الاستثمار في الشركات الناشئة: أين تتجه الأموال في 2025؟
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: قوة استثمارية بارزة في الشركات الناشئة عام 2025
تشهد خريطة الاستثمار العالمي في الشركات الناشئة تحولاً جوهرياً خلال عام 2025، حيث برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كقوة استثمارية لا يُستهان بها، محققة إنجازاً تاريخياً باستحواذها على 39% من إجمالي تمويل الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة، وهو ارتفاع مذهل بـ20 نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق.
أرقام استثنائية تعكس قوة النمو
حققت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في النصف الأول من 2025 أقوى أداء استثماري منذ عام 2022، حيث وصل إجمالي التمويل إلى 2.1 مليار دولار، شاملاً جميع أشكال التمويل.
وعند تحليل هذا الرقم بعمق، نجد أن التمويل التقليدي للأسهم بلغ 1.5 مليار دولار، بينما شكل التمويل بالدين حصة كبيرة قدرها 930 مليون دولار، أي ما يعادل 44% من المبلغ الإجمالي.
هذا التوزيع يكشف عن استراتيجية جديدة من المستثمرين، الذين أصبحوا أكثر حذراً في تقييم الأسهم، ويفضلون استخدام أدوات الدين كوسيلة لتمويل النمو دون التنازل عن حصص ملكية كبيرة.
فالنمو في تمويل الأسهم وحده بلغ 53% على أساس سنوي، وهو رقم قوي رغم أنه أقل من النمو الإجمالي البالغ 134% الذي يشمل الدين.
السعودية والإمارات تتصدران المشهد
على الصعيد الجغرافي، عززت المملكة العربية السعودية مكانتها كوجهة استثمارية رائدة، مدعومة برؤوس الأموال الحكومية الضخمة والصفقات الكبرى.
وللمرة الأولى في تاريخ المنطقة، تساوت السعودية مع دولة الإمارات في عدد الصفقات المنجزة، مما يعكس النمو المتسارع للنظام البيئي للشركات الناشئة في المملكة.
يأتي هذا التطور في إطار الاستثمارات الضخمة للصناديق السيادية، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق MGX الإماراتي، التي تخصص مليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة، مما يضع هذه القطاعات كمحاور استثمارية طويلة الأجل.
تحول استراتيجي نحو المراحل المتقدمة
يشهد المشهد الاستثماري تحولاً جوهرياً في توزيع الأموال عبر مراحل نمو الشركات المختلفة. فقد قفزت حصة الصفقات التي تجاوزت 20 مليون دولار من 10% في النصف الأول من 2024 إلى 42% في نفس الفترة من 2025، مما يعكس تفضيلاً لدعم الشركات التي تجاوزت مرحلة الفكرة وأثبتت قدرتها على النمو والتوسع.
يتجلى هذا التوجه في عودة الصفقات الكبرى، حيث شهد النصف الأول من العام صفقات ضخمة مثل جولة نينجا بقيمة 250 مليون دولار وجولة تابي بـ160 مليون دولار.
هاتان الصفقتان وحدهما شكلتا 27% من إجمالي رأس المال الموزع، ارتفاعاً من 16% في العام السابق.
هيمنة نماذج الأعمال الموجهة للشركات
تكشف البيانات عن توجه واضح نحو الشركات التي تعتمد على نماذج الأعمال الموجهة للشركات (B2B)، حيث استقطبت هذه الشركات 70% من إجمالي التمويل.
هذا الاتجاه يعكس ميلاً نحو الحلول التي تخدم خطط التحول الرقمي الوطنية الضخمة، مثل رؤية المملكة 2030 ومبادرات التحول الرقمي في دول الخليج.
رغم أن قطاع التكنولوجيا المالية لا يزال الأكثر حصولاً على التمويل، إلا أن قطاعات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة تشهد استثمارات متزايدة من الصناديق السيادية، مما يضعها كمحاور استثمارية استراتيجية للمستقبل.
على الرغم من النمو القوي، تواجه المنطقة تحديات هيكلية مهمة. فعلى الرغم من ارتفاع عدد المستثمرين النشطين بنسبة 20% في 2024، تكشف بيانات 2025 لأول مرة أن عدد المستثمرين يفوق عدد الشركات الناشئة الجديدة، مما يخلق منافسة حادة على الصفقات عالية الجودة.
هذا الوضع يؤدي إلى "اختناق" في المراحل المبكرة، حيث انخفضت حصة الشركات في مرحلة ما قبل التأسيس من 70% إلى 65%، بينما نمت مرحلة التأسيس إلى 28%.
الأكثر إثارة للقلق أن عدد الشركات التي تصل إلى مرحلة Series A يبقى ثابتاً، مع توقعات بأن 30% من الشركات الحالية في هذه المرحلة تواجه خطر الإغلاق بحلول 2026.
مرونة في مواجهة التحديات العالمية
تتأثر بيئة الاستثمار في المنطقة بالعوامل الخارجية، لكن دول الخليج تتمتع بآليات حماية فعالة. فالتوقعات بأن تظل أسعار النفط فوق 74 دولاراً للبرميل خلال الفترة 2025-2027 توفر حماية مالية كبيرة للحكومات الخليجية وصناديقها السيادية.
في مصر، وفرت صفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الضخمة، مثل صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار من الصندوق السيادي الإماراتي، استقراراً مالياً كبيراً ساهم في تخفيف أزمة ميزان المدفوعات وعدم استقرار العملة.
مع دخول النصف الثاني من 2025، تشير المؤشرات إلى استمرار قوة المنطقة كمركز جذب للاستثمارات في الشركات الناشئة.
التركيز المتزايد على الشركات ذات الأداء المثبت، والاستثمار الضخم في البنية التحتية التقنية، والدعم الحكومي القوي، كلها عوامل تعزز من مكانة المنطقة على الخريطة العالمية للاستثمار المغامر.
إن التحول نحو المراحل المتقدمة واعتماد أدوات التمويل المتنوعة يعكس نضج النظام البيئي، لكنه يتطلب أيضاً استراتيجيات جديدة لضمان استمرار تدفق المواهب والأفكار الجديدة.