هل السوشيال ميديا تسبب تعفن الدماغ؟ نصائح للحد من التأثير السلبي
تعفن الدماغ: تأثير الاستهلاك الرقمي المفرط على الصحة الذهنية للشباب
أصبح مصطلح «تعفن الدماغ» (Brain Rot) من أكثر التعبيرات تداولًا على منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، خاصة بين فئة الشباب، لوصف حالة من الإرهاق الذهني وفقدان التركيز الناتجين عن الاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي السريع وقصير المدى.
ويستخدم المصطلح للإشارة إلى شعور شائع لدى المستخدمين بأن عقولهم تستنزف بفعل التمرير المستمر بين مقاطع الفيديو والمنشورات المتناقضة، بدءًا من محتوى السفر الفاخر، مرورًا بحياة العزلة الرقمية، وصولًا إلى نصائح النجاح السريع التي تروج لها بعض الشخصيات المؤثرة.
«تعفن الدماغ».. ليس مصطلحًا علميًا لكنه يعكس واقعًا
ورغم أن «تعفن الدماغ» ليس مصطلحًا طبيًا معتمدًا، فإن خبراء في علم الأعصاب وعلم النفس يرون أنه يعكس قلقًا حقيقيًا من التأثيرات المتراكمة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون وعي.
وتوضح صانعة المحتوى الألمانية تيزيانا بوسيك لموقع CNN، التي أطلقت سلسلة فيديوهات لمواجهة الظاهرة، أن المصطلح يستخدم غالبًا لوصف المحتوى الترفيهي العبثي أو منخفض القيمة، والذي قد يكون مسليًا في لحظته لكنه لا يضيف معرفة أو مهارة حقيقية للمشاهد.
كيف يؤثر المحتوى قصير المدى على الدماغ؟
بحسب الدكتور كوستانتينو يادكولا، أستاذ علم الأعصاب في كلية طب وايل كورنيل، فإن آلية التصفح اللانهائي تشبه إلى حد كبير آليات الإدمان، مثل القمار أو تعاطي المخدرات، حيث يعتمد الدماغ على التحفيز السريع والمكافآت الفورية.
وتشير دراسات سابقة إلى أن الإفراط في استخدام الإنترنت، خاصة بين المراهقين، قد يؤدي إلى اضطرابات في المناطق المسؤولة عن الانتباه والذاكرة والتحكم الذاتي.
تؤكد الدكتورة نيدي غوبتا، المتخصصة في طب الأطفال، أن مقاطع الفيديو القصيرة مصممة لإطلاق دفعات سريعة من هرمون الدوبامين، ما يجعل المستخدم يرغب في مشاهدة المزيد دون توقف.
هذا النمط، بحسب غوبتا، قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التركيز لفترات طويلة، والشعور بالملل من المحتوى العميق أو التعليمي، وضعف التحصيل الدراسي أو الإنتاجية المهنية.
وتضيف أن «قدرات الانتباه البشرية محدودة، ومع هذا التدفق الهائل من المحتوى، يتم إهمال جوانب أساسية مثل الصحة والعلاقات الاجتماعية والنوم».
هل الأطفال أكثر عرضة للخطر؟
يرى خبراء أن الأطفال والمراهقين هم الفئة الأكثر تأثرًا بظاهرة «تعفن الدماغ»، إذ إن الاعتماد المفرط على الشاشات قد يحرمهم من تجارب ضرورية لنمو الدماغ، مثل اللعب الحر، والتفاعل الاجتماعي، وقراءة الإشارات العاطفية.
لكن المشكلة لا تقتصر على الصغار فقط، إذ تصف الدكتورة غوبتا إدمان الشاشات بأنه «مشكلة إنسانية عامة»، مؤكدة أن سلوك البالغين يشكّل نموذجًا مباشرًا يقلده الأطفال.
من جانبها، تحذر الأخصائية النفسية ليزا دامور من المبالغة في شيطنة المصطلح، مشيرة إلى أن كل جيل لديه أشكال من الترفيه الذهني الخفيف، ولا ضرر من بعض «الاسترخاء العقلي» طالما لا يؤثر على الالتزامات الأساسية.
وتؤكد دامور أن التوازن هو الأساس، لا المنع الكامل.
كيف يمكن الحد من «تعفن الدماغ»؟
يوصي خبراء الصحة الرقمية بعدة خطوات عملية للحد من التأثيرات السلبية، أبرزها تحديد أوقات ثابتة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وحذف التطبيقات والاكتفاء باستخدام المتصفح.
بجانب تقليل الوصول السهل للمحتوى القصير، والانخراط في أنشطة بديلة مثل القراءة أو الرياضة.
وتشدد غوبتا على أن «الاعتماد على قوة الإرادة وحدها لا يكفي، بل إن تعديل البيئة الرقمية هو العامل الحاسم».
ومع اقتراب العام الجديد، يرى مختصون أن إعادة تقييم العلاقة مع المحتوى الرقمي قد تكون خطوة ضرورية للحفاظ على الصحة الذهنية، وتقليل التعرض لما يعرف بـ«تعفن الدماغ»، واستعادة التركيز والوعي في الحياة اليومية.