"معاناتنا تتفاقم"ـ نازحون منسيون في المخيمات بعد عام على سقوط الأسد

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 5 ساعات زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
إسكندر منسي
فوائد بالجملة لهذا الزر المنسي في الكمبيوتر
بالفيديو:حريق ضخم في أحد مخيمات الحجاج

تشعر فاطمة الحسين (45 عاماً) النازحة من مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي باليأس وخيبة الأمل، لأن حلمها تبدد، ولم تتمكن من ترك حياة الخيمة القاسية والعودة إلى منزلها حتى الآن، رغم مرور عام كامل على تحرير سوريا من نظام الأسد السابق، وذلك لأن منزلها مدمر بالكامل، ولا قدرة لها على إعادة بنائه من جديد، بسبب فقر حالها، وخاصة بعد وفاة زوجها في الحرب، وكونها مسؤولة عن الإنفاق على أولادها الستة.

تعمل فاطمة بالورش الزراعية بأجر زهيد، وتدفع اثنين من أولادها للعمل أيضاً لتأمين لقمة العيش، وتصف أوضاع أسرتها داخل المخيم بالقول: "معاناتنا تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب شحّ المساعدات التي توقفت تدريجياً في الفترات الأخيرة، إضافة إلى انقطاع الدعم المخصص لتأمين المياه مجاناً، وتدهور خدمات نقل النفايات، كما تغيب هنا العديد من الأساسيات، فلا يوجد ما يكفي من الرعاية الصحية."

ومع اقتراب فصل الشتاء، يزداد شعور الحسين بالعجز واليأس، نتيجة عدم قدرتها على تأمين مواد التدفئة الأساسية، فضلاً عن عجزها عن تغيير الواقع القاسي الذي تعيشه داخل المخيمات، حيث يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة. كما تتم التدفئة غالباً بطرق خطرة، وتضطر لإشعال النيران بمواد غير آمنة، ما يؤدي إلى اندلاع حرائق داخل الخيام.

وتضيف: "تعتبر زيادة الأمراض الجلدية من المشاكل التي تواجه أطفالنا بسبب انتشار الحشرات وقلة المياه، كما يضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة للحصول على التعليم."

وتتساءل الحسين والدموع في عينيها: "بداية تحرير سوريا كان لدينا أمل كبير بالعودة لمنازلنا، واليوم خاب أملنا، فهل أصبحت الخيمة القماشية قدرنا مدى الحياة، ومتى سنتحرر من قسوة النزوح وجحيم المخيمات ."

الحال ذاته يعيشه آلاف النازحين المنتشرين في المخيمات العشوائية في سوريا، والذين كانوا يأملون بعودة قريبة إلى قراهم بعد تحريرها، لكن بطء جهود إعادة الإعمار، وغياب البنى التحتية والخدمات الأساسية وتوقف الدعم الإنساني جعلا من هذه العودة حلماً مؤجلاً، ليجدوا أنفسهم بين خيار البقاء في المخيمات أو العودة إلى بلدات مدمرة لا توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة.

احتياجات ملحة

وتشهد المخيمات تراجعاً كبيراً في مستوى الخدمات، كما يعاني قطاع المياه والصرف الصحي من أزمة حادة، وهذا ما أكده عبد الرحمن جنيد معاون مدير الشؤون الاجتماعية والعمل الذي يقول لDW عربية: "بلغ عدد المخيمات قبل التحرير/1138/ وعدد العوائل القاطنين فيها /244666/ ، أما بعد التحرير فقد أصبح عدد المخيمات /855/ وعدد العوائل القاطنين فيها /126782/

ويشير أن أهم التحديات التي تواجه سكان المخيمات هي قلة مشاريع المياه والصحة وقلة مشاريع الطوارئ والغذاء والتدفئة، وقد تتعرض بعض المخيمات للفيضانات والغرق بمياه الأمطار، لأن الخيام تالفة لم تستبدل منذ زمن لا تقي المطر والبرد، مؤكداً أن أبرز الاحتياجات الحالية للمخيمات هي التدفئة والغذاء .

أما أهم الاحتياجات الحالية للقرى المحررة حديثاً فهي المساعدات الغذائية والتدفئة وسبل العيش، إلى جانب ضرورة ترميم المنازل وإصلاح البنية التحتية من مدارس ومساجد ومراكز صحية وطرق، فضلاً عن أهمية إزالة مخلفات الحرب.

ويلفت أن العائدين الجدد يواجهون دمار المنازل وقلة مشاريع الترميم، وغياب البنية التحتية، إلى جانب قلة المدارس والمراكز الصحية، وندرة مياه الشرب وغلاء ثمنها، مؤكداً أن العوائل العائدة حديثاً بحاجة لمواد تدفئة بشكل عاجل لأن أغلبها تسكن في منازل مسقوفة ب شوادر من النايلون بسبب دمار منازلها.

غياب مقومات الحياة

في المخيمات السورية يعيش النازحون وسط ظروف قاسية، ويواجهون تحديات حياتية كبيرة، ورغم انتهاء النزاع العسكري، فإنّ العودة إلى المناطق الأصلية ما زالت بطيئة ومحدودة بفعل عوامل أمنية وإنسانية متشابكة .

إبراهيم القانص مدير مخيم في بلدة حربنوش شمالي إدلب، اضطر للعودة إلى المخيم بعد مغادرته، يقول: "يواجه النازحون تحديات كثيرة منها الأمان، والصحة، والغذاء، كما تفتقر الحياة في المخيم إلى الخدمات الأساسية كالماء النظيف، والمرافق والرعاية الصحية، مما يجعلهم عرضة للأمراض وسوء التغذية، كما يعانون من صعوبات نفسية واجتماعية نتيجة عدم الاستقرار".

ويشير القانص أن نسبة العودة إلى القرى والبلدات قليلة بسبب غياب الخدمات الأساسية، وتضرر المنازل، حتى إن بعض الأسر عاد إلى مخيمات النزوح في الشمال السوري، بعدما وجدوا بيوتهم في مناطقهم الأصلية التي هجّرهم منها النظام مدمرة أو متصدعة، وتحتاج إلى ترميم مكلف، حيث تتطلب إعادة ترميم المنزل في المتوسط بين 4-5 آلاف دولار أمريكي، وهو مبلغ يفوق قدرات أي نازح، بينما كلفة إعادة إعمار المنزل تحتاج قرابة 10 آلاف، بينما يبلغ سعر صهريج مياه يكفي لعدة أيام حوالي 10 دولارات، وهي مبالغ يعجز كثير من الأهالي عن دفعه، مؤكداً أن الكثير من العائدين لجؤوا إلى إقامة خيم فوق ركام منازلهم للعيش فيها، كما قام البعض بالسكن في المغاور والكهوف بعد أن يئسوا من إيجاد حلول بديلة .

ويبين أن آمال الأهالي القاطنين في الخيام معلّقة بين الصبر على كوارث المخيمات وغياب الخدمات وانتشار القمامة وغيرها، وبين انتظار إعادة إعمار منازلهم التي لم يستطيعوا ترميمها لو بشكل جزئي، فالكثير من المدن والبلدات التي كانت مكتظة بالسكان قبل عام 2019، لا تزال إلى الآن شبه خالية من الأهالي والخدمات، فلا أعمدة للكهرباء ولا مدارس مهيئة لعودة تلاميذها وطلابها، ولا طبابة ولا مراكز صحيّة ولا أفران، وإن وجدت هذه الخدمات فبشكل خجول جدًا لا يلبي الاحتياجات.

ويلفت القانص إلى أنّ أبرز التحديات يتمثل في العامل الأمني بسبب وجود الألغام والذخائر غير المنفجرة، على اعتبار أن الجانب الأمني يشكّل عنصراً حيوياً وأساسياً .

عودة متعثرة

لتحديد أسباب تعثر عودة النازحين، أجرى فريق "منسقو استجابة سوريا" المختص بالإحصاء في الشمال السوري استبياناً شمل 29 ألفاً و693 نازحاً من سكان المخيمات، وكشف الاستبيان أن 94% ممن شملهم أفادوا بتعرض منازلهم لدمار كامل، ما يجعل العودةلهذه المناطق أمراً مستحيلاً. وأشار 91% ممن اُستطلعت آراؤهم إلى غياب خدمات أساسية كالمدارس والمراكز الصحية، بينما تحدث 98% عن وجود خطر متزايد من الألغام والمخلفات غير المنفجرة.

أمام قسوة الواقع وغياب الخدمات اضطر آلاف النازحين السوريين إلى العودة لمخيمات النزوح مرة ثانية، بعدما وجدوا بيوتهم التي هجّرهم منها النظام البائد مدمرة أو متصدعة وغير صالحة للسكن، منهم خالد الجاسم (51 عاماً) من بلدة عنجارة، يصف بحزن حالة منزله المتصدع في ريف حلب الغربي، الذي هجره لمدة 10 أعوام بسبب حملة القصف الجوي التي أطلقها جيش النظام البائد، وسيطرته خلال تلك الفترة على المناطق القريبة، حيث قام الجاسم بعد تحرير سوريا بترميم غرفة واحدة فقط أملاً بالعودة إلى منزله، لكنه لم يتمكن من البقاء فيه سوى عدة أيام، وعن سبب ذلك يقول: "رغم أن الحياة ضاقت بنا بسبب معاناة النزوح، ولكنني فضلت العودة إلى مخيم ريف حلب الشمالي بسبب غياب الخدمات في البلدة وتكدس الأنقاض، وغياب دعم المنظمات الإنسانية عن المنطقة".

ويؤكد أن ولده البالغ من العمر 15 عاماً يعاني من مرض الثلاسيميا ويحتاج إلى نقل دم ورعاية طبية مستمرة، وهذا ما افتقده بعد عودته إلى منزله، وهو الأمر الذي أجبره على العودة إلى المخيم رغم قسوة العيش فيه.

وجاء في تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا" في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أي بعد مرور ما يقرب من عام على انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تعاني سوريا من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج 16.5 مليون شخص، بما في ذلك 7.8 مليون طفل، إلى المساعدة، و7.4 مليون نازح داخليًا، وأكثر من 1.2 مليون عائد يحتاجون إلى الخدمات الأساسية .

وضعت الحرب أوزارها لكن معاناة النازحين السوريين لا تزال مستمرة، على الرغم من الأمل الذي يراود الكثيرين في استعادة حياتهم الطبيعية، والعودة إلى قراهم وبلداتهم، إلا أنهم مازالوا يواجهون واقعًا قاسيًا، فيما تحولت العودة إلى حلم بعيد المنال، نتيجة للدمار الهائل الذي طال منازلهم .

تحرير: ع.ج.م