شعر الأديب والمفكر المصري سيد قطب

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 22 أغسطس 2021
شعر الأديب والمفكر المصري سيد قطب

شخصية سيد قطب من الشخصيات التي ما زالت تثير جدلاً كبيراً حتَّى يومنا هذا، فهو أحد أبرز مفكري ومنظري جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

ويعتبره البعض شهيداً مات دفاعاً عن الإسلام، كما أنَّه شاعرٌ فذ وأديب لامع، له العديد من المؤلفات الأدبية إضافة إلى مؤلفاته الدينية.

ولا بد أنَّ نذكِّر القارئ أنَّنا في هذه المادة لا نتناول حياة سيد قطب السياسية ومسيرته في جماعة الإخوان المسلمين.

وإنَّما مقامنا الحديث عن شعره وإيراد أجمل وأبرز قصائده في موضوعات مختلفة، لذلك سنتوقف وإياكم مع لمحة سريعة عن حياته دون الخوض بتفاصيل آرائه السياسية وحادثة اعتقاله وإعدامه.

وسنكتفي بذكر الخطوط العريضة في نهاية هذه المادة.

 

شعر سيد قطب وأعماله الأدبية والدينية

في البداية قدم سيد قطب العديد من المقالات الأدبية إضافة إلى مقالاته عن الحياة في أمريكا، كما كان ينشر قصائده في المجلات والجرائد.

ثم أصدر ديوان الشاطئ المجهول الذي يعتقد أنَّه ديوانه الوحيد فضلاً عن عددٍ من الروايات، لكنَّه فيما بعد تحوَّل إلى الكتابة الإسلامية.

ومن أبرز أعمال سيد قطب الأدبية:

  • ديوان الشاطئ المجهول.
  • رواية أشواك.
  • رواية المدينة المسحورة.
  • النقد الأدبي.
  • ربما أصدر ديواناً بعنوان أصداء الزمن سنتكلم عنه لاحقاً.
  • كما تم جمع كمية كبيرة من مقالاته في كتب حسب موضوعها.

وأبرز أعمال سيد قطب الدينية:

  • التصوير الفني في القرآن.
  • مشاهد القيامة في القرآن.
  • هذا الدين (ألَّفه في سجنه الأول).
  • المستقبل لهذا الدين (أيضاً ألَّفه في سجنه الأول).
  • في ظلال القرآن (أكمله في السجن).

صدر ديوان السيد قطب بعد وفاته بحوالي ربع قرن

صدرت الطبعة الأولى من ديوان سيد قطب عن دار الوفاء في المنصورة عام 1989، أي بعد حوالي 23 سنة انقضت على إعدام سيد قطب عام 1966.

وقد بذل عبد الباقي محمد حسين مجهوداً كبيراً في جمع وتحقيق هذا الديوان، فكان أن استعان بديوان سيد قطب الوحيد الذي يحمل اسم (الشاطئ المجهول).

ثم جمع ما نُشر في الصحف والمجلات فكادت تساوي بكميتها الديوان الوحيد لسيد قطب.

وربما كان لسيد قطب ديوان بعنوان (أصداء الزمن) لكن لم يعد له أثر، وربما تم سحبه من المكتبات والتخلص منه على خلفية أزمة سيد قطب التي أودت بحياته فلم يتسنَّ للمحقق أن يصل إلى هذا الديوان.

لكنَّه وصل إلى بعض القصائد المنشورة في الصحف والتي اعتقد أنَّها تنتمي إلى هذا الديوان، كما وصل إلى شهادات تفيد بأنَّ هذا الديوان طُبع واختفى.

يسير المحقِّق في الديوان من خلال تقسيمه تبعاً للموضوعات، ونحن سنسير وإياكم على خطاه:

  • فصل التمرد.
  • فصل الشكوى.
  • فصل الحنين.
  • فصل التأمل.
  • فصل الغزل.
  • فصل الوصف.
  • فصل الرثاء.
  • فصل الوطنيات.
 

أجمل ما قال سيد قطب في باب التمرد

ويبدو أنَّ المحقِّق عمد إلى تسمية هذه المجموعة من القصائد بقصائد التمرد لما تحتويه من تمرد على النفس.

حيث تدور أغلبها في حوار بين سيد قطب ونفسه يرفض فيها الخضوع للحزن والكآبة وظروف الحياة، كما نلاحظ وإياكم من قول سيد قطب:

أحياةٌ؟ أمْ نارُ الجحيمِ بلظاهَا الهَائجِ تَستَعِرْ؟

لا... ففي نَفسِي مِن الشَّجو الأليمِ مِن حَياتي فَوقَ ما في سَقرْ

آهٍ؛ لا شَكوى ولا بثَّ شَجَنْ، لا أُريدُ الضّعفَ كلا لا أُريدْ

سَوفَ لا يَظهرُ مِني ما كَمن فليشدَّ الخَطبُ إنّي لشَديدْ.

كذلك في قول سيد قطب:

ضقتَ بالقَيدِ فانطلقْ أيُّها الآبِقُ الشَّرودْ

قدْ تحرَّرَتَ فاستَبقْ للصِّراعاتِ مِن جَديدْ

انطلقْ تصعدُّ إلى الرباةْ ثمَّ تَهوي إلى السُّفوحْ

شارداً تقطعُ الحياةْ في التَّعلَّاتِ والطُّموحْ

جمرةٌ أنتَ تَتقدْ خَلفَ سِترٍ مِن رَمادْ

وهي تَذكو بلا مَدَدْ ثمَّ تَغدو إلى نَفادْ.

ولكننا نفقد معنى التمرد عند سيد قطب في القصيدة التالية على الرغم من وضعها في باب التمرد أيضاً:

طَافَ بِي مُستَطلِعاً حُلمي القَديمْ فتطلَّعتُ إليهِ في وجُومْ

قلتُ: مَن أنتَ؛ فأغضَى خَجَلا قالَ لِي: حُلمكَ في العَهدِ الوَسيمْ

قلتُ: يا حُلمُ. مَتَى عَهديَ ذَاك؟ مُنذُ كَم يا حُلمُ قدْ طَافتْ رؤاكْ

قالَ: لمْ يَبعُدْ بأطيافِي المَدَى قلتُ: ما أبعدَ ما مرَّتْ خُطاكْ

شَدَّ يا حلميَ ما قد حالَ حسِّي؟ شدِّ يا حُلميَّ ما أنكرتُ نَفسي!

أتُرى ذاكَ الذي تعرفُه؟ قال: ما تُبصِرُ عيني غيرَ رَمسِ!

ومضَى عَني في يَأسٍ عَقيمْ سادرَ الخُطوةِ في الأرضِ يَهيمْ

قلتُ: يا حُلميَ تَمْضي مُفرداً ليسَ في الرَّمسِ سِوى قلبٍ رَميمْ!

 

وفي باب الشكوى يبثُّ سيد قطب همومه شِعراً

في هذا الباب قام المحقِّق بجمع القصائد التي تجتمع على الشكوى من ظروف ومواضيع مختلفة، منها البحث عن الصديق، ومنها شكوى الغربة، وبعضها كآبة الخريف، كما نجد سيد قطب يشكو الشِّعر عندما يقول:

دَعني ولا تَنفُسْ عليَّ مَواهِبي، خُذها وخُذْ ألَمي بِها ومَتَاعِبي

دَعنِي فلَستُ كَما حَسِبتَ مُنعَّماً بمواهبٍ مَلَكَتْ عَليَّ مَذَاهِبي

دَعني أعيشُ كَمَا يَشاءُ لي الأسَى لا كُنتَ مِثلي، لا دَهتْكَ نَوائبِي

الشِّعر مِن نِعمِ الحَياةِ عَرفتُهُ وعَرفتُ فيه البُؤسَ ضَربة لازِبِ (لازب أي ثابت ولازم)

الشِّعر ذَوْبُ حُشاشَةٍ مَسفوكَةٍ ألماً ووجداً في حَنينٍ ذَاهبِ

ما ضَرَّ قوماً لا تُذابُ قلوبُهم شِعراً ودمعاً مثلَ قِلبي الذَّائِبِ

النَّاسُ تقنعُ بالحياةِ وتَرتَضي مِنها مَحاسِنَ شُوِّهتْ بمثالِبِ

والشَّاعِرونَ تؤزُّهم أدرَانُها يبغونَها لمْ تَمتَزج بشوائبِ

حِسٌّ أرقُّ مِن الأثيرِ يُهيجُهُ ما قدْ تمرُّ عليهِ مرَّ اللاعِبِ

وهي الحَياةُ لمَنْ رقَّ شُعورُهُ ألمٌ وأنْ يُكثِّف فلذَّةَ راغِبِ

ومن شكوى سيد قطب قوله:

ابحثوا لي ما استَطعتم عن صَديقْ فلقدْ أعيانِي البَحثُ الكَثيرْ

مخلصُ الطَّبعِ لهُ قلبٌ رَقيقْ، خالصُ الإحساسِ فَيَّاضُ الشُّعورْ

إنَّ هذا القَلبَ يَهفو أبدا

لصَديقٍ أصطفيهِ مُفرَدا

وأريدُ الودَّ رطباً كالنَّدَى

غيرَ أنَّ الكَون ذو طبعٍ صَفيقْ ناضبَ الإحساس مَمسُوخَ الضَّميرْ

يُحقِّر الإخلاصَ في القَلبِ الشَّفيق ويَرى الغَدرَ بإعجابٍ جَديرْ

طالما هِمتُ بحبِّ الأصدقاءْ

وتـغنَّيتُ بألحـانِ الوَفاءْ

سامياتٍ كأنـاشيدِ السَّماءْ

سَـكرةٌ عَجلى ومِن ثمَّ أفيقْ فإذا بي ألمسُ الـغَدرَ الحقيرْ

وإذا الإخلاصُ خَلَّابٌ بَريق مِن سَرابٍ أو سَنا برقٍ قَصيرْ

أيّـهذا الكونُ إنْ كنتَ تُجيبْ

أيُّ عيشٍ في حِمى الغَدرِ يَطيبْ؟

ثمَّ ماذا تَبتَغي تِـلكَ القُلوبْ

غيرَ إحساسٍ مِن العَطفِ رَقيقْ يَغمرُ الأرياحَ فيَّاحَ العَبيرْ

فإذا العَيشُ رجاءٌ ووثوقْ وإذا الكَونُ رِضاءٌ وحُبورْ

ولسيد قطب شكواه من فصل الخريف، وكنا قد أوردناها سابقاً في مادة خاصَّة عن أجمل ما قيل في فصل الخريف من الشِّعر يمكنكم الاطلاع عليها من خلال الضغط على هذا الرابط.

وإليكم مقتطفات من قصيدة سيد قطب الخريفية:

الأرضُ غيرُ الأرضِ في دَورانِها لتَكادُ من فَرطِ السَّآمةِ لا تَدورْ

والرِّيحُ غيرُ الرِّيحِ في جَولانِها لتَكادُ تَكتمُ في جَوانِحها الزَفيرْ

والطَّيرُ غيرُ الطَّيرِ في ألحانها لتَكادُ تنعبُ بالخَرابِ وبالثُبورْ

والنَّاسُ غيرُ النَّاسِ في آمالهـا ليَكادُ يَجثو اليَأسُ في تِلكَ الصُّدورْ

بكَر الخَريفُ فويلهُ هذا البٌكورْ ودَنا المَصيرُ فويلهُ هذا المَصيرْ

 

شعر الحنين عند سيد قطب

وفي باب الحنين يتذكر سيد قطب أيَّام الصغر ويحنُّ إلى حياته الريفية في القرية التي أصبحت بعيدة عنه كلَّ البعد لكنها لم تغادره ولم تغادر شعره، يقول سيد قطب في ليالي الريف:

مِن حَنينِ الفُؤادِ، مِن خَفقاتِهِ ذَلك الشِّعرُ مِن صَدى زَفراتِهِ

وسِعتهُ الألفاظُ وزناً ومَعنى ثمَّ ضَاقتْ عَن روحِهِ وسِماتِهِ

هو وحيٌ لذكرياتٍ حِسانٍ أودَعَ الخُلدُ بينها ذِكرياتِهِ

وليالٍ يا حُسنها مِن ليالٍ يَشتَريها مُخلَّـدُ بحياتِهِ

هَمسَ الصَّمتُ بَينَها هَمساتٍ خَفَضَ الكَونُ عندها خَفقاتِهِ

وسَرى البَدرُ مغمِضَ الجَفنِ وسنان كَطيفٍ مُستغرقٍ في سُباتِهِ

يا جمالاً بريفِ مصرَ قَريراً هادئ البَالِ في خُشوعٍ وَقُورِ

لَستُ أنسى لياليّا فيكَ مَرَّتْ هُنَّ أطيافُ عهدِنا المأثورِ

حينَ نَسري والبَدرُ يَنشُر ضوءً فوقَ سَهلِ كالعَيلمِ المَسجورِ (العيلم المسجور: البحر المملوء.)

ويقول سيد قطب في حنينه لعهد الصغر:

إذا جــنَّ اللَّيلُ تجيشُ الفِكرْ ويؤرِّقُ جَفني مَرُّ الذِكرْ

ويَخلو فُؤادي لأحلامِه فيجعلُ مِنها حَـديثُ السَّمرْ

وتخلُدُ رُوحي إلى الذِكرياتِ فتسري تِباعـاً سِراعاً تَمرْ

فآناً تَــؤُزُ وآناً تلذُّ وآناً تسوءُ وآناً تَسُرْ

وعندما يحنُّ سيد قطب إلى ذكرياته يعبِّر عن حنينه هذا شِعراً فيقول:

حدِّثاني بما مَضَى حدِّثاني وأعيدا إلى عَهدِ الأمَاني

واذكُرا لي زَمانَ عشتُ طَروباً لا أبالي بحادِثاتِ الزَّمانِ

وصِفا لي ليالياً قَدْ تَقَضَّتْ كنتُ فِيها كالحالِمِ الوَسْنانِ

صوِّرا لي الرِّياضَ والزَّهرَ والوردَ ولحنَ الطُّيورِ عَذبَ الأغانِي

وأعيدا لمسْمَعي ذِكرياتٍ لا تَصدَّى لَها يدُ النِّسيانِ

 

شعر في التأمل لسيد قطب

ويشتمل شعر التأمل عند سيد قطب على مجموعة من القصائد البديعة التي تعبِّر عن آراء الشاعر في بعض القضايا الفلسفية بطريقة شعرية، فهو يصوِّر سكينة قلبه في أبياته التالية:

هدأتَ يا قَلبُ فاهدأ هَكذا أبداً وعِشْ هَنيئاً إذا أحسَسْتَ سَلَوانا

فجمرةُ الحُبِّ قدْ تَخبو ويَعقُبُها بردُ السَّلو وتنسَى كلَّ ما كَانا

فلا رَجاءً ولا شَكوى تُردِّدُها ولا دَلالَ ولا وَجداً وتِحنَانا

تُمْسي وتُصبِحُ حُرّاً غَيرَ مضطرِبٍ ثَبْتَ الجَنَانِ مُريحَ البَالِ طَمآنا

وما الحَياةُ إذا رَقَّ الشُّعورُ سِوى بُؤسٍ يجرَعُهُ الإنسانُ غَضَّانا

وفي الدنيا يقول سيد قطب:

إيه يا دُنيا وما أنتِ سِوى عَبثُ الأطفالِ فيما يَلعبونْ

ضجةٌ صَاخبةٌ لا تَحتَوي غَيرَ أًصداءٍ قَوياتِ الرَّنينْ

فإذا فتَّشتَ عَن مَبعثِها لمْ تَجِدْ شَيئاً تُخْبيه الوُكُونْ (الوكن: عش الطائر).

حوار النخيل في الصحراء

كُتبت هذه القصيدة على جبل المقطَّم عندما كان الشاعر يتأمل نخلتين في القفر، وكانت إحداهما طويلة والأخرى قصيرة، فدار بين النخلتين هذا الحوار:

النخلة الصغيرة:

ما لَنا في ذَلك القَفرُ هنا ما برحنـا منذ حينٍ شاخصاتْ؟

كلُّ شَيءٍ صامتٌ مِن حَولِنا وأرانا نَحنُ أيضاً صامتاتْ

تَطلعُ الشَّمسُ عَلينا وتَغيبْ

ويطلُّ اللَّيلُ كالشَّيخِ الكَئيبْ

والنُّجومُ الزُّهرُ تَغدو وتثوبْ

وهجيرٌ وأصيلٌ وطلوعٌ وأفولٌ ثمَّ نَبقَى في ذُهولٍ سَاهماتْ

أفلا تدرينَ يا أختي الكَبيرةُ ما الذي أطْلَعَنا بينَ اليَبابْ؟

أيُّما إثمٍ جَنينا أو جَريرةٍ سَلكَتنا في تَجاويفِ العَذابْ؟

قدْ سَئمتُ اللَّبثَ في هَذا المكانْ

لبثةَ المصلوبِ في صُلبِ الزَّمانْ

أفما آنَ لتبديلٍ أوانْ؟

حدِّثيني لمَ نَشقى؟ حدِّثيني كَم سَنلقَ ؟ حدِّثيني كَم سَنبقى واقفات؟

النخلة الكبيـرة:

أنا يا أختاهُ لا أدري الجَواب ودفينُ السِّرِّ لمْ يُكشفْ لَنا

منذ ما أطلعتُ في هَذا الخَرابْ وأنا أسألُ: ما شَأني هنا؟

فيجيبُ الصَّمتُ حَولي بالسُّكونْ

وأنا أخبطُ في وادِي الظُّنونْ

لَستُ أدري حكمةَ الدَّهرِ الضَّنينْ

غيرَ أنَّا حائراتٌ واللَّيالي العابثات تتجنَّى ساخِرات لاهياتْ

ربَّما كنَّا أسيراتِ القَدرْ تَسخرُ الأيَّامُ منَّا واللَّيالي

تضربُ الأمثال فينا والعِبرْ وإذا نَشكو أذاها لا تُبالِي !

ربَّما كُنَّا مساحيرَ الزَّمنْ

قدْ مُسِخنا هكذا بين القَننْ

في ارتقابِ السَّاحر المحيي الفَطِنْ!

فإذا كانَ يعودُ فكَّ هاتيكَ القيودْ فرَجِعنا للوجودِ ظافرات.

 

وباب الغزل عند سيد قطب هو أكبر أبواب الدِّيوان

يشغل الغزل حيِّزاً كبيراً من ديوان سيد قطب ليحتوي باب الغزل وحده على أكثر من أربعين قصيدة، لكنَّ غزل سيد قطب ينتمي إلى الغزل العذري.

الذي يهتم بالجوانب الشعورية ويبتعد عن التجسيد الوصفي، ومن أبيات الغزل عند سيد قطب قوله:

تُذكِّرني الماضِي فآسَى لذكرِهِ وتوقِظُ أشجانِي وقدْ كُنتُ نَاسِيا

وتُلهبُ إحساسِي بأنغامِكَ التي تُحدِّثُ عَن قلبي إذا أنَّ بَاكِيا

حَنانَكَ هذا القَلبَ قدْ آدهُ الأسَى فخلَّفهُ نِضواً مِن الهَمِّ واهيا

تهيجُ بهِ الأنغامُ آلامَه التي تحمَّلها بالرَّغمِ أسَوانَ راضِيا

تحمَّلها لمْ يَشكُ للنَّاسِ ثِقلها وقَدْ كانَ مَعذوراً لو التاعَ شَاكِيا

وسنجد خير مثال عن شعر سيد قطب العذري في قصيدته هذه:

أحبُّكِ كالآمالِ إذ أنتِ مِثلُها يذكِّينَ في نَفسِي أعزَّ مَواهِبي

وما هِي إلَّا نَظرةٌ شاعِريَّةٌ تعبِّرُ عمَّـا شئِتُه مِن رَغائبِ

فتسري إلى نَفسي مَضَاءً وجُرأةً ووثبةَ حسَّاسٍ وعزمَةَ رَاغبِ

ورَوحاً ذكيَّ النَّفحِ يَسري كأنَّهُ نَشيدُ ملاكٍ هائمٍ مُتقارِبِ

يُعيدُ إلى المكدودِ راحةَ نَفسـِهِ ويبعثهُ خلقاً جَديدَ المَطالبِ

أحبُّكِ مِن قلبي الذي أنتِ ملؤهُ ومِن كلِّ إحساسٍ بنفسي ذَائبِ

فؤادِي الَّذي فتَّحتِ فِيه مَشاعراً مِن الحُبِّ والإحساسِ شتَّى المَذاهِبِ

سَموتُ بِه حتَّى تَكشَّفَ دُونهُ عَوالمُ أخرى تائهاتِ الجَوانِبِ

عوالمُ لا تَبدو لقلبٍ منقَّبٍ بلا ذلك القَلبِ الرَّفيقِ المُصـاحِبِ

بها كلُّ لذَّاتِ الحَياةِ ودونَها لذائذُ أخرى كاذباتِ العَواقِبِ.

ويصف سيد قطب نظرة سحرته، فيقول مغازلاً:

إلى أي سرٍّ؟ بل إلى أيِّ طَلسَمِ تَوجَّه مِن عَينيكِ شُعاعُ مُلهمِ؟

إلى مخبأ الأسرارِ في نَفسِ كَاهنٍ تَحجُبها أستَارُ دجوانَ مُظلمِ (دجوان:  من دجا، والقصد كامل الظلمة)

إلى غابرِ المَاضي الذي ضَاعَ رَسمُهُ وغيَّبَه النِّسيانُ في تيهِ عَيلمِ

إلى القابِلِ الآتِي الذي نَدَّ طَيفُهُ عنْ الوهمِ بلْ ضَلتهُ رُؤيا المنجِّمِ

إلى حيثُما الأقدارُ تمضي أمورها على خفيةٍ مِن وهمِهِ المتوهِّمِ

إلى ما وراء الكونِ والعَالَمِ الذي تحيطُ بهِ رُؤيا السُّحَيْرِ المنوَّمِ

ويفسر سيد قطب طريقته في الحبِّ فيقول:

أحبُّكِ حبَّ الهَوى والجُنونْ أحبُّكِ حبَّ الرَّشادِ الرَّزينْ

أحبُّكِ بالقلبِ في وَقدةٍ أحبُّكِ بالعقلِ جَمَّ السُّكونْ

وتَبدينَ في قَلبيَ المُستطارْ كما تُسفرينَ بفكري الرَّصينْ

ففيكِ تلاقَى الهَوى والهُدى وشابَهُ فيكِ الرَّشادُ الجنونْ

فأما ازدهَانِي بحبِّي الفتون ركنتُ بهِ للحَجا واليَقينْ.

 

وكان لدى سيد قطب قدرة مميزة على تصوير المشاهد في شِعره

الوصف هو بابٌ شبه دائم لدى الشُّعراء العرب، ولمَّا كان سيد قطب شاعراً محترفاً فقد نظم العديد من القصائد واصفاً ما يشاهده أو ما يتعامل معه، وقد اخترنا منها وصفه لوردةً ذابلة؛ فيقول:

قدْ تولَّتْ وذوتْ نُضرَتُها وبَدتْ كالميتِ المُحتَضِرِ

تَفتَحُ الأجفانَ أو تُغمِضُها فتحَةَ الضَّعفِ وغَمضَ الخَوَرِ (فعلها  خار أي ضعفت قواه)

وشَذاها لمْ يَزلْ يُفعمُني فيُعيدُ الشَّجوِ لي بالذِّكرِ

كما قال سيد قطب يصف آلة العود:

مُحلِّلُ القلبِ أنغاماً وألحانَا ومُلهمُ الوحي إسراراً وإعلانَا

وموقِظُ النَّفسِ إنْ طافتْ بها سِنةٌ وأنتَ تَهمسُ بالأنغامِ وسْنانَا

ومُطلقُ الرُّوحِ تَسمو في مَعارِجها وتَطرقُ العَالمَ العُلويَّ أحيانا

وباعثَ الذِّكَرِ اللائي إذا اشتَجَرتْ أثرنْ في النَّفسِ آلاماً وأشجانا

وواهبَ الحِسِّ لطفاً في مَدارِكهِ وموحِي الشِّعر إحساساً وأوزانا

أسلتَ نَفسي بالألحانِ تُنشِدها إنشادَ ذي شَجنٍ قدْ هامَ تَحنَانَا

كأنَّ ألحانَكَ اللائِي تُردِّدُها أطيافُ ذِكرى توارتْ، ترجِعُ الآنا

 

ومن مرثيات سيد قطب القليلة مرثية سوسو ونوسة!

لم يُجمع لسيد قطب من الرِّثاء إلا تسع قصائد، منها قصيدتين تعتبران من غريب الرثاء، حيث رثا قطَّة اسمها سوسو وقطَّة اسمها نوسة.

ربما يعتقد القارئ أنَّ رثاء سيد قطب للقطط كان للتسلية، لكنَّ الأبيات التي كتبها في  رثاء القطط تدلُّ على غير ذلك.

يقول سيد قطب: سوسو هرٌّ أليفٌ ظرف، انطفأت فيه شعلة الحياة المقدَّسة بين يديَّ، وهذه مرثيته أو مرثية الشعلة الخابئة فيه:

لقدْ هَمدتْ في الضُّلوعِ الحياةُ فما يَرتجفُ القَلبُ أو يَخفِقُ

وقَد غابَ لألاؤها في العُيونِ فَما تَرمقُ الكونَ أو تَبرقُ

وقَدْ سَكَنتْ نَأمةٌ في حُشاهُ فما عَادَ يَقفِزُ أو يُمزِّقُ

فيا قُربها لًحظةٌ في الزَّمانِ ويا بُعد آثارها تَنطقُ

وتنقُل مِن عَالمٍ صَاخبٍ إلى عَالمٍ صَمتُه مُطبِقُ

كذلك رثا قطته نوسة التي صاحبته 12 سنة، ويقول سيد قطب أنَّها كانت تحتلُّ مكان الطفل الحبيب وتشغل فراغه من نفسه وزمنه، فكانت تمنحه "الودَّ والثقة والدعابة" ثم ماتت بين يديه:

أغمضي عَينيكِ قدْ آنَ الأوانُ ودَعيني نُهبةً للشَّجنِ

وأمِّني دُنياكِ في آتي الزَّمانِ ودَعيني لعبةً للزَّمنِ

هذهِ كَفي وقَدْ مرَّتْ عليكِ في حنانٍ وارتياعٍ وولوعِ

لمْ تحُسِّها ولمْ ينبض لديكِ قلبي النَّابضُ مِن بينِ الضُّلوعِ

هذهِ الكفُّ التي كمْ دلَّلتك، وسدتك اليوم أطباقَ الثَّرى

أيُّ حاليها تُرى أحنى عَليكِ؟ ليتَني أدري ومَن فينا دَرى؟

 

وفي باب الوطنيات لم يكتب سيد قطب سوى أربع قصائد

كتب سيد قطب قصائد في رثاء سعد زغلول أدرجها المحقِّق في باب الرِّثاء، كما لم يصل إليه إلَّا أربع قصائد ليصنِّفها في باب الوطنيات، اخترنا لكم منها هذه القصيدة بعنوان "إلى البلاد الشقيقة":

عهدٌ على الأيَّامِ ألَّا تُهزموا، فالنَّصرُ ينبتُ حَيث يُهراقُ الدَّمُ

(يهراق: من هرق أي سكب وسفك)

في حيثُ تَعتَبطُ الدِّماءُ فأيقنوا، أنَّ سوف تحيوا بالدِّماءِ وتَعظموا

(تعبط: من عبطة الموت)

تَبغونَ الاستقلالَ؟ تلكَ طريقهُ، ولقدْ أخذتُم بالطَّريقِ فيمِّموا

وهو الجِهادُ حميةٌ جشَّامةٌ ما أن تخافَ مِن الرَّدى أو تَحجُمُ

إنَّ الخُلودَ لمن يُطيقُ مَيسّرٌ، فليمضِ طُلابُ الخلودِ ويُقدِموا

وطنٌ يقسَّمُ للدَّخيلِ هديَّةً فعلامَ يَحجُمُ بعدَ هَذا مُحجِمُ؟

الشَّرق؛ يا للشَّرقِ تلكَ دِماؤهُ والغربُ يا للغربِ يُضريهِ الدَّمُ

(يضريه: من الضرر)

الشَّرقُ ويحَ الشَّرقِ كيفَ تَقحَّموا حُرماتِهِ الكُبرى وكيفَ تَهجَموا؟

غرّتهمُ سِنةُ الكرَى فتوهَموا، يا للذكاء فكيفَ قدْ غرَّتهمُ؟

سَنةٌ ومرَّتْ والنِّيامُ تيقَظوا فليعلموا مَن نَحنُ أو لا يَعلموا

اليومَ فليلغوا الدِّماءُ وفي غَدٍ فليندموا عَنها ولاتَ المَنْدمُ

أبطالُ الاستقلالِ تِلكَ تحيَّةٌ مِن مصرَ يَبعثُها فُؤاد مُفعَمُ

إخواننا في الحَالِ والعُقبى مَعاً إخواننا فيما يَلَذُّ ويؤلِمُ

مصرُ الفتاةُ وما تزالُ فتيَّةً تَهفو إليكم بالقُلوبِ وتَعْظُمُ

في كلِّ مُطّلعٍ وكلِّ ثنيةٍ نارٌ مِن الشَّرقِ الفَتيّ ستُضرمُ

 

لمحة عن حياة الشاعر والأديب المصري سيد قطب

ولد سيد قطب إبراهيم الشاذلي في محافظة أسيوط المصرية في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1906، وانتقل إلى القاهرة ليتابع تعليمه حتَّى تخرَّج من كلية دار العلوم عام 1933.

حصل على وظيفة في وزارة المعارف وتنقل بين أعمال مختلفة في الحقل التربوي والتعليمي، كما بدأ بنشر مقالاته في الصحف المصرية في هذه المرحلة.

سافر سيد قطب إلى الولايات المتحدة الأمريكية مبتعثاً (ضمن بعثة) من وزارة المعارف وعاد إلى مصر في عام 1950.

وبعد ثلاث سنوات من عودته إلى مصر انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وأصبح مسؤولاً عن قسم نشر الدعوة ورئيساً لجريدة الإخوان المسلمين.

اعتقال سيد قطب وإعدامه

تم اعتقال سيد قطب مرتين، فكانت الأولى على خلفية محاولة اغتيال الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1954.

حيث تم اعتقال العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين لاتهامهم بتدبير محاولة الاغتيال التي تعرف بحادثة المنشية ومن بينهم سيد قطب.

حُكم على قطب 15سنة سجن، لكنَّه خرج قبل انتهاء المدَّة بإعفاء صحي وقيل بوساطة من الرئيس العراقي عبد السلام عارف، كان ذلك في أيار مايو عام 1964.

ثم تم اعتقال سيد قطب ثانية في شهر آب/ أغسطس عام1965 بعد اعتقال أخيه محمد قطب بشهر واحد، كما تم اعتقال بعض أعضاء الجماعة ليتم الحكم بالإعدام على سبعة منهم من بينهم سيد قطب.

حيث تمَّ تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب في نهاية شهر آب/ أغسطس عام1966 بعد إدانته بالتخطيط لقلب نظام الحكم بالقوة واغتيال الرئيس.

ختاماً... لا بد أنْ يصطدم الباحث أثناء البحث عن سيرة سيد قطب بعقبات كثيرة، في طليعتها الراغبون بإعطائه هالة البطولة ووسامها والرَّاغبون بنزع هذه الهالة عنه وتصويره كمتآمر.

لكن من حسن حظنا أنَّ الشِّعر يبوح عن نفسه دون وساطة، ومن حسن حظنا أنَّ شعر سيد قطب على الرغم من تبعثر أكثر من نصفه في المجلات والجرائد إلَّا أنَّه وجد طريقه ليكون في ديوان.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة