شعر عن البحر وأجمل قصائد عن البحر والحب لنزار قباني والمتنبي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
جولة بحرية حول البحر المتوسط
عزة البحرة
شعر عن الأم. تعرف على أجمل القصائد عن الأم الحبيبة 2022

يشكِّل البحر وأحواله رمزاً من رموز الشِّعر الغنية، فلا عجب أن يسمّي جبران خليل جبران أحد أجمل كتبه "رمل وزبد"، وسنرى في ما يلي كيف أنَّ البحر يعبِّر عن مشاعر مختلفة ويختزل الكثير من المعاني وإن كانت متناقضةً أحياناً...

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

رمزية البحر في الشِّعر العربي

البحر في الشِّعر قد يدلُّ على الضياع في الشيء والانغماس به، ومنه قول الحلاج:

إلى كَمْ أنتَ في بَحرِ الخَطايَا تُبارِزُ مَن يَراكَ ولا تَـراه.

والبحر أيضاً وغالباً ما يدل على الوفرة والكثرة والعظمة، ومنه قول أبي فراس الحمداني:

مِن بَحرِ شِعْرِكَ أغتَرِفْ، وبفَضلِ عِلمِكَ أعترفْ

أنشدتني؛ فكأنَّمَا شَقَقتَ عَنْ دُرٍّ صَدَفْ

وسنجد العديد من الأمثلة المشابهة لهاتين الحالتين ولحالات أخرى، فيقال بحر المعرفة أو بحر الظلمات أو بحر المنايا...إلخ، سنمرُّ من خلال هذه المادة على أشكال مختلفة لاستخدام رمز البحر وتشبيه الأشخاص والأشياء بالبحر وأحواله.

وسنتناول في الفقرات القادمة أجمل ما قيل عن البحر بحسب الموضوع.

يقول عنترة بن شدَّاد:

تَخافُ عَليَّ أنْ ألقَى حِمامي بطعنِ الرُّمحِ أو ضَربِ الحُسامِ

مَقالٌ لَيسَ يَقبَلُهُ كِرامٌ ولا يَرضى بِه غَيرُ اللِّئامِ

يَخوضُ الشَّيخُ في بَحْرِ المنَايا ويَرجعُ سَالماً والبَحرُ طَامِ

شعر البحر والحب

يهيمُ العَاشقونَ كأنَّهم في عَرض البحر تتقاذفهم أمواجه، فمنهم الباحث عن الشاطئ ومنهم المستسلم لهذا الضياع، ومنهم من يرى نفسه طائراً بحرياً يقف على شباك من يحب...

يقول بدر شاكر السَّيَّاب:

أطِلي فشبَّاككِ الأزرَقْ... سَماءٌ تَجوعْ

تبيَّنتُهُ مِن خِلال الدُّموعْ

كأنيّ بي ارتجفَ الزَّورقْ

إذا انشقَّ عَن وجهِك الأسمرْ، كما انشقَّ عَن عَشتروتَ المحارْ

وسارت مِن الرَّغو في مِئزرْ، ففي الشَّاطئين اخضِرارْ

وفي المرفأ المُغلقْ، تُصلِّي البِحارْ

كأنيَ طائرُ بحرٍ غَريبْ، طَوىَ البَحرَ عِندَ المَغيبْ

وطافَ بشبَّاككِ الأزرقْ

يريد التجاء إليه، مِن اللَّيل يربدُّ عَن جَانبيهْ

فلَمْ تفتَحي.... ولَو كَانَ مَا بينَنا مَحضُ بابْ

لألقيتُ نَفسي لَديكِ، وحَدقتُ في نَاظريكِ

والشَّاعر مسلم بن وليد الأنصاري (صريع الغواني) يستغيث من يحب لينقذه من الغرق في بحر الحبِّ، فلا يجد مجيباً:

طَفوتُ على بَحرِ الهَوى فَدعوتُكم دُعاءَ غَريقٍ ما لَهُ مُتعَوَّمُ!

لِتَستَنقذوني أو تُغِيثوا بِرحمَةٍ فلمْ تَستَجيبوا لي ولَم تتَرَحَّموا!

ركِبتُ على اسمِ اللهِ بَحرَ هَواكُمُ فَيا رَبّ سَلِّم؛ أنتَ أنتَ المُسلِّمُ

تَعَلَّقتكُم مِن قَبلِ أنْ أعرِفَ الهَوى؛ فَلا تَقتُلوني إِنَّني مُتَعلِّمُ

حَججتُ معَ العُشاقِ في حجَّةِ الهَوى وإِنّي لفي أَثوابِ حُبِّكِ مُحرِمُ

أمَّا الشَّاعر حمد العصيمي فيرى في نفسه زورقاً ضعيفاً في بحر من يحب؛ يقول:

مَن أنتِ؟ هلْ أنتِ بَحرٌ لا حُدودَ لَهُ؟ وهلْ أنا سِندِبادٌ ملَّهُ السَّفرُ؟!

ماذا أُسميّكِ، لا الأسماءُ تُقنعني ولا التَّصاويرُ، لا تُغريني الصوَّرُ

أنا هُنا زَورقٌ والضَّعفُ أشرعَتِي والرَّيحُ عاصفةٌ والموجُ مُقتدِرُ

فالعابِرونَ عبابَ البَحرِ قَد فُقدوا، لَو أنَّهم عَلِموا ما البَحرُ ما عَبروا

إنْ كُنتِ لي قدري فالأمرُ مختلفٌ، وسَوف أمضي فهل قد أخطأ القدرُ!.

ويهيم مصطفى لطفي المنفلوطي في بحر حبٍّه فيقول:

كَأني في جَوِّ الصَّبابةِ رِيشةٌ بأيدي السَّوافي مَالَها الدَّهرُ مَوقِعُ

كأني في بَحرِ الهُيامِ سَفينةٌ أحاطَ بِها مَوجُ الرَّدى المُتَدفِّعُ

فمهلاً رُويداً أيُّها اللَّائم الذي يُجرِّعُني في لَومِهِ مَا يُجرِّعُ

نَصحتَ فَلم أسمَع وقُلتَ فلمْ أُطِع فمَا نُصحُ حُبٍّ لا يُطيعُ ويَسمَعُ

فيَا حَبَّ هَذا القَول لو كان مُجدِياً ويا نِعمَ ذاكَ النُصح لو كانَ يَنفَعُ

كما قد تبدو طباع الحبيب متقلبة كطباع البحر، غادرةً ربما كالبحر، يقول الشَّاعر طلعت سفر:

بَريقُ عَينيكِ أغرانِي وحيَّرَني حتَّى لَبستُ الأمانِي كَيفمَا اتَفَقا

أحلى قُصور المُنى وعدٌ يعمرِّها وتَخلِفينَ؛ فيذروها الجَفا مِزَقا

ألمُّ أشَتَاتَها صَبّاً وأمسَحُها لعلَّها تَكتَسي مِن نظرةٍ رَمَقا

يَكسو رِضاكِ براري مُهجَتي فَرحاً ويُشعِلُ اللَّومُ في أجفانيَ الأرَقا

مسكونةٌ بمزاجِ البَحرِ غَاليتي كأنَّما البَحرُ في عَينيكِ قَد غرِقا

البحر والحب عند الشَّاعر لطفي زغلول

لأنَّكِ بَحرٌ بِلا أيِّ شَطٍّ، بلا أيِّ حَدِّ

نَزلتُ أُغالِبُ أَموَاجَهُ العَاتِيَاتِ، بِجَزرِي ومَدِّي

أُجَذِّفُ لَيلاً نَهارا.... فَأُنهِي مَسارَاً وأبدَأُ حَالَ انْتِهائِي مَسارَا

أَحُطُّ عَلى قَمرٍ خَلفَ هَذا المَدى يَتَوارى

وحِينَاً عَلى نَجْمةٍ أسْفَرَت وَجْهَهَا وتَعَرَّت جِهَارَا

وحِينَاً علَى جُزُرٍ بدَأَت مَوسِمَ الاصْطِيافِ

وعِيدَ قِطَافِ الرُّؤى والقَوَافِي

لأنَّكِ بَحرٌ هَجَرتُ البِحَارَا، وأعلَنتُ:

لا بَحرَ إلاَّكِ يُبْحِرُ فِيهِ شِرَاعِي، ويَرتَادُهُ فِي المَدارِ مَدارَا

الشَّاعر البحَّار فاروق جويدة

عَيناكِ بَحرُ النُّورِ

يحملني إلى زمنٍ نَقي القَلبِ مَجنونِ الخَيالْ

عيناكِ إبحارٌ، وعودةُ غائبٍ

عيناكِ توبةُ عَابدٍ وقفتْ تصارعُ وحدها شَبحَ الضَّلالْ

بحار الحبِّ وقصائد نزار قباني

آهٍ كَم هو مُتعِبٌ أنْ أتغزَّلَ بعينيكِ وأنا تَحتَ الحِراسَةْ

وأتجوَّلَ في لَيلِ شَعركِ وأنا تحت الحِراسَةْ

آهٍ كم هو مُتْعِبٌ أن أحبَّكِ بين فَتحتَين، أو هَمْزَتَين، أو نُقْطَتَيْنْ

فلماذا لا نرمي بأنْفُسِنا من قطار اللغَهْ.؟

ونتكلَّم لغة البحرْ؟

(...)

هَل تَدخلينَ مَعي في احتمالات اللَّونِ الأزرَقْ

واحتمالات الغَرَقِ والدُوارْ، واحتمالات الوَجهِ الآخرِ للحُبّْ

لقد دمَّرتْني العَلاقةُ ذاتُ البُعْدِ الوَاحدْ

والحِوارُ ذو الصَّوت الوَاحدْ

والجِنْسُ ذو الإيقاع الواحدْ

فلماذا لا تَخلعينَ جِلدَكِ وتَلبسينَ جِلدَ البَحرْ؟

من قصيدة أحبك جداً لنزار قباني

أحبُّكَ جِداً...

وأعرفُ أني أسافرُ في بَحرِ عَينيكِ دونَ يقينِ

وأتركُ عقلي ورائي وأركضُ... أركضُ... أركضُ خلفَ جُنونِي

أيا امرأة تُمسكُ القَلبَ بينَ يَديِها سَألتكِ باللهِ لا تَترُكيني

لا تتركيني، فماذا أكونُ أنا إذا لمْ تَكوني؟!

نزار قباني والقصيدة البحرية

في مَرفأ عينيكِ الأزرقْ...

أمطارٌ من ضوءٍ مَسموعْ، وشُموسٌ دَائخةٌ وقلوعْ

ترسمُ رحلَتها للمُطلقْ

في مرفأ عينيك الأزرق...

شباكٌ بحريٌّ مفتوحْ، وطيورٌ في الأبعادِ تَلوحْ

تبحثُ عنْ جُزرٍ لم تخلقْ

في مرفأ عينيكِ الأزرقْ

يتساقَطُ ثلجٌ في تَموزْ، ومراكبُ حُبلى بالفَيروزْ

أغرقت الدُّنيا ولم تَغرقْ

في مرفأ عينيكِ الأزرقْ

أركضُ كالطِّفلِ عَلى الصَّخرِ، أستنشِقُ رائحةَ البَحرِ

وأعودُ كعصفورٌ مُرهقْ

في مرفأ عينيكِ الأزرقْ

أحلمُ بالبحرِ وبالإبحار، وأصيدُ ملايينَ الأقمار

وعقودَ اللؤلؤ والزَّنبقْ

في مرفأ عينيكِ الأزرقْ

لو أني... لو أني بَحَّار، لو أحد يمنَحني زَورقْ

أرسيتُ قلوعي كلَّ مَساءٍ في مَرفأ عينيكِ الأزرقْ.

الحبُّ إبحارٌ بعكس التيار عند نزار قباني:

مُرهقةٌ أنتِ وخائفةٌ، وطويلٌ جداً مشواري

غوصي في البحر أو ابتعدي لا بحرٌ من غيرِ دوارِ

الحبُّ مواجهةٌ كبرى، إبحارٌ ضدَّ التيارِ

صَلبٌ.. وعذابٌ.. ودموعٌ ورحيلٌ بينَ الأقمارِ..

التيه في بحر النساء!

ماذا أخافُ؟ ومَنْ أخافُ؟ أنا الذي نامَ الزمانُ على صَدى أوتاري

وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي مِن قبل بَشَّارٍ ومِن مِهْيَارِ

وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً، وجعلتُهُ ثمَراً على الأشجارِ

سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ من يومِهَا مقطوعةً أخباري

ومن أشهر قصائد نزار قباني عن الإبحار في الحب قوله:

لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً ما أبحرت

لو أنِّي أعرفُ خاتمتي ما كنتُ بَدأت

اشتقتُ إليكَ؛ فعلِّمني أن لا أشتاقْ

علِّمني كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماقْ

علِّمني كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداقْ

علِّمني كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواقْ

إن كنتَ نبياً خلصني من هذا السِّحر

من هذا الكفر... حبُّكَ كالكفر فطهرني مِن هذا الكفر!

إن كنتَ قويَّاً أخرجني من هذا اليَمّ

فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم

الموجُ الأزرقُ في عينيك يُجرجِرُني نحوَ الأعمقْ

وأنا ما عندي تجربةٌ في الحب.. ولا عندي زورقْ

إن كنتُ أعزُّ عليكَ فخذ بيدي

فأنا عاشقةٌ من رأسي حتَّى قدمي

إني أتنفَّسُ تحتَ الماء، إنِّي أغرق... أغرق... أغرق.

أبيات حزينة في الحوار مع البحر

يبثُّ الشعراء آلامهم في أذن البحر فيجدون فيه مستمعاً ممتازاً لما يجول في خاطرهم، بل إنَّهم يطلبون منه أن يمنحهم القوة التي يتميز بها، يقول ابراهيم ناجي:

هوَ روحِي الَّذي يُحاكيكَ يَا بَحر، ويَخشَى قَلبَي الجَزوع أذَاكا

ضَعضَع الجِسمُ عَزمَ روحي المُعَنَّى، يا أخَا الرُّوحِ بُثَّ فيه قواكا

في واحدة من أكثر قصائده شهرة "الطلاسم" يتحدث الشَّاعر إيليا أبو ماضي مع البحر؛ فيقول:

قدْ سألتُ البَحرَ يوماً هلْ أنَا يا بحرُ مِنكَ (ا)؟

هلْ صحيحٌ ما رَواهُ بَعضهم عَني وعَنكَا؟

أمْ تُرى ما زَعموا زُوار وبهتاناً وإفكا؟

ضَحكتْ أمواجُه مني وقالتْ:

لَستُ أَدري!

أيُّها البَحرُ أتدرِي كَمْ مَضتْ ألفٌ عَليكا؟!

وهَلْ الشَّاطئ يَدري أنَّه جَاثٍ لديكا؟!

وهَلْ الأنهارُ تَدري أنَّها مِنكَ إليكا؟!

ما الذي الأمواجُ قَالتْ حِينَ ثَارتْ؟

لَستُ أدري!

أنتَ يا بَحرُ أسَيرُ آه، ما أعظم أسرَكَ

أنتَ مِثلي أيُّها الجَبارُ لا تملِكُ أمرَكَ

أشبَهتْ حَالكَ حالي وحَكَى عُذري عُذرُكَ

فمتَى أنجو مِن الأسرِ وتَنجو؟

كما يخاطب يوسف الديك البَحر خطاباً طويلاً منه قوله:

يا بحرُ طَهِّرنا... لنغسلَ ما في وُسْعِنا مِنا!؟

كلَّ ما في وُسْعِنا، منّا:

انكساراتِ الفَراغِ العَاطفيّ، سُعالَنا الدِّيكيّ، أدرانَ الشُّذوذِ المسلكيّ

آثارَ الجراحِ، مخلَّفاتِ الكوكاكولا، صَرخةَ الرِئتينِ، نيكُوتِينَ العَصرِ

حُسنَ الطالعِ الرسميّ

طَهِّرْنا لنغسِلَ مَا تَبقَّى، طعنةً في الصَّدرِ تَعتملُ الحَنايا.

(...)

واسعٌ يا بَحرُ أنت... رحْبٌ، ويَحسِدُكَ الفَراغُ على الرَّحابَةِ والسِّعَةْ

خَالدٌ، كالعاشِقِ المسكونِ في وَجَعِ الحَبيبِ المُستَحيلْ، والنارُ تُدمي أضْلُعَهْ

قَالَ جَدِّي: مرةً لما رَجعنا من حقولِ القَمح أسْرَج البَحرُ الخُيولَ في الأمواج ماءْ.

مُتَيَّماً، متيَمِّمَاً بالرَّملِ جَاءْ

مَدَّ بساطَهُ، صلَّى الوِترَ بنا أمَّ العِشاء،

وتَناولَ السُّحُبَ القَريبَةَ مِن قُرونِها، وقدَّمَها لنَا عَلى طَبَقِ العَشاءْ.

قَال جدِّي: كَمْ كَريماً كَانَ ذاكَ البَحرُ وجَارِحاً كالكبرياء.

ثم ودَّعناهُ مُنفَعِلين، أسرعنَا الخُطَى... غَصَّت بِه الأمواجُ

سالَ الغيمُ دمعَ البحرِ بلَّلْنا بكاءْ.

واسعٌ يا بحرُ... أنتَ، وضَيِّقٌ شريانُ قلبي

غادرٌ هذا الزمان

إني أشْتَمُّ الخَديعةَ في الجَرائدِ، والقَصائدِ، والمَواقدِ، والهواءْ.

رائحةُ الخِيانةِ، في الشَّوارع، في المزارعِ، في تحيَّات الأصَابعِ

في خُطوطِ الكَهرَباءْ.

وترمي الشَاعرة صباح الحكيم بنفسها على سواعد البحر منكسرةً، فتقول:

يَا بَحرُ إني قَدْ أتيتْ، وعَلى سَواعِدكَ ارتميتْ

لَملِمْ شَظايا الرُّوحِ هَمساً مِن فَمي

قَد مرَّتْ الأعَوامُ أمواجاً مِن الأحزانِ تَصهَلُ في دَمِي

وحقائبُ الأوجاعِ مُنهكةَ الخُطى

فوقَ الرَّصيفِ وعَلى مَضاجِعِ غُربَتي

تَحبو كأشباحِ الجِياع

وسَواعدُ الأحزانِ في صَدري تمادتْ باشتهاءْ

وكَما تَشاءْ!

أمَّا الشَّاعر فاروق جويدة فلم يجد أجدر من البحر ليشكو له ما في خاطره، إذ يقول:

يَا بحرُ جئتكَ حَائرَ الوِجدانِ، أشكو جَفاءَ الدَّهرِ للإنسانِ

يا بحرُ خاصَمني الزَّمانُ وإنَّني ما عدتُ أعرفُ في الحَياةِ مَكاني

كَمْ عانَقتني في رِمالكَ أنجُمٌ، كَمْ داعبتَ بالأمنياتِ لِسَاني

كَمْ عَاشَ قَلبي في سَمائكَ رَاهباً، يَشفي جِراح الحُبِّ بالألحانِ

واليومَ جئتكَ والهُمومُ كأنَّها شبحٌ يطاردُ مُهجَتي وكَيانِي

وغدوتُ في بحرِ الحَياة سَفينةً، الموجُ يبعِدُها عَن الشُّطآنِ

فالنَّاسُ تشربُ في الدُّروبِ دُموعَها والدَّربُ ملَّ مرارَة الأحزَانِ

الشَّاعر منذر أبو حتلم والبحر

مثلَ غيمٍ مِن دخانٍ وغُبار

مثلَ أصداءِ الفَراغ

ومثلَ وقعِ خُطى الهَزيمةِ والتَّشققُ والدُّوار

تُثقلُ الأيَّامُ عُمريِ والمَدى بَحرُ انتظارْ

(...)

مُتعباً... لا لَستُ أبكِي

إنَّما في الرُّوحِ مَوجٌ

تنثرُ الأنواءُ ماءَ البَّحرِ مِن عَيني

فأغرق.. مثلَ تمثالٍ حَزين.

وللبحر حكمته كما للشُّعراء حكمتهم عن البحر

عندما نقرأ ديوان الشِّعر العربي نجد فيه الحكمة بابٌ من أوسع الأبواب، وقد استخدم الشُّعراء الحكماء البحر رمزاً لإيصال رسالتهم، فيقول مصطفى صادق الرافعي:

الأرضُ للنَّاسِ بَحرٌ والمَرءُ فِيها سَفينةْ

ويقول المتنبي ناصحاً

هُوَ البَحرُ غُصْ فِيهِ إذا كَانَ سَاكِناً عَلى الدُّرِّ، واحذَرهُ إذا كانَ مُزْبِدَا

فإنِّي رَأيتُ البَحرَ يَعثُرُ بالفَتَى وهَذا الذي يأتِي الفَتى مُتَعَمِّدَا

وفي فلسفةٍ عميقة يرى توفيق زيَّاد ركوب البحر الهائج في سبيل الإنسانية يسيراً عليه؛ فيقول:

وأُعطي نصفَ عُمري للَّذي يَجعلُ طِفلاً بَاكياً يَضحكْ

وأُعطي نصفَهُ الثَّانِي لأحمي زَهرةً خَضراءَ أنْ تَهلَكْ

وأمشِي ألفَ عامٍ خَلفَ أغنيةٍ وأقطعُ ألفَ وادٍ شَائكِ المَسلِكْ

وأركبُ كلَّ بَحرٍ هَائجٍ حتَّى ألمَّ العِطرَ عندَ شَواطِئ اللَّيلكْ

أنا بشريَّة في حَجمِ إنسانٍ فَهل أرتاحُ... والدَّمُ الذكي يُسفَكْ !

أغني للحياةِ فللحياة وهبتُ كلَّ قصائدي، وقصَائدي هي كُلُّ ما أملِكْ !

شعر عن البحر

البحر أيضاً حاضرٌ بمعناه الحقيقي والمجازي في القصائد الوطنية وقصائد الحنين إلى الوطن، إذ تقفز إلى الذاكرة فوراً كلمات محمود درويش:

بيروتُ منتصف اللغةْ، بيروتُ ومضةُ شهوتينْ

بيروتُ... ما قَالَ الفَتى لفتَاتِهِ

والبحرُ يسمعُ أو يوزِّعُ صَوتَهُ بينَ اليدينْ .

أنا لا أحبكِ... غمِّسي بدمي زهورَكِ وانثريها حولَ طائرةٍ تُطاردُ عَاشقينْ

والبحرُ يسمعُ أو يوزِّعُ صوتَهُ بين اليدينْ .

وأنا أحبكِ... غمِّسي بدمي زهورَكِ وانثريها حول طائرةٍ تطاردني، وتسمعُ ما يقولُ البَحرُ لي

بيروتُ لا تُعطي لتأخذ!...

أنتِ بيروتُ التي تُعطي لتُعطي ثمَّ تسأمُ مِن ذِراعيها ومِن شَبَقِ المُحِبْ

(...)

البَحرُ دَهشتُنا ,هشَاشتُنا، وغُربتُنا ولعبتُنا

والبَحرُ أرضُ ندائنا المستأصلَةْ

والبحرُ صُورَتُنَا، ومَنْ لا بَرَّ لَهْ... لا بَحْرَ لَهْ

بحرٌ أمامكَ ,فيكَ... بحرٌ من ورائكَ .

فوقَ هَذا البَحرِ بَحرٌ , تحتَهُ بَحرٌ

وأنت نشيدُ هذا البحرِ

كَمْ كُنا نُحبُ الأزرقَ الكُحليَّ لولا ظلّنا المكسور فَوقَ البَحرِ

كمْ كُنا نُعِدُّ لشهرِ أيَلولَ الوَلائمَ .

ولبحر بيروت أيضاً تحنُّ الشَّاعرة السُّوريَّة غادة السَّمان بعت أن أنهكتها غربتها:

تَعبتُ مِن رَائحة "ماء جافيل" في مِلاءات فنادِق الغُربة

وأنا أنسلُّ إليها حَاملةً حِيرتي ووحشَتي، وأغادِرها فَجراً مزرقَّةً كالجثَّة في التِرعة..

تعبتُ يا حبيبي مِن ذَاكرةٍ مضرَّجةٍ بالأشواقِ مثخنةٍ بالوَطن، فهلَّا علَّمتَني كيفَ أنسى!

كما نسي الآخرون مؤكدين: "لا بحر في بيروت"؟

تعبتُ مِن الإجابةِ عَلى السُّؤال التَّاريخي:

من أين أنت... من أي بلد أنت؟!

تعبتُ مِن إلقاءِ تحيةِ الصَّباحِ بالفرنسيَّة، والإنكليزيَّة، والألمانيَّة، والإيطاليَّة، والسُّويديَّة، والبولونيَّة، والسيريلانكية..

أريدُ أنْ أعودَ إلى هُناكَ، وأحبَّكَ هناك

وأغسلَ جرحِي بالبحرِ هُناك..

من قال "لا بحر في بيروت"؟!!

أمَّا الشَّاعر السُّوداني سيد أحمد الحردلو يخاطب البحر الأحمر في قصيدته "بكائية بحر القلزم":

يساوِرني - حينَ ألقَاكَ نَهباً مُباحاً لكُلِّ قراصنةِ البَحرِ

كلِّ لصوصِ أُوربا .. وكلِّ نفاياتِ آسيا- بكاءْ .

فأمتشقُ السَّيفَ والنَّصلَ... أغزوكَ، أغزو المروءةَ فيكَ

وأغزو البطولةَ فيكَ، وأنتهرُ الخَيلَ كي تَستَفيقَ ، وأنتهرُ العَربَ القُدماءْ.

وأخرجُ فيكَ بجيشيَ...

لا تغربُ الشمسُ فوق مضاربه جندُه باع دنياهُ واقتحم الموتَ ..

منتظراً في الحدودِ الإشارةَ... حشداً من الشهداءْ .

فقُمْ أيها البحرُ، قُمْ واغتسلْ وتوضأ واقرأ... لنعطي الاشارةَ

للواقفين صفوفاً .. كُتوفاً من البابِ للبابِ ..

بالسَّيفِ والنَّصلِ والكِبرياءْ

(...)

أغني لرمِل السواحلِ ما شَهدتَه السَّواحلُ

ما وشوشَ المَوجُ، ما فعل الفوجُ بالأوّلينْ

فينفلقُ البحرُ، انبهل الطودُ وانسَدلَ المَوجُ

وارتحل البحرُ بالآخَرِينْ

أمَّا الشَّاعر السُّعودي عبد الرحمن العشماوي فيتحدى بحر الأسى وقباطنة الأعداء:

يا زورقَ أحلامٍ في بَحرِ الأسَى هَذي يَدي رَغمَ القُيودِ تُجدِفُ

وبوارجُ الأعداءِ تَختَزِنُ الرَّدَى ربّانها مُتَطاولٌ مُتعجرِفُ

واجهتُ يا أبتي الخُطوبَ وعدَتِي قلبٌ عِصاميٌّ وحِسٌ مُرهفُ

وتوجهٌ لله يَجعلُ هامتي أعَلى، وإنْ جَارَ الطُّغاةُ وأسرفوا

أبتاه لَنْ يحمي حِمى أوطانَنا إلَّا حُسامٌ لا يُفلُّ ومصحفُ

الشَّاعر الفلسطيني يوسف الديك.. يا بحر كيف قتلتنا!

وطنٌ .. توضأ إذ تطهرَّ بالدُّموعِ وقدْ تعطَّر بالدِّماءْ

لا شيءَ يَحملُنا إلى المَاضي سِوى أنَّا هُنا كُنَّا وُلدنا

ماؤنا، وهواؤنا، وسماؤنا

ولنا هنا، وهنا لنا... نزفُ النَّشيد/ ملاحم الأبد المعاصر، جرحُنا، وملوحَة الأسماءْ

يا بحرُ خذني مَوجةً في مَائكَ العَالي، ولا تَكتب عَلى ضِلعي وَصَايا حَفلةِ التَّأبين

واسمع صَوتَ جُرحي كلَّما أزِفَّت على التَّنهيدِ أشرِعةُ اللَّقاءْ.

عادَ المسافرُ لمْ يَجد بَيتاً بحجمِ القَبرِ يَأوي في الشِّتاء عِظامَهُ

وحبيبةً كبرتْ مواسِمُها لتحرسَ في الرُّؤى أحلامَهُ

وإذا ينام تهدهد ضلعه الغافي عَلى دَرجِ النّعاس وتحسب بالدَّقيقةِ دَمعَها ومنامَهُ

هو لم يَعُدْ إلَّا لأنَّ البَحرَ عَادَ مُضرَّجاً بالحُلم

صبَّ رموشَها وسناً، يترجِمُ في الهَزيع غرامَه

(...)

هَلْ تُسفرُ النَّايات عَن لَحنٍ خُرافيِّ النَّغمْ؟

هَلْ تُسفرُ الكَلماتُ عَن مَعنى إذا قُلنا لسيِّدنا نعمْ؟

هَلْ يُسفرُ الشُّهداءُ عَن وطنٍ بِلا حُزنٍ ودمْ؟

هل أمُّنا الأرضُ اشترتنا من أبينا كي "تربِّينا" عَلى جُرحِ النَّدم؟

هل جِلدُنا وَرقٌ، ليكتبَ فَوقُه الزُّعماءُ كلَّ مُذكراتهم بالسَّيف إنْ غاب القَلَمْ؟

يا بحرُ أنت قتلتنا، وعليكَ أن ترِثَ الجَريمةَ كلَّما غَصَّتْ بكَ الأمواجُ وانكفأ العَلَمْ! .

ختاماً... جمعنا لكم أجمل ما قيل في البحر وعنه، وما زال البحر هادراً مخيفاً أو صديقاً حميماً، ربما يعتمد ذلك على النَّاظر إلى الماء الكبير، نترككم أخيراً مع قصيدة الشَّاعر سعدي يوسف عن البحر:

يا صَوتَ البَحرِ الخَافت، يا وشوشةً، وهسيساً، وحَشائشَ فيروز

وأغانيَ بَـحّـارٍ أعمى، يا آخرَ آهاتِ الـحُــمّـى

يا بوّابةَ بُـرْدِيٍّ، وحصيراً من سعفٍ ضفرتْـهُ يدا طفلٍ في الليلِ

ويا ريشاً وسلاحفَ، يا مبتدأَ الرِّحلةِ مِن قرطِ امرأةٍ

يا أرَجاً يَلمعُ في أشجارٍ دَائمةِ الخُضرة، شَـرقيَّ الصِّين

ويا صَوتي المتعَب

يا صوتَ البحرِ الخافتَ :

هل أخطأَنا التكوينُ، لننتظرَ التكوين؟

يا صوتَ البحرِ الهادئ...

يا صَوتاً أسمعُـهُ يتسلَّلُ مِن قَصبِ الكُوخٍ

سَلالاً ملأى بالسَّمكِ المتواثِبِ والأعشَابِ

وأسمـعُـهُ صلْـداً، وجهيراً كالقيظِ المتدلِّـي مِن سَقفِ الأعنابِ

أقولُ: لماذا صرتَ المَسموعَ؟ تُرى هل ضقتَ بشكلِ القوقعةِ؟

البحرُ محيطٌ ... لَكنَّ الصَّوتَ من القوقعةِ ارتدَّ إلى القوقعةِ !

الآنَ سنبحثُ عن أرضٍ أخرى... عن صوتٍ أعلى

يا صوتَ البحـــرِ الهادئ يا صَوتَ البَحرِ الحَاضرِ

يا صوتَ البحرِ الهادرِ

يا الـمُـصّـاعِـدَ من وديانِ الأعماقِ إلى تيجانِ الآفاقِ

ويا صوتَ البحرِ الهادرِ

خَـلِّ القمصانَ تطيرُ مَع الرِّيحِ

القبضاتِ المضمومَةَ والرَّاياتِ تطيرُ مَع الرِّيحِ

وخَـلِّ ضفائرَ مَـن أحببناهنّ، ومَـنْ أحببنَ، تطيرُ مع الريحِ

تطيرُ مع الصوتِ الهادرِ

أعلى من هذي الدنيا، أعلى حتَّى مِن مَـأتى الرؤيا

يا صَوتَ البَحرِ الهادرِ !