شِعر عن الصَّباح

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الخميس، 28 أكتوبر 2021
مقالات ذات صلة
الفطور الصباحي ليس الوجبة الغذائية الأهم
لأصحاب الليل: كيف تستقبل الصباح بحيوية؟
8 خطوات تساعدك على ممارسة التمارين الرياضية في الصباح

كان موقع بابونج قد تناول الرمزية الشِّعرية لظروف الزَّمان المختلفة، منها مجموعة المواد التي تحدثت عن أجمل ما قيل في الفصول الأربعة (يمكنكم زيارته من خلال الضغط على الروابط؛ الربيع، الخريف، الشتاء، الصيف).

في هذه المادة نقدم لكم مجموعة من الأبيات والمقاطع الشِّعرية في أجمل ما قيل عن الصَّباح وعن رمزيته، فصباحات الحبِّ وصباحات الشَّوق وصباحات الوطن وغيرها.

الصَّباح هو بداية يومٍ جديد أو الاستيقاظ على ما لا نريد

عند بحثنا في دواوين الشِّعر العربي عن الأبيات والقصائد التي قيلت في الصَّباح طالعتنا استخدامات مختلفة لمعنى الصَّباح، الأول بطبيعة الحال استخدام الصَّباح الصَّريح بمعنى حلوله من الزمن.

ثمَّ استخدام تحية الصَّباح كعمود فقري للقصيدة كقول الشَّاعرة صَباح الحكيم: "صباحُكَ حبٌ وشَهدٌ و عَنبر..."، أو قول الشَّاعر محمد جبر الحربي: "صباحُكِ يا صباحَ الخير، يبكيني ويشجيني...".

إضافة إلى العديد من الرُّموز الأخرى التي كان للصَّباح القدرة على حمل معناها.

لننظر مثلاً كيف يخاطب القاضي الفاضل صباحه الجديد

زارَ الصَباحُ فَكَيفَ حالُكَ يا دُجى قُم فَاِستَذمَّ بِفَرعِهِ أَو فَالنَجَا (الدُّجى: الظلام)

رأت الغُصونُ قَوامَهُ فَتَأَوَّدَت والرَّوضُ آنَسَ نَشرَهُ فَتَأَرَّجا

يا زائِري مِن بَعدِ يَأسٍ رُبَّما تُمني المُنى مِن بَعدِ إِرجاءِ الرَجا

أَتَرى الهِلالَ رَكِبتَ مِنهُ زَورَقاً، أو لا؟ فَكَيفَ قَطَعتَ بَحراً مِن دُجى؟!

أَم زُرتَني ومِنَ النُّجومِ رَكائِبٌ فَأَرى ثُرَيّاها تُريني هَودَجا

أو قول ابن مليك الحموي في استقبال الصَّباح:

هَزَمَ الصَّباحُ طَلائعَ الظّلماءِ، وأتاكَ تَحتَ عِصابةٍ بَيضاءِ

وإليكَ أطلَعَ مِن سَناهُ غُرَّةً قَد أسفَرَتْ عَن بَهجةٍ وضياءِ

ونأى غُرابُ اللَّيلِ قُم واجنَح إلى شَدو الهَزارِ وخَلِّ عنكَ التَّنائي

كما يَردُ استخدام الصَّباح كنقيض للَّيل مِن حيث أنَّ الصباح وقت عملٍ واللَّيل وقت لهو، وهذا ما نجده في قول عنترة بن شداد العبسي:

صباحُ الطَّعن في كَرٍّ وفرِّ، ولَا سَاقٍ يَطوفُ بكأسِ خَمرِ

أحَبُّ إليَّ من قَرْعِ المَلاهي عَلى كأسٍ وإبريقٍ وزهْرِ

مُدامي ما تَبقَى مِن خِماري بأَطرافِ القَنا والخَيلُ تَجْري

أَنا العبْدُ الّذي خُبِّرْتَ عَنْه يلاقي في الكريهةِ ألفَ حرِّ

خلقتُ مِن الحَديدِ أشدَّ قَلباً فكَيفَ أخافُ مِن بيضٍ وسُمرِ!

على الرَّغم أنَّ اللَّهو قد يكون في الصَّباح أيضاً، ألم يقول ابن زاكور:

علِّلاَنِي فلَقَدْ جَاءَ الصَّبَاحْ بِسُلاَفِ الرَّاحْ

وامْزِجَاهَا بِلَمَى غِيْدٍ صِبَاحْ وامْلَآ الأَقْدَاحْ

واسْقِيَانِي فلَقَدْ غَنَّى وصَاحْ طَائِرُ الإصبَاحْ

أو لهو المعتمد ابن عبَّاد في الصَّباح:

اشرَب عَلى وَجهِ الصَّباحِ وانظُر إِلى نورِ الأقاحِ

واعلَم بِأَنَّكَ جاهِلٌ إِنْ لَم تَقُل بالاصطباحِ

فالدَّهرُ شيءٌ بارِدٌ ما لَم تُسخِّنهُ بَراحِ

صباحات العاشقين مختلفة متنوعة باختلاف وتنوع مشاعرهم

وللصَّباح في الحبِّ معانٍ مختلفة ومتعدِّدة، حيث نجد استخدام الصَّباح في قصائد الحبِّ مقترناً باستخدام الليل في صورة نقيضين أحياناً (ليل الهجر وصباح الوصل مثلاً).

كما نجد لتحية الصَّباح "صباح الخير" عملاً سحرياً في قصائد الحبِّ، ولعباً على التَّحية بإضافة صفات مختلفة للصَّباح (على غرار صباح الحب، صباحك سكر...)، دعونا نقرأ سوياً بعض الأبيات عن الصَّباح والحبِّ.

يقول السَّهروردي المقتول في قصيدته التي مطلعها "أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ":

خَفضَ الجَناح لَكُم ولَيسَ عَلَيكُم لِلصَبّ في خَفـضِ الجَناح جُناحُ

وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ، فيها لِمُشكِل أمّهم إِيـضاحُ

فَإِلى لِقاكُم نَفسهُ مُرتاحةٌ، وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمَّـاحُ

عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى؛ فـالهَجرُ لَيلٌ والوِصالُ صَباحُ

صَافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ

وتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم راقَ الشَّراب ورَقّتِ الأقداحُ

يا صَاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ إِنْ لاحَ في أُفقِ الوِصالِ صَباحُ

لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إنِ غَلَبَ الهَوى كِتمانَهُم، فَنما الغَرامُ؛ فَباحوا

سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ

أمَّا ابن سناء الملك فمحبوبته هي الصَّباح بعينه، يقول بعد أن أطلَّ الصُّبح وهي في أحضانه:

عانَقني حتَّى الصَّباحِ الصباح الحديث نجدن بُرَحِ الهَوى لاَ بَرَاحْ

ولَم يَزلْ خدِّي عَلَى خدِّهِ، وهَذِهِ عَادَتُهُ في المِلاَح

وإذا خطونا خطوة عريضة نحو الشعر الحديث نجد أول ما يطالعنا قصيدة نزار قباني:

إذا مَرَّ يومٌ ولَم أتذكّرْ، بهِ أنْ أقولَ: صَباحُكِ سُكَّرْ

ورُحتُ أخطُّ كطفلٍ صِغيرٍ كَلاماً غَريباً عَلى وَجهِ دَفتَرْ

فلا تَضْجري مِن ذُهولي وصَمتي ولا تَحسبي أنَّ شَيئاً تغيَّرْ

فحينَ أنا لا أقولُ: أحبّ... فمعناهُ أني أحبّكِ أكثرْ

وتقول الشَّاعرة العراقية صباح الحكيم مستعينة بتحية "صباح الخير":

صَباحُكَ حُبٌّ وشَهدٌ وعَنبرْ

صباحُكَ مِسكٌ ووَردٌ وأكثرْ

صباحُكَ بُشرى لكُلِّ بَعيدٍ... لكُلِّ غَريبٍ

أضاع الطَّريقَ وتَاهَ، تَعثَّرْ

صباحُك نورٌ، وقَلبي الشَّجيّ، وهَذا الزَّمان الشَّقي المُكَدّرْ

صباحُكَ للحُزنِ يَشفي مصابٌ، ويَروي البَراري إذا مَا تصحَّرْ

صباحُكَ غَيثٌ وأنتَ الصَّفاءْ، وأنتَ السَّقاء وأنتَ الشِّفاءْ

لكلِّ يئوسٍ تدرّ الأملْ... تَموتُ بقُربِكَ كُلُّ العِلَلْ

صَباحُكَ وجهٌ لهذا الزَّمانْ، إذا مَالَ عنهُ يَغيبُ الأمانْ

صَباحُكَ عِيدٌ لكلِّ جَريح، إذا طافَ حولي شجوني تطيحْ

فأبدو كوردٍ بحقلٍ فَسيح

وألقاك طيفاً نديّاً مريح، إذا غَابَ عَني جِراحي تَصيحْ

في قصيدة أخرى لصباح الحكيم وبتحية "صباح الخير" تقول:

صَباحُ الخيرِ يَا عُمري، صَباحُ النَّبضِ في صَدري

صَباحُ اللَّوزِ والتُّفاحْ، وعطرُ ودادِنا الفوَّاحْ

ونسماتِ الهَوى الصَّافي، مِن المحبوبِ كالإصباحْ

أتى في ليلِ أحزاني؛ فأطربني، وأسكرني، وروَّاني

نضارةُ وجهِهِ ألحاني، بصوتِ الحُبِّ نَاداني

نداءً فاحَ بالنَّعناع، وعطراً ضَاعَ في الأضلاع

فغنَّى بلبلُ القَلبِ، وشَدو سَار في نَبضي

فحنَّت كُل أوتارِي لطيبِ الفُلِ والأقداحْ

كما يشكر الشَّاعر بيان الصفدي الصّباح فيقول:

سأشكُر هذا الصَّباح

سأشكُر هَذي الغيوم الَّتي لوَّحت مِن بعيدْ

سأشكُر كلَّ الثَّواني الَّتي سَبقتْ طـَلـَّة مِن نَدى وورودْ

وكلَّ اللَّيالي الَّتي نَمتُ فيها على جمرةٍ مِن وُعودْ

وكلُّ الكلامِ الَّذي سَالَ مِن جَدولَ القَلبِ... فاض إليكِ

فشكراً لعينين أشعَلَتا في الضُّلوعِ الحَرائق

فتـحتا في نوافذِ قَلبي صَباحاً جَديدْ...

صباح الحبِّ عند غادة السَّمان:

لأجلكَ... يَنمو العشب في الجِبال

لأجلكَ... تولدُ الأمواجُ ويرتَسِمُ البَحرُ عَلى الأفق

لأجلكَ... يضحكُ الأطفالُ في كُلِّ القُرى النَّائية

لأجلكَ تَتزيّن النِّساءُ، لأجلكَ اختُرعَتْ القُبلة

وأنهضُ مِن رَمادِي لأحبَّكَ، كُلَّ صَباح

أنهض مِن رَمادي، لأحبَّكَ... أحبَّكَ.... أحبَّكَ

وأصرخُ في وَجهِ الشُّرطة (كُلُّ النَّاسِ رِجال شرطة حين يتعلَّقُ الأمر بنا)

أصرخ: صباحُ الحبِّ، صباحُ الحُبِّ أيُّها الفرحْ.

تفاصيل الصَّباح الصَّغيرة في حبِّ عِزت الطَّيري:

أحمل وقتي، وحديقةَ منزلنا، وكَراريس البَوح، ودَفتر صمتي

أقلام رصاص، مِمحاةً، كُتبي، مَكتَبَتي، آنيةُ الزَّهر، وأشجارُ الصَّفصاف الضَّاحِك

في مَدخل بيتي النَّارجيلة، والشَّاي الأخضر

أشرطة التسجيل، لعبدِ الوهَّـاب، مجلات الشِّعر

وأغنيتي، صَوتي، وقصائد مَوتي، ويَقيني، ولواعج شكي

وأطلُّ عَليكَ أقول صَباح الخير!

وأرجعُ وَحدي... دون حديقة منزلنا، دون كراريس البوح، وعبد الوهـاب

ودون ودون ...ودو...

حتَّى أرجع في الصُّبحِ القَادم لأقول صَباحاً آخر... يا سَيّدتي

وللشوق صباحات بطعم الحنين!

لعب الصَّباح دوراً مهماً في التعبير عن الاشتياق، وقد اخترنا لكم قصيدتين عن صباحات الأشواق؛ الأولى للشَّاعر نزار قباني، والثانية للشَّاعر علي اسبر المعروف باسم أدونيس.

يخاطب نزار قباني أمَّه مشتاقاً ويبدأ بتحية الصباح:

صَباحُ الخيرِ يا حلوةْ، صَباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة...

مَضَى عامانِ يا أمِّي على الولدِ الَّذي أبحرْ

برحلتهِ الخرافيَّة، وخبّأَ في حقائبهِ صباحَ بلادهِ الأخضرْ

وأنجمَها، وأنهُرها، وكُلَّ شَقيقها الأحمرْ

وخبَّأ في ملابسهِ طرابيناً مِنَ النعناعِ والزَّعترْ

وليلكةً دمشقية

أنا وحدي.... دُخانُ سَجائري يضجرْ

ومنِّي مِقعَدي يَضجرْ

وأحزاني عصافيرٌ تُفتِّشُ بعدُ عَن بَيدرْ

عرفتُ نساءَ أوروبا، عَرفتُ عَواطفَ الإسمنتِ والخَشبِ

عرفتُ حضارةَ التعبِ...

وطَفتُ الهندَ، طفتُ السِّندَ، طفتُ العالمَ الأصفرْ

ولم أعثر عَلى امرأةٍ تمشِّطُ شَعريَ الأشقرْ

وتحملُ في حقيبتها إليَّ عَرائسَ السُّكّر

وتكسوني إذا أعرى وتنشُلني إذا أعثَرْ

أيا أمي... أيا أمي، أنا الولدُ الذي أبحرْ

ولا زالت بخاطرهِ تَعيشُ عروسةُ السُّكَّرْ

فكيفَ.. فكيفَ يا أمي غَدوتُ أباً ولم أكبر؟

صباحُ الخيرِ من مدريدَ، ما أخبارها الفلّة؟

بها أوصيكِ يا أمّاهُ تلكَ الطفلةُ الطفلةْ

فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي، يدلِّلُها كطفلتهِ

ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ، ويسقيها، ويطعمها، ويغمرها برحمتهِ

وماتَ أبي، ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ

وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ، وتسألُ عن عباءتهِ

وتسألُ عن جريدتهِ، وتسألُ حينَ يأتي الصيفُ عن فيروزِ عينيه

لتنثرَ فوقَ كفّيهِ دنانيراً منَ الذهبِ...

وفي حنين إلى الحقل وصباح الحقل يقول أدونيس:

لاقِني يا صباحُ إلى حقلِنا اليائسِ

في الطّريقِ إلى حقلِنا اليائس

شجرٌ يابِسٌ كم وَعدْنا أن نَظَلّ سَريريْن، طِفلين، في ظلّهِ اليابسِ

لاقِني، هل رأيتَ الغُصونَ، سمعتَ نداءَ الغُصونْ

تركت نسغَها كلاما

كلماتٌ تشدُّ العيونْ، كلماتٌ تشقّ الحجارةْ

لاقِني، لاقِني كأنّا التقينا، نَسجْنا الظَّلاما

ولبِسنا، وجِئنا، قَرعْنا عَلى بابِهِ، رَفعنا السَتارَةْ

وفَتَحْنا شبابيكَه، وانزويْنا في حنايا الجذوعْ

واستَغثْنا بأجفانِنا وسَكبْنا دَوْرَقَ الحلم والدُّموعْ

وكأنّا بقينا في بلاد الغصونِ، أضعْنا طريقَ الرّجوعْ.

" لي مَا يُبرِّرُ وِحشَتي هَذا الصَّباح" يحيى السّماوي

على الرَّغم أنَّ معظم الصَّباحات التي مرَّت معنا كانت إيجابية إلَّا أنَّ للصَّباح وجه آخر، فهناك من يعتبر الصَّباح رمزاً للكآبة، حيث يقول ابن زمرك وقد شاب رأسه فشبَّه الشَّباب باللَّيل والشَّيب في الصَّباح:

هذا الصَّباحُ صَباحُ الشِّيبِ قَد وَضحا، سُرعان مَا كَان ليلاً فاستنارَ ضُحى

للدَّهرِ لَونانِ مِن نورٍ ومِن غَسقٍ، هَذا يُعاقِبُ هَذا كلَّما بَرَحا

وتلكَ صَبغتُه أعدى بنيهِ بِها إذا تَراخَى مَجالُ العُمرِ وانفَسحَا

ما ينكرُ المرءُ مِن نورٍ جَلا غَسقا، ما لَم يَكُن لأماني النَّفسِ مُطَّرِحا

إذا رأيتَ بروقَ الشَّيبِ قَد بَسمت بمفرَقٍ فمحيا العيش قَد كَلَحَا

يَلقى المشيبَ بإجلالٍ وتكرمةٍ مَن قَدْ أعدَّ مِن الأعمالِ مَا صَلُحا

أمَّا ومثلي لَم يبرح يعلِّلُهُ مِن النَّسيمِ عليلٌ كلَّما نَفَحَا

وللشَّاعر يحيى السَّماوي ما يبرر كآبة صباحه:

لي ما يُبرِّرُ وِحشَتي هَذا الصَّباح

كأن أغضَّ الطَّرفَ عَن وردِ الحَديقةِ، وابتهاجِ ابني بأفراخ الحَمامْ

لي ما يُبرِّرُ وِحشَتي هَذا الصَّباح

فإنَّ أمّي تَشتَكي صمماً وقَدْ عَشيَتْ

لماذا لا أكفُّ عن اتصالي الهاتفي بها، وإرسالي المزيد مِن التَّصاويرِ الحَديثة

هل يَرى الأعمى مِن القِنديلِ أكثر مِن ظلامِ؟

لي ما يُبرِّرُ وِحشَتي هَذا الصَّباح

فإنَّ جَارَتنا "حسيبة" باعت الثَّورَ الهَزيل، وقَايضت ثوبين بالمحراثْ

وابنتها الَّتي فَسَخت خُطوبتها اشترتْ نَولا، ولكنَّ الخِرافَ شَحيحة

كادتْ تزف إلى ثريّ جَاوزَ السَّبعين، لَولا أنَّ دَاءَ السُّكري أتى عَليهِ

ولم يَكُن كَتبَ الكِتاب، فلم ترِث غيرَ العباءةِ والسِّوار

ووَهمِ بيتٍ مِن رُخامِ!

لي ما يُبرِّرُ وِحشَتي هَذا الصَّباح

كأنْ أصيخَ السَّمعَ للماضِي الذي لَم يأتِ بَعد

وأنْ أعيدَ صياغةَ النَّصِ الَّذي أهملتُه عامين

لا أدري لماذا لا أكفُّ عَن التَّلفتِ للوراء

ولا أملُّ مِن التَّأملُ في حُطامي

أمَّا الشَّاعر معروف الرصافي فصباح العيد هو مشكلته، حيث تستيقظ نزعته الاشتراكية في صباح العيد ليعيش معاناة الأطفال الفقراء في صبيحة تتطلب المزيد من المال:

أطلَّ صباحُ العيدِ في الشَّرقِ يسمع ضجيجاً به الأفراحُ تَمـضي وتَرجعُ

صَباحٌ بهِ تُبدي المسرَّة شمسَها وليسَ لَها إلا التَّوهم مَطلَعُ

صباحٌ بهِ يَختالُ بالوشي ذو الغِنى، ويعوزُ ذا الإعدامِ طَمرٌ مُرقَّعُ

صباحٌ به يَكسو الغَنيُّ وليده ثياباً لَها يَبكِي اليتيمِ المضَّيعُ

صباحٌ بهِ تَغدو الحَلائلُ بالحُلى وتَرفضُّ مِن عينِ الأراملِ أدمعُ

ألا ليتَ يومَ العيدِ لَا كانَ إنَّهُ يجدِّدُ للمحزونِ حُزناً فيجزَعُ

وللوطن أيضاً حصته من الصَّباح والشِّعر

وصلنا إلى الفقرة الأخيرة من هذه المادة وهي صباحات الوطن، وسنبدأ مع الشَّاعر الفلسطيني إياد حياتلة:

صباحُ الخيرِ يا وطني، صباحُ الخيرْ

أتيتُ إليكَ يَحملُني جناحُ الطيرْ

أتيتُ إليكَ مشتاقاً وَبي ولَهٌ؛ فخذْ بِيدي

وهَبني راحةً كي تمسحَ الدَّمعات عن خدّي

وَتنثرَ في رُبا جسدي

رياحينَ الهوى والزّيزفوناتِ النّديّةِ

من دماءِ أحبّتي والعطرْ

صباحُ الخيرِ يا وطني... صباحُ الخيرْ

صباحُ الخيرِ من قلبٍ على شطّ الهَوى يبكي

ومن عينينِ تحترقانِ في صمتٍ، لَهيبهما لواعجَ غُربةٍ يَحكي

فيا وطني، إليكَ حروف أغنيتي معطّرةً بدمٍّ فاح منه الوردُ...

متّكئاً على المِسكِ

صباحُ الخيرِ يا وطني، صباحُ الخيرْ

صباحُ الشِّعرِ والفِكرةْ، صباحُ الكلمةِ البِذرةْ

صباحُ القهوة المُرّةْ

تدور بها مَعاميلٌ، فناجينٌ، ودلاّتٌ مُطرَزَةٌ بحبِّ الهالِ والعطرةْ

تسافرُ من رُبا الأقصى لقلبٍ ساهرٍ ببيادرِ الشَّجَرةْ

صباحُ الخيرِ يا وطني، صباحُ الخيرْ

صباحُ الخير للشّجرِ، لزهر اللوزِ في وَطني يعانقُ حبّة المَطرِ

يدندنُ لَحن أغنيةٍ ويعزفُها على وتري

يُعانِقها، يُخاصِرها على الثلجِ؛ فَيفرح باللّقا مَرجي

صباحُ الوجدِ والأنسِ إلى الأحبابِ في قدسي

إلى الأبطالِ في الأسرِ... إلى الشُّهداءِ في العرسِ

لقلب صبيَّة بمخيَّم اليرموكِ... ضِحكتُها الهوى المنسي

لَها قلبي أنا أُزجي.

لها عُمري، لها نفسي، أقدّمُها على طَبقٍ مِنَ العطرِ

صباحُ الخير، يا وطني صباح الخيرْ

صباح الجفرا والشَّاعر الفلسطيني أحمد الريماوي:

صباحُ الأخضرِ المغسولِ بالأنوارِ يَا جَفرا

صباحُ الطَّلِّ يَنْدِفُ آهةَ الكَوْثَرْ

صباحُ العشق مِن أيقونةِ الأحلامِ قَد أزهَرْ

صَباحُ السُّنْدُسِ المُزْدانِ بالياقوتِ والمَرْمَرْ

يَفكّ ضَفائرَ الأنغامِ يَمْزِجُها بضوءِ البِشْرِ

يَنْشُرُ صَوتها المسْكون بالعَنبَرْ

صَباح الطّيْر تأسرهُ عيونُ الزّهْرِ

وهو يَرِفّ حَولَ الحَقلِ والبَيدَرْ

صباح الميجنا المَيّاسَة الأنْسامِ

يَعْزِفُها ظَريف الطّولِ

تُرْسِلُها صَبايا الدّوحِ في البَنْدَرْ

صباح شَقائق النّعمان وهي تُوَشْوِشُ الحَنّونَ عن جامٍ لها أحْمَرْ

صباح الطّفل ينسج مجد ماضيهِ وينقُشُهُ بِمُقْلاعٍ وقد كَبَّرْ

صباح الوَعْدِ يا جَفرا... صباح اليانِعِ الأخضرْ

صباح الشَّوقِ حِنّاءُ القلوبِ ونَدّها الفَوّاح، راح الشّيحِ والشَّوْمَرْ

صباح الزّيْتِ والزّعْتَرْ

صباح الشَّاعر الجزائري مصعب تقي الدين:

صباحُ الفقرِ يا بلَدي... صَباحُ الدَّمعِ والمنفَى

صباحُ الجرحِ لو يَحكي سيُغرِقُ أرضَنا نَزفا

صباحُ الموتِ لا تسأل متَى أو أينَ أو كَيفا

طيورُ الموتِ مرسلةٌ ورأسُ العبدِ لا يَخفَى

وإنَّ الشَّمسَ لَو تَدري لكفَّت ضوءها خَوفا

مِن الحكَّامِ أن يجدوا كَفيفا يَرفع الكَفَّا

إلى الرَّحمن يسأله ليرسل جندَهُ صفَّا

على الحكام قد وعدوا وكلُّ وعودِهم سَوفا!

تعالى سيدي الوالي ونحمدهُ فقَدْ أوفى

أذابَ الخوفَ في دَمنا وأسكَنَ رُوحنا سَيفا

أحبَّ الظلمَ يا بَلدي!! أيهجره وقَد ألِفا؟

صباحُ الهمِّ يا بَلدي جِراحٌ أصبحت عُرفَا

يموتُ الحلمُ نقبرهُ ونزرعُ بَعدَهُ خَوفَا

صباح النَّجف للشَّاعر المصري جمال مرسي:

صَباحُ الدَّمارِ... صباحُ النَّجَفْ

صباحُ الأنينِ... صباحُ النَّجَفْ

صباحٌ بحجمِ الفجيعةِ، حجم المعاناةِ

حجم جراحاتِ قلبٍ نَزَفْ

دماءٌ تسيلُ، وطفلٌ قتيلُ وأُمٌّ تُكًفْكِفُ دمعاً وَكَفْ

صباحُ النَّجَفْ

ودجلة هذا الأبيُّ العريقْ

يُرى كالغريقْ

يَمُدُّ يديهِ، فما مِن صَديقْ

فلا النَّهرُ جاءْ، ولا الفجرُ جاءْ

ولا مِنْ رشيدٍ يجيبُ النداءْ

يقول كفى أيها المستبدُّ دِماءً وقِفْ

صباح النَّجَفْ

صباح الدمارْ، صباح "الأبتشي" تدكُّ الديارْ

وتغتال أحلامَ كلِّ الصغارْ.... بأرض النَّجَفْ

صباح النِّكاتِ، صباح الطُّرَفْ

صباح التناقضِ يا أُمتي

على رقصِ نانسي يموتُ الكثيرْ

وفي سِحرِ نانسي يموتُ الضميرْ

وفي أرضِ بغداد يفنى الصغيرْ... ويحيا الشرفْ

صباح النَّجَفْ .... صباح النعيمِ، صباح التَّرَفْ

سلامٌ على العرب النائمينَ عن الثأرِ في باذخاتِ القصورْ

صباحُ الصخورْ... صباحُ التُّحَفْ

فلا فرقَ بينهمُ والتُّحَفْ

ختاماً... حاولنا أنْ نجمع لَكم باقة ملوَّنة مِن أجمل ما قيل في الصَّباح من الأبيات والمقاطع الشِّعريَّة، ونتمنى دائماً أن تشاركوا ما تحفظون من الأبيات من خلال التعليقات، كما نترككم في نهاية هذه المادة مع أبيات قصيدة للشَّاعر أبو القاسم الشَّابي يمجد بها صباحه.

يقول أبو القاسم الشابي:

قَدَّس اللَّهُ ذِكْرَهُ مِن صَبَاحٍ سَاحِرٍ، في ظِلال غابٍ جميلِ

كان فيه النَّسيم، يرقصُ سكراناً على الوردِ والنَّباتِ البَليلِ

وضَبابُ الجبالِ يَنْسَابُ في رفقٍ بديعٍ على مُروج السُّهولِ

وأغاني الرعاةِ تخفقُ في الأغوارِ والسّهلِ والرّبا والتُّلولِ

ورحابُ الفضاءِ تَعْبُقُ بالألحانِ والعِطرِ والذّياءِ الجميلِ

والمَلاكُ الجميلُ ما بين ريحانٍ وعُشْبٍ وسِنديانٍ ظَليلِ

يتغنَّى مع العَصَافيرِ في الغَاب ويرنو إلى الضَّباب الكَسُولِ

وشعورُ المَلَاكِ ترقصُ بالأزهار والضَّوءِ والنَّسيمِ العَليلِ

حُلُمٌ ساحرٌ به حَلُمَ الغَابُ فَوَاهاً لِحُلمِهِ المَعْسُولِ

مثلُ رؤيا تلوحُ للشَّاعرِ الفنَّان في نَشوةِ الخَيالِ الجَليلِ

قَد تملَّيْتُ سِحرَهُ في أناةٍ وحنانٍ ولَذَّةٍ وذُهولِ

ثُمَّ ناديتُ حينما طفحَ السِّحرُ بأرجاءِ قَلبي المبتولِ:

يا شُعوراً تميدُ في الغَاب بالريحانِ والنُّور والنَّسيمِ البَليلِ

كَبَّليني بهاتِهِ الخِصَلِ المرخَاةِ في فتنةِ الدَّلال المَلُولِ

كبّلي يا سَلاسلَ الحبِّ أفكاري، وأحلامَ قلبيَ الضَّلِّيلِ

كبِّليني بكلِّ ما فيكِ من عِطْرٍ وسِحرٍ مُقَدّسٍ مَجْهولِ

كبِّليني فإنَّما يُصْبِحُ الفنَّانُ حرّاً في مِثلِ هَذي الكُبولِ