كيف تناولت الأعمال الفنية المصرية شخصية اليهودي؟

  • تاريخ النشر: الأحد، 19 يونيو 2016
مقالات ذات صلة
سهير رمزي تنتقد تقديم أعمال فنية مصرية مأخوذة من أفكار أجنبية
دليلك الشامل حول شخصية رائد الأعمال ESTP
وفاة رجل الأعمال المصري حسين سالم
رشا عبدالله سلامة
 
حساسية من نوع خاص تكتنف أي محاولة لرصد صورة اليهودي في حقول الإبداع العربي كتابة أوتمثيلاً؛ ولعل السبب الرئيس هو تداخل مفهوميّ "يهودي" و"إسرائيلي" لدى العامة كما القائمين على الأعمال الإبداعية، وهو التداخل الموجود على أرض الواقع نوعاً ما؛ ذلك أن هجرات الرعايا اليهود من الدول العربية وتغيّر انتماءاتهم، بل حتى انتماء أولئك الذين كانوا يعيشون بسلام في مستعمراتهم بين الفلسطينيين قبل النكبة، اندرج تحت مظلة كيان الاحتلال الذي قام على مبدأ إنشاء وطن قومي لليهود، وهو الاندراج الذي تمت ترجمته لاحقاً بمشاركة اليهود العرب في العمل العسكري ضد الفلسطينيين والانخراط في تشييد المستوطنات وما إلى ذلك من ممارسات الاحتلال التي ما تزال قائمة حتى اللحظة.
 
إضافة إلى عامل الهجرات اليهودية، وهي الهجرات التي كانت أكبر من رقابة الأنظمة في ذلك الحين والتي تم معظمها باعتراف اليهود أنفسهم تهريباً وتسللاً وعبر السفر لبلاد أوروبية والتوجّه منها لكيان الاحتلال، إضافة لذلك فإن زجّ اليمين الإسرائيلي المتطرف بالمعتقد الديني، وإظهاره كأيديولوجية ينبثق منها كل هذا العنف وهذه الدموية، ولعل جريمة إحراق الرضيع علي دوايشة في قضاء نابلس قبل يومين على أيدي مستوطنين متشددين دينياً لهو مثال واضح على ذلك أيضاً، كل ذلك جعل التداخل قائماً بقوة بين مفهومي "يهودي" و"إسرائيلي"، إلى جانب عوامل أخرى منها تجنيد كثير من رؤوس الأموال اليهودية في أوروبا وأميركا وغيرها من الدول ثرواتها لصالح العمل الحربي الإسرائيلي وتشييد المستوطنات، بغضّ النظر عن جوازات السفر والجنسيات التي يحملونها أو الدول التي يقيمون فيها. 
 
ذلك جميعه أسهم في حدوث الخلط القائم بين المفهومين، والذي انعكس على كثير من الأعمال الإبداعية، وبمنهجية تناول تجنح إما للشيطنة المبالغ بها لمعظم إن لم يكن كل أتباع الديانة اليهودية وهي الشيطنة التي تأتي في مرات في سياق ساذج مباشر وفجّ، أو على النقيض تماماً أنسنة الصورة وتجميلها إلى حد يجعل أجندة العمل واضحة لا لبس فيها، ومتوائمة مع التوجّهات السياسية الحالية المهادنة للاحتلال الإسرائيلي، بطريقة مكشوفة.
 
 ما سبق يظهر جلياً في الأعمال الفنية المصرية التي تناولت شخصية اليهودي، وهي كثيرة جداً كـ "أولاد العم" و"رسائل البحر" و"الثعلب" وأعمال تتناول البطولات المصرية مثل "الطريق إلى إيلات" وغيرها، لكني سأتحدث عن خمسة منها الآن؛ للاستدلال بها على النقاط التي أرغب بالتطرق إليها، مع ضرورة التنويه لأعوام إنتاج هذه الأعمال حتى تكون الصورة واضحة، وهي مسلسل "رأفت الهجان" (الذي بدأ إنتاجه الأول في العام 1987) ويتناول حكاية جاسوس تزرعه المخابرات المصرية في قلب كيان الاحتلال في بداية نشأته، وفيلم "مهمة في تل أبيب" (في العام 1992) الذي يتحدث عن امرأة مصرية تجد نفسها متورطة مع الموساد فتقدم اعترافها للمخابرات المصرية التي تعمل على تجنيدها لاحقاً، وفيلم "السفارة في العمارة" (في العام 2005) لمغترب مصري يعود من الإمارات فيجد في عمارة أهله القديمة السفارة الإسرائيلية فيبدأ سعيه للخلاص من الورطة، ومسلسل "ربع مشكل" (في العام 2010) الذي يعتمد اسكتشاً كوميدياً لشخصيات يهودية من بين مجموعة استكشات، ومسلسل "حارة اليهود" (في العام 2015) الذي يتحدث عن حكاية حب بين ضابط مصري مسلم وفتاة يهودية يقطنان في حارة اليهود في القاهرة، قبل النكبة وحتى انقلاب الضباط الأحرار.
 
الصورة العامة لليهودي في الأعمال آنفة الذِكر: صاحب بشرة تميل للصفرة، مع ملامح دقيقة وحادة معظم المرات، الهيئة العامة تحاكي الموضة الغربية من حيث تسريحة الشعر والملابس، كما أن جزء من الشخصيات اليهودية يرتدي بالضرورة المعطف الأسود الطويل ويرخي الجدائل الشقراء ويعتمر القبعة السوداء أو القلنسوة اليهودية، يُنادى في الغالب "خواجا" ولا يعامله المصريون كمواطن، كما أنه في الغالب على درجة من متوسطة إلى عالية ثقافة وإلماماً بالفنون من مسرح وموسيقى ورقص، شخصية ذات نفوذ تجاري، شخصية برغم ثرائها تميل للجشع والبخل والانتهازية، شخصية عديمة الثقة بالآخرين حتى من نفس المِلّة، شخص يملك عين المخبر حتى وإن لم يكن مخبراً؛ لذا هو في الأعمال كلها يرصد ما يقوله الغير وما يفعلونه وما هي توجّهاتهم وأوضاعهم المادية بل وعلاقاتهم العاطفية أيضاً، شخصية ذكية وإن كانت الشخصية المصرية تُصوّر بالأذكى منها دوماً، وفي العادة توضع بطولة الجندي المصري أمام بطولة المجند الإسرائيلي وتتفوّق عليها. 
 
ولعل من بين المفارقات التي باتت تطرأ على التناول: مسرح الأحداث، الذي كان سابقاً في الدول الأوروبية وفي قلب كيان الاحتلال، أما الآن فباتت مصر وحارة اليهود في شارع الموسكي في القاهرة تحديداً هي مسرح الأحداث، كما أن التناول في الأعمال الأولى كان سياسياً بامتياز أي في خانة العمل الاستخباراتي، أما الآن فقد تم تسليط الضوء على كون اليهودي من ضمن النسيج الاجتماعي المصري الأصيل، وكان يُحرَص عند تناول شخصية اليهودي سابقاً أن يكون معتمراً القلنسوة اليهودية أو على الأقل ذا مظهر يشي باللؤم والاختلاف عن الآخرين، لكن الطرح الحالي يعمد للدمج حتى حدوده القصوى، بدءاً بالهيئة الشكلية العامة مروراً بالثقافة الشعبية  لدى اليهودي وليس انتهاء بفكره السياسي في مرات !
 
اليهودي (ذكراً وأنثى) في مسلسل "رأفت الهجان"، للمخرج يحيى العلمي، كان صاحب لغة خشبية انعكست حتى على أداء الممثلين فكان متشنجاً، واليهودي كان أيضاً مرتعباً من التنكيل النازي، وهو إما جاسوس وإما من الباعة النزقين في متاجر فخمة للملابس وأدوات التجميل أو المصلحة التجارية الخاصة، واليهودي هنا خائف وحذر ومرتاب من كل شيء ومن كل أحد، وهو جبان ينهار في غرفة التحقيق حتى قبل أن يتعرّض للضغط، واليهودي بخيل وجشِع، ويعترف بأن أحداً لا ينتقص حقوقه في مصر أو يدوس له على طرف، وهو في هذا المسلسل شخص بائع لدينه ويحلف زوراً، وهو فاسد سواء في التوظيف أو في عقد الصفقات، وصاحب رأس المال اليهودي في هذا المسلسل يزجّ بالصغار للذهاب للكيان الوليد لكنه لا يخاطر بثروته وأطفاله بل يُفضّل أوروبا، وهو شخص قلِق لا يثق بالكيان الإسرائيلي بل ينقم على عنصريته الدفينة وعلى زجّه نفسه بالحرب، وبذا فهو كثيراً ما يفكر بالعودة من حيث أتى، وهو شخص لا يملك إيماناً بكيانه السياسي، بل يهتم بمصلحته الشخصية فقط. وحتى الشخصية اليهودية التي أتت في سياق إيجابي أو رومنسي مثل شارل سمحون أو أيستر، فإنها تربط بعدم اتزان نفسي سواء لفقد ابن أو أخ أو فقدان حب، في إشارة واضحة إلى كون أي ملمح إيجابي لدى اليهودي ليس سوء استثناء.
 
في "رأفت الهجان" وردت عبارات كثيرة كان فيها وصف لليهود على لسان الأبطال المصريين، من بينها على سبيل المثال "هم مش عباقرة لكن عندهم خبرة كبيرة"، "هم بيشتغلوا في كل مكان: المراكز الإدارية والمستشفيات ومراكز الأبحاث، وبيعرفوا كل حاجة، ولازم في أي مكان تلاقي واحد فيهم"، و"دول جنّدوا عملاء في مصر وفي كل بلد عربي وفي العالم. هاتلي بلد واحد مفيش فيها يهود" و"مفيش يهودي إلا يعرف بدل اللغة لغتين" و"ساعات بحسّ إنكم بتشكّوا حتى في أمهاتكم" و"اليهودي خايف وعنيف لأنه حاسس إنه الأرض دي مش بتاعته حتى لو كان بيؤمن إنه ربنا وعده بيها، لكن هو خايف من صاحب الأرض اللي اغتصبها. وده هو السبب في إنهم بيتجهوا للعلاقات العاطفية. دول عايزين يحسوا إنهم بتحبوا". وهناك في مقاطع أخرى تحديد لأماكن تواجدهم مثل حارة اليهود الموجودة في كل مدينة مصرية، وهناك نادي المكابي الذي كان موجوداً في حي السكاكيني وانتقل بالمسمى نفسه لكيان الاحتلال، وأيضاً المعبد اليهودي في شارع عدلي، وغيره من مواقع.
 
يفصل بين الزمن الذي أتى فيه مسلسل "رأفت الهجان"، وبين الحقبة التي أتى فيها مسلسل "حارة اليهود"، للمخرج محمد جمال العدل، بون شاسع فيما يتعلق بالمعطيات السياسية، وهو ما انعكس بدوره على منهجية التناول؛ إذ لم يكن ذلك التحامل وقت "رأفت الهجّان" على الإخوان المسلمين ما جعل التعريج على أمرهم عابراً للغاية، بل إن اليهود أنفسهم يعترفون في المسلسل بأن النظام يتهم الإخوان بعمليات لم يقوموا بها، فيما "حارة اليهود" يصوّرهم بأصحاب اليد الطولى في تهجير اليهود المصريين، وتحديداً مؤسس الجماعة حسن البنا، الذي كان يحضّ المصريين على مهاجمة مصالح اليهود في مصر وليس الذهاب لمقاتلتهم كالجيش المصري الذي قاتل في فلسطين. 
 
في "رأفت الهجان" كان هنالك تناول أعمق لعمليات التفجير التي تورّط فيها اليهود في مصر، فيما تم المرور عنها على عجالة في "حارة اليهود" وتم طرحها كحالات فردية لأشخاص مأزومين ويملكون ردة فعل حادة على ما حاق بنظرائهم في أوروبا، وفي "رأفت الهجان" كان خطاب الكراهية الذي يتحدث به اليهودي عن المصري والعربي واضحاً لا لبس فيه، لكن "حارة اليهود" نقل العكس تماماً، وأظهر اليهود بغير الكارهين للمصريين والعرب بل هم يندمجون معهم أكثر من اندماجهم مع أتباع ملّتهم، بل إن بطلة العمل اليهودية تؤثِر الزواج بالضابط المصري المسلم بدلاً من اليهودي البرجوازي. 
 
وفي مسلسل "رأفت الهجان" كان هنالك تركيز على الشق السياسي البحت والاستخباراتي، لكن في "حارة اليهود" كان الطرح إنساني عاطفي ومن خلال حكاية حب حُمّلت أكثر مما تحتمل، بالإضافة لتبسيط الفكر الصهيوني الذي قام عليه الكيان، بل حتى الموسيقى التصويرية والسينوغرافيا كانت أكثر حناناً في "حارة اليهود" منها في "رأفت الهجان" الذي كثيراً ما يُقرن اسم إسرائيل وجرائمها بموسيقى تصويرية مرعبة. 
 
حارة اليهود في مسلسل "حارة اليهود" لا تضم سوى عائلتين يهوديتين برغم اسمها، كما أن غالبيتها من المسلمين والمسيحيين، فيما يُظهر "رأفت الهجان" تجمّعاتهم وانزوائهم في المقاهي وتكتّلاتهم. 
الاستخبارات المصرية غائبة في "حارة اليهود"، فيما هي بطلة الحدث في "رأفت الهجان"، والقائمون على أمر الجالية اليهودية في "حارة اليهود" وعلى رأسهم الممثل جميل راتب وطنيون مصريون ويرفضون الرحيل بل يؤنّبون الآباء الذين اختار أبناؤهم الرحيل لكيان الاحتلال وتهريب الأموال إليه، فيما هم يرتبطون تماماً مع الموساد ويساعدون على تهريب اليهود وأموالهم لكيان الاحتلال في "رأفت الهجان".
 
ثمة تصوير سطحي ونمطي في كلا المسلسلين، ومعظم الأعمال التي تتناول اليهود، للكيبوتس، الذي خرج منه عتاة الكيان سياسياً، بيد أن العرب لا يزالون يصوّرونه ببؤرة لكثير من الرقص والاستمتاع وقليل من التدريب الحربي!  كما أن المرأة اليهودية زوجة خائنة، وبعلم زوجها ولا يحرك ساكناً، وهي عموما امرأة سهلة المنال ومنفتحة أخلاقياً، وهي الصورة التي ما تزال مستقرة في الذهن العربي انطلاقاً ربما من عقدة الدونجوان وما إلى ذلك والغريب أنها كانت تنطلي في الأعمال المصرية القديمة على الجمهور، بل حتى الرجل اليهودي قد يقع في مطب الجاسوسية المصرية بمجرد أن يُغرَم بجمال فتاة مصرية أو عربية، وفي الحقيقة الأمر ليس بهذه السطحية، لكنه أكثر ما كان جلياً على سبيل المثال في فيلم "مهمة في تل أبيب" للمخرج نادر جلال، وبطولة الممثلة نادية الجندي والممثل كمال الشناوي، وهو العمل الذي دار، بحكم الحُقبة التي يتناولها، في إطار الحرب الجاسوسية بين مصر وكيان الاحتلال.
 
 ظهرت الشخصية اليهودية بالصفات التالية في هذا الفيلم: لئيم، مريب، صاحب نظرات حادة ومخيفة، جاسوس واضح، محقق لا يلتزم بالمعايير الإنسانية ولا المهنية، يرتدي في الغالب ملابس سوداء، ويقف بجانب العلم الإسرائيلي وهو يخوض حوارات هامة، كما أظهر أن عملية اختراق أبنية ومؤسسات الأمن في كيان الاحتلال أسهل ربما من اقتحام لص لمنزل نسي أهله إغلاق بابه.
الإباحية لدى جهاز الموساد ولدى المنخرطين في الشأن الجاسوسي الإسرائيلي كانت ظاهرة أيضاً في فيلم "السفارة في العمارة" الذي أخرجه عمرو عرفة، حين ترسّل من قِبلهم فتاة إسرائيلية للشخصية المصرية، فتقيم معه علاقة تلتقطها الكاميرا، وبذا يتم ابتزازه لإسقاط القضية التي رفعها على السفارة الإسرائيلية في القاهرة. 
 
في "السفارة في العمارة" يتم تصوير اليهودي بالبخيل الجشع الدميم، وفي الوقت ذاته صاحب الأعصاب الباردة والذي يحتمل الإساءة والكراهية المجانية التي يلقاها لا سيما من قِبل اليسار المصري والمتطرفين دينياً.
وفي "السفارة في العمارة" تم تمرير رسالة النظام المصري من خلال الفيلم، كما هو دأب أعمال الفنان عادل إمام؛ إذ يرِد على لسان المسؤول الأمني الذي لعب دوره الممثل خالد زكي العبارة التالية " كان قدر مصر تخوض الحرب وحررت سينا وطابا، لكن الآن عملية سلام لمصلحة الدولة العليا، عيش وتعايش مع الأمر الواقع، مش عايزين حد يتلكّكلنا".
في وقت جنح فيه "رأفت الهجان" و"حارة اليهود" و"مهمة في تل أبيب" للتناول الدرامي لهذه القضية الشائكة، فإن "السفارة في العمارة" ومسلسل "ربع مشكّل" جنحا للتناول الكوميدي.
ليشع.. راشيل.. سمعان.. شخصيات إسرائيلية واظبت على مدار أشهر على دخول البيوت العربية، عبر "ربع مشكّل"، الذي أخرجه باسل مبارك، بالإضافة للفظات تتكرر طوال الاسكتش الكوميدي من قبيل  "وحيات الرب" و"حيات الهيكل المقدس".
 
"ربع مشكل" سبّبّ حالة من الاستياء العارم في كيان الاحتلال، بحسب ما أوردته وكالات الأنباء؛ لتصويره الشخصية الإسرائيلية بالجشعة والبخيلة والانتهازية، وهو ما أدى لضمّه لقائمة "معاداة الساميّة"، بيد أن ذلك كله لا يُقاس بحجم الضرر الذي خلّفه المسلسل لدى الجمهور العربي، عبر عرضه على  قناة جماهيرية كـ "ميلودي"، ليصهر الحواجز شيئاً فشيئاً، وليصبح مشهد الشخصية الإسرائيلية الكوميدية واليومية مشهدا اعتيادياً، بعد أن كانت تطرح فقط في سياق الصراع السياسي وضمن أُطره.
 
قد يكون مردّ ذلك الرغبة بعمل "فرقعة" إعلامية لدى السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والتي لا تتوقف عن تمرير ردات فعلها على الأعمال التي تتناول الشخصية اليهودية، وكذلك "فرقعة" في الأوساط الإعلامية العالمية، يعززها استخدام لفظة "يهودي" بدل إسرائيلي، وهي التي تعدّ "تابوها" محرما لدى الأوساط الغربية، لا سيما إن أنت تناولت إلى جانب ذلك شخصية الرئيس الأميركي باراك أوباما والملكة البريطانية إليزابيث، وقضايا خطيرة كتجارة الاحتلال بالأعضاء البشرية وإمساكه بعنق الاقتصاد العالمي وضلوعه في الأزمات الاقتصادية العالمية وغيرها من قضايا.
 
وفي العادة يقابل الجهل والسطحية في تناول شخصية اليهودي، طرح سطحي هو الآخر  للفلسطيني، مع مغالطات كثيرة تتعلق بالجغرافيا الفلسطينية واللهجة والأزياء وتقسيمات المناطق، بل وحتى تفاصيل عامة في الصراع السياسي، وهو أمر لست في معرض التفصيل فيه الآن لأنه حكاية طويلة ومتشعبة، لكنه يفصح عن ضعف اطّلاع كُتّاب السيناريو ومدقّقي اللهجة والأزياء.
 
لعل كثير من القائمين على الأعمال الفنية المصرية المعنية بمناقشة صورة اليهودي وما يرتبط بها من هجرات واحتلال لأرض عربية ونشاط جاسوسي ومن ثم جدلية تطبيع وما إلى ذلك من قضايا، لعلهم لا يدركون خطورة الاستسهال في مرات أو الانجراف لقوالب معلّبة في الطرح، فتكون النتيجة تصوير العربي بالجلاّد للبراءة الإسرائيلية سواء حين يقدم خطاباً يجنح في مقاطع كثيرة منه للتعميم والعنصرية واستحضار نموذج أحمد سعيد في "تجوّع يا سمك"، أو على العكس من ذلك الأنسنة المبالغ بها والتي تقترب من تأنيب الذات العربية وتحميل العرب مسؤولية هم في حلّ منها حيال اليهود.
 
التسطيح في الطرح وتضخيم الأنا العربية والقدرات الجاسوسية والحربية، ليس مغالط للواقع فحسب، والدليل طبعاً ما يجري على أرض الواقع من تقدم للعدو الإسرائيلي وتراجع لنا، لكن أيضاً فيه خلل واضح في الترافع عن قضيتنا، وتبادل ساذج لدوريّ الضحية والجلاّد، ومزيد من تكريس الضحالة الثقافية.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.