ذكرى أول اعتداء عنصري في ألمانيا الشرقية.. شهود جزائريون يروون القصة

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ يومين زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
الطبّاخ الخاص للملك المؤسس يروي ذكريات مميزة من الماضي
شاهد: طبيب تايلاندي يروي ذكريات 22 عامًا في المملكة
فيديو القصة الكاملة للاعتداء على مصري في الكويت وتصويره عارياً

مر نصف قرن على ذكرى أعمال شغب عنصرية استهدفت عمالا جزائريين، فقبل 50 عاما، وتحديدا في شهر أغسطس/آب 1975، هاجم 300 شاب من سكان مدينة إرفورت، الواقعة شرقي ألمانيا، 25 عاملا جزائريا في وسط المدينة، وانهالوا بالضرب المبرح على بعضهم، ما استلزم نقلهم إلى المستشفى.

كان هذا أول حادث شغب ضخم بدوافع عنصرية في ألمانيا منذ عام 1945، لكنه ظل لسنوات طي الكتمان، ولم تناقشه وسائل الإعلام أو تشرح تفاصيله للرأي العام منذ حدوثه.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

استمر الهجوم في إرفورت لمدة ثلاثة أيام، منذ العاشر إلى غاية 13 أغسطس/آب 1975. بعد أول مطاردة وأعمال عنف تجاه العمال الجزائريين، نُفذَّت هجمات أخرى على التوالي وتدخلت الشرطة لحماية العمال الشباب الذين كان قد تم توظيفهم في العديد من شركات مدينة إرفورت التي كانت تعاني كما باقي المدن في ألمانيا من نقص اليد العاملة.

أسباب اندلاع الهجوم

تحدث أهالي المدينة لأيام عن المهاجرين الجزائريين بالسوء، بعدما نشر بعض الشباب مزاعم ملفقة بالاغتصاب وشائعات عنصرية متداولة في إرفورت. يقول علي صديقي، أحد العمال وضحايا الحادث حينها "كانوا ينشرون إشاعات عن بعض الشباب بأنهم يتحرشون بالنساء الألمانيات، ثم بدأت الاعتداءات يوم 10 أغسطس، وقد تم استهدافي أيضا بشكل مباشر ودون سابق إنذار، لولا تدخل أصدقائي لإنقاذي، لكنت فقدت حياتي يومها".

علي هو واحد من العمال الجزائريين الذين أتوا إلى ألمانيا في إطار اتفاقية رسمية مع الجزائر، ووفقا لبحث أجرته جامعة إرفورت، عمل أكثر من 8 آلاف عامل جزائري مهاجر في ألمانيا الشرقية بين عامي 1974 و1984. وقد تم استقدام العمال بموجب اتفاقية بين ألمانيا الشرقية والجزائر.

كما أُبرمَت اتفاقيات حكومية مماثلة تنظم استقدام عمال أجانب بموجب تعاقدات مع المغرب وفيتنام وأنغولا، ودول أخرى كثيرة.

وصل علي صديقي إلى ألمانيا سنة 1975، وكان من بين المعتدى عليهم يوم 10 أغسطس، يقول خلال حديثه مع DW عربية: "كنت في محطة القطار وحيدا وهاجمتني مجموعة من الشباب دون سبب، أنقذني صديقان كانا على متن المترو، عندما رأياني أحاول الإفلات من ضرب شبان انهالوا علي بالعصي، قاما بالتدخل، ثم فتحا الباب بينما خفف السائق السرعة وتمكنت من الهرب، بفضلهما نجوت لأعيش إلى اليوم".

تفاصيل أيام الاعتداء

في مهرجان بمدينة إرفورت، اندلعت في العاشر من أغسطس/آب عام 1975، أعمال عنفٍ معاديةٍ للأجانب بعدما اعتدى شبان، من اليمين المتطرف، بالضرب على جزائريين اثنين. بعد ذلك بوقت قصير، تمت مطاردة عشرات الشباب الجزائريين الفارين في وسط المدينة، وانهال عليهم المعتدون ضربا.

سيطرت قوات الأمن على الوضع في البداية، وساد الهدوء المسكن الداخلي للجزائريين. يقول علي عبود في تصريحه لـ DW، "هي لحظات نتمنى أن ننساها فعلا، فبعد الاعتداءات الأولى، حاولت الشرطة حمايتنا بمنعنا من الخروج في مكان السكن لما يناهز أسبوعين، خوفا من حوادث أعنف".

عبود هو واحد من المهاجرين الجزائريين السابقين، الذين عاشوا أطوار الاعتداء قبل أن ينتهي عقده كما زملاؤه علي صديقي وعبد القادر مانع، ويمنعوا من العودة إلى ألمانيا منذ ذلك الحين إلى الآن، رغم أن بعضهم ترك أسرة هنا.

يوم 12 أغسطس/آب 1975، تمت مطاردة شباب جزائريين مرة أخرى في وسط المدينة، واقتيدوا إلى مساكنهم تحت حماية الشرطة. وارتفع عدد المعتدين الذين توجهوا نحو المسكن وبدأوا برشقه بالحجارة وتكسير نوافذه.

حسب الأبحاث التاريخية، وما نشرته وسائل إعلام ألمانية، فقد طالب المعتدون بتسليم الجزائريين، بشعارت عنصرية وفقا لما ذكرته الشرطة السرية الألمانية (شتازي). وعندما حاولوا اقتحام السكن، تدخلت الشرطة بحزم ضدهم. في اليومين التاليين، تم اعتقال 31 شخصًا، ورفعت دعاوى جنائية ضد تسعة آخرين، وفقًا للأرقام الرسمية.

لماذا تم التكتم على الحادث؟

التزمت وسائل الإعلام في جمهورية ألمانيا الديمقراطية الصمت تجاه أعمال الشغب العنصرية بشكل لافت، والسبب هو محاولة طمس أي قضية تتعلق بكراهية الأجانب والنازية في تلك الفترة، بعد تأسيس دولة الاشتراكية نموذجية.

وتعتقد المؤرخة أنيغريت شوله في تصريحها لوسائل إعلام ألمانية، أن سبب عدم معرفة الرأي العام بتلك الوقائع في إرفورت هو حرص السلطات الرسمية في ألمانيا الشرقية على التكتم عليها.

وأوضحت شوله أن جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سجل الهجمات بدقة متناهية، لكن مُنِع الجميع من الحديث عنها، وقالت: "الحديث عن وجود عنصرية في ألمانيا الشرقية كان من المحظورات، وهو ما ساهم بشكل كبير في غياب نقاش مجتمعي شامل حول العنصرية في شرق ألمانيا".

يقول علي صديقي "بعد الحادث، قدمنا إفادتنا للشرطة وروينا التفاصيل، وفي النهاية أخبرنا رئيس الشرطة في المدينة أن ألمانيا الغربية هي سبب هذا الشغب، وأن الأمر لا يتعلق بأعمال عنصرية بقدر ما هو تدبير من الجارة التي تريد تخريب علاقتنا بدول أخرى، ولكن إفادتي كانت صريحة، أنني تعرضت لاعتداء عنصري".

حُكم على المتهمين، الذين وصفوا جميعا بأنهم من ذوي السوابق، بالسجن لعدة سنوات. ولم تُذكر كلمة "عنصرية" حتى خلال المحاكمة.

لماذا عادت الحادثة للواجهة اليوم؟

سمع الرأي العام الألماني باعتداء إرفورت منذ سنوات، لكن بصيغة أقرب لرواية المعتدين حسب الباحث الألماني يان دانيال شوبرت، وهو مؤرخ وباحث في مجال علم الاجتماع، يعمل في مركز أبحاث التاريخ الشفوي بجامعة إرفورت وفي منظمة Decolonize Erfurt، ويعود له فضل إحياء هذه القضية بهذه القوة.

فقد تقرر هذه السنة، إحياء ذكراها ضمن فعاليات تمتد لثلاثة أيام بتعاون بين جامعة إرفورت، والهيئة المركزية للتثقيف السياسي، وموقع توبف آند زونه التذكاري، إلى جانب جمعية "ميغرانيتز تورينغن". وبفضل البحث الذي أجراه شوبرت، "تمكن ثلاثة من الناجين من الاعتداءات، العودة لأول مرة إلى ألمانيا منذ مغادرتها في السبعينات، للمشاركة في صياغة رواية مكتملة للأحداث التاريخية"، حسب قول المؤرخ.

ويقول عنهم الباحث في تصريحات لـ DW عربية: "الكثير منهم اضطروا لمغادرة ألمانيا رغم أنهم لم يرغبوا في ذلك، وبعضهم رحل طواعية بعد الحادث. وأرى أن الحديث عن هذه الحادثة الماضية، سيساعدنا كثيرا على بناء الرواية الكاملة والصحيحة لما جرى، وتصحيح المعلومات. إن الاستماع للضحايا أمر مهم للغاية، ولم يتم من قبل، لذلك كان بذل المجهود للوصول إليهم أمرا مهما".

درس شوبرت التاريخ وقضايا الشرق الأوسط في إرفورت، كما تعلم اللغة العربية والفرنسية وزار بلدانا مغاربية منها الجزائر، وذلك في محاولة للوصول إلى ضحايا الاعتداء لأجل استكمال أجزاء من القصة. يقول "كان الوصول لبعضهم عبر الأنترنيت أول خيط نحوهم، بعضهم كان متجاوبا ويود التواصل مع أشخاص في ألمانيا، بينما رفض آخرون الحديث عن الموضوع وتذكر التجربة".

قصص إنسانية

عبد القادر مانع، الذي يعيش اليوم في العاصمة السويدية ستوكهولم، واحد من العمال السابقين الثلاثة العائدين إلى ألمانيا لإحياء هذه الذكرى، يقول "بعد عودتي للجزائر لم أكن أرغب لا في العودة إلى ألمانيا ولا الهجرة إلى بلاد آخر، عشت في بلدي 17 عاما، لأغادر كسائح نحو السويد، وتبدأ رحلة أخرى هناك".

لم يزر مانع ألمانيا منذ ذلك الحين، يرى في حضوره إحياء ذكرى الاعتداء أمرا بالغ الأهمية، لأن في الأمر رسالة من التاريخ، وجزء مهم من هذه الرسالة يجب أن يستثمر في المستقبل، حسب رأيه. ويقول إن "إحياء هذه الذكرى هي محاولة من الباحثين لإعادة الاعتبار لمن عانوا خلال هذه الاعتداءات، وكثيرون منا يطالبون بتسهيل ولوج هؤلاء العمال السابقين إلى ألمانيا خاصة منهم من ترك زوجة أو أبناء هنا".

ومن بين الأشخاص الذين عانوا من فراقهم لأسرة كونها هنا، كان علي عبود، الذي قال "منذ مغادرتنا سنة 1079 لم يسمحوا لنا بالعودة وأوصدوا في وجوهنا كل الأبواب". ووراء هذا المنع قصة حرمان أب من ابنه، انتهى يوم التاسع من أغسطس الجاري، بلقاء غير مسبوق.

يقول مانع، بفضل الباحث يان، عاد الأمل في الدخول إلى ألمانيا مجددا، ووجدت فرصة للقاء ابني، إنها تجربة صعبة، ولا يجوز أن يستمر منع العمال الجزائريين من العودة إلى هنا".

يقول يان شوبرت، إن البحث والوصول إلى الضحايا كان أمرا مهما، لكن التمكن من مساعدتهم في العودة لألمانيا مجددا، كان أكثر أهمية، خاصة عبود الذي تمكن لأول مرة من اللقاء بابنه بعد سنوات طويلة، كما أن هناك شخص آخر من العمال السابقين في الجزائر، مازال يحاول التأكد من وجود ابن له هنا في ألمانيا ويحاول الوصول إليه".