مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع السينما

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 14 ساعة
مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع السينما

منذ أربع سنوات، تواظب الشابة التونسية أميمة حمدي على القدوم من مدينة ميونيخ إلى العاصمة برلين، لحضور مهرجان الفيلم العربي الذي يقام عادة في أبريل/نيسان من كل عام. وتقول لـ DW عربية: "أشعر أن بلادي تزورني عندما أشاهد عرض فيلم تونسي".

افتُتح مهرجان هذا العام في 23 أبريل/نيسان بفيلم "إلى أرض أخرى" للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، والذي عرض للمرة الأولى في برلين، وسط جمع غفير من الجمهور العربي والألماني وحضور دبلوماسي عربي أيضا.

وسلط المهرجان، هذا العام، الضوء على الماضي الاستعماري العالق في حاضر المنطقة. وتقول التونسية أميمة حمدي: "شعرت هذا العام بالتركيز علينا، فبحكم لهجتنا الصعبة لا نتمكن من الوصول بسهولة إلى الجمهور العربي..".

يقول إسكندر عبدالله، المدير الفني للمهرجان، لـ DW عربية: "هذا العام، فكرنا بعرض القضية بطريقة غير تقليدية تعتمد على الخيال التأملي، وليس السرد الكلاسيكي لحقبة الاستعمار والمقاومة".

وقد اختتم المهرجان فعاليته الأربعاء 30 أبريل/نيسان، ومن حسن حظ صنّاعه أن العديد من الأفلام المعاصرة خلال الثلاث سنوات الماضية تتناول الاستعمار عن طريق "الواقعية السحرية" والـ"ديستوبيا" (عالم الواقع المرير)، من خلال عكس نبض الواقع وليس رواية الماضي، بحسب عبدالله.

"فرصة جيدة للتعرف على الجزائر"

استحضر فيلم "العواصف الصامتة" (2024)، للمخرجة الفرنسية الجزائرية دانيا ريموند، بطريقة "الديستوبيا" مآسي الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والحرب الأهلية بالجزائر (1991-2002). إذ يحقق الصحفي ناصر (ويؤدي دوره الممثل خالد بن عيسى) في ظاهرة غامضة أدت إلى عاصفة عاتية على منطقة ريفية نائية بالجزائر. وأثناء ذلك، تظهر فجأة زوجته فاغار (كاميليا جوردانا)، التي قُتلت منذ فترة طويلة. لتعود معها أشباح ماضٍ قاسٍ لمطاردة ناصر، تمامًا كما تطارد بلاده.

وتجسد المخرجة الفرنسية الجزائرية من خلال الفيلم، الأبعاد السياسية والبيئة التي تركها الاستعمار في منطقة المغرب العربي عموما. وتتساءل: هل يُمكن للحاضر أن يتصالح مع الماضي؟ هل يُمكن للأحياء أن يحتملوا حياةً تُطاردهم فيها أشباح العائدين/ات من الموت؟

لكن رسالة الفيلم لم تصل للجمهور بسهولة، خاصة الأجنبي. تقول غيكا ديمندت، (ألمانية)، "كنت أقول في نفسي إن الفيلم ربما يتناول الكثير من الاستعارات التي لا أفهمها. لكن من ناحية الجودة، استمتعت به لأنه يحتوي على صور جميلة"، وتضيف: "لا نسمع الكثير عن الجزائر. إنها فرصة جيدة للتعرف على القليل منها".

لكن الندوة التي أعقبت الفيلم، مع الباحثة الجزائرية في العلوم السياسية، نوال بلخضر، منحت الجمهور فرصة التعرف أكثر على خلفيات الفيلم. تقول الإيطالية صوفيا (اسم مستعار): "لم أكن على وعي كبير بالوضع في الجزائر وتاريخها، وما أعجبني هو إسقاط أزمة شخصية في الفيلم على أزمة دولة بأكملها".

وتقول الباحثة الجزائرية بلخضر لـ DW عربية: "لقد أظهر الفيلم حقًا مدى صدمة الشعب بعد الحرب الأهلية التي استمرت لعشر سنوات، ولكنه افتقر بالطبع لمناقشة مشاكل أخرى جوهرية في المجتمع الجزائري، مثل البطالة والعدالة والظلم".

الفيلم المغربي أنيماليا

على غرار "العواصف الصامتة"، جاء الفيلم المغربي "أنيماليا" (2023)، وهو أول فيلم روائي طويل للمخرجة الفرنسية المغربية صوفيا علوي، ومدته ساعة ونصف، وكتبته صوفيا علوي أيضا ومن إنتاج فرنسي مغربي قطري مشترك .

أنيماليا من نوع أفلام الخيال العلمي ويحكي قصة إيتو (التي تقوم بدورها أميمة باريد)، وهي امرأة أمازيغية من أسرة متواضعة تزوجت من أمين، ابن العائلة الثرية. عندما كانت حاملا في الشهر الثامن، تُجبر على رحلة فضائية في المغرب على جبال الأطلس، بعد أن وجدت نفسها منعزلة عن العائلة الثرية للغاية التي تزوجت من ابنها.

الفيلم التونسي أغورا

وعلى ذات المنوال، يتناول فيلم "أغورا" للمخرج علاء الدين سليم (2024)، واقع تونس العالق بين ماض استعماري ومستقبل بائس. وهو فيلم بوليسي تدور أحداثه في مستقبل قريب، بائس لكنه مألوف، حيث تسببت عودة ثلاثة أشخاص من الموت، في ظروف غامضة، في اضطراب بلدة تونسية نائية.

تقول أميمة حمدي: "هذه الأفلام تجعلنا نشعر أننا موجودون، لكنها تظهر كم لا نزال نعاني من آثار الاستعمار ، حيث طمست هويتنا، وطغت عليها الثقافة الفرنسية ولغتها".

ويقول إسكندر عبدالله: "هدفنا تحويل السينما إلى أداة لمناقشة القضايا والموضوعات التي تتناولها، لهذا نوجه الدعوة للمخرجين والباحثين للإجابة عن أسئلة الجمهور".

"كسر الصور النمطية عن المجتمعات العربية"

ورغم ذلك، لم يغفل المهرجان الأفلام الكلاسيكية التي تناقش الاستعمار، مثل الفيلم الجزائري "وقائع سنين الجمر" الذي أنتج عام 1970، ويجسد ملحمة مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر.

"فوجئت بالإقبال الكبير على مشاهدته، على الرغم من أن السينما العربية الكلاسيكية عادة لا تجد إقبالا"، يقول عبدالله، ويضيف: "هدفنا أن نتفاعل مع طلبات جمهور المهرجان، ونشعر بما يشغلهم وهمومهم، ونذكرهم بتاريخ بلادهم فيما يخص الجمهور العربي، وفي الوقت نفسه، نكسر الصور النمطية عن المجتمعات العربية".

فيلم جزائري يسرد حياة فرانز فانون

تضمن المهرجان أيضا، بعض الأفلام الوثائقية الطويلة، مثل فيلم "وقائع حقيقية لمستشفى بليدة جوانفيل للأمراض النفسية في القرن الماضي، عندما كان الدكتور فرانز فانون رئيسًا للجناح الخامس بين عامي 1953 و1956" من انتاج عام 2023. الفيلم، صاحب الاسم الطويل على غير العادة، هو سيرة تخيلية لعالم النفس والناشط الشهير ضد الاستعمار والعنصرية فرانز فانون (1925-1961). ركز المخرج الجزائري عبد النور زحزاح على الوقت الذي قضاه فانون كطبيب نفسي في مدينة البليدة بالجزائر.

ويقول إسكندر: "كان ملفتا أن هناك شخصا من العالم العربي يسرد حياة فانون، وهو صاحب كتاب المقهورين في الأرض، ومن أهم الشخصيات التي أظهرت عنصرية الرجل الأبيض".

في عام 2009، أسسّ الفلسطيني فادي عبدالنور واللبناني عصام حداد، منصة صغيرة بهدف تعريف الجمهور الألماني أكثر على السينما العربية وتنوعها الثقافي. قبل أن تتحول بمرور السنوات إلى مهرجان يجذب المهتمين بالفن والسينما العربية كل عام.

فيلم "إخفاء صّدام"

كانت بقايا الاستعمار في غرب آسيا، حاضرة أيضا مثل الفيلم الوثائقي "إخفاء صدّام حسين 2023" للمخرج العراقي هلكوت مصطفى، الذي يروي قصة مطاردة الديكتاتور العراقي السابق، صدام حسين عقب غزو الأمريكي في 2003، كاشفًا عن السياسات الجديدة للمحتل، التي مزّقت النسيج الاجتماعي في العراق على مدى عقود. اختار مصطفى، المزارع المتواضع علاء نامق ليحكي عن رحلة إخفائه لصدام في مزرعته بمدينة الدور بجوار نهر دجلة على مدار عدة أشهر.

تمكن الفلاح البسيط نامق، بلهجته العراقية البدوية وأسلوبه البسيط من نقل وقائع 236 يوما عاشها مع رجل وجد نفسه مختبئا في مزرعته أحيانا وفي سفح الجبل أحيانا، بعد أن كان يعيش في قصر مليء بالبذخ.

بدا نامق، طوال الفيلم مشتتا بين قلقه على عائلته التي أخفى عنها أنه يخبئ صدام، وبين حفاظه على "تقاليده البدوية" التي ترفض تسليم من لجأ إليه طالبا الحماية حتى لو عُرضت عليه مكافأة 25 مليون دولار -لمن يدلي معلومات عن الرئيس المختبئ. ورغم ذلك، بدا نامق وفيا حتى اللحظة الأخيرة لتقاليده رغم تعذيبه للإدلاء عن مكان مخبأ صدام.

يقول ألفرد (تركي): "لا يمكنني أن أقول جيد أم سيء، ولكنها ليست عميقة بما يكفي.. كنت أود أن أعرف تفاصيل ما حدث بين صدام حسين وحارسه محمد إبراهيم، مساعده في المزرعة، والمحادثات والخطط بينهما حول مقاومة الغزو الأمريكي، لا اعتقد أن الفيلم يحاول أن يقدمه كرجل بريء أو ديكتاتور ولكن قصة الفلاح المجردة، وهذا رائع".

وأظهر الفيلم، أن إبراهيم، رجله الموثوق، هو من دلّ الأمريكان على مكان مخبأ صدام، بعد أيام قليلة من شجارهما داخل المزرعة.

بينما قالت الأردنية ليلى (اسم مستعار): "تمنيت لو سأل الفلاح صدام عن وجهة نظره إذا ما عاد إلى الحكم من جديد.. ماذا كان سيفعل حينها؟"

يختتم المهرجان أعماله الأربعاء بعد تقديمه على مدار أسبوع باقة سينمائية ثرية من العديد من الدول العربية، بمثابة مرآة لما تمر به المنطقة من حروب وظروف مضطربة وعنف مدمر وموجات نزوح متواصلة، وانعدام استقرار.

ويقول إسكندر عبد الله: "جمهور المهرجان ينمو عاما بعد عام، حتى أصبح أكثر من الإمكانيات التي لدينا، على صعيد قاعات الحجز والفريق صغير". ويضيف: "في الفترة الأخيرة، هناك ألمان كثير يقبلون على المهرجان، ربما بسبب شعورهم بعدم الثقة في الإعلام الألماني في تناوله لقضايا الشرق الأوسط، أو اقتصار الاهتمام على زوايا وموضوعات محددة مثل قضايا المرأة و الحجاب والقمع".

ورغم ذلك، يخشى القائمون على المهرجان من عدم استمراره: "الخوف أكبر تحدٍ نواجهه، ليس نحن فقط، بل المؤسسات الثقافية التي تتعامل معنا، وهذا شيء كارثي في دولة ديمقراطية"، يقول عبدالله، مشيرا إلى أزمة التمويل التي يعاني منها القطاع الثقافي بألمانيا في أعقاب حرب غزة.

أما الباحثة الجزائرية بلخضر فتؤكد أهمية هكذا مهرجان وتقول: "أعتقد حقًا أن هذا النوع من المهرجانات مهم جدًا لإظهار أننا ما زلنا نعاني، ولكننا أيضًا نناضل ونحب الشعر والفنون والأفلام".

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة