من مصر إلى ألمانيا..كوكولا وماكدونالدز وأخواتها تُعيد تعريف نفسها محليا
حظيت كبرى العلامات التجارية الأمريكية بموطئ قدم راسخ لعقود في ألمانيا، خاصة في غرب البلاد التي كانت تحت سيطرة الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.
في سنوات ما بعد الحرب، تمتعت السجائر الأمريكية بوضع مميز في السوق السوداء الألمانية حتى باتت تُستخدم كعملة. وفي هذا السياق، لعبت أساطير الرياضة دورا في ترسيخ مكانة الشركات الأمريكية في ألمانيا؛ فعلى سبيل المثال، كان بطل الملاكمة السابق ماكس شميلينغ بمثابة مندوب لشركة كوكاكولا في ألمانيا بعد اعتزاله، وكان يُنظر إليه من قبل الأمريكيين باعتباره "المواطن الألماني الصالح".
ولم يكن شميلينغ الرياضي الألماني الوحيد، بل انضم إلى المسار نفسه الملاكم السابق هنري ماسكه، الذي أدار فروع ماكدونالدز في مدينتي كولونياوليفركوزن.
لكن الوضع اليوم قد تغير؛ إذ تضررت سمعة الولايات المتحدة في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، مما أثار تساؤلات حول قدرة العلامات التجارية الأمريكية على الحفاظ على مكانتها.
وفي ظل هذا التراجع، بدأت بعض الشركات الأمريكية تسوّق منتجاتها تحت شعار "صُنع في ألمانيا".
تجربة ماكدونالدز
يرجع شعار "صُنع في ألمانيا" إلى عام 1887، حين أقدم البرلمان البريطاني على فرض علامات واضحة لتمييز "المنتجات الأجنبية الرخيصة وسيئة الجودة" الواردة إلى الأسواق البريطانية عن المنتجات المحلية الأصيلة والفاخرة. وكانت البضائع المستهدفة ألمانية، إذ أُلزم التجار الموردون إلى المملكة المتحدة بوضع عبارة "صُنع في ألمانيا" عليها لتمييزها عن البضائع البريطانية "جيدة الجودة".
لكن سرعان ما تحولت هذه الخطوة إلى نعمة بالنسبة للألمان، حيث أصبحت عبارة "صُنع في ألمانيا" دلالة على الجودة العالية، لا العكس.
وفي هذا السياق، كشفت التغطية الإعلامية الألمانية الأخيرة أن العلامات التجارية الأمريكية باتت تعتمد على شعار "صُنع في ألمانيا" لتعزيز حضورها في أكبر سوق أوروبي.
وقد بدأت بعض الشركات، مثل ماكدونالدز، بإبراز اعتمادها الكبير على المنتجات الألمانية المحلية.
وأفادت الشركة في بيان لـ DW بأنها تعتبر نفسها "شريكا منذ فترة طويلة للزراعة الألمانية وجزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثير من الناس في ألمانيا".
وأكدت ماكدونالدز استخدامها لسلاسل توريد محلية، مشيرة إلى أن 65 بالمئة من موادها الخام تأتي من ألمانيا، حيث يتم توريد لحم الخنزير والبقر والبيض والخيار من السوق الألماني.
وقالت الشركة إن "هذا النهج ليس وليد اللحظة في السوق الألمانية"، رغم أن الاتجاه العام يشير إلى أن الشركات الأمريكية باتت تعيد تشكيل صورتها بشكل متزايد لتتناسب مع الثقافات والجماهير المختلفة حول العالم.
تيسلا وماسك؟
قد تكون تيسلا المثال الأوضح على التغير الذي طرأ على العلامات التجارية الأمريكية. فقد جعلت المواقف السياسية لرئيسها التنفيذي، إيلون ماسك، ودعمه الصريح والمالي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، منه أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في عالم الأعمال.
وقد دفع ذلك بعض مالكي سيارات تيسلا حول العالم إلى وضع ملصقات على سياراتهم كتب عليها "اشتريتها قبل أن يصاب إيلونبالجنون".
وكان التأثير ملموسا؛ إذ لم تعد تيسلامن بين أكثر 10 سيارات كهربائية مبيعا في ألمانيا، ولم يقتصر الأمر على أكبر اقتصاد في أوروبا.
ففي كندا، تتزايد الدعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية، حيث تُستخدم ملصقات مثل "صُنع في كندا" و"تم تحضيره في كندا" كوسيلة ذكية لدفع المستهلكين نحو المنتجات المحلية وتعزيز الثقة بها.
وحتى عملاق الأغذية الأمريكي "هاينز" بدأ في الترويج لمنتجات مثل الكاتشب المصنوع من الطماطم الكندية وزبدة الفول السوداني المصنعة في كندا.
أما في الدنمارك، فقد اتخذت الأمور منحى مختلفا؛ فمنذ اقتراح ترامب شراء غرينلاند، بدأ تجار التجزئة بوضع علامات تميز السلع الأوروبية التي تمثل بدائل للسلع الأمريكية.
وأعلنت شركة "كارلسبرغ" العملاقة، التي تعبئ مشروب كوكاكولا في الدنمارك، عن انخفاض في مبيعاتها بسبب مقاطعة المستهلكين.
استراتيجية كوكاكولا في ألمانيا
ورغم أن القلق ينتاب العديد من العلامات التجارية الأمريكية، إلا أن كوكاكولاتبدو الأكثر قلقا بسبب ارتباطها الوثيق بسياسات الحكومة الأمريكية.
وقد أطلقت الشركة، التي تتخذ من أتلانتا مقرا لها، حملة "صُنع في ألمانيا" لتسليط الضوء على أسماء موظفين مثل دانيال وهايكه وجانا وجيسي ومحمد، حيث كُتب تحت كل اسم عبارة "صُنع بواسطة [اسم الموظف]... صُنع في ألمانيا".
وفي بيان لـ DW، قالت الشركة إن حملتها الإعلانية تهدف إلى "إبراز جذور كوكاكولا العميقة في ألمانيا"، مشيرة إلى أن الشركة جزء لا يتجزأ من قطاع الأعمال والمجتمع الألماني منذ أكثر من مئة عام. وأضافت أن بعض المستهلكين في ألمانيا لا يدركون أن معظم مشروبات كوكاكولا في البلاد يتم تعبئتها محليا.
ونظرا للمناخ السياسي الحالي، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة تمثل محاولة من كوكاكولا للنأي بنفسها عن السياسات الأمريكية.
شركات محلية عربيا
وفي العالم العربي، تواجه كوكاكولا ومطاعم ماكدونالدز مشاعر معادية لأمريكا منذ فترة طويلة، حيث يُنظر إليها كرموز للولايات المتحدة.
وقد تجددت حملات مقاطعة هذه العلامات التجارية في دول عربية وأخرى ذات أغلبية مسلمة خلال الأشهر القليلة الماضية، احتجاجا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقد صبت حملات المقاطعة في صالح علامات تجارية محلية، شقت طريقها إلى أسواق بعض البلدان العبربية تجنبا للعلامات التجارية الأمريكية.
ففي مصر، أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان، ظهرت العديد من شركات محلية تنتج مشروبات مماثلة لمشروبات الغازية الشهيرة.
بيد أن العلامات التجارية الأمريكية لم تقف صامتة إزاء ذلك حيث سعت من خلال حملات إعلامية واسعة إلى التأكيد على مساهماتها في السوق المصري من خلال الاعتماد على موظفين وعمال وموردين محليين.
تحرير: وفاق بنكيران