اجتماع الأحمدية في ألمانيا .. "محبّة للجميع ولا كراهية لأحد"
بلدة مينديغ (Mendig)، هي بلدة وادعة تقع بالقرب من مدينة كوبلنز بولاية راينلاند-بفالتس بغرب ألمانيا. إنها لا تختلف عن غيرها من البلدات في منطقة الآيفيل الخلابة، المليئة بالأنهار والجداول والمروج الخضراء، عدا أنه يقع بالقرب منها مطار للطائرات الصغيرة. وعلى مدار ثلاثة أيام، من الجمعة 29 أغسطس/ آب 2025 وحتى الأحد 31 من الشهر نفسه، تحولت أرض هذا المطار إلى ساحة اجتماع "الجماعة الأحمدية"، الذي يطلق عليه "جلسة سلانة".
أكثر من 200 خيمة على أرض المطار
للمرّة الثانية يُعقد هذا التجمّع على مهبط الطائرات في مينديغ. وشُيّدت هنا مدينة تضمّ أكثر من 200 خيمة، تتسع لحوالي 40 ألف شخص، حضروا إلى مينديغ. كانت هناك خيام مخصّصة للصلاة، وأخرى للطعام، وغيرها للمعارض وللسوق وللخدمات الطبيّة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ويفصل بين النساء والرجال في ساحة التجمّع، فيصلّون وينامون في خيام مختلفة.
عند الخروج من الطريق باتجاه البلدة وعلى بعد عشرات الكيلومترات يقف شباب يحملون لافتات تشير إلى اتجاه التجمع، لا فرصة لإضاعة الطريق، معهم يقف رجال ونساء من الشرطة الألمانية. طابور من مئات السيارات تتجه إلى المطار من بوابات مختلفة، تحمل أرقاما تشير إلى بلدان أوروبية مختلفة. علما بأن المقرّ الرئيسي ومقرّ الخليفة الأحمدي الخامس، ميرزا مسرور أحمد، في لندن.
ما عقيدة الجماعة الأحمدية؟
في صلاة الجمعة في "جلسة سلانة" بدأ الخطيب خطبته باللغة الأردية ثم العربية ثم أقيمت الصلاة بالعربية كما في باقي المذاهب الإسلامية. الجماعة الإسلاميّة الأحمدية، اختصارًا "الأحمديّة"، هي جماعة خاصّة انبثقت عن الإسلام، تأسّست عام 1889 على يد رجل الدين ميرزا غلام أحمد في إقليم البنجاب شمال الهند. "مؤسّسها وصف نفسه بأنّه المهدي الموعود من النبيّ محمّد، الذي يظهر في زمن نهاية البشريّة"، كما كتب موقع "دويتشلاند فونك".
سألت شاهين، الذي كان مرافقا لي في الجولة في "جلسة سلانة": الدعوة ظهرت قبل أكثر من قرن وقائمة على فكرة المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، لكن الزمان لم ينته؟ فأجاب أن "الزمان ليس محصورا بلحظة ينتهي فيها كل شيء بل يستغرق وقتا".
مع هذه الرسالة حشد ميرزا غلام أحمد وخلفاؤه المعروفون بـ"الخلفاء" أتباعًا بشكل متزايد. واليوم، ووفقًا لبيانات الجماعة، يبلغ عدد أتباعها نحو 40 مليون إنسان في حوالي مائتي بلد.
وفي ألمانيا يعيش ما بين 40 إلى 50 ألف أحمدي تقريبًا. وتقدم الجماعة نفسها على أنّها حركة إصلاحيّة دعويّة من أجل إسلام مسالم يؤمن بالحوار. في جدارية كبيرة في الخيمة الرئيسة كتب "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وتحتها بالألمانية كتب شعار التجمع "المحبّة للجميع، ولا كراهية لأحد".
هناك من ينتقد الجماعة الأحمدية بأنّها رغم خطابها الحواري، تمثّل إسلامًا تقليديا. ويشيرون خصوصًا إلى الفصل الصارم بين الجنسين. كما تُتّهم الجماعة بوجود نوعٍ من الإلزام الداخلي في صفوفها. لكنّ الأحمديّة ترفض هذه الاتّهامات وتعدّها بلا أساس.
سألت مرافقي عن المواقف السياسية للجماعة وإن كان "الخليفة" في خطبته يتحدث في السياسة، فأجاب : "لا يوجد موقف موحد للجماعة، فكل فرد حر في طريقة تفكيره سياسيا، والخليفة لا يتطرق إلا للقضايا التوعوية والدينية ويدعو للعمل والتضافر الجماعي ولا يتطرق للقضايا السياسية أبدا".
يشار إلى أن التيارات الإسلامية المحافظة، لا تعترف بالأحمديّة جزءًا من الإسلام. وفي معقلها الأساسي باكستان، تتعرّض في الغالب لاضطهاد شديد.
عرب في الجماعة الأحمدية
إحدى الخيم وضعت لافتة عليها "القسم العربي"، دخلت مع مرافقي شاهين فوجدت كتبا باللغة العربية ولوحات وصورا بعناوين عربية، من بينها صور لمؤسس الجماعة ميرزا غلام أحمد.
عند طاولة في الخيمة يجلس رجل شارد الذهن، شكله هادئ إلى حد كبير. اتجهت إليه فعرفته بنفسي. أحمد، أربعيني فلسطيني الأصل من مواليد درعا في سوريا، جاء إلى ألمانيا منذ عام 2015 مع موجة اللاجئين. سألته إن كان قد انضم إلى الجماعة بعد وصوله إلى ألمانيا؟ فأجاب بالنفي. وقال لي راويا قصة انضمامه إلى الجماعة الأحمدية : "انضممت إلى الجماعة وأنا في سوريا، حوالي عام 2010. كنت أتابع قناتهم التلفزيونية، اعجبت بطريقة طرحهم للقضايا وتفسيرهم لكثير من الأمور، كنت في البداية رافضا للآراء التي تطرح، لكن في النهاية اقتنعت وأنا سعيد بذلك".
لكن أكثر ما يجذبه في الجماعة هو الروحانية التي كان يفتقدها، ويروي قائلا: "حين كنا صغارا كان أمام الجامع في حيِّنا يطردنا من المسجد، لم يكن يسمح لنا بالدخول، كانت لدينا أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات، لكننا لم نكن نحصل عليها من إمام الجامع الذي كان يختبرنا بقراءة سور أو آيات من المصحف، وإن لم نقرأها بشكل صحيح فكان يعاقبنا".
ويضيف أحمد: "افتقدت الروحانية وقبول الآخر، هنا الكل يقبل الآخرين، لا فرق بين الجنسية أو اللون أو الأصل، نتقبل بعضنا كما نحن وندعم بعضنا أو غيرنا من غير أتباع الجماعة بروح إنسانية". سألته عن عدد الذين يعرفهم من أصول عربية منضمون إلى الجماعة فأجاب شخصيا يعرف نحو 40 فردا.
الأحمدية في ألمانيا
في سؤال من DW عربية لأمين عام الجماعة في ألمانيا، عبد الله أوفه فاغيشاوزر، حول الحوار بين الأحمدية والجماعات الإسلامية على اختلاف مذاهبها وتوجهاتها في ألمانيا، قال: "نحن جزء من مؤتمر الإسلام في ألمانيا ولم نسمع من أي جهة ما القول إن الجماعة الأحمدية لا تنتمي للإسلام".
وحول موقف الجماعة من الحرب في غزة يقول: "في هذا الأمر نحن نتصرف بكثير من الحرص، لا نشارك في التظاهرات، ففي التظاهرات يصعب السيطرة على الناس، نحن لا نريد أن نحارب الكراهية بالكراهية، بل بالحب. بالتفهم وبالعمل الجماعي، بعد أسبوع من السابع من أكتوبر، جلسنا جميعا في وزارة الداخلية الألمانية وأوضحنا أننا نقف ضد ما حدث لكننا أيضا انتقدنا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية".
الجماعة الأحمدية تنشط أيضا في تقديم المساعدات لسكان غزة، ويقول محمد زبير، أحد العاملين في قطاع المساعدات، لـDW عربية إن "الجماعة لديها فريق عمل في غزة يقدم المساعدات كالطعام والمياه وكذلك المساعدة النفسية للأطفال المتضررين بسبب الحرب".
في افتتاح "جلسة سلانة" تحدث أمين عام الجماعة في ألمانيا، عبد الله أوفه فاغيشاوزر، قائلا: "نحن نؤمن ببساطة أنّ الإسلام يحمل طاقة للسلام يُستهان بها، ولا يُستفاد منها". ويضيف: "المسلم مأمور بأن ينشر السلام". واستدرك الرجل أنّ "الإسلام يتمتّع بصورة حسنة هنا في ألمانيا، ليس هذا فحسب، بل وفي كثير من البلدان الأخرى أيضًا". وأكّد فاغيشاوزر أنّ الجماعة الأحمديّة الإسلاميّة تعمل منذ سنوات في ألمانيا على تحسين صورة الإسلام. وتابع فاغيشاوزر أنّ الإسلام في المقام الأوّل دين متسامح ومنفتح، لكنّه بالطبع يحمل رؤيته الخاصّة ويمثّل صورة اجتماعيّة مستقلّة. وأضاف: "لكن التمييز ضدّ أحد لا ينتمي إلى صورة الإسلام ولا إلى تصوّرات المسلمين".
الأحمدية في العالم العربي
للأحمدية حضور في العالم العربي مثلما لهم حضور في كل أنحاء العالم، رغم رفض مذاهب إسلامية اعتبارهم تيارا إسلاميا. ويقول فاغيشاوزر: "كنت قبل أشهر في العمرة في المملكة العربية السعودية، اليوم يحصل المرء على ختم يكتب عليه ينتمي للطائفة الأحمدية، الأمر الذي لم يكن تخيله من قبل، لكن كما يبدو فإن لولي العهد السعودي تصورا مختلفا". ويضيف أمين عام الجماعة الأحمدية بألمانيا: "في العالم العربي يعرفنا الجميع ، لكننا متحفظون ولا نريد أن نثير حفيظة أحد". ويشير إلى أن في حيفا بإسرائيل يقع مسجد للأحمدية أسس في عام 1924.
في باكستان تعاني الطائفة من الرفض والاضطهاد من قبل جماعات متطرفة. وفي آخر حادث وقع في شهر يونيو / حزيران الماضي قام حشدٌ من الإسلامويين بضرب أحد أفراد الطائفة حتى الموت، أثناء تظاهرة قرب أحد دور العبادة التابعة للطائفة في كراتشي.
يشار إلى أن باكستان أعلنت الأحمديين غير مسلمين في عام 1974. وغالبا ما تتعرض منازل الأحمديين وأماكن عبادتهم لهجمات من قبل متشددين سنة يعتبرونهم هراطقة.
شاهين روى لي ونحن في طريقنا إلى الخروج من التجمع الكبير في مينديغ، أن والديه جاءا من باكستان هربا من الاضطهاد الديني قبل عقود.