الأزمة المالية العالمية (2007 - 2008)، الأسباب والتبعات

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الثلاثاء، 17 أغسطس 2021
مقالات ذات صلة
رئيس البنك المركزي الهندي يحذر من أزمة مالية بسبب العملات المشفرة
جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2022 تذهب إلى 3 خبراء في الأزمات المالية
المدير المالي السابق: الزمالك يعاني من أزمة اقتصادية مثل الدول الكبرى

كما معظم الأحداث الاقتصادية العالمية في العقود الأخيرة، بدأت هذه الأزمة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها تشعبت إلى باقي دول العالم لتشكل أزمة مالية واقتصادية عالمية هي الأخطر في الحقبة الأخيرة.. لفهم أفضل لهذه الحادثة المهمة تابع معنا المقال.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

 

بداية لأزمة لم تكن في عام 2007

رغم أن الأزمة الحقيقية لم تبدأ بالظهور على السطح حتى عام 2007 فالبداية أقدم من ذلك.. بدأ الأمر عام 2000 مع واحدة من فترات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، والتي تسببت بها فقاعة الإنترنت Dotcom Bubble وهي فترة في آخر التسعينات التي ازداد فيها الإقبال على شراء أسهم الشركات التقنية ومواقع الإنترنت لتصل لأسعار قياسية، بعدها توضح أن أسعار هذه الأسهم وتوقعات العوائد كان مبالغا فيه؛ مما تسبب بانهيار كبير في أسعار الأسهم وحالة من الركود الاقتصادي- بالإضافة لعدد من فضائح الفساد.

أدى الركود إلى قيام المصرف الاتحادي المركزي في الولايات المتحدة United States Federal Reserve بتخفيض قيم الفوائد على القروض لمواجهة الركود وتحفيز النشاط الاقتصادي، كما قام المصرف الاتحادي بتخفيض الفوائد 11 مرة بين شهر مايو/ أيار من عام 2000 وصولاً إلى ديسمبر/ كانون الأول 2001، لتنخفض الفوائد على القروض الممنوحة من 6.5% حتى 1.75% فقط، هذا الانخفاض الكبير في نسب الفائدة جعل الاقتراض مرغوباً للغاية من الجميع سواء الشركات أو البنوك أو الأفراد حتى.

خلال الفترة التالية ازدهرت الرهونات العقارية الدنيا Subprime Mortgages وهي رهونات طويلة الأمد تعطى للأشخاص ذوي التصنيف الائتماني السيء والذين يكونوا غير مؤهلين للقروض عادة، وتكون بنسب فائدة مرتفعة وقابلة للتعديل نظراً للخطورة الكبيرة على الدائن- بشكل كبير مع ارتفاع حاد في أسعار العقارات التي أصبحت مطلوبة أكثر.

وعلى الرغم من ازدياد الحركة الاقتصادية مع ازدهار الرهون العقارية، فقد استمر المصرف الاتحادي بتخفيض نسب الفائدة لتصل حتى 1% فقط بحلول منتصف العام 2003، هذه التخفيضات حفزت ازدهاراً أكبر للرهون العقارية وانتشار ما يسمى بـ "التزام الدين المكفول" (Collateralized Debt Obligation) وهو عبارة عن مجموعة من التزامات القروض المتعددة كالرهون العقارية ورهون السيارات وديون البطاقات الائتمانية يتم بيعها إلى بنك استثماري يقوم بتجميعها معاً كوحدة متكاملة ويعيد بيعها للمستثمرين، حيث يتم إعادة توجيه الاستحقاقات المدفوعة عبر الراهنين المحليين والبنوك الاستثمارية إلى المستثمرين، مع انتشار الرهون العقارية الدنيا أصبح الاستثمار في هذه الحزم الاستثمارية أخطر وأخطر.. لكنه شهد إقبالاً متزايداً نظراً لكونه مربحاً ومستقراً في السنوات السابقة.

 

تفاصيل الأزمة التي بدأت مع الرهونات العقارية

كما جميع الأشياء الأخرى، كان لا بد من جانب مظلم ناتج عن الإقبال الكبير على الرهونات العقارية، بدأت الأمور بالتأزم مع رفع البنك الاتحادي لنسب الفائدة مجدداً بداية من يونيو/جزيران عام 2004 لتصل حتى 5.25% بحلول يونيو/حزيران في عام 2006، هذا الارتفاع أدى إلى تراجع مبيعات المنازل وانخفاض أسعارها وانهيار سوق البناء، حيث انخفض مؤشر بناء المنازل في الولايات المتحدة بمقدار 40% خلال عام 2006 فقط؛ وصولاً إلى تلك الفترة توقف بناء المنازل الجديدة بشكل كبير، وبدأت الأزمة بالوصول لأصحاب المنازل المرهونة الذين بدأوا يواجهون صعوبات كبيرة في الدفع مع ارتفاع الفائدة الكبير مما أدى بالكثيرين للتخلف عن الدفع.

هذا الأمر تسبب بخسائر كبيرة للمقرضين المحليين حيث اضطرت 25 شركة إقراض إلى إعلان إفلاسها مطلع عام 2007 وبدأت الأمور بالتبلور كأزمة عندها، فإعلان المقرضين لإفلاسهم تصدر الأخبار مما سبب ذعراً بين المستثمرين خصوصاً أن التقارير الاقتصادية حينها أظهرت استثمار الشركات المالية لأكثر من 1 ترليون (1000 بليون) دولار أمريكي في سندات مدعومة من رهونات عقارية دنيا (والتي كانت قد بدأت بالفشل حينها).

وصولاً إلى آب/أغسطس 2007 كان الأمر قد أصبح جلياً أن السوق المالية غير قادرة على احتواء الأزمة الناشئة؛ وبدأت الأمور بالتشعب مما أدى إلى الانتقال العالمي للأزمة مع طلب بنك (Northern Rock) الإنجليزي لدعم عاجل من بنك إنجلترا Bank of England بسبب نقص حادٍ في السيولة، مع هذا التمدد الكبير للأزمة بدأت الحكومات العالمية بمحاولات حثيثة لمنع أي كوارث اقتصادية قادمة.

مع توسع الأزمة عالمياً، بدأت المصارف المركزية حول العالم بمحاولات حل تمثلت في تأمين السيولة للمؤسسات المالية لإعادة سوق تبادل العملات إلى العمل الفعال، بالتوافق مع ذلك بدأ المصرف الاتحادي الأمريكي بتخفيض الفوائد مجدداً آملاً في إعادة الأمور إلى نصابها، لكن الأخبار السيئة استمرت بالتوافد مع انهيار شركات كبرى مثل: مصرف Lehman Brothers الذي أعلن إفلاسه وشركات Fannie Mae و Freddie Mac التي تم وضعها تحت سيطرة الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة الأمريكية.

وصولاً إلى تشرين الأول/أكتوبر 2008 كان المصرف الاتحادي الأمريكي قد خفض نسب الفائدة حتى 1% واتخذت المصارف المركزية في إنجلترا والصين وكندا والسويد وسويسرا والمصرف المركزي الأوروبي إجراءات مماثلة بتخفيضها لسعر الفائدة، لكن تلك التخفيضات الكبيرة والسيولة الممنوحة لم تكن كافية لإيقاف المدّ الجارف للأزمة الاقتصادية.

في نهاية عام 2008 اضطرت الحكومة الأمريكية لإقرار حزمة من المساعدات للشركات المتضررة للحيلولة دون انهيار السوق، هذه الحزمة تضمنت توزيع حوالي 700 بليون دولار أمريكي تلقى معظمها شركات يعتقد أن قراراتها كانت السبب المباشر للأزمة الحاصلة مثل شركة التامين AIG وبنوك JPMorgan Chase و Goldman Sachs و Morgan Stanley بالإضافة لشركات تصنيع السيارات الكبرى مثل General Motors و Chrysler.

قامت الحكومات العالمية الأخرى بإقرار مساعدات مشابهة بالإضافة لعدة عمليات تأميم Nationalization -وهي عملية تسيطر بموجبها الحكومة على شركة أو قطاع بأكمله إما بهدف التحكم الكامل بالسلطة أو كما في هذه الحالة لمنع تمدد أزمة اقتصادية- مما حدّ من تمدد الأزمة الاقتصادية بشكل كبير وأنهاها عملياً، إلا أن آثارها استمرت لعدة سنوات تالية.

 

انهيار شركات وانخفاض تداول في البورصات العالمية

كما جميع الأزمات الاقتصادية، تسبب أزمة الرهونات العقارية بمشاكل اقتصادية كبرى خصوصاً مع تمددها عالمياً، بالإضافة لانهيار العديد من الشركات والمؤسسات المالية، تسببت الأزمة بانخفاض التداول في البورصات العالمية وانخفاض عام لأسعار الأسهم.

أما للأفراد فقد كانت النتائج أكبر تأثيراً حيث فقد العديدون مدخراتهم كما فقد آخرون منازلهم وممتلكاتهم بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية، ومع التمدد الكبير للأزمة ارتفعت معدلات البطالة العالمية لتصل حتى 10% في الولايات المتحدة ونسب مشابهة في الأماكن الأخرى مع انخفاض معدلات النمو العالمية التي انخفضت من 4.5% مطلع عام 2007 لتصل إلى -1% مطلع عام 2009 وهي أدنى معدلات نمو اقتصادي عالمية تم تسجيلها منذ بدأ تسجيل البنك الدولي لبيانات معدلات النمو في العالم.

 

الآثار في العالم العربي

وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية، فقد كانت الآثار محدودة جداً في العالم العربي، حيث أن معظم أسواق المنطقة تعتمد باقتصادها على تصدير النفط الذي لاقى ارتفاعاً في سعره عوض بشكل كبير عن الأثر المباشر للأزمة، إلا أن الآثار -وإن كانت محدودة- تضمنت انخفاض معدلات النمو الاقتصادي من 6% عام 2007 إلى 4% فقط عام 2009 مع ارتفاع طفيف في معدلات البطالة إلا أن التأثير الأكبر نتج عن ارتفاع معدلات التضخم بالإضافة لإضعاف قطاعات الأعمال إجمالاً بشكل كبير مما ساهم بزيادة التأثيرات الاقتصادية لانخفاض أسعار النفط لاحقاً.

أخيراً.. كان المتأثر الأكبر من الأزمة هو مدينة دبي التي عانت من الركود الاقتصادي العالمي فيما ساعد الاعتماد على النفط في الخليج والانعزال الاقتصادي لبلدان كسوريا واليمن بالإضافة لصغر أحجام سوق الأعمال في بلدان كلبنان والأردن ساهم في جعل المنطقة العربية واحدة من المناطق الأقل تأثراً بأزمة العالم الاقتصادية 2007-2008.