منقذات الحياة.. أنامل نسائية تفكك الألغام ومخلفات الحرب في سوريا

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ يومين زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
منقذات الحياة.. أنامل نسائية تفكك الألغام ومخلفات الحرب في سوريا

خلفت سنوات الحرب في سوريا الكثير من المخلفات القاتلة من ألغام وذخائر غير منفجرة، تشكل تهديداً كبيراً على حياة السكان، وموتاً موقوتاً طويل الأمد، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار المدنيين وعلى حياتهم، وخاصة الأطفال، لذا استجابت العديد من الفرق من خلال إزالة هذه المخلفات، كما شاركت النساء في هذا العمل، بهدف الحد من انتشارها، وحماية حياة المدنيين .

أمام هذا الواقع تلتزم منظمة "هالو ترست" بتدريب العديد من الكوادر على تفكيك الألغام، وتوفير فرص متكافئة لجميع الناس، بمن فيهم النساء والأشخاص ذوو الإعاقة.

مؤيد النوفلي نائب المدير القُطري لمنظمة "هالو ترست" وهي منظمة غير حكومية متخصصة في إزالة الألغام الأرضيةوغيرها من مخلفات الحرب في سوريا يقول لـ DW عربية: " تعتبر مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة بما فيها الألغام من أخطر التهديدات التي تواجه المدنيين، حيث تنتشر على نطاق واسع بسبب الحرب التي استمرت منذ عام 2011، حتى أواخر عام 2024.

ويلفت أن المخلفات الحربية تنتشر بشكل كبير في سوريا، خاصة في المحافظات التي شهدت معارك عنيفة مثل حلب وإدلب ودير الزور وحماة وحمص ودرعا وريف دمشق، حيث يقدر وجود ملايين الألغام والأجسام غير المنفجرة مثل القنابل العنقودية والقذائف والصواريخ.

"من الأنسب للنساء التفاعل مع نساء أخريات"

ويؤكد النوفلي أن أعداد الحوادث والإصابات مرعبة، فمنذ الثامن من ديسمبر عام 2024، تم تسجيل أكثر من 1250 ضحية ما يقارب ال 50% منهم فقدوا حياتهم.

ويضيف النوفلي: "عند تعاملنا مع المجتمعات المحلية، من المفيد بشكل خاص وجود النساء، فالثقافة التي نعمل بها تجعل من الأنسب للنساء التفاعل مع نساء أخريات بدلاً من قيام الرجال بذلك."

ويوضح بالقول: "وجود النساء مهم بشكل خاص لفرق التوعية بالمخاطر والمسح، وبدون وجود النساء، لن نتمكن من إيصال رسائل منقذة للحياة إلى السكان حول مخاطر الذخائر المتفجرة، وسنفقد الكثير من المعلومات حول أماكن وجود مخلفات الحرب القابلة للانفجار، لذا نوفر جميع الأدوار للنساء عند التوظيف، لكننا لا نجبر أي شخص على دور لا يرغب فيه."

كما تعمل المنظمة على تطوير قياداتها النسائية، مع وجود نساء في منصب قائد فريق في فرق التوعية بالمخاطر والمسح والتخلص من الذخائر المتفجرة، وستواصل الاهتمام بموظفيها من خلال التدريب، لضمان تعيين أفضل شخص لكل وظيفة، بغض النظر عن الجنس. مبيناً أن مدير القسم الطبي لدى "هالو ترست" من النساء وقسم الموارد البشرية يقاد أيضاً من قبل النساء. مضيفاً: "لا ننسى أن للنساء دور فاعل ومؤثر في المجتمع، وفي جميع جوانب الحياة، كما يتجسد دورها القيادي في حماية أطفالها وأسرتها والمجتمع."

آلية ومراحل العمل لإزالة مخلفات الحرب

أما عن آلية ومراحل العمل لإزالة مخلفات الحرب، فيؤكد النوفلي أن مفهوم العمل في مخلفات الحرب هو واسع وشامل، ويتكون من عدة مراحل تبدأ من التوعية التي تحتاج إلى تدريبات خاصة، مروراً بالتدريب على المسح غير التقني، فضلاً عن التدريب على التخلص من الذخائر، ويحتوي على عدة مستويات من التدريب كما هو الحال في إزالة الألغام، إضافة إلى التوعية من مخلفات الحرب والتي يتم من خلالها إيصال الرسائل المنقذة للحياة للمستفيدين.

أما المسح غير التقني فيتم من خلاله جمع المعلومات عن مناطق انتشار الألغام ومخلفات الحرب و توثيقها، ثم كيفية التخلص من الذخائر غير المنفجرة، علماً أن جميع موظفي المنظمة مدربين على المعايير الدولية الإنسانية للتخلص من الأجسام غير المنفجرة، وإزالة الألغام (تطهير حقول الألغام)

ويلفت النوفلي أن العديد من أنواع مخلفات الحرب تنتشر في سوريا منها الألغام الأرضية (المضادة للأفراد والمضادة للآليات)، إلى جانب القذائف، القنابل العنقودية، الصواريخ، العبوات الناسفة، وكل صنف من هذه الاصناف له أحجام وأنواع مختلفة.

لمى حاج قدور هي إحدى المستفيدات من التدريب وتشارك حالياً في عمليات البحث عن الألغام والذخائر غير المنفجرة بهدف تفكيكها والتخلص منها، وعن عملها تتحدث لDW عربية بالقول: "دفعني الجانب الإنساني، وأهمية حماية الناس وإنقاذ الأرواح والمساهمة في إعادة الإعمار والشعور بالمسؤولية الإنسانية للمشاركة في هذا العمل."

وأضافت أن ثقافة المجتمع المحلي تتطلب وجود النساء في هذا المجال، إذ أن وجودهن يسمح بالتفاعل مع نساء أخريات في المجتمع، باعتبار أن للمرأة دور مؤثر في المجتمع لأنها الأم والمعلمة والمربية والعاملة، وهي دائماً تشغل مكان حماية أطفالها وأسرتها ومجتمعها.

وتضيف: "تلقيت مع زميلاتي التدريبات المناسبة، بإشراف خبراء مختصين في هذا المجال، وفق إجراءات العمل الدولية المعتمدة، وأصبحنا أكثر استعداداً لقيادة فرق أو مشاريع بثقة، مع فهم أعمق لكيفية توظيف قدراتنا الشخصية لتحقيق التميز في العمل والحياة." مؤكدة أن هذه التدريبات لم تُعلِّمهن فقط المهارات التقنية، بل غيَّرت نظراتهن لأنفسهن كقائدات قادرات على صنع التغيير.

بلاغات كثيرة جدا..

وتخبرنا لمى بأن عدد البلاغات التي تصلهم كبير جداً، فخلال اليوم الواحد يتلقون عدة بلاغات، بسبب نسبة التلوث الكبير والانتشار الواسع للألغاموالمخلفات الحربية، سواء داخل المنازل أو بمحيطها أو في الأراضي الزراعية، وتشكل هذه البلاغات مصدر قلق، إذ إن حجم التلوث يفوق قدرة الفرق العاملة على استيعابه.

وتبين حاج قدور أنها أكملت عدة دورات تدريبية للتحضير لمخاطر إزالة الألغام. وعن ذلك تقول: "عند التوجه للمكان الملغوم نبدأ بالمسح وتحديد حدود المنطقة الملوثة بالمخلفات، ثم نكشف عن الخطر ونوعه ونحسب مسافات الأمان له، ونعمل على إخلاء المنازل المأهولة بالسكان لضمان حمايتهم، كما نضع نقاطاً رئيسية حتى يتمكن الفريق الميكانيكي الذي يضم آليات ثقيلة من مواصلة العمل وفقها، لاستخراج المخلفات الحربية المزروعة في الأرض وتجميعها في منطقة معينة قبل تفجيرها من قبل فرق الإزالة”.

وأشارت إلى أن النساء أثبتن أنهن قادرات على التميّز، وبرزت كفاءتهن بهذا المجال، إلى جانب الرجال، وقمن كذلك بأداء عملهن بكل كفاءة، للحفاظ على حياة الأهالي، وتضيف: " عند قيامي بهذا العمل تراودني مشاعر مختلطة بين المسؤولية والإحساس بالإنجاز والأمل بإعادة الحياة للمناطق المتضررة ."

.. وأمكانيات محدود

من جانبه أحمد الرحمون (35 عاماً) من مدينة إدلب قائد فريق لإزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري يوضح أن قوات النظام السوري السابق زرعت مئات الآلاف من الألغام في مختلف المناطق في سوريا، خاصة في الأراضي الزراعية، والعديد من المدنيين الأبرياء لقوا حتفهم أو بترت أطرافهم بسبب احتكاكهم الخطير مع مخلفات الحرب القابلة للانفجار، أو تعرضهم لها عن غير قصد، كما تعوق هذه الأسلحة جهود إعادة الإعمار وتهدد سبل عيش الناس، حيث لا يمكن إعادة بناء المنازل والمستشفيات والمدارس، ولا يمكن زراعة الأراضي الملوثة، إلا بعد إزالة هذه الأسلحة، ما خلق حالة من القلق والخوف لدى المجتمعات المحلية، ودفعهم للتنقل إلى مناطق أكثر أمناً .

ويشير الرحمون أن الإمكانيات والخبرات الموجودة في سوريا في الوقت الحالي لا تبدو كافية للتعامل مع حجم المخاطر التي تفرضها مخلفات الحرب، على الرغم من عمل عدة جهات ومنظمات على إزالة الألغام .

ويؤكد الرحمون على أن مواجهة هذا الخطر تتطلب مسؤولية جماعية، من خلال تكثيف حملات التوعية بمخاطر الذخائر غير المنفجرة، وتسريع جهود إزالة المخلفات الحربية وتأمين المناطق المتضررة، بما يضمن حماية المدنيين وعودة الحياة إلى طبيعتها.

تفتك مخلفات الحرب بحياة مئات الأشخاص، نتيجة انتشارها الكبير على كافة الجغرافيا السورية، كموت مؤجل للسوريين تتسبب بإصابات بليغة بينهم، وتعمق مأساة المدنيين وتحد من أنشطتهم والعودة لديارهم.

تحرير: عبده جميل المخلافي

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة