لماذا لا يدعم العلم ربط ترامب بين الباراسيتامول والتوحّد؟
لطالما دار نقاش بين الخبراء حول أسباب التوحّد منذ عقود. والآن، يدّعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه وجد الحل.
في نيسان/أبريل، أعلن وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي (HHS) روبرت ف. كينيدي جونيور عن إطلاق "برنامج ضخم للاختبارات والبحوث" لتحديد "ما الذي تسبب في وباء التوحّد" بحلول أيلول/سبتمبر 2025.
ارتفعت أعداد المشخّصين بالتوحّد في الولايات المتحدة على مدى عقود. ففي عام 2020، تم تشخيص طفل واحد من بين كل 36 طفلًا باضطراب طيف التوحّد، مقارنة بطفل واحد من بين 150 طفلًا عام 2000، وفقًا لبيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC).
خلال مراسم تأبين الناشط اليميني الراحل تشارلي كيرك، الذي قُتل في 10 أيلول/سبتمبر، صرّح ترامب بأن لديه إعلانًا "مذهلًا" بشأن التوحّد قائلاً: "أعتقد أننا وجدنا إجابة للتوحّد".
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، ستكشف الحكومة عن نتائج تربط بين مسكّن الألم تايلينول والتوحّد. وتشير النتائج إلى أن النساء اللواتي يتناولن تايلينول أثناء الحمل أكثر عرضة لإنجاب أطفال مصابين باضطراب طيف التوحّد. يحتوي تايلينول على مادة الأسيتامينوفين، وهي المادة نفسها الموجودة في دواء "الباراسيتامول" الشائع.
دراسة تكشف عن ارتباط بين التوحد ومرض باركنسون المبكر
ماذا يقول العلم عن أسباب التوحد؟
لكن من الناحية العلمية، لا يمكن اعتبار مادة فعّالة واحدة سببًا للتوحّد. تقول كريستين فريتاج، مديرة قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين في مستشفى جامعة فرانكفورت، إن الدراسات أظهرت أن لا علاقة سببية مباشرة، بل ربما زيادة طفيفة في الخطر.
فالتوحّد وغيره من اضطرابات النمو العصبي ترتبط عادة بعوامل متعددة الجينات. أي أن المئات أو الآلاف من الطفرات الجينية الصغيرة يمكن أن تساهم، وعندما تتجمع معًا يزيد الخطر. كما أن عوامل بيئية مثل التلوث، الغبار الدقيق، الميكروبلاستيك والسموم البيئية قد يكون لها دور إضافي.
يقول عالم الأعصاب المعرفية جيف بيرد من جامعتي أكسفورد ولندن: "بعد عقود من البحث، من غير الواقعي الادعاء أننا سنجد السبب بحلول سبتمبر".
ما الذي يسبب التوحّد فعلًا؟
التوحّد ينشأ من تغيّرات مبكرة في نمو الدماغ. هناك اختلافات كبيرة في طريقة عمل الدماغ لدى الأشخاص المصابين.العلماء متأكدون تقريبًا أن 80% من الحالات مرتبطة بعوامل وراثية. طفرات في جينات مثل MECP2 قد تؤثر على نمو الدماغ، لكن العلاقة المباشرة غير مؤكدة. الصعوبة الكبرى تكمن في التشخيص، إذ لا يوجد "مؤشّر بيولوجي" محدد للتوحّد.
هل يمكن أن يشكل الباراسيتامول خطرا على صحتك؟
وماذا عن اللقاحات؟
الادعاء بأن اللقاحات تسبب التوحّد تم دحضه بشكل قاطع. عشرات الدراسات الكبرى أظهرت عدم وجود أي رابط بين التوحّد وأي لقاح. دراسة 1998 التي زعمت وجود رابط بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتوحّد تبيّن لاحقًا أنها معيبة وتم سحبها، لكن أثرها السلبي استمر.
مع ذلك، طلب وزير الصحة الأمريكي كينيدي الشهر الماضي من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) إعادة دراسة هذا الرابط، رغم أن أبحاثها السابقة أثبتت العكس.
التوحد مرض أم جزء من هوية عصبية؟
قوبلت تصريحات الإدارة الأمريكية بتشكيك واسع. ووصفت الجمعية الوطنية للتوحّد في بريطانيا ما أعلنه كينيدي بأنه "خدعة إعلامية زائفة".
وقال تيم نيكولز من الجمعية: "مذهولون من الطريقة المعادية للعلم التي يتم الحديث بها عن المصابين بالتوحّد. الأفضل استثمار هذه الموارد لتحسين حياتهم وفهم المجتمع لهم".
أما جيف بيرد فأوضح أن هناك دائمًا "توترات" بين من يعتبرون التوحّد مرضًا يجب تقليصه، ومن يرونه جزءًا من هوية عصبية لا تحتاج إلى علاج.
سوزي ياردلي من منظمة Child Autism UK أضافت: "كثيرون يجدون في التشخيص إجابة وراحة، لكن لا يمكن اختزاله في سبب واحد أو دواء واحد".