ما هو إغراق الأسواق، او الإغراق الاقتصادي؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الخميس، 07 أكتوبر 2021
مقالات ذات صلة
ناسا تكشف خطة وموعد إغراق محطة الفضاء الدولية في المحيط
هذه أفضل الهواتف القابلة للطي التي ستحدد ملامح مؤتمر برشلونة للهواتف
الألمنيوم يصبح أحدث ضحية للرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة

لطالما شكل تصدير السلع للدول الأخرى حاجة ملحة للدولة المصدِّرة، ولصاحب المعمل الذي ينتج هذه السلعة أو تلك، لكن متى أصبح هذا التصدير مضراً بمصالح الدولة المستورِدة، يصبح الحديث عن إمكانية متابعة التصدير صعباً، لاسيما أن الدولة المصدِّرة تصبح متهمة بالإغراق.. فما هو الإغراق؟ ومتى نقول أن هذه الدولة أو تلك تمارس سياسة الإغراق؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

تعود كلمة إغراق للكلمة الإنجليزية (dump)، وتعني التفريغ

عرف القاموس السياسي الفرنسي الإغراق بأنه:

"بيع سلعة في بلد آخر بسعر أقل مما تباع فيه في البلد المنشأ للسلعة، بهدف كسب حصة في السوق، ومن ثم القضاء على المنافسين؛ بالتالي امتلاك السوق المستورِد، فتقوم الشركة المنتجة للسلعة برفع السعر كما يحلو لها بعد القضاء على كل المنافسين، فيصبح المستهلك مضطراً للشراء بالسعر الجديد لعدم وجود بديل، غالباً تعتمد الشركة صاحبة السلعة في وضع سعر الإغراق على دعم الصادرات الذي توفره دولتها"

على سبيل المثال: عندما تباع الألبسة في البلد الأصلي بسعر أعلى من بيعه في السعر المستورد؛ يكون بسبب سياسة الحكومة في البلد الأصلي، التي تكون قائمة على تشجيع التصدير من خلال -على سبيل المثال- خفض قيمة العملة مقابل الدولار، وهو ما تلجأ إليه الصين، بالتالي يصبح سعر الألبسة -كما أوردنا في المثال- في البلد الأصلي أعلى من سعره في البلد المستورِد.

أما موسوعة لاروس الفرنسية فقد عرفت الإغراق على أنه:

"بيع السلع في الأسواق الخارجية بسعر أقل مما تباع فيه في السوق المحلية، وأحياناً أقل من سعر التكلفة".

كما عرّفت منظمة التجارة العالمية الإغراق بأنه:

"حالة من التمييز في الأسعار الدولية، حيث يكون سعر المنتج عند بيعه في البلد المستورِد أقل من سعر هذا المنتج في سوق البلد المصدِّر، وذلك بهدف زيادة حصة هذا المنتج في السوق المستورِدة".

أنواع الإغراق

الإغراق التجاري

هو بيع سلعة أو منتج في بلد آخر بسعر أقل من سعر التكلفة، (نلاحظ أن هذا التعريف لا يختلف عن تعريف الإغراق كمصطلح عام، وذلك لأنه أشهر أنواع الإغراق، وهو ما تتم مكافحته من قبل الدولة المستورِدة، لذلك عندما يذكر الإغراق فمعناه إغراق تجاري، أما إذا كان غير ذلك فيحدد النوع).

الإغراق الاجتماعي

هو توظيف عمالة مستوردَة (وافدة) في الشركات والمعامل المحلية بأجور أقل من أجور العمال المحليين، (على سبيل المثال: العمالة الآسيوية تعد رخيصة مقارنة بالعمالة الأوروبية، ففي أوروبا يتم الاعتماد بشكل أساسي على العمالة الآسيوية التي تقبل بأجور لا يقبلها العامل الأوروبي)، غالباً هذا النوع من الإغراق لا يشكل خطراً على العمالة في البلد المستورِد، لأن البلد المستقبِل أو المستورِد للعمالة يكون بحاجة لهذه العمالة الوافدة، بسبب نقص العمالة المحلية، على سبيل المثال، في أوروبا التي تعاني من انخفاض نسبة الشباب ليس هناك مشكلة في استقبال العمالة الوافدِة.

الإغراق المالي

هو قيام دولة بفرض ضرائب على رؤوس الأموال أقل من دول أخرى، مما يؤدي إلى تركز رؤوس الأموال في هذه الدولة، وهو ما يطلق عليه (الملاذ الضريبي)، بالتالي فقدان رؤوس الأموال في الدول الأصلية.

الإغراق البيئي

هو فرض الدولة معايير بيئية أقل صرامة مما هي عليه في بلدان أخرى، مما يؤدي إلى لجوء أصحاب المعامل والشركات للاستثمار في هذا البلد.

حكم الإغراق وفق منظمة التجارة العالمية

لا تعد منظمة التجارة العالمية الإغراق (التجاري) محظوراً بل محكوماً، بمعنى: إذا تسبب الإغراق بضرر بالصناعة المحلية في البلد المستورِد تتم مواجهته، أما إذا لم يلحق ضرراً فلا يعد محظوراً، ذلك حسب المادة السادسة من الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (الجات).

على سبيل المثال: كأن تكون السلعة التي يمارس فيها الإغراق غير مُنتجة في الدولة المستورِدة، بالتالي لا يحصل ضررٌ للصناعة المحلية لعدم وجود سلعة محلية تنافس المستوردة كالمواد التكنولوجية (الحواسيب، الموبايلات) في الدول النامية التي لا تنتجها هذه الدول، لذلك وجود هذه السلع بأسعار أقل من الكلفة لا يشكل تهديداً للصناعة المحلية، إنما تهديداً للسلع المماثلة المستورَدة، لاسيما تلك التي ذات الأسعار المرتفعة.

إجراءات التحقيق بحدوث الإغراق

عند حصول شبهة في الإغراق، يتم تشكيل لجنة للتحقيق في وجود الإغراق، بناءً على طلب صاحب السلعة المحلية المماثلة للسلعة المستوردَة، للتحقق من وجود الإغراق، حيث يبدأ التحقيق ويجب أن ينتهي خلال مدة سنة أو ثمانية عشر شهراً كحد أقصى وفق منظمة التجارة العالمية.

طرق إثبات وحساب أضرار الإغراق

على الرغم من وضوح كلمة الإغراق بالتعريف، لكن اكتشافه ليس سهلاً، فغالباً ما نحتاج إلى عمليات معقدة لمعرفة كلفة السلعة، وسعرها في السوق المصدّر والسوق المستورِد، من ثم تحديد السعر المناسب للسلعة في كل من السوقين المصدر والمستورد، فإن زاد قل السعر في السوق المستورد عن السعر المناسب نكون في حالة إغراق، لذلك أمام لجنة التحقيق في وجود الإغراق من عدمه هناك ثلاث طرق لحساب الإغراق:

  1. سعر السلعة في البلد المصدِّر: فإذا كان سعر السلعة في البلد المصدِّر مماثل لسعر السلعة في البلد المستورِد، هذا يعني أنه لا وجود للإغراق، أما إذا كان سعر السلعة في البلد المصدِّر أقل من سعر السلعة في البلد المستورِد، فهذا يعني أن هناك إغراقاً، لكن إذا كانت السلعة غير مباعة في السوق المصدِّرة أو الكمية المباعة منها قليلة مقارنة بالكمية المباعة في السوق الخارجية، فيمكن أخذ نسبة 5% من السلعة ومقارنة أسعارها في أكثر من بلد، فإن كانت الأسعار متشابهة فهذا يعني أنه ليس هناك إغراق، وإن كانت أقل فهذا يعني أن هناك إغراقاً.
  2. سعر السلعة في بلد ثالث: إذا كانت هذه السلعة غير مباعة في البلد المصدِّر يتم مقارنة سعر السلعة في البلد المستورِد بسلعة مماثلة في بلد ثالث (سواء كانت هذه السلعة من إنتاج الدولة المصدّرة المتهمة بالإغراق، أو من إنتاج دولة أخرى، على أن تكون السلعة المستخدمة للمقارنة تمتلك نفس مواصفات السلعة المشكوك في أنها تُغرِق هذا السوق أو ذاك)، فإن كان السعر مماثلاً فليس هناك إغراق، وإن كان أقل فهناك إغراق.
  3. حساب التكاليف: يتم حساب كلفة إنتاج السلعة، نفقات التصدير، أجور الشحن، هامش الربح، فإن كانت هذه التكاليف تماثل سعر السلعة أو أعلى منه فهذا يعني أنه لا يوجد إغراق، أما إذا كان سعر السلعة أقل من سعر التكاليف فهذا يعني أن هناك إغراقاً.

شروط إثبات حصول الإغراق

حتى نقول أن هذا البلد أو ذاك، هذه الشركة أو تلك، تمارس سياسة الإغراق ضد بلد آخر، يجب إثبات ثلاثة أمور بحسب اتفاق مكافحة الإغراق، هي:

  1. أن تثبت التحقيقات وجود إغراق من ذلك المنتج، وفقاً لما ورد في الفقرة السابقة.
  2. أن تثبت التحقيقات وقوع ضرر مادي على الصناعة المحلية التي تنتج سلعة مثيلة لذلك المنتج المغرق، من خلال دراسة أسباب تراجع صناعة هذه السلعة في البلد المستورِد، فإن كان وجود سلعة مستورَدة مماثلة بسعر أقل من سعر السلعة المحلية هو السبب الوحيد لتراجع الصناعة المحلية، فهذا يعني أن هناك إغراقاً، أما إذا كانت هناك أسباب أخرى (كأن تكون الشركة أم المعمل المنتج للسلعة يعاني أزمة مالية، ليس لديه مواد أولية كافية، أو لا يستطيع إنتاج كمية كبيرة من السلع)، فهنا من الطبيعي أن تأتي السلعة المستورَدة لتسد النقص الحاصل في السوق المستورِدة مهما كان كبيراً، فلا يعد ذلك إغراقاً.
  3. أن يكون وقوع ذلك الضرر بسبب وجود ذلك الإغراق، أي أن لا يكون الضرر قد وقع بسبب عوامل أخرى (وهو ما يسمى بعلاقة السببية).

إجراءات وقائية لمكافحة الإغراق

أجاز البند السادس من المادة العاشرة في اتفاقية مكافحة الإغراق الموقعة في عام 1995، فرض رسوم وقائية لمكافحة الإغراق خلال فترة التحقيق في وجوده من عدمه، بأثر رجعي يمتد لأكثر من تسعين يوماً، وهو التاريخ المشكوك فيه لبدء الإغراق، شريطة ما يلي:

  • أن يكون منتِج السلعة ومستورِدها على علم بأن انخفاض أسعار هذه السلعة سيسبب إغراقاً وضرراً بالسلعة المحلية.
  • أن يكون مستورِد السلعة أُعطي وقتاً لتعليق استيراد هذه السلعة.
  • أن تكون لدى الدولة ولجنة التحقيق أدلة كافية لوجود الإغراق (أي أن يكون إثبات الإغراق مسألة وقت، وأن الأدلة قد جمعت كلها، وتشير إلى وجود الإغراق).

ووفقاً لذات البند من اتفاقية مكافحة الإغراق، لا يجوز فرض رسوم وقائية على السلعة المستورِة -موضوع الإغراق- قبل بدء التحقيق رسمياً بوجود إغراق من عدمه.

رسوم الإغراق بهدف مكافحته

في حال ثبت الإغراق، هناك عدة إجراءات تستطيع الدولة المستورِدة اتخاذها بحق منتجي السلعة، منها:

  • مفاوضة منتجي السلعة، ومطالبتهم برفع سعر السلعة عند تصديرها للدولة المستوردِة، أي: إزالة الإغراق وآثاره.
  • فرض رسوم على السلع المستوردة المسببة للإغراق، بحيث لا تزيد هذه الرسوم عن هامش الإغراق عند دخول المنتج من المنافذ الجمركية للبلد المستورد، وتسمى هذه الرسوم برسوم مكافحة الإغراق، هذا الإجراء ينسجم مع قوانين منظمة التجارة العالمية، التي يجب إخبارها بكل تفاصيل التحقيقات والإجراءات المتخذة لمواجهة الإغراق، وفي حال حصول خلاف بين الدولة المصدِّرة والمستوردَة، يتم اللجوء لمنظمة التجارة العالمية لحل هذا الخلاف، كما تعد رسوم مكافحة الإغراق بمثابة رسوم تعويضية للشركات المحلية المتضررة من هذا الإغراق.

سلعة الحديد والصلب في الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينات

نتيجة الأزمة المالية الآسيوية التي حصلت في عام 1997، والأزمة المالية الروسية في عام 1998، انخفضت قيمة العملة المحلية لروسيا وبلدان جنوب شرق آسيا (سنغافورة، هونغ كونغ...)، مما أدى لانخفاض أسعار الحديد والصلب المباعة في السوق الأمريكية، مما أدى إلى تضرر الشركات والمعامل الأمريكية المنتجة للحديد والصلب، نتيجة ارتفاع أسعار هذه السلعة المحلية مقارنة بالحديد والمصلب المستورَد، الأمر الذي أدى إلى بطالة عشرة آلاف موظف في هذه الشركات التي كانت على وشك الإفلاس، نتيجة لذلك، أصدر الكونغرس قانون (ضمان الصلب) في عام 1999، تضمن القانون منح الحكومة الأمريكية قروضاً لمنتجي الحديد والصلب المحليين كي يستطيعوا مواجهة الإغراق في سلع الحديد والصلب المستورَد.

محاذير تجارة الإغراق

الإغراق يمكن أن يكون مكلفاً على مرّ الزمن، وذلك بسبب بيع سلعة بأقل من الكلفة، إضافةً إلى القيود التي يمكن أن تفرضها الدولة المستورِدة للسلعة من رسوم لمكافحة الإغراق، أو تخفيض كمية السلع المدخلة إلى البلد المستورِد.

في الختام.. يعد الإغراق لاسيما التجاري منه ذو آثار سلبية على المنتجات المماثلة الموجودة في الأسواق الخارجية، لذلك تسعى الدول لحماية منتجاتها وصناعتها المحلية من خلال فرض رسوم الإغراق، وهي رسوم تعادل هامش الإغراق، الأمر الذي يجعل المنتج للسلعة يفكر كثيراً قبل أن يقوم بهذا العمل، لأنه سيكون مكلفاً مادياً له، حيث يسبب خسائر نتيجة البيع بأقل من سعر الكلفة ويدفع ضرائب إضافية لدخول السلعة، وإن كانت الخسائر من البيع أقل من سعر الكلفة من ضمن حسابات المنتج على أمل أن يسيطر على السوق لاحقاً ويفرض السعر الذي يريد، إلا أن فرض الرسوم سيجعله يخسر أكثر ويصبح تحقيق هدفه باحتكار السوق الأجنبي أصعب.