ

فلا تطلبنَّ في النَّاس مثقالَ ذَرةٍ مِنَ الوُدِّ؛ أمُّ الوُدِّ في النَّاسِ هَابِلُ

مِنَ العَارِ أنْ يَرضَى الفَتَى غَيرَ طَبعهِ، وأنْ يَصْحبَ الإِنسانُ مَن لا يُشاكِلُ!

ويحاول ابن الرومي أنَّ يميِّز أخلاق الكِرام ويتَّخذها كما يُفصَل الزُّبد عن الحليب بكيس الجِلد "المخَضّ":

أميِّزُ أخلاقَ الكِرامِ فأصطَفي كَرائمها والزُّبدُ يُنْزعُ بالمخضِّ

وأتركُ أخلاقَ اللئامِ لأهلِها وأرفُضُها مَذمومةً أيَّما رَفضِ

إذا ضاقَتْ الأخلاقُ أفضتْ خلائقي إلى سعةٍ، مثلي إلى مِثلها يُفضي

أمَّا الشَّاعر محمد حسن أبو المحاسن فيفتخر بـأخلاقه التي تجعله أهلاً للصداقة والمجالسة:

وعِندي مِن الأخلاقِ ما لا يذمُّهُ جَليسٌ ولا يَخشَى بَوادِرهُ الخلُّ

وأكرمُ أخلاقِ الفَتى البأس، والنَّدى، وألأمها جبنُ النَّقيبةِ والبُخلُ

 

وقد لا تكون الأخلاق ثابتة دائماً فربما تشهد تغيراً مؤقتاً أو دائماً

ليس جدالاً يسيراً الحديث عن استقرار الأخلاق وقابليتها للتبدل وفقاً للظروف، ومن المعروف أنَّ هذه القضية شغلت الفلاسفة بين أنصار الأخلاق المطلقة وأنصار الأخلاق النسبية، لكننا في مقامنا هذا نتحدثُ شِعراً...

يقول الأعور الشني وتنسب للمخضع النبهاني بتأييد لاستقرار الأخلاق على ما يكتسبه الإنسان في نشأته:

ومن يقترفْ خُلقاً سِوى خلقِ نفسهِ يدعْهُ وتغلبْهُ عَليهِ الطَّبائعُ

وأَدوَمُ أخلاقِ الفتى ما نَشا به، وأقصرُ أفعالِ الرِّجالِ البدائعُ

فيما يرى جميل صدقي الزَّهاوي أنَّ الأخلاق محكومة بالبيئة متغيرة بتغيرها...

مِن البيئةِ الأخلاقُ تَنشأُ في الفَتى؛ فتِلكَ بِهِ في كُلِّ يَوم تؤثِّرُ

إِذا بيئةُ الإنسانِ يَوماً تغيَّرتْ؛ فأخلاقُه طِبْقاً لها تَتَغيَّرُ

أمَّا أبو عبادة البحتري فيرى أنَّ لتبدل أخلاق الكريم مقدمات تجعله لئيماً:

فَما خَرْقُ السَّفيهِ وإنْ تَعدَّى بأبلَغَ فيكَ مِنْ حِقدِ الحَليمِ

متى أحرَجتَ ذا كرمٍ تخَطَّى إلَيكَ ببَعضِ أخْلاقِ اللَّئيمِ

ولا بد أن نقف مع الشاعر أبو نواس وهو يرى تبدُّلَ الأخلاق بعد أن تفعل ابنة العنقود بالرِّجال فعلها، لكنَّ الكريم يبقى كما هو صاحيّاً وسكرانا؛ يقول أبو نواس:

أرى الخَمرَ تُرْبي في العُقولِ فتَنتَضي كَوامِنَ أخْلاقٍ تُثِيرُ الدَّواهِيَا

تزيدُ سَفيهَ القَومِ فضلَ سَفاهَةٍ وتتـرُكُ أخـلاقَ الكَـريـمِ كمَـا هِيَـا

وجَدتُ أقلَّ النَّاسِ عَقلاً، إذا انتشَى، أقلَّهُمُ عقلاً إذا كانَ صاحِيَا

كما سنجد محمود سامي البارودي أكثر غضباً من تبدل الأخلاق وتغير الطباع حوله:

وغَدَوتُ حَرَّانَ الفؤَادِ كأنَّما ضاقَت عليَّ برحبِها الآفاقُ

نَفِسَت عليَّ بَنو الزَّمانِ شَمائلِي فَلَهُم بذلِكَ خِفةٌ ونزَاقُ

حَسِبوا التَّحولَ في الطِّباعِ خَليقةً، وتحوُّلُ الأخلاقِ لَيسَ يُطاقُ

تَالله أَهدَأُ أو تَقُوم قِيامةٌ فيها الدِّماءُ عَلى الدِّماءِ تُراقُ

لكن أبو العلاء يرى أنَّ النَّاس جميعهم سيئو الأخلاق، ويبدأ بنفسه:

إن مَازتْ النَّاسَ أخلاقٌ يُعاشُ بها، فإنَّهم عِندَ سوءِ الطَّبع أسواءُ

أو كانَ كُلُّ بني حَوَّاءَ يُشبهني، فبئسَ ما وَلدَتْ في الخَلقِ حَوَّاءُ

بُعدي مِن النَّاسِ بَرءٌ من سقَامِهمُ، وقربُهم للحِجى والدِّين أدواءُ

 

أخلاق المحبين والعشاق

وليس العشاق على حد سواء في أخلاقهم، فالوفاء والصدق زينة العاشق أما الغدر والكذب فشيمة النذل، لذلك نجد الشُّعراء يتغنون بأخلاقهم في المحبة والهوى ويعتزون بها.

كما أنَّهم يرون في الأخلاق والشيم مكامن العشق كما يقول صفي الدين الحلي:

عَشقتُكُم لخِلالٍ كنتُ أعرفهُا، وإنَّما تُعشَقُ الأخلاقُ والشّيَمُ

يقول بهاء الدين زهير عن أخلاقه في الغرام:

ولي في الحُبِّ أخلاقٌ كِرامٌ فسَل مَن شئتَ عني وامتَحِنّي

وحيثُ يكونُ في الدُّنيا وفَاءٌ هنالكَ إن تَسَلْ عني تَجِدني

حَبيبي مَن أكونُ لهُ حبيباً، ويجزيني الوفَا وَزناً بوَزنِ

ولستُ أرى لمن هو لا يراني هَواناً بالهَوَى كم ذا التَّجَنِّي

أما الشَّاعر إبراهيم الأسود فيرى أنَّ قتل نفس العاشق من مكارم الأخلاق عند النساء الحسان! حيث يقول:

كان عهداً نَقشنَهُ في فؤادي، في زمانٍ مُذهَّبٍ بَرَّاقِ

ثمَّ لمَّا نَقضنَهُ وافتَرَقنا؛ مَسَحتْهُ الدُّموعُ مِن آماقي

قَتلُ نفسٍ في مَذهبِ الغيدِ أمرٌ هو إحدى مَكارِم الأخلاقِ

هُنَّ أذكَيْنَ في حشايَ سَعيراً لم يُبالينَ لَوعتي واحتراقي

ويقول الشاب الظريف:

لا تُخْفِ ما صَنَعتْ بكَ الأشواقُ، واشرَحْ هَواكَ فكلُّنا عُشَّاقُ

قد كانَ يخفى الحُبُّ لولا دمعكَ الجَارِي، ولولا قَلبكَ الخَفَّاقُ

فعَسَى يُعينُكَ مَنْ شَكوتَ له الهَوى في حَملِهِ فالعَاشِقُون رِفَاقُ

لا تجزَعنَّ فَلَستَ أولَ مُغرَمٍ فَتكَتْ بِهِ الوَجْنَاتُ والأحدَاقُ

واصبر على هجرِ الحَبيبِ فَرُبَّما عَادَ الوِصالُ وللهَوَى أخلاقُ

أمَّا حمزة شحاتة فله عتب آخر؛ فإن كان الجفا أو التكبر قد منع السَّلام أفلا يُحتَرم واجب الأخلاق؟!

إذْ تهاديْتَ مُبدِلاً نظرةَ العطفِ بأخرى قَليلةِ الأشواقِ

وتهيَّأتَ للسَّلامِ ولم تفْعل، فأغريتَ بي فُضُولَ رِفاقي

هبْكَ أهملتَ واجبي صَلَفًا منكَ، فما ذنبُ واجبِ الأخلاق؟

واعترى قلبَكَ الملالُ فأعرضْتَ، فهلا انتظرتَ يومَ الفراق؟

 

الأخلاق والأمم

ولطالما ربط الشُّعراء بين نهضة الأمم ونهضة الأخلاق فيها معتبرين أن الأخلاق المحرك الأساسي لهذه النهضة، وإن كنا نرى أن هذه النظرة مثالية جداً لكننا لا ننكر الدور الذي تلعبه الأخلاق بنهضة الأمم.

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي مؤكداً أن في سلامة الأخلاق سلامة الأمة كلها:

صَبراً عَلى الدَّهرِ إِن جَلَّت مَصائِبُهُ إِنَّ المصائِبَ مِمَّا يوقِظُ الأُمَما

إِذا المَقاتِلُ مِن أَخلاقِهِم سَلَمَت؛ فكلُّ شَيءٍ على آثارِها سَلَما

وإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت فإِن تَولَّت مَضَوا في إِثرِها قُدما

كما يضيف شوقي في موضع آخر:

ولَيسَ بعامِرٍ بُنيانُ قَومٍ إِذا أخلاقُهُمْ كانَت خَرابا

ويربط محمد الأسمر المصري مصير الأمم بأخلاقها، فيقول:

لعمري ما الأخلاقُ في أمةٍ سوى أصولٍ لما كانتْ به تَتَكيَّفُ

وما أمةٌ إِلا لها في اجتماعِها مَصِيراً على أخلاقِها تتوَقَّفُ

أمَّا البحتري فيرى أنَّ الأخلاق هي موطن التنافر أو التقارب بين الأمم، فيقول:

إذا تَشاكَلَتْ الأخلاقُ واقتَرَبتْ دَنَتْ المسافَةُ بينَ العجمِ والعربِ

ويقول الطهطاوي في الأخلاق

وإن ترْم سرور أمٍ أو أبِ يوما فكسْبُ العلم خيرُ مكسبِ

من رام عند الناس طُرّاً أن يُحب فليلتزم حُسنَ السلوك والأدب

وأن يكون طيبَ السريره مهذبَّ الأخلاق زاكي السيره

من رامَ بين العالم ارتفاعه فلْيلزم العفةَ والقناعه

 

في الفقرة الأخيرة نترككم مع مجموعة من الأبيات عن الأخلاق ومعناها وقيمتها

يقول أبو تمام في الأخلاق:

وإِني رأيتُ الوَسْمَ في خُلُقِ الفتى هو الوسمِ، لا ما كانَ في الشعرِ والجلدِ

ويقول محمود الأيوبي في الأخلاق:

والمرءُ بالأخلاقِ يسمو ذكْرهُ وبها يُفضلُ في الورى ويوقرُ

كما يقول حافظ إبراهيم عن الأخلاق:

إِني لتطربُني الخِلالُ كريمةً طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ

ويَهزُّني ذكْرُ المروءةِ والنَّدى بين الشَّمائلِ هزَّةَ المشتاقِ

فإِذا رُزقتَ خَليقةً محمودةً فقد اصطفاكَ مقسِّمُ الأرزاقِ

والنَّاسُ هذا حظُّه مالٌ وذا علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ

فيما يعتقد جميل صدقي الزهاوي أنَّه لا يوجد روابط بين الأخلاق والذكاء والعلم:

لم يكنْ من تلازمٍ بين أخلاقِ البرايا وعلمِهم والذكاءِ

ويقول ابن زريق البغدادي:

خالقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ لا تكنْ كلباً على الناسِ يهرْ

والقهمْ منكَ ببشرٍ ثم صنْ عنهمُ عرضَكَ عن كلِّ قَذرْ

عن الأخلاق في الغنى والفقر يقول ابن جرير الطبري:

خُلقان لا أرضَى طريقَهما: تيهُ الغِنَى ومذلَّةُ الفقرِ

فإِذا غنيتَ فلا تكُنْ بِطَراً، وإِذا افتقرْتَ فتِهْ على الدَّهرِ

واصبرْ فلستَ بواجدٍ خُلُقاً أدنى إِلى فَرَجٍ من الصبرِ

والجمال هو جمال الخلق عند مسعود سماحة:

جمالُ الخُلق أفضلُ من جَمالٍ يغطي قبحَ خلقٍ في مليحِ

فكمْ من سوءِ خلقٍ في جميلٍ وكم من حُسْنِ نفسٍ في قبيحِ

وأخلاق النَّاس ليست واحدة وإن تشابهت أشكالهم، يقول أبو يعقوب الخريمي:

النَّاسُ أخلاقُهم شتَّى وإِن جُلِبوا على تشابهِ أرواحٍ وأجسادِ

للخيرِ والشرِّ أهلٌ وُكِّلوا بهما كُلٌّ لهُ من دواعي نفسِه هادِ

ختاماً... وصلنا معكم إلى نهاية هذه المادة وقد جمعنا لكم أجمل ما قيل من الشعر عن الأخلاق وتهذيبها، كما تعرفنا وإياكم إلى وجهات نظر مختلفة عن تأثير الأخلاق في حياة الأفراد والمجتمعات.

فضلاً عن وجهات النظر حول ثبات الأخلاق وتغيرها مع تغير الظروف.