أمل بين الأنقاض... مبادرات لترميم المدارس في سوريا

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 15 ساعة
أمل بين الأنقاض... مبادرات لترميم المدارس في سوريا

على أنقاض مدرستها التي كانت تعج بالحياة تجلس الطفلة سناء الرمضان (12 عاماً) من مدينة سراقب في محافظة إدلب السورية، وهي تحمل حقيبة كتبها، يحيط بها الركام من كل جانب، تحمل في قلبها حلماً، لا تدري إن كان سيصبح واقعاً في يوم من الأيام.

نزحت الطفلة سناء مع أسرتها بداية عام 2020 قاصدين مخيمات النزوح بريف إدلب الشمالي، لتنتهي رحلة نزوحهم بالعودة إلى مدينتهم بعد إسقاط نظام الأسد نهاية عام 2024.

وتقول سناء لـ DW عربية: "بعد نزوحنا التحقت بمدرسة بعيدة عن المخيم الذي كنت أسكن فيه حوالي 2 كيلومتراً، وكنت مصرة على ارتيادها رغم المشقة الكبيرة في الوصول إليها، وبعد عودتنا آمل أن تعود المدارس لأتابع تعليمي في مدينتي، وأحصل على شهادة أحلم بها دائماً بأن أصبح معلمة للأطفال".

دفع قطاع التعليم في سوريا ثمن سنوات الحرب والدمار، حيث أدى القصف إلى خروج عشرات المدارس عن الخدمة، فيما تسعى الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية إلى جانب مبادرات تطوعية أهلية لإعادة ترميم ما يمكن، وسط احتياجات كبيرة تفوق الإمكانيات المتاحة.

الأضرار كبيرة

"بلغ عدد المدارس المدمرة بشكل كلي أو جزئي في سوريا ما يقارب 7400 مدرسة، فيما بلغ عدد المدارس التي تم ترميمها 156 مدرسة"، يقول المهندس محمد حنون مدير الأبنية المدرسية في وزارة التربية والتعليم, ويضيف لـ DW عربية: "نعمل على الترميم في كل المناطق السورية وتجهيز مدرسة على الأقل في كل قرية أو مدينة لاستقبال الطلبة العائدين، علماً أن الجهات التي تساهم في عمليات الترميم هي وزارة التربية والتعليم والمنظمات المحلية والدولية والمجتمع الأهلي".

ويلفت النظر إلى أن الدمار الكبير الذي لحق بالأبنية المدرسية وأدى لخروجها عن الخدمة له تأثيرات سلبية على المعلمين والطلبة على حد سواء، تتمحور في نقص المقومات التعليمية الأساسية لاستمرار التعليم، كما يشكل ضغطاً طلابياً على المدارس المؤهلة للتدريس، وتسرب عدد كبير من الطلاب من المدارس، ما يؤثر على مستوى سير العملية التعليمية .

وفي إطار الخطط البديلة، أوضح حنون أنّ الوزارة تعتزم، بالتعاون مع الجهات الفاعلة، تفعيل المدارس وفق الإمكانيات المتاحة لاستيعاب الأطفال العائدين من المخيمات ومن بلدان اللجوء، وخاصةً في المناطق المتضررة والتي شهدت لجوء ونزوح كثيف لسكانيها.

2.3 مليون طفل في سوريا خارج النظام الدراسي

دمار المدارس وتراجع مستوى التعليم أدى إلى ارتفاع نسب التسرب من المدارس في سوريا، وخاصة في المناطق الريفية والمهمشة، بحسب عدنان معمار (41 عاماً)، وهو مدير مدرسة في مدينة معرة النعمان. وتابع حديثه عن ضرورة ترميم المدارس بالقول: "المدارس هي حجر الأساس لأي نهضة وتطور مجتمعي، لكن مدارس سوريا لم تسلم من التدمير والنهب والتخريب، ما ترك ملايين الأطفال خارج مقاعد الدراسة، أو داخل أبنية غير صالحة للتعليم. واليوم، ومع كل التحديات يبقى ترميم المدارس حاجة ملحة وضرورة عاجلة لا تقبل التأجيل لبناء سوريا الجديدة".

ويشير المدير إلى أن قطاع التعليم في سوريا عانى من تدهور مستمر خلال سنوات الحرب نتيجة لإهمال النظام السابق الذي ترك البنية التحتية التعليمية في حالة يُرثى لها، مع مبانٍ متهالكة تفتقر إلى أدنى مقومات البيئة الدراسية السليمة، ناهيك عن نقص التجهيزات الأساسية مثل المقاعد والكتب والوسائل التعليمية، على حد تعبيره.

ويؤكد أن حالات تسرّب التلاميذ من المدارس ازدادت خلال السنوات السابقة على نحوٍ كبير، لا سيّما في الشمال السوري، بسبب النزوح المتكرر والأوضاع المادية المتردية والدمار الكبير في المدارس والمرافق التعليمية وخروجها عن الخدمة، ما يشكل خطراً على مستقبل أجيال من التلاميذ". ويناشد التربوي عدنان معمار: "بعد 14 عاماً من التهجير والنزوح، علينا أن نتكاتف جميعاً لتوظيف إمكانياتنا المتاحة في تحسين الخدمات والبنى التحتية، وهذا واجب على الجميع دون استثناء، لضمان جاهزية المدارس لاستقبال الطلاب بما يتناسب مع متطلبات العام الدراسي المقبل".

وأشار فريق منسقو استجابة سوريا أواخر عام 2024 أن 2.3 مليون طفل في سوريا يعاني من التسرب المدرسي، بينهم أكثر من 386 ألف طفل في شمال غربي سوريا، أبرزهم تسرب من التعليم نتيجة عوامل مختلفة منها عمالة الأطفال نتيجة ارتفاع التكلفة المعيشية، وعدم قدرة الأهالي على تأمين تكلفة الطفل التعليمية، وبعد المنشآت التعليمية عن مناطق السكن وغيرها من الأسباب.

المجتمع المحلي يتحرك

ومع عودة نسبية للاستقرار في بعض المناطق انطلقت أيضاً مبادرات أهلية، وخصوصاً في الأرياف والمدن التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب، بهدف تحسين الواقع التعليمي . عائشة الضاهر (35 عاماً) معلمة من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي أكدت أن الكادر التعليمي بالتعاون مع الأهالي قاموا بتنظيف المدرسة التي تعمل بها، وإعادة تأهيلها.

وعن ذلك تحدثت بالقول: "عند بدء عودة الأهالي إلى مدينة كفرنبل كانت المدرسة مهدمة بشكل جزئي، بسبب قصف بري وجوي سابق لقوات النظام السوري والمقاتلات الروسية، كما كانت الجدران متهالكة، مع غياب النوافذ والأبواب، لذا تواصلنا مع أهالي المدينة، الذين تفاعلوا وشاركوا معنا بمعنويات عالية ونشاط كبير، ولم يتأخروا في تقديم المساعدة بترميم المدرسة من خلال تبرعهم بالجهد والمال والموارد، بالإضافة إلى المساهمة في إزالة الأنقاض وتنظيف المدرسة وتجهيزها لاستقبال الطلاب".

وتابعت عائشة الضاهر: "الكثير من الأسر النازحة تأخروا في العودة إلى منازلهم، بسبب انعدام وجود خدمة التعليم في بعض المناطق، ويظهر ذلك ضرورة العمل لإعادة بناء المدارس المدمّرة ." مؤكدة أهمية التواصل مع المنظمات الدولية وجهات أخرى لتسخير كافة الجهود لإعادة بناء المدارس، والسماح بإكمال الطلاب تعليمهم . وأردفت بالقول: "لا تزال التحديات قائمة؛ إذ تعاني المدرسة من نقص في الأثاث والمستلزمات الأساسية والكتب، ما يؤثر سلباً على بيئة التعلم، ويجعل العودة إلى التعليم تجربة شاقة للطلاب، فضلاً عن عدم وجود مدارس إعدادية وثانوية في بعض القرى، الأمر الذي يتطلب استخدام وسائل نقل، ويزيد من الأعباء المالية على الأسر".

وأكدت عائشة الضاهر على ضرورة افتتاح مدرسة في كل قرية أو بلدة حتى تكون الركيزة الأساسية لعودة أبنائها إليها: "كثير ممن عادوا يتعطلون عن عملهم من أجل نقل أطفالهم إلى مدارس بعيدة، وهذا يسبب متاعب كثيرة للأطفال وأهلهم". وأشارت عائشة الضاهر أنه "رغم أهمية هذه الجهود المحلية في دولة مدمرة، إلا أنها لا تغني عن مشاريع إعادة الإعمار بجهود حكومية ودولية".

أدى القصف الذي شنه النظام السابق إلى تدمير العديد من المدارس، كما حوّل بعضها إلى ثكنات عسكرية، مما عمّق الفجوة التعليمية بين الأجيال، وحرم آلاف الطلاب من حقهم في التعلم، وبعد إسقاط النظام تلتقي جهود الأهالي مع تحركات من وزارة التربية لإعادة المدارس إلى الخدمة، وإعادة ترميمها، حتى تكون قادرة على استقبال الطلاب واستئناف عملها من جديد.

تحرير: خالد سلامة

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة