لماذا فازت سعاد العامري بجائزة نوابغ العرب 2025؟ تعرف على قصتها
الدكتورة سعاد العامري: حارسة الذاكرة المعمارية الفلسطينية
في مسيرة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، نجحت الدكتورة سعاد العامري في أن تصبح واحدة من أبرز المعماريين العرب المتخصصين في الحفاظ على التراث العمراني، حيث كرست حياتها لتوثيق وترميم المباني التاريخية الفلسطينية، وتحويل شغفها بالعمارة إلى مشروع حضاري شامل يحفظ الهوية والذاكرة الجماعية لشعبها.
من الغياب إلى الحضور
وُلدت الدكتورة سعاد العامري لأب فلسطيني فقد منزله في يافا عام 1948، وأم سورية من دمشق، نشأت في عمان وهي تستمع لوالدها يصف منزله المفقود القريب من البحر، بطابقيه وساحته وشجرة الليمون الكبيرة في وسطه.
تلك الصور الغائبة عن البيت الفلسطيني المفقود، والحضور الطاغي لدمشق القديمة في ذاكرة والدتها، شكّلا معاً البذرة الأولى لشغفها بالعمارة.
"أعتقد أنني أصبحت معمارية بسبب هاتين المدينتين: الحضور القوي لأم دمشقية وصور المدينة القديمة وأزقتها، وغياب بيت والدي ووطنه"، تقول سعاد العامري عن بداياتها.
مؤسِسة "رِواق": المشروع الحضاري
بعد أن أمضت 15 عاماً في دراسة الهندسة المعمارية، حصلت سعاد العامري على شهادة الدكتوراه من جامعة أدنبرة في اسكتلندا، ثم عادت لتدرّس في قسم الهندسة المعمارية بجامعة بيرزيت بين عامي 1982 و1996.
في عام 1991، اتخذت قراراً حاسماً بترك التدريس الجامعي لتؤسس مركز المعمار الشعبي "رِواق"، أول مؤسسة فلسطينية متخصصة في الحفاظ على التراث المعماري، كان الهدف طموحاً: توثيق وترميم وإعادة إحياء المباني والقرى التاريخية الفلسطينية قبل أن تندثر.
قادت سعاد العامري واحداً من أضخم مشاريع التوثيق المعماري في المنطقة، حيث أُعد سجل شامل يضم أكثر من 50 ألف مبنى تاريخي في القرى والبلدات الفلسطينية، موثقاً بدقة تفاصيل كل منها: نوع البلاط، الحجر، النقوش، المساقط المعمارية، والخرائط الدقيقة.
إعادة الحياة للقرى التاريخية
لم تكتفِ الدكتورة سعاد العامري بالتوثيق، بل انتقلت إلى مرحلة أكثر تأثيراً: الترميم وإعادة التأهيل، أطلقت عام 2005 مشروعاً لإعادة تأهيل 50 قرية فلسطينية، وقادت مشروع إحياء القلب التاريخي لبيرزيت، في جهد حضاري يهدف للحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي للريف الفلسطيني.
ما ميّز منهجها هو الجانب الإنساني والمجتمعي: فقد حرصت على إشراك الأهالي والحرفيين المحليين في مشاريع الترميم، ودرّبتهم على استخدام المواد التقليدية في البناء، مما أعاد إحياء المهارات الحرفية التقليدية وعزز ارتباط السكان بتراثهم المعماري.
نجحت سعاد العامري في تحويل الترميم من عملية تقنية إلى فعل مجتمعي يعيد للناس ثقتهم بقيمة مبانيهم التاريخية.
التدوين يوازي الترميم
آمنت الدكتورة سعاد العامري بأن حماية المعرفة المعمارية بالتدوين لا تقل أهمية عن الترميم الفعلي.
أصدرت سلسلة من الكتب المرجعية المتخصصة، منها "البلاط التقليدي في فلسطين" (2000)، و"زلزال في نيسان" (2002)، و"عمارة قرى الكراسي" (2003)، و"مناطير قصور المزارع في فلسطين" (2004). هذه المؤلفات أصبحت مراجع أساسية للباحثين والمهتمين بالعمارة الفلسطينية التقليدية.
من العمارة إلى الأدب
في منعطف غير متوقع، تحولت سعاد العامري أيضاً إلى كاتبة وروائية مرموقة، بدأت رحلتها الأدبية "بالصدفة المحضة"، كما تقول، عندما وجدت نفسها محاصرة مع حماتها البالغة 92 عاماً لمدة 42 يوماً تحت حظر التجوال، تلك التجربة القاسية دفعتها للكتابة كوسيلة للتعبير عن الإحباط.
أدركت سعاد العامري قوة السرد الشخصي في نقل القضية الفلسطينية. "نحن الفلسطينيين لا نضع وجهاً أو اسماً للحكاية الفلسطينية. نحن مهووسون بالقصة الجماعية، بفقدان وطن. لكن ما معنى فقدان وطن حقاً؟ من يرتبط بوطن سوى السياسيين؟"، تتساءل.
اختارت أن تروي قصصاً شخصية بأسماء وأوجه وبيوت حقيقية، أصدرت "شارون وحماتي: يوميات رام الله" الذي تُرجم إلى 19 لغة وحقق نجاحاً كبيراً في فرنسا، وفاز بجائزة فياريجو المرموقة في إيطاليا عام 2004. كما نشرت "دمشقي" (2016)، و"أم الغرباء" (2022)، وغيرها من الأعمال التي حظيت باهتمام عالمي.
دورها في صنع السلام
بين عامي 1991 و1993، كانت سعاظ العامري عضواً في الوفد الفلسطيني للسلام في واشنطن، وشاركت في مبادرات سلام عديدة بين فلسطينيات وإسرائيليات.
كما عملت من 1994 إلى 1996 مساعدة لنائب وزير الثقافة الفلسطيني ومديرة عامة في وزارة الثقافة التابعة للسلطة الفلسطينية.
تقدير دولي
توّجت جهودها بجوائز رفيعة، منها جائزة الآغا خان للعمارة عام 2013 عن مشروع إحياء مركز بيرزيت التاريخي مع "رواق". وفي عام 2025، فازت بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العمارة والتصميم، في اعتراف رسمي بمساهماتها الاستثنائية على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
لحظة إبلاغ محمد القرقاوي، رئيس اللجنة العليا لنوابغ العرب، الدكتورة سعاد العامري من #فلسطين بفوزها بـ #جائزة_نوابغ_العرب لعام 2025 عن فئة العمارة والتصميم.#مصدر_للأخبار pic.twitter.com/8TlU1pdWgQ
— مصدر (@MSDAR_NEWS) December 14, 2025
هنّأها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالفوز، مؤكداً أن "المعمار هو تجسيد لهوية الشعوب وديوان لتاريخها"، وأن جهودها في "الحفاظ على التراث العمراني هو واجب حضاري يترجم احترام الأمم لتاريخها ومستقبلها".
اليوم، تُعتبر الدكتورة سعاد العامري مرجعاً عربياً وعالمياً في مجال الحفاظ على التراث المعماري، عُيّنت نائبة لرئيس مجلس أمناء جامعة بيرزيت عام 2006، وتواصل قيادة "رواق" في مهمته الحضارية.
تزوجت من سليم تماري عام 1981 بعد عودتها إلى رام الله كسائحة، واستقرت هناك لتبني مشروع حياتها الذي جمع بين شغف العمارة، وعمق التوثيق، وقوة الكلمة، مشروع لم يحفظ الحجر فحسب، بل حفظ الذاكرة والهوية والروح الفلسطينية في مواجهة النسيان.