مبارك بن محمد آل نهيان.. أول وزير داخلية في دولة الإمارات

يعد الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان رحمه الله من مؤسسي شرطة أبوظبي، فقد قام بتأسيس أول قوة شرطية منظمة في الإمارة كما أنه شغل منصب أول وزير داخلية في حكومة الاتحاد وخلال توليه هذه المسؤولية اهتم بشكل كبير بالقطاع الرياضي فأصبح أول رئيس لاتحاد كرة القدم في الإمارات

ساهم الراحل في رفعة بلاده في العديد من المجالات وقد تجسد في سيرته الأخلاق والبذل والعطاء خلال مسيرة مهنية زادت عن 4 عقود شهدت فيها العديد من المواقف والإنجازات المضيئة بفضل جهوده ورعايته، تعرف أكثر على إنجازاته ودوره في نهضة بلاده في هذا المقال.

من هو مبارك بن محمد آل نهيان؟

مبارك بن محمد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان هو واحد من أبرز الشخصيات الإماراتية التي عملت على نهضة بلادها والتي رافقت الشيخ زايد في تحقيق حلم اتحاد الإمارات العربية المتحدة.

شغل الشيخ مبارك رحمه الله العديد من المناصب الهامة والبارزة في الدولة، وقد حقق العديد من الإنجازات المهمة، فقد كان له الفضل في تأسيس أول قوة شرطية منظمة في إمارة أبوظبي، كما أنه أول من شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الاتحاد.

عرف الشيخ مبارك بتوجهاته الوحدوية، فقد كان من الداعمين لفكرة الترابط القوي بين الإمارات السبع، وانطلاقا من هذه الرؤية والهدف سعى إلى ترسيخ الفكر الوحدوي في الشرطة وأثمرت جهوده المضنية إلى توحيد قوات الشرطة في الإمارات لتشكيل وزارة الداخلية الاتحادية.

وبجانب اهتمامه الكبير بالشرطة فقد كان للراحل اهتمامات خاصة بمجال الرياضة، وخاصة رياضة كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في الإمارات، فحقق العديد من الإنجازات في هذا المجال وأسس أول اتحاد لكرة القدم في الإمارات، وشهدت فترة توليه المنصب تحقيق إنجازات هامة على مستوى كرة القدم في الدولة.

نشأته وتعليمه

ولد الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان في إمارة أبوظبي في عام 1935، وهو الابن الثاني للشيخ محمد بن خليفة بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى آل نهيان من زوجته الثانية الشيخة موزة ابنة تاجر اللؤلؤ أحمد بن خلف العتيبة.

كان والده صديقًا مقربًا للقائد المؤسس الشيخ زايد بن آل نهيان، وقد زوّجه ابنته الشيخة حصة، وهي والدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

برزت العديد من السمات في الشيخ مبارك منذ صغره جعلته محط اهتمام وإشادة وثناء من الجميع، فقد تميز الراحل براجحة عقله وذكائه، كما أنه كان مواظبًا على حضور مجالس الرجال واستمع فيها إلى نقاشات الحاضرين واستفاد من خبراتهم وتجاربهم التي صقلتها الحياة.

كان الشيخ مبارك رحمه الله شغوفًا بالخير والعطاء، وقد تميز بشخصية قيادية فريدة، وعرف بأنه خير ناصح ومستشار، كما أنه اهتم بتطوير ذاته واستفاد من الحكمة التي تلقاها من المجالس والتي دفعته نحو الإنجاز وكتابة التاريخ.

لدى الشيخ مبارك عددًا من الأخوة الذين شغلوا مناصب هامة في الدولة، منهم الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، والذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء سابقًا. وأخوه الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان وقد شغل منصب وزير البلدات والزراعة وممثل الحاكم في المنطقة الشرقية.

ومن إخوته أيضًا الشيخ سيف بن محمد آل نهيان، والشيخ سرور بن محمد آل نهيان، والشيخ سعيد بن محمد آل نهيان.

أبناء مبارك بن محمد آل نهيان

تزوج الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان من سيدة واحدة فقط وهي الشيخة عوشة بنت شخبوط بن سلطان آل نهيان، وقد رزق منها ب5 أبناء، وأبناؤه هم الشيخ أحمد بن مبارك الذي توفي عام 2003.

ابنه الآخر هو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، والذي يشغل حاليًا منذ وزير التسامح والتعايش السلمي منذ عام 2017. ابنه الثالث الشيخ حمدان بن مبارك، والذي شغل عدة مناصب وزارية منها وزير الأشغال العام ووزير التعليم والبحث العالية. لديه أيضًا ابنة اسمها الشيخة فاخرة بنت مبارك، والشيخ سعيد بن مبارك.

عمله في الشرطة

امتلك الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان العديد من الميزات الشخصية التي جعلته الخيار الأمثل لتكليفه بمهمة إرساء النظام والأمن في إمارة أبوظبي، فقد عهد إليه سمو الشيخ زايد رحمه الله بهذه المهمة بعدما تولى حكم الإمارة عام 1966.

في 18 سبتمبر من نفس العام أصبح الشيخ مبارك رئيسًا لدائرة الشرطة والأمن العام، كما أنه كان رئيسًا لدائرة الجنسية والجوازات العامة، وبسبب إنجازاته شاع اسمه كشخصية حكيمة وإداري ذكي وطموح صاحب أخلاق كريمة.

في 21 ديسمبر عام 1968 ترقى الشيخ مبارك إلى رتبة لواء، وذلك بعد إنجازاته المهمة في تأسيس النظام الشرطي في إمارة أبوظبي، وتمكن من الاستثمار في الكادر البشري والنجاح في تدريب وتأهيل أفراد الشرطة على أعلى مستوى.

خلال توليه منصبه نجح الشيخ مبارك في ابتعاث أفراد الشرطة في الإمارات إلى كليات الشرطة والأمن العربية للاستفادة من تجارب البلدان الأخرى، كما أنه نجح في استقطاب كفاءات شرطية من الدولة العربية الشقيقة.

قيادة أول وزارة داخلية في حكومة الاتحاد

كانت كل الإنجازات والمهام التي قام بها الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان كافية لأن يعتمد عليه الشيخ زايد رحمه الله في تولي أول وزارة داخلية بعد قيام دولة الاتحاد في ديسمبر عام 1971.

وفي الحقيقة كان الشيخ مبارك من الداعمين للشيخ زايد في توحيد الإمارات السبع، وقد كان له دور بارز في الاجتماعات والمداولات التي جرت قبل تأسيس الدولة مع أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.

شغل الشيخ مبارك مسؤولية وزارة الداخلية منذ عام 1971 حتى عام 1990، وأنهى مسؤولياته في الوزارة مع التشكيل الوزاري الخامس تحت قيادة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله، وخلفه في هذا المنصب معالي حمودة بن علي.

إنجازاته كوزير للداخلية

وخلال سنوات شغله هذا المنصب حقق الشيخ مبارك العديد من الإنجازات، ومنها أنه شارك في جميع الاجتماعات التنسيقية العربية بين المؤسسات الشرطية، وقد أسهمت هذه الاجتماعات في مكافحة الجريمة. شارك الراحل أيضًا في مؤتمرات دولية متعلقة بالأمن والتعاون الدولي العالمي لمكافحة الجريمة.

اهتم الشيخ مبارك بإعداد وتأهيل الشرطة بشكل جيد، وقد كان له دور أساسي في تأهيل الصفين الثاني والثالث من القيادات الشرطية في الإمارات، ولم يغادره منصبه دون التأكد من وجود الكفاءات القادرة على القيادة.

كان للراحل دور هام في إنشاء وحدة الشرطة النسائية في عام 1978، لإيمانه بحقوق النساء، كما أنه أنشأ مدرسة للشرطة النسائية في أبوظبي تأكيد على دور المرأة المهم في تحمل المسؤوليات الوطنية.

وقد اهتم الشيخ مبارك رحمه الله بإصدار العديد من القوانين والقرارات الوزارية التي من شأنها تنظيم أجهزة الشرطة وتطوير دور الأمن العام سواء في إمارة أبوظبي أو في الإمارات كلها.

ومن هذه القوانين والتشريعات نظام وزارة الداخلية في أبوظبي رقم 8، وقانون الأمن العام رقم 1 عام 1972، وكانت هذه القوانين والقرارات بمثابة الأساس الذي ساهم في تعزيز كفاءة وفعالية الأجهزة الأمنية، وضمان استقرار وأمان المجتمع.

من إنجازاته المهمة أيضًا أنه ألغى كافة التعقيدات والمشكلات الحدودية بين الإمارات، ومنها إجراءات توقيف السيارات وتدقيق هويات وبطاقات المسافرين على الحدود بين الإمارات.

من قرارته المهمة أيضًا قرار صدر عام 1974 أمر فيه هذه الإجراءات التي كانت مطبقة في مخفر سيح شعيب على السيارات والمسافرين، تأكيداً على وحدة أراضي الإمارات العربية المتحدة، مما سهل حركة التنقل وعزز الترابط بين إمارات الدولة.

تأسيس أول اتحاد لكرة القدم في الإمارات

وبجانب دور البراز في مجال الشرطة وإرساء الأمن كان الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان رحمه الله مهتمًا بالمجال الرياضي، ولا سيما رياضة كرة القدم الأكثر شعبية في الإمارات.

وقد كان للراحل إسهامات بارزة في المجال الرياضي، وتمثلت أهم هذه الإسهامات في تأسيس أول اتحاد لكرة القدم في الإمارات وهو من وضع القاعدة التنظيمية للاتحاد، وقد شغل منصب رئيس الاتحاد في الفترة بين عام 1971 وعام 1973.

وخلال هذه الفترة شهدت الإمارات إنجازًا مهمًا في تاريخها، فقد شارك منتخب الإمارات لأول مرة في بطولة كأس الخليج، كما حصلت الإمارات على عضوية الاتحادين الدولي والآسيوية لكرة القدم، وتم تشكيل منتخب الإمارات من 20 لاعبًا، ومنهم الكابتن أحمد عيسى ومبارك بالأسود وسالم بوشنين وسهيل سالم وزيد ربيع وإبراهيم رضا ورجب عبدالرحمن ومحمد سالم سهيل وآخرين.

وكانت أول مشاركة للمنتخب الإماراتي في دورة الخليج الثانية في الرياض، وقد وتم التعاقد فيها مع أول مدرب محترف وهو المرحوم شحته وحصل المنتخب على برونزية كأس الخليج الثانية في مارس عام 1972.

جمع الشيخ مبارك أيضًا بين مجال الشرطة والرياضة، فقد شكل لجان رياضية للشرطة الإماراتية، وقدم مزايا لأفراد الشرطة منها تشكيل فريق الشرطة لكرة القدم، وقد كان فريقًا ذا حضور مميز في الساحة الرياضية.

لعب فريق الشرطة مباريات ودية مع فرق دبي والشارقة، ولعل أهم المباريات مباراة الوحدة على ملعب الشرطة، وقد شاهد المباراة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وذلك في عام 1968، حينما كان الشيخ مبارك يشغل منصب رئاسة الاتحاد الرياضي العام في إمارة أبوظبي.

وتكريمًا لإنجازاته ودور في المجال الرياضي في الإمارات قام مجلس إدارة اتحاد كرة القدم عام 2008، تحت رئاسة محمد خلفان الرميثي، بزيارة الشيخ مبارك بن محمد، وتم تقديم كأسًا تكريمية للشيخ لدعمه المستمر للرياضة في الإمارات.

جوائز وأوسمة

أثناء عمله كوزير للداخلية حصل الشيخ مبارك بن محمد على العديد من الأوسمة المحلية والعربية المرموقة، ومن بين هذه الأوسمة وسام زايد الثاني، وسام عيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسام قوة دفاع أبوظبي.

حصل الراحل أيضًا على وسام الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، وسام السلطان قابوس من سلطنة عمان، وسام الجمهورية التونسية، وسام الملك الحسن الثاني من المملكة المغربية.

بالإضافة إلى ذلك حصل على وسام الاستحقاق من دولة قطر، وغيرها من التكريمات التي تعكس تقدير جهوده وإسهاماته المتميزة في مجال الأمن.

وفاة مبارك بن محمد آل نهيان

رحل عن عالمنا الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان في 25 فبراير عام 2010 عن عمر 75 عامًا، وبعد وفاته نعاه كبار المسؤولين والشخصيات البارزة في الدولة، كما نعته وزارة شؤون الرئاسة.

وقد نعى الوسط الرياضي في الإمارات الراحل مبارك بن محمد، كما نعى ديوان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الراحل، ونعاه أيضًا ديوان صاحب السمو حاكم دبي، وبعد وفاته تم الإعلان عن الحداد الرسمي في إمارة الفجيرة لمدة 3 أيا وإمارة أم القيوين، وإمارة عجمان

تمت الصلاة على الراحل ظهرًا في مسجد الشيخ سلطان بن زايد في البطين، وقد حضر جنازته آلاف المعزين من مختلف المناطق في الدولة لتوديع الراحل والصلاة عليه، وقبلت التعازي في قصر المشرق.

مسجد الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان

في شهر أبريل عام 2010، أي بعد شهرين من وفاة الشهير مبارك بن محمد آل نهيان، افتتح الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغريبة جامع الشيخ مبارك بن محمد في منطقة الضبعية في أبوظبي.

المسجد تم تصميمه بشكل رائع وهو يتسع لحوالي ألف مصل، وقد تمت صلاة الجمعة فيه وحضر الصلاة كبار المسؤولين في الدولة منهم الشيخ سرور بن محمد آل نهيان، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وعدد من المسؤولين وأعيان وأهالي منطقة الضبعية. وقد ألقى أول خطبة جمعة في المسجد المستشار فاروق حمادة.