شعرُ الإمام الشافعي وحِكَمه وأقواله

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 23 يونيو 2022

الإمام الشافعي هو من كبار فقهاء الإسلام، ولد في نفس السنة التي مات فيها أبو حنيفة النعمان، واضعُ أول مذاهب الفقه، كما عاصر مالك بن أنس، صاحب المذهب المالكي، فكان الشافعي ثالث الأئمة الأربعة.

عاصره الإمام أحمد بن حنبل، واضع المذهب الحنبلي، آخر مذاهب الفقه لدى أهل السنة والجماعة، ليكون الإمام الشافعي بذلك، صلة وصلٍ بين الفقهاء، اتفق معهم في مواضع، وخالفهم في أخرى، لكننا هنا، نضيء على حياته، ونبحث في شعره، وحِكَمه.

@alqiyady أفضل قصائد وأبيات الشعر عن الجمال #news #trend #stars #7awi #tiktok ♬ الصوت الأصلي - AlQiyady - القيادي

سيرة الإمام الشافعي

طلب العِلْم من كلِّ أرضٍ وصلها

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع، الهاشمي، القرشي (المطلبي)، يجتمع مع الرسول محمد (ص) في نسبه، عند أعمام أبيه.

ولد الإمام الشافعي في غزة عام 150هـ/767م، ثم انتقل منها إلى مكّةَ المكرمة، وقيل إلى اليمن ثم مكّة، وهو ابن سنتين، فتعلم القرآن الكريم فيها، وحفظ آياته، كما أظهر فطنةً، وذكاءً كبيرين، فبرع في اللغة والشعر، ثم في الفقه، والحديث، حيث أجيزت له الفتوى في العشرين من عمره.

ثم سافر قاصداً المدينة المنورة، طالباً العلم من الإمام مالكٍ بن أنس (93-179هـ/711-195م)، صاحب المذهب المالكي، وثاني أئمة أهل السنة والجماعة، فدرس الشافعي المذهب من منبعه.

وقيل ذهب إلى نجران في اليمن، ثم انتقل منها إلى بغداد، طالباً للعِلم سنة 184 هجرية، ليطَّلع فيها على مذهب أبي حنيفة النعمان (80-150هـ/699-767م) ويدرسه، ثم عاد إلى مكّةَ المكرمة، ومكث فيها خطيباً في الناس، كما كان يلقي دروسه في حلقات العلم في الحرم المكّي الشريف.

عاد الإمام إلى بغداد بعد مكوثه تسع سنوات في مكّة، وكان قد وضع أصول مذهبه، فذاع صيته، ليصل إلى العراق في عهد المأمون معلِّماً، له منهجه، ومعه حججه، لكنه لم يُطِل البقاء في بغداد، حيث ضاق صدره عنها، لما رأى المأمون قد استقرب المعتزلة، الذين عارضهم الشافعي في مسائل كثيرة، فرحل إلى مصر، ليبقى فيها حتى توفاه اللهُ، عن عمرٍ يناهز الرابعة والخمسين، فدفن في مصر، وكان ذلك سنة 204هـ.

أهم مؤلفات الإمام الشافعي

للإمام الشافعي مؤلفات عديدة، في الفقه، والشعر، كما يعتبر الشافعي من الفقهاء المتنورين، الذين استطاعوا خلق اتجاه فقهي جديدٍ في عصره، فريدٍ بفكره، فكان الناس على مذهب أبي حنيفة، أو على مذهب مالك، لكن مذهب الإمام الشافعي، كان نقطة تحول في تاريخ الفقه الإسلامي، إلا أنه اصطدم باتباع المالكية، والحنفية، على الرغم من أنَّه تجنب النقد المباشر للمذاهب السابقة، لكنه في مذهبه، خالفهم دون الإشارة لهم، كان ذلك حتى بلغه أن من المسلمين مَن يقدس الإمام مالك، "فإذا قالوا لهم؛ قال رسول الله، أجابوا قال مالك"، فكانت أول مرة يعارض فيها شيخه، ومعلمه علانيةً، حيث وضع كتاباً بعنوان (خلاف مالك)، ليقول للمسلمين أن مالك يخطئ، فلا يجوز تقديسه، أو الاستشهاد بقوله على قول النبي(ص).

أهم مؤلفات الإمام الشافعي

  • كتاب الرسالة للشافعي:

الذي يوضح فيه الإمام الشافعي أصول الفقه، والإفتاء، وما يجب اتباعه من العلماء، والفقهاء، حيث كتبه أول مرة في مكّة، أو في بغداد، ثم أعاد كتابته في مصر، فأصبح المصنفون يعتبرون الرسالة كتابين، لا كتاباً واحدً، فيقولون الرسالة القديمة، والرسالة الجديدة.

  • كتاب اختلاف مالك والشافعي:

ألَّفه بعد أن بلغه أن من المسلمين من يستنصرون بكلام مالكٍ، على حديث النبي محمد (ص)، وبقي سنة متردداً في إخراج كتابه إلى العلن، حيث كان مالك شيخه، وأستاذه، لكنه أخيراً أخرجه في مصر، وسمي بعدها بنصير الحديث.

  • كتاب الأُمّ للشافعي:

من أخر مؤلفات الشافعي، إلا أنه لم يجمعه في حياته، بل جمعه البويطي، بعد وفاة الإمام، معتمداً على دروس الإمام في مصر، وبعض من مخطوطاته، ومؤلفاته، وهو كتاب في الفقه.

  • ديوان الإمام الشافعي:

كان الإمام الشافعي نابغةً في اللغة العربية، استقى فصاحتها من عرب الصحراء، الذين قصدهم في صباه، ليأخذ عنهم اللغة، وأصولها، ففهم الشعر العربي، وأوزانه، حيث جمعت قصائده، وأقواله في ديوانٍ حمل اسمه.

  • مؤلفات أخرى للإمام الشافعي:

وللإمام الشافعي مؤلفات أخرى في الفقه، وأصول الدين، والعبادة، منها كتاب أحكام القرآن، وكتاب بيان فرض الله عزَّ وجل، كتاب صفة الأمر والنهي وغيرها.

شعر الإمام الشافعي

كما قلنا؛ فقد كان الشافعي نهماً للعلم، لا يدَّخِر جهداً في طلبه، حيث حملته رغبته في المعرفة من بلادٍ إلى بلاد، ومن مجلس شيخ، إلى مجلس آخر، حتى تفوق على أساتذته، كما أنه طلب العلوم من منابعها، فأخذ الحنفية عن خيرة شيوخها، كما أخذ المالكية عن مالك بن أنس نفسه، أما اللغة، فأخذها عن عرب هذيل، وقيل فاقهم حكمةً، وفصاحة.

تأثر شِعر الإمام محمد بن إدريس الشافعي، بعدة ظروف عايشها في حياته.

أولها فقره في طفولته، وصباه، الذي علمه الزهد في المَتاع، والاكتفاء بالضروري، فيقول:

(إذا ما كُنتَ ذا قلبٍ قنــوعٍ فأنتَ ومالكُ الدُّنيا ســواءُ).

كما أن أسفاره أورثته حكمة كبيرة، انعكست في شِعره، فيقول:

(ما في المَقامِ لذي عقْلٍ وذي أدَّبِ مِن راحةٍ فدَع الأوطانَ واغتَربِ).

أما عمله في الفقه، وأصول الدين، فقد برز في شعره أيضاً، ومناجاته، وورعه، إذ يقول قبيل موته:

(ولما قّسا قلْبي وضَاقتْ مَذاهِبي جَعلتُ الرَجا مِني لعَفوكَ سُلَّما).

أجمل قصائد الإمام الشافعي

هو القائل:

ولا خَيرَ في ودِّ امْرِئ مُتلونٍ إذا الرِيحُ مالتْ مالَ حيث تَميلُ

تدخل أغلب أبيات شعر الشافعي، في خانة أبيات الحكمة، فلكلِّ قصيدةٍ موضوعها الفريد، وطريقتها في تناول هذا الموضوع، حيث بلغت أبياته من العمق، أنْ استخدمها العرب كأمثالٍ في حياتهم اليومية، مثل هذه القصيدة الشهيرة له:

إذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى... ودينك موفورٌ وعرضك صينُ
لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ... فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ
وعينُك إن أبدت إليك مَعايباً... فصُنْها وقلْ يا عينُ للناس أعينُ
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى... ودافعْ ولكنْ بالتي هي أحسنُ

وسترى أن في كلِّ بيتٍ من القصيدة التالية، حكمة، ومَثَل:

دَعِ الأيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ وطِبْ نفساً إذا حَكمَ القضاءُ ... ولا تَجْزَعْ لنازِلةِ اللَّيالي فـــمــــــــا لحَوادثِ الدُّنيا بقاءُ

وكنْ رَجلاً على الأهوالِ جَلْداً وشيمَتُكَ السَّماحةُ والوَفاءُ ... وإنْ كَثُرتْ عيوبُكَ في البرايا وسَرَّكَ أَنْ يَكُونَ لَها غِــــــطَاءُ

تَسَتَّرْ بِالسَّخاء فَكلُّ عَيْبٍ يُغطيهِ كما قيلَ السَّخاءُ ... ولا حُزنٌ يَدومُ ولا سُرورٌ ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ

ولا تُرِ للأعادي قَطُّ ذُلّا فإنَّ شـــــــماتةَ الأعْدا بَلاءُ ... ولا ترجُ السَّماحةِ مِن بخيلٍ فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَـــــاءُ

ورِزْقُكَ لَيسَ يُنْقِصُهُ التأَنِّي وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ ... إذا ما كُنتَ ذا قلبٍ قنــوعٍ فأنتَ ومالكُ الدُّنيا ســــــواءُ

ومَنْ نَزَلتْ بســــــاحتِهِ الْمَنَايَا فلا أرضٌ تَقِيهِ ولا سَـــــماءُ ... وأرضُ الله واسعةٌ ولكن إذا نزلَ القضا ضاقَ الــفـــضـــاءُ

دَعِ الأيَّامَ تَغدُرُ كلَّ حِينٍ فما يُغني عن الموتِ الدَّواءُ

حِكمة الشافعي في القضاء والقدر والتسليم

ومنها قوله:

إنَّ الطــَّبــيـــــبَ بطــبِـــهِ ودوائـــهِ لا يَستطيعُ دفــــعَ مقدورِ القَــضَــــا

ما للطَّبيبِ يموتُ بالداءِ الَّذي قد كانَ يُبرئُ مثلهُ فيما مَضَى

هَلكَ المُداوِي والمُداوى والَّذي جلبَ الدَّواءَ وباعَهُ، ومَن اشتَرى

(وقيل إن الأبيات لبشارٍ بن برد، أو لأبي العتاهية، لكن الأرجح أنها للإمام الشافعي، لاتساقها مع منطقه، وأسلوبه، كما وردت في كل طبعات دواوينه، ومنها طبعة دار كرم، دمشق).

كما تجلى في شعر الشافعي، إيمانه الخالص بالنجاة من الشدائد، عن طريق الإيمان بالله عزَّ وجل، وتسليم الأمر له:

صبراً جميلاً ما أقربَ الفَرَجا مَنْ راقَبَ اللهَ في الأمورِ نَجا ... مَنْ صَدقَ اللهَ لَمْ ينلهُ أذى ومَنْ رجاهُ يكونُ حيثُ رجا

أو في قوله:

ولَرُبَّ نازلةٍ يَضيقُ عَنها الفَتى ذَرعاً وعِندَ اللهِ مِنها المَخرَجُ ... ضاقتْ فلمَّا استحكَمتْ حَلَقاتُها فُرِجتْ وكُنتُ أظنُها لا تُفرجُ

كما يسلِّم الشافعي أمره لله، ويرى أن التقوى هي الفائدة الكبرى؛ فيقول:

يُريدُ المرءُ أنْ يُعطى مُناهُ ويأبى اللهُ إلا ما أرادا ... يَقولُ المرءُ: فائدَتي ومَالي وتقوى الله أفضَلُ ما استَفادا

أما في زهده، وقناعته، يقول:

أمطِري لُؤلُؤاً جِبالَ سَرَنديب وفيضي آبارَ تكرورَ تِبـْرا ... أنا إنْ عِشتُ لستُ أعدَمُ قوتاً وإذا مِتُّ لستُ أعدَمُ قَبْـرا

هِمَّتـي هِمَّةُ الملوكِ ونـفسـي نفسُ حرٍّ تَرى المذلةَ كُفـرا ... وإذا مَا قنِعتُ بالقـوتِ عمري فلماذا أزورُ زيـداً وعمـرا

(جبال سرنديب: سيرلانكا، تكرور: منطقة في المغرب العربي، التِبر: فتات الذهب قبل صياغته)

حِكم الإمام الشافعي في الجدال والنقاش

كان الشافعي مجادلاً قوياً، ومحاوراً فطِناً، لكنه ترفع عن مجادلة الجاهل، والسفيه، فيقول:

يُخاطِبني السَّفيهُ بكُلِّ قُبحٍ فَأكرهُ أنْ أكونَ لهُ مُجيبا ... يَزيدُ سفاهةً فأزيدُ حِلماً كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طِيبا

أو في قوله:

منزِلةُ السَّفيهِ مِن الفَقيهِ كمنزِلةِ الفَقيهِ مِن السَّفيهِ ... فهذا زاهدٌ في عِلْمِ هذا وهذا فيهِ أزهدُ مِنهُ فيهِ

ويتخلى الشافعي عن جواب السفيه، حيث يرى في الصمت جواباً شافياً:

إذا نَطقَ السَّفِيهُ فلا تُجِبْه فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ

فإنْ كلَّمتهُ فرَّجت عنهُ وإنْ خلَّيته كمداً يموتُ

سَكتُّ عن السَّفيهِ فظنَّ أنَّي عييتُ عن الجوابِ، وما عييتُ

وفي نفس السياق، يفاخر الشافعي باجتماع أدبه، مع نسبه الشريف، حتى صار موضع حسد، لأديب بلا نسب، أو سليلٍ بلا أدب؛ فيقول:

أصبحتُ بينَ أديبٍ ما لَهُ حسبٌ يَسمُو بِهِ، وحَسيبٍ ما لَهُ مِنْ أدبِ ... فذاكَ يَحسِدُني إذْ كُنتُ ذا حسَبٍ عالٍ ويَحسِدُني هَذا على الأدَبِ

شعر الشافعي في الأسفار والتنقلات

وجد الشافعي فوائد عدة في الأسفار، والسياحة في البلاد، يلخصها بقوله:

تَغَرَّبْ عن الأوطَانِ في طَلَبِ العُلَا وسافِر ففي الأَسفَارِ خَمسُ فَوائـدِ ... تَفَرُّجُ هـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيشَـةٍ وعِلْمٌ، وآدابٌ، وصُحبَـةُ ماجـدِ

فإنْ قيلَ في الأَسفـارِ ذُلٌّ ومِحنَـةٌ وقَطْعُ الفيافي وارتكـابُ الشَّدائِـدِ ... فمَوتُ الفتـى خيـرٌ لهُ مِنْ قِيامِـهِ بِدَارِ هَـوَانٍ بيـن واشٍ وحَاسِـدِ

ويقول أيضاً في السفر:

ما في المَقامِ لذي عقْلٍ وذي أدَّبِ مِن راحـــةٍ فدَع الأوطانَ واغـــتَربِ

سافِر تجدْ عِوضـاً عمَّنْ تُفارقــُهُ وانْصَبْ فإنَّ لَذيذَ العيشِ في النَّصبِ (التعب)

إنِّــــي رأيـــتُ رُكـودَ الــــمــاءِ يُفســدُهُ إنْ ساحَ طابَ وإنْ لمْ يَجرِ لـــــــمْ يَــــــطـــــــبِ

والأُسْدُ لولا فِراقُ الأرضِ ما افترَستْ والسَّهمُ لولا فِراقُ القوسِ لم يُصبِ

والشَّمسُ لو وقفتْ في الفُلْكِ دائمةً لملَّها الــــنـــاسُ مِـــــن عُجمٍ ومِن عَــــــــرَبِ

والتَّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكِنهِ والعودُ في أرضِهِ نَوعٌ مِنْ الــــــــحَـــــــــطَبِ

فإنْ تغرَّبَ هذا عَزَّ مطلَبهُ وإنْ تغرَبَ ذاكَ عَزَّ كالذَّهبِ

شعر الشافعي عن العلم

كما أن الشافعي، وهو طالبُ العِلم المُجد، المجتهد، نَظم في العِلْمِ يقول:

العِلْمُ مَغرسُ كلِّ فخرٍ فافتَخِر وَاحُذَرْ يَفُوتُك فَخْرُ ذَاكَ المغْرَسِ

واعلم بأنَّ العِلْمِ ليسَ ينالهُ مَنْ هَمُّهُ في مَطْعَمٍ أَوْ مَلْبَسٍ

إلا أَخُـــــو العِلْمِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ في حالَتيهِ: عَارياً أو مُكـــــتَــــســــــــي

فاجعلْ لنفسِكَ مِنهُ حظاً وافراً واهْجُرْ لَهُ طِيبَ الرُّقَادِ وَعَـــــــبِّسِ

فَلَعَلَّ يَوْماً إنْ حَضَرْتَ بِمَجْلِسٍ كنتَ الرئيسَ وفخرَّ ذاكَ المجلسِ

شعر الشافعي عن التقدم في السن

على الرغم من أنَّ الإمام الشافعي لم يعش طويلاً، حيث مات عن بضعٍ وخمسين سنة، إلا أنَّه تناول في شعره أحوال التقدم في السن، في أكثر من موضع، أبرزها قوله:

يا واعظَ النَّاس عمَّا أنتَ فاعلهُ يَا مَنْ يُعَدُّ عَلَيْهِ العُمْرُ بِالنَّفَسِ ... احفظ لشبيكَ من عيبٍ يدنِّسهُ إنَّ البياض قليلُ الحملِ للدنسِ

كحــــاملٍ لثيابِ النَّاسِ يغسِلُها وثوبهُ غارقٌ في الرَّجسِ والـــنَّــــجـــــــــسِ ...تَبْغي النَّجاةَ ولَمْ تَسلُكْ طَريقتَهَا إنَّ السَّفِينَةَ لا تَجري على اليَبَسِ

أما عن نفسه، يقول الشافعي:

خبتْ نارُ نفسي بِاشْتِعالِ مَفَارِقي وأظلَمَ ليلي إذ أضاءَ شِهابُها (ويقصد الشيب في رأسه)

أيا بومةً قد عَشَّشتْ فوقَ هامتي على الرَّغم مِني حينَ طارَ غُرابُها

رأيتِ خــــرابَ العُمرِ مني فَزُرْتني ومأواكِ من كلِّ الدِّيارِ خَرابُها

أأنعمُ عيشاً بعدَما حلَّ عارِضي طلائعُ شيبٍ ليس يُغني خِضابُها؟

وعِزَّةُ عمرِ المرءِ قبلَ مَشيبهِ وقد فَنيَتْ نَفسٌ تَولى شبابُهـــا

إذا اصفرَّ لونُ المرءِ وابيــــضَّ شعرُهُ تنغَصَ مِن أيامِه مُستَطَبابُها

فــــدَعْ عنكَ سوءاتِ الأمورِ فإنَّها حَرامٌ على نــــفسِ التَّقي ارتـــــكابُهــــا

وأدِّ زكاةَ الجاهِ واعلمْ بأنَّهــــا كمثلِ زكاةِ المـــــالِ تـــــمَّ نِـــصـــــابُهــا

وأحسِنْ إلى الأحرارِ تملِكُ رقابَهُمْ فـــخيرُ تِجــــاراتِ الكرامِ اكتسابُها

ولا تمشينَ في مَنكِبِ الأرضِ فاخِراً فعمَّـــا قليــــلٍ يحتَويكَ تُـــــــــــرابُهــــا

ومَنْ يذُّقْ الدُّنيا فإنِّي طَعمْتُها وسيقَ إلينـــــا عَذْبُها وعــــذابُهـــــا

فَلمْ أرها إلا غُروراً وباطلاً كما لاحَ في ظهرِ الــــــفلاةِ سَرابُهــــا

وما هي إلا جِيفةٌ مستحيلةٌ عــليهـــــا كلابٌ هَمُّهنَّ اجـــــتِــــــذابَهــــــا

فإنْ تَجنبتَها كُنتَ سِلماً لأهلِهـــــــا وإنْ تجتَذِبها نـــازعَتكَ كلابُهـــــا

فطوبى لنفسٍ أُودعت قعر دارها مُغَلَّقَةَ الأبوابِ مُرخىً حجابُهــا

أشهر أقوال الإمام الشافعي

  • إذا أغفلَ العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله. (ويقصد أن العالِمَ إذا ادعى المعرفة بكل شيء، فقدها).
  • إذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط.
  • ثلاثة أشياءٍ ليس لطبيبٍ فيها حيلةٌ، الحماقةُ، والطاعونُ، والهرم.
  • أربعة أشياء، قليلها كثير: العلَّة، والفقر، والعداوة، والنَّار.
  • جوهر المرءِ في خلال ثلاث، كتمانُ الفقرِ حتى يظنَّ الناس من عفتكَ أنكَ غنيّ، وكتمان الغضب حتى يظنَّ الناس أنك راضٍ، وكتمان الشدة حتى يظنَّ الناس أنكَ متنعم.
  • أرفع الناس قدراً، من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلاً، من لا يرى فضله.
  • غضب الأشراف يبدو في أفعالها، وغضب السُّفهاء يظهر في ألسنتها.
  • لا تبذل وجهك إلى من يهون عليه ردُّك.
  • من أراد الدُّنيا فعليه بالعِلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعِلم.
  • إن الله خلقكَ حرّاَ فكن كما خلقك.
  • رضا الناس غاية لا تدرك.

النص الكامل لوصية الإمام محمد بن إدريس الشافعي

جاءت رواية هذه الوصية، على ألسنة مَن عاصروا الإمام الشافعي رحمه الله، منقولةً عن أبي علي، الحسين بن هاشم بن عمر البلدي، ثم تم تناقلها بين الرواة، كما دوِّنت كلُّها، أو أجزاء منها، في مؤلفات عدة، منها تاريخ الذهبي للقاضي شمس الدين الذهبي، والمناقب للبوهيقي، أما هذا النص الذي بين أيديكم، قام على تحقيقه، وجمعه، الدكتور سعد الدين بن محمد الكبّي، مدير معهد الإمام البخاري للشـريعة الإسلامية، وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أريس الدولية في لبنان، ونورد لكم نص الوصية، كما أورده الدكتور سعد الدين، في كتابه (وصية الإمام الشافعي)، الصادر عن المكتب الإسلامي، بيروت، عام 1994.

(أشهد أنَّ لا إله إلا الله، لا شريك له، وأنَّ محمداً (ص) عبدهُ ورسوله، وأنَّني أؤمن بالله، وملائكته، ورسله، "لا نفرق بين أحد من رسله"، وأنَّ صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وأنَّ الجنَّة حق، وأنَّ النار حق، وأنَّ عذاب القبر، والحساب، والميزان، والصراط حق، وأنَّ الله يُجزي العباد بأعمالهم، عليه أحيا وأموت، وعليه أُبعثُ إنْ شاء الله، وأشهدُ أنَّ الإيمان قولٌ، وعمل، ومعرفةُ قلب، يزيد، وينقص، وأنَّ القرآن كلامُ الله تعالى، غير مخلوق، وأنَّ اللهَ يُرى في الآخرة، يَنظرُ إليه المؤمنون، عياناً جهاراً، ويسمعون كلامه، وأنَّه فوقَ العرش، وأنَّ القدر خيره، وشره، من الله عزَّ وجل، لا يكون إلا ما أراد اللهُ عزَّ وجل، وقضاهُ، وقدَّره، وأنَّ خير الناس بعد رسول الله، أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم أجمعون، وأتولاهم، وأستغفر لهم، ولأهل الجملِ، وصفين، القاتلين، والمقتولين، وجميع أصحاب النبي (ص) أجمعين، والسمعُ والطاعة لأولي الأمر، ما داموا يصلّون، والولاة لا يُخرجُ عليهم بالسيف، وأنَّ الخلافة في قريش، وأنَّ ما أسكرَ كثيره؛ فقليله حرام، والمتعة حرام، وأوصي بتقوى الله عزَّ وجل، ولزوم السُنة، والآثار، عن رسول الله عليه السلام وأصحابه، وتركِ البدع والأهواء، واجتنابها، " اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" فإنَّها وصية الأولين، والآخرين، " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" فاتقوا الله ما استطعتم، وعليكم بالجمعة، والجماعة، ولزوم السُنة، والإيمان، والتفقه في الدين.

ومَن حضرني منكم، فليلقني، لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وتعاهدوا الأظفار، والشوارب قبل الوفاة إنْ شاء الله، وإذا حضرتُ؛ فإن كانت عندي حائضٌ، فلتقم، وأن يطيبوا ويدهنوا عند فراشي.)

ختاماً... إنما الإمام الشافعي، عَلَمٌ من أعلامِ الإسلام، وشهابٌ من أشهُبِ الشِعر، حيث قيل، إن نبي الله محمد (ص)، تنبأ بعالِمٍ من قريش، يملأ طباق الدنيا عِلْماً، فقال الإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة، أنَّ هذا العالِم هو الشافعي، كما أن المذهب الشافعي، منتشر في كلِّ بلاد المسلمين، من الحجاز إلى الهند، ومن الشام إلى المغرب.